المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ صلى العشاء في جماعة والفجر مع الجماعة، هل يكتب له قيام الليل كله - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٦١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

- ‌النذر والذبح للولي

- ‌حكم دعاء غير الله

- ‌دعوة الجن

- ‌حكم الغلو في القبور والآثار

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌ليلة القدر هي أفضل الليالي

- ‌ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان

- ‌علامة ليلة القدر

- ‌قد ترى ليلة القدر بالعين

- ‌تعريف الاعتكافوبيان المقصود منه

- ‌حكم الاعتكافوما يجب على المعتكف التزامه

- ‌محل الاعتكاف ووقته وحكم قطعه

- ‌ الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

- ‌حكم خروج المعتكفمن معتكفه للإتيان بعمرة

- ‌الذنوب تتضاعف فيالزمان والمكان الفاضل كيفا لا كما

- ‌مضاعفة الأعمال الصالحة بمكة

- ‌حكم التفرغ للعبادة في رمضان

- ‌ الدعاء في السجود بأمور الدنيا

- ‌ وضع المكياج بعد الوضوء

- ‌ صلى العشاء في جماعة والفجر مع الجماعة، هل يكتب له قيام الليل كله

- ‌ ينام بعض الناس في المسجد وهم يسبحون بالمسابح فهل يجب عليه إعادة الوضوء قبل الصلاة

- ‌ حكم من مس ذكره أثناء التنشيف بعد اغتساله

- ‌ نقض وضوء من مس ذكره

- ‌ لمس العورة أو حكها حتى ولو فوق الملابس ولو لم تتحرك شهوته هل ينقض الوضوء

- ‌ لمس المتوضئ يد زوجته فهل ينتقض وضوءه

- ‌ هل ينتقض الوضوء بملامسة أو (مصافحة) المرأة الأجنبية

- ‌ هل يفسد الوضوء بمجرد النظر إلى النساء والرجال العراة

- ‌ الوضوء من أكل لحم الجزور

- ‌ لحم الجزور، هل هو من نواقض الوضوء أم لا

- ‌رسالة في القرآن وكلام الله

- ‌ترجمة المؤلف:

- ‌التعريف بالرسالة:

- ‌نماذج من صور المخطوطة

- ‌النص محققا

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: رفعة قدره عليه الصلاة والسلام عند ربه عز وجل:

- ‌المبحث الثاني: النداء في القرآن الكريم:

- ‌الفصل الأول: أساليب نداء الله عز وجل نبيه عليه الصلاة والسلام:

- ‌المبحث الأول: النداء بصفة الرسالة:

- ‌المبحث الثاني: النداء بصفة النبوة:

- ‌المبحث الثالث: النداء بصفات أخرى:

- ‌المبحث الرابع: ما قيل: إنه نداء للنبي صلى الله عليه وسلم وهو ليس كذلك:

- ‌الفصل الثاني: ما يعقب نداءه عليه الصلاة والسلام والمعاني التي تضمنها:

- ‌المبحث الأول: ما يعقب النداء في القرآن الكريم:

- ‌المبحث الثاني: ما يعقب نداءه عليه الصلاة والسلام في القرآن:

- ‌المبحث الثالث: المعاني التي تضمنها نداؤه صلى الله عليه وسلم:

- ‌الفصل الثالث: خصائص نداء النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن:

- ‌المبحث الأول: نداؤه عليه الصلاة والسلام بالوصف لا باسمه العلم:

- ‌المبحث الثالث: الفرق بين ندائه عليه الصلاة والسلام والإخبار عنه:

- ‌الخاتمة:

- ‌تنفيذ العقوبة التعزيرية في الفقه

- ‌المقصود بتنفيذ العقوبة التعزيرية في الفقه:

- ‌القواعد العامة لتنفيذ العقوبة التعزيرية:

- ‌ عمومية التعزير:

- ‌ من يقيم التعزير:

- ‌ علانية التعزير:

- ‌ مكان التعزير:

- ‌كيفية تنفيذ العقوبات التعزيرية في الفقه:

- ‌ تنفيذ عقوبة الجلد:

- ‌ آلة الجلد:

- ‌ جلد الرجل:

- ‌ هل يجلد الرجل قائما أو قاعدا

- ‌ صفة المجلود عند جلده:

- ‌ جلد المرأة:

- ‌ تجريد المرأة من ثيابها:

- ‌ هيئة المرأة عند الجلد:

- ‌ من يتولى جلد المرأة:

- ‌ صفة الجلد:

- ‌ موضع الضرب من الجسم:

- ‌صفة مسك السوط:

- ‌ أقل الجلد:

- ‌ أشد الضرب:

- ‌ وقت إقامة الجلد:

- ‌ تنفيذ عقوبة السجن:

- ‌ مكان السجن:

- ‌ صفة السجن:

- ‌ مدة السجن:

- ‌ حالات خروج السجين:

- ‌ ما يمنع المحبوس عنه:

- ‌ عزل الرجال عن النساء:

- ‌ تنفيذ عقوبة القتل:

- ‌ تنفيذ عقوبة النفي:

- ‌ المقصود بعقوبة النفي:

- ‌ 2 - مشروعية النفي:

- ‌ 3 - الحكمة من عقوبة النفي:

- ‌ مدة النفي:

- ‌ تنفيذ عقوبة الصلب:

- ‌ كيفية الصلب:

- ‌ ما لا يمنع عن المصلوب:

- ‌ مدة الصلب:

- ‌سقوط العقوبة التعزيرية وأسبابه في الفقه:

- ‌ العفو:

- ‌ التوبة:

- ‌ الموت:

- ‌دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهابفي دائرة المعارف الإسلامية

- ‌تمهيد: تعريف بدائرة المعارف الإسلامية:

- ‌الطعن في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب:

- ‌ نظرة عامة لما في الدائرة:

- ‌ عدم وجود الأدلة على ما زعموا:

- ‌ علماء الدعوة وتكفير المسلمين:

- ‌ وصف أتباع محمد بن عبد الوهاب بالمشبهة:

- ‌ اتهامهم بإنكار الإجماع والقياس:

- ‌ اتهامهم بالتطرف والتشدد والتزمت:

- ‌ فيما يتعلق بالقبور:

- ‌ الرد على وصفهم بالقرصنة:

- ‌ فيما يتعلق بتجارة الرقيق:

- ‌ فيما يتعلق بالتقليد:

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ صلى العشاء في جماعة والفجر مع الجماعة، هل يكتب له قيام الليل كله

علمنا أن الإمام أحمد وهو من أئمة الحديث قد سئل عن حديث ثوبان هل ثبت عندك؟ فقال: نعم.

أما ما ذكر السائل في سؤاله فإنه يظهر أن القيء الذي يخرج منه قليل وعلى هذا فلا ينقض وضوءه. وحد الكثير هو ما فحش في النفس، وقال بعضهم: ينبغي أن يقال: ما فحش في نفس أوساط الناس لا الموسوسين ولا المبتذلين وهذا الحد جيد. والله أعلم.

ص: 91

س: من‌

‌ صلى العشاء في جماعة والفجر مع الجماعة، هل يكتب له قيام الليل كله

؟ جزاكم الله خيرا.

ج: عن عبد الرحمن بن أبي عمرة قال: دخل عثمان بن عفان المسجد بعد صلاة المغرب، فقعد وحده فقعدت إليه،. فقال: يا ابن أخي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله (1)» أخرجه مسلم، وأخرجه أبو داود أيضا، وقال في آخره:«ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان كقيام ليلة (2)» . وبنحوه أيضا أخرجه الترمذي.

وهذا الحديث يبين فيه النبي صلى الله عليه وسلم فضل صلاة العشاء والفجر في جماعة وأنها تعدل قيام الليل في فضلها، لما يحصل من العبد فيها وفي تحريها من مجاهدة لنفسه ومغالبة للنوم فيظهر بذلك شدة حرصه على الطاعة، وهذين الفرضين،

(1) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (656)، سنن الترمذي الصلاة (221)، سنن أبو داود الصلاة (555)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 58)، موطأ مالك النداء للصلاة (297)، سنن الدارمي الصلاة (1224).

(2)

صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (656)، سنن الترمذي الصلاة (221)، سنن أبو داود الصلاة (555)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 68)، موطأ مالك النداء للصلاة (297)، سنن الدارمي الصلاة (1196).

ص: 91

العشاء والفجر. يأتيان في وقت الراحة والدعة فالعشاء يأتي بعد عناء النهار بالعمل والكد، والفجر يأتي بعد أن ينام العبد ويستغرق في نومه، وهذا كله يجعل هاتين الصلاتين من أثقل الصلوات على المنافقين، لعدم حرصهم على الطاعة وإنما صلواتهم لمراءاة الناس.

ولهذا أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار (1)» .

وأخرج مسلم في صحيحه عن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه، ثم يكبه على وجه في نار جهنم (2)» .

وفي هذا الحديث ترغيب في صلاة الفجر، وأن من صلاها فهو في ذمة الله، وتحذير من التخلف عنها.

ويحسن هنا أن أنبه على أمر، ألا وهو أن حديث عثمان المتقدم وإن كان فيه بيان الفضل العظيم والأجر الجزيل لمن أدى صلاة العشاء والفجر في جماعة، لكن ينبغي للمسلم ألا يحط ذلك على التهاون بقيام الليل فإنها دأب الصالحين. والله قد

(1) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (651).

(2)

صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (657)، سنن الترمذي الصلاة (222)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 313).

ص: 92

ذكرها وجعلها من أهم خصال المؤمنين الذين فازوا بالجنان، ونالوا من ربهم الرضوان فقال سبحانه:{كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} (1){وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (2).

وفي آخر آية من سورة المزمل حث على قيام الليل، وكان الخطاب موجها للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم أكمل الخلق وأحرصهم على صلاة الفرائض جماعة؛ فالمسلم ينبغي له الاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فإن عائشة رضي الله عنها أخبرت عنه صلى الله عليه وسلم أنه ربما قام الليل حتى تتفطر قدماه، وأيضا ينبغي للمسلم أن يكون مسابقا بالخيرات، منافسا في ميادين الطاعات والصالحات لأنها هي التي تقربه من رضوان الله وجنانه والله سبحانه يقول:{لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} (3) ويقول سبحانه: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} (4)، ولا ينبغي للمؤمن أن يحرم نفسه الأجر والمغنم للذة نوم أو غفلة ساعة، فإن الدنيا مزرعة للمؤمن ينوع فيها الطاعات والقرب فيجني ثمارها أوفر ما كانت وأحسنها يوم، القيامة.

جعلنا الله وإياكم من أهل الله وخاصته، المتنافسين في طاعته المجتنبين لمعصيته.

(1) سورة الذاريات الآية 17

(2)

سورة الذاريات الآية 18

(3)

سورة الصافات الآية 61

(4)

سورة المطففين الآية 26

ص: 93

س: سمعت أن من يصلي بثوب طويل لا تقبل صلاته سواء كان عن كبر وخيلاء، وعادة من هذا طبعه، وإذا صليت بثوب قصير إلى حد الكعبين، وبعد الصلاة ألبس ثوبا عاديا تحت القدمين في المناسبات وغيرها، هل يجوز ذلك؟ أم لا بد من لبس الثوب القصير بجميع أحوال الشخص؟

ج: إسبال الثياب محرم؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة (1)» رواه الجماعة.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الإسبال في الإزار والقميص والعمامة، من جر شيئا خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة (2)» رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه.

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطرا (3)» .

ولأحمد والبخاري «ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار (4)» .

والواجب على المسلم أن يبتعد عن أسباب غضب الله وسخطه، وإذا كان الإسبال للثوب أو القميص أو الإزار أو السراويل لكبر في نفس المسبل فهذا أشد إثما وأعظم خطرا فإن الله لا يحب من هذا وصفه، وهو داخل في عموم قوله تعالى:

(1) صحيح البخاري المناقب (3665)، صحيح مسلم اللباس والزينة (2085)، سنن الترمذي اللباس (1731)، سنن النسائي الزينة (5335)، سنن أبو داود اللباس (4085)، سنن ابن ماجه اللباس (3569)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 67)، موطأ مالك الجامع (1696).

(2)

صحيح البخاري اللباس (5784)، صحيح مسلم اللباس والزينة (2085)، سنن الترمذي اللباس (1731)، سنن النسائي الزينة (5335)، سنن أبو داود اللباس (4085)، سنن ابن ماجه اللباس (3576)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 147)، موطأ مالك الجامع (1696).

(3)

صحيح البخاري اللباس (5788)، صحيح مسلم اللباس والزينة (2087)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 409)، موطأ مالك الجامع (1698).

(4)

صحيح البخاري اللباس (5787)، سنن النسائي الزينة (5331)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 461).

ص: 94

{وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (1) وقوله سبحانه: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} (2){كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} (3).

والواجب على المسلم أن يكون لباسه فوق كعبيه، ويستحب له أن يبلغ به أنصاف ساقيه، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«إزرة المؤمن إلى أنصاف الساقين، لا جناح- أو لا حرج- عليه - فيما بينه وبين الكعبين، ما كان أسفل من ذلك فهو في النار، لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطرا (4)» . أخرجه الإمام أحمد، بسند صحيح.

وفي صحيح مسلم، وغيره عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:«مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إزاري استرخاء فقال: يا عبد الله ارفع إزارك، فرفعته، ثم قال: أزد فزدت، فما زلت أتحراها بعد، فقال بعض القوم إلى أين، فقال: أنصاف الساقين (5)» .

وهذا هو اللباس الشرعي للرجل المسلم في كل أحيانه ليس في الصلاة وحدها، ولا يشرع له أن يجعل ثوبا لصلاته وثوبا لسائر أحواله، ثم إن ما ذكره في سؤاله من قوله: وبعد الصلاة

(1) سورة لقمان الآية 18

(2)

سورة الإسراء الآية 37

(3)

سورة الإسراء الآية 38

(4)

سنن أبو داود اللباس (4093)، سنن ابن ماجه اللباس (3573)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 5)، موطأ مالك الجامع (1699).

(5)

صحيح مسلم اللباس والزينة (2086).

ص: 95

ألبس ثوبا عاديا تحت القدمين، فإن هذا كلام لا يستقيم، ولا ينبغي أن يصدر من المسلم فالثوب المعتاد الشرعي هو ما بيناه سابقا ويكون ما بين نصف الساق إلى ما فوق الكعب، أما ما نزل عن ذلك فهو ثوب محرم لبسه، مخالف للشرع.

ثم إن الصحيح أن صلاة من كان على هذه الحالة صحيحة مع كونه آثم فيما فعل متعد لحدود الله، يجب عليه التوبة من فعله هذا، والمؤمن ينبغي له أن يكون أحرص ما يكون على صلاته وسائر الطاعات، والبعد عن كل ما ينقص ثوابها فإن الله بمنه وفضله قد شرع لنا من نوافل العبادات ما هو من جنس الفرائض لنكمل بها النقص والخلل في العبادة. وحثنا سبحانه على استباق الخيرات والتنافس في الطاعات واجتناب المحرمات، لذا ينبغي للمسلم أن يحرص على تكميل نفسه بالعمل الصالح، والبعد عن المحرمات، والتنزه عن المكروهات. حتى يكون من عباد الله الصالحين وأوليائه المتقين الذين أثنى الله عليهم وبين فضلهم فقال سبحانه:{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (1).

وفقنا الله وإياكم لعمل الصالحات والبعد عن المحرمات.

(1) سورة يونس الآية 62

ص: 96

س: امرأة تسأل وتقول بدأ نزول الحيض عندي في شهر رمضان ولم أفطر فما الحكم في ذلك؟

ج: المرأة إذا نزل عليها دم الحيض وجب عليها ترك

ص: 96

الصلاة والصيام، بل وحرم عليها فعلهما إجماعا؛ ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي سعيد الخدري في صلاة العيد: لما خطب الناس فكان مما قال: «ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل من إحداكن، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان دينها (1)» أخرجه البخاري.

وفي الصحيحين من حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها «أن فاطمة بنت حبيش جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله إني امرأة استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال: لا، إنما ذلك عرق وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة. وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي (2)» .

والحائض إذا طهرت وجب عليها قضاء الصيام إن كان من رمضان، ولم يشرع لها قضاء الصلاة؛ دليل ذلك حديث معاذة قالت:«سألت عائشة رضي الله عنها فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟ قلت: لست بحرورية. ولكني أسأل؟ قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة (3)» أخرجاه في الصحيحين.

وبناء على ما تقدم فإن السائلة قد أخطأت بصومها أياما من

(1) صحيح البخاري الحيض (304)، صحيح مسلم الإيمان (80).

(2)

صحيح البخاري الوضوء (228)، صحيح مسلم الحيض (333)، سنن الترمذي الطهارة (125)، سنن النسائي الحيض والاستحاضة (359)، سنن أبو داود الطهارة (282)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (624)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 204)، موطأ مالك كتاب الطهارة (137)، سنن الدارمي الطهارة (774).

(3)

صحيح البخاري الحيض (321)، صحيح مسلم الحيض (335)، سنن الترمذي الطهارة (130)، سنن النسائي الصيام (2318)، سنن أبو داود الطهارة (262)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (631)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 232)، سنن الدارمي الطهارة (986).

ص: 97

رمضان وهي حائض فعليها التوبة إلى الله من ذلك الفعل وعليها أيضا قضاء تلك الأيام؛ لأن صيامها السابق غير معتبر شرعا.

ويحسن أن ننبه هنا أخواتنا المسلمات بأن الشارع الحكيم قد علق على حيض المرأة أحكاما يجب عليها أن تتعلمها وتدركها، منها: أنه علامة على البلوغ. ومنها: أنه يحرم وطؤها فيه. ومنها: أنه يحرم عليها فعل الصلاة والصيام فيه. ومنها: أنه يمنع اللبث في المسجد والطواف بالبيت. ومنها: أنه يمنع صحة الطهارة ما دام لم ينقطع. ومنها: أنه يوجب الغسل عند انقطاعه. وعلى المرأة المسلمة معرفة تلك الأحكام وطلبها بأدلتها لتعبد الله على بصيرة، وفق الله الجميع للفقه في دينه والعمل بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

ص: 98

فتوى برقم (21407)

وتاريخ 23/ 3 / 1421هـ

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من المستفتين؛ مجموعة من طلبة العلم، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (1359) وتاريخ 3/ 3 / 1421هـ. وقد سأل المستفتون سؤالا هذا نصه: (نرسل إلى سماحتكم سؤالنا المرفق راجين منكم - حفظكم الله - دراسته مع اللجنة الدائمة للإفتاء لإصدار فتوى عاجلة حوله للأمرين التاليين:

1 -

أننا في محافظة وادي الدواسر الآن نعيش موسم الحبحب.

2 -

كثرة المزارعين الذين يسألون عن هذا الموضوع المهم، خاصة المستقيمين منهم لحرصهم- جزاهم الله خيرا- على سلامة وبراءة ذممهم مما حرم الله.

يستخدم أصحاب مزارع الحبحب:

1 -

هرمونات غير مسموح بها زيادة في الإنتاج وحجم الثمرة

ص: 99

وتحسين النوعية، واستخدامها فيه ضرر على الإنسان، وغير مصرح به رسميا من قبل وزارة الزراعة والمياه.

2 -

كما يستخدمون مبيدات حشرية وفطرية ويكون لها فترة تحريم معينة تترواح بين أسبوع إلى ثلاثة أسابيع، يجب على المزارع الالتزام بها، ولكن بعض المزارعين لا يلتزمون بتلك الفترة فيقطفون الثمار في نفس اليوم أو في اليوم التالي لرش المبيدات.

- فما الحكم في استعمال هذه الهرمونات والمبيدات بالصفة المذكورة؟

- وما حكم المال المكتسب من وراء بيع هذه الثمار حسب ما ذكر؟

ونرجو توجيه نصيحة عامة للمزارعين حول هذه التصرفات وأمثالها.

وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بما يلي:

هذا عمل محرم؛ لأنه غش للمسلمين، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من غشنا فليس منا (1)» . وهذا العمل مضارة للمسلمين ومن ضار مسلما ضار الله به، وفاعله آثم وكسبه حرام وحري أن يعاقب فاعله لما عمله من الغش والإثم، ولا يجوز لمن علم هذه الحال في هذه الأنواع من المنتجات أن يسوقها ويروجها ويبيعها لما في ذلك من التعاون على الإثم والعداون والله تعالى يقول:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (2)

(1) صحيح مسلم الإيمان (101)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 417).

(2)

سورة المائدة الآية 2

ص: 100

فعلى المزارعين المذكورين وغيرهم من المسلمين أن يتقوا الله وأن يكونوا متعاونين على البر والتقوى مبتعدين عن أسباب الإثم والعدوان، متطلبين الكسب الحلال والرزق المستطاب، مجتنبين الكسب الحرام وألا يغتروا بزهرة الحياة الدنيا وجمع المال من أي طريق حلال أو حرام، فحلال قليل خير من حرام كثير، وعلى المسلمين تبليغ المسئولين عمن يفعل ذلك للأخذ على يده؛ لأن هذا من المنكر الذي يجب إنكاره، وعلى المسلمين التواصي بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبذل النصيحة لإخوانهم. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو

عضو

عضو

الرئيس

عبد الله بن عبد الرحمن الغديان

بكر بن عبد الله أبو زيد

صالح بن فوزان الفوزان

عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

ص: 101

فتوى برقم (21436) وتاريخ 8/ 4 / 1421هـ

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من عدد من المستفتين المقيدة استفتاءاتهم بالأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (5411) وتاريخ 7/ 11 / 1420هـ، ورقم (1016) وتاريخ 17/ 2 / 1421هـ، ورقم (1026) وتاريخ 17/ 2 / 1421هـ، ورقم (1395) وتاريخ 8/ 3 / 1421هـ، ورقم (1650) وتاريخ 17/ 3 / 1421هـ، ورقم (1893) وتاريخ 25/ 3 / 1421هـ، ورقم (2106) وتاريخ 7/ 4 / 1421هـ، وقد سأل المستفتون أسئلة كثيرة مضمونها: (ظهرت في الآونة الأخيرة فكرة الإرجاء بشكل مخيف، وانبرى لترويجها عدد كثير من الكتاب يعتمدون على نقولات مبتورة من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية مما سبب ارتباكا عند كثير من الناس في مسمى الإيمان، حيث يحاول هؤلاء الذين ينشرون هذه الفكرة أن يخرجوا العمل عن مسمى الإيمان، ويرون نجاة من ترك جميع الأعمال، وذلك مما يسهل على الناس الوقوع في المنكرات، وأمور الشرك، وأمور الردة إذا علموا أن الإيمان متحقق لهم ولو لم يؤدوا الواجبات، ويتجنبوا المحرمات، ولو لم يعملوا بشرائع الدين بناء

ص: 102

على هذا المذهب، ولا شك أن هذا المذهب له خطورته على المجتمعات الإسلامية وأمور العقيدة والعبادة، فالرجاء من سماحتكم بيان حقيقة هذا المذهب وآثاره السيئة وبيان الحق المبني على الكتاب والسنة، وتحقيق النقل عن شيخ الإسلام حتى يكون المسلم على بصيرة من دينه، وفقكم الله وسدد خطاكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بما يلي:

هذه المقالة المذكورة هي مقالة المرجئة الذين يخرجون الأعمال عن مسمى الإيمان، ويقولون: الإيمان هو التصديق بالقلب، أو التصديق بالقلب والنطق باللسان فقط، وأما الأعمال فإنها عندهم شرط كمال فيه فقط وليست منه، فمن صدق بقلبه ونطق بلسانه فهو مؤمن كامل الإيمان عندهم ولو فعل ما فعل من ترك الواجبات وفعل المحرمات، ويستحق دخول الجنة ولو لم يعمل خيرا قط. ولزم على ذلك الضلال لوازم باطلة منها حصر الكفر بكفر التكذيب والاستحلال القلبي، ولا شك أن هذا قول باطل وضلال مبين مخالف للكتاب والسنة وما عليه أهل السنة والجماعة سلفا وخلفا، وأن هذا يفتح بابا لأهل الشر والفساد للانحلال من الدين وعدم التقيد بالأوامر والنواهي والخوف والخشية من الله سبحانه، ويعطل جانب الجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويسوي بين الصالح والطالح، والمطيع والعاصي، والمستقيم على دين الله والفاسق المتحلل من أوامر الدين ونواهيه، ما دام أن أعمالهم هذه لا تخل

ص: 103

بالإيمان كما يقولون، ولذلك اهتم أئمة الإسلام قديما وحديثا ببيان بطلان هذا المذهب والرد على أصحابه وجعلوا لهذه المسألة بابا خاصا في كتب العقائد، بل ألفوا فيها مؤلفات مستقلة كما فعل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره- قال شيخ الإسلام رحمه الله في العقيدة الواسطية:" ومن أصول أهل السنة والجماعة: أن الدين والإيمان قول وعمل. قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح، وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ". وقال في كتاب الإيمان: " ومن هذا الباب أقوال السلف وأئمة السنة في تفسير الإيمان. فتارة يقولون: هو قول وعمل، وتارة يقولون: هو قول وعمل ونية، وتارة يقولون: قول وعمل ونية واتباع السنة، وتارة يقولون: قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح " وكل هذا صحيح. وقال رحمه الله: " والسلف اشتد نكيرهم على المرجئة لما أخرجوا العمل من الإيمان، ولا ريب أن قولهم بتساوي إيمان الناس من أفحش الخطأ، بل لا يتساوى الناس في التصديق، ولا في الحب، ولا في الخشية، ولا في العلم؛ بل يتفاضلون من وجوه كثيرة ". وقال رحمه الله: " وقد عدلت المرجئة في هذا الأصل عن بيان الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان واعتمدوا على رأيهم وعلى ما تأولوه بفهمهم للغة وهذه طريقة أهل البدع " انتهى.

ومن الأدلة على أن الأعمال داخلة في حقيقة الإيمان وعلى زيادته ونقصانه بها، قوله تعالى:

ص: 104

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (1){الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (2){أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} (3)، وقوله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (4){الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (5){وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} (6){وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} (7){وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} (8){إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} (9){فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (10){وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} (11){وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} (12). وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان (13)» . قال شيخ الإسلام رحمه الله في كتاب (الإيمان) أيضا: " وأصل الإيمان في القلب، وهو قول القلب وعمله، وهو إقرار بالتصديق والحب والانقياد، وما كان في القلب فلا بد أن يظهر موجبه ومقتضاه على الجوارح. وإذا لم يعمل بموجبه ومقتضاه دل على عدمه أو ضعفه. ولهذا كانت الأعمال الظاهرة من موجب إيمان القلب ومقتضاه وهي تصديق لما في القلب ودليل عليه وشاهد له، وهي شعبة من الإيمان المطلق وبعض له ". وقال أيضا: " بل كل من تأمل ما تقوله الخوارج والمرجئة في معنى الإيمان علم بالاضطرار أنه مخالف للرسول. ويعلم بالاضطرار أن طاعة الله ورسوله من تمام الإيمان. وأنه لم يكن يجعل كل من أذنب ذنبا كافرا، ويعلم أنه

(1) سورة الأنفال الآية 2

(2)

سورة الأنفال الآية 3

(3)

سورة الأنفال الآية 4

(4)

سورة المؤمنون الآية 1

(5)

سورة المؤمنون الآية 2

(6)

سورة المؤمنون الآية 3

(7)

سورة المؤمنون الآية 4

(8)

سورة المؤمنون الآية 5

(9)

سورة المؤمنون الآية 6

(10)

سورة المؤمنون الآية 7

(11)

سورة المؤمنون الآية 8

(12)

سورة المؤمنون الآية 9

(13)

صحيح البخاري الإيمان (9)، صحيح مسلم الإيمان (35)، سنن الترمذي الإيمان (2614)، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5005)، سنن أبو داود السنة (4676)، سنن ابن ماجه المقدمة (57)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 414).

ص: 105

لو قدر أن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: نحن نؤمن بما جئتنا به بقلوبنا من غير شك ونقر بألسنتنا بالشهادتين، إلا أنا لا نطيعك في شيء مما أمرت به ونهيت عنه، فلا نصلي، ولا نصوم، ولا نحج، ولا نصدق الحديث، ولا نؤدي الأمانة، ولا نفي بالعهد، ولا نصل الرحم، ولا نفعل شيئا من الخير الذي أمرت به، ونشرب الخمر وننكح ذوات المحارم بالزنا الظاهر، ونقتل من قدرنا عليه من أصحابك وأمتك ونأخذ أموالهم. بل نقتلك أيضا ونقاتلك مع أعدائك. هل كان يتوهم عاقل أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لهم: أنتم مؤمنون كاملو الإيمان، وأنتم أهل شفاعتي يوم القيامة ويرجى لكم أن لا يدخل أحد منكم النار؟ بل كل مسلم يعلم بالاضطرار أنه يقول لهم: أنتم أكفر الناس بما جئت به ويضرب رقابهم إن لم يتوبوا من ذلك " انتهى.

وقال أيضا: " فلفظ الإيمان إذا أطلق في القرآن والسنة يراد به ما يراد بلفظ البر، وبلفظ التقوى وبلفظ الدين كما تقدم. فإن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق. فكان كل ما يحبه الله يدخل في اسم الإيمان. وكذلك لفظ البر يدخل فيه جميع ذلك إذا أطلق وكذلك لفظ التقوى. وكذلك الدين أو دين الإسلام. وكذلك روي أنهم سألوا عن الإيمان فأنزل الله هذه الآية:{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} (1) الآية. . .

(1) سورة البقرة الآية 177

ص: 106

إلى أن قال: والمقصود هنا أنه لم يثبت المدح إلا على إيمان معه العمل، لا على إلى إيمان خال عن عمل ". فهذا كلام شيخ الإسلام في الإيمان، ومن نقل عنه غير ذلك فهو كاذب عليه.

وأما ما جاء في الحديث أن قوما يدخلون الجنة لم يعملوا خيرا قط فليس هو عاما لكل من ترك العمل وهو يقدر عليه. وإنما هو خاص بأولئك؛ لعذر منعهم من العمل، أو لغير ذلك من المعاني التي تلائم النصوص المحكمة وما أجمع عليه السلف الصالح في هذا الباب.

هذا واللجنة الدائمة إذ تبين ذلك فإنها تنهى وتحذر من الجدال في أصول العقيدة لما يترتب على ذلك من المحاذير العظيمة، وتوصي بالرجوع في ذلك إلى كتب السلف الصالح، وأئمة الدين المبنية على الكتاب والسنة، وأقوال السلف، وتحذر من الرجوع إلى الكتب المخالفة لذلك، وإلى الكتب الحديثة الصادرة عن أناس متعالمين لم يأخذوا العلم عن أهله ومصادره الأصيلة. وقد اقتحموا القول في هذا الأصل العظيم من أصول الاعتقاد وتبنوا مذهب المرجئة، ونسبوه ظلما إلى أهل السنة والجماعة ولبسوا بذلك على الناس، وعززوه عدوانا بالنقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى- وغيره من أئمة السلف بالنقول المبتورة، وبمتشابه القول وعدم رده إلى المحكم من كلامهم. وإننا ننصحهم أن يتقوا الله في أنفسهم وأن يثوبوا إلى رشدهم ولا يصدعوا الصف بهذا المذهب الضال، واللجنة أيضا تحذر المسلمين من الاغترار والوقوع في شراك المخالفين لما

ص: 107

عليه جماعة المسلمين أهل السنة والجماعة. وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح والفقه في الدين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو

عضو

عضو

الرئيس

عبد الله بن عبد الرحمن الغديان

بكر بن عبد الله أبو زيد

صالح بن فوزان الفوزان

عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

ص: 108

فتوى برقم (21546) وتاريخ 26/ 6 / 1421هـ

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من بعض الناصحين، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم 1962 وتاريخ 3/ 3 / 1421هـ، وقد سأل المستفتون سؤالا هذا نصه:

" تجدون برفقه صورة للرد الذي كتبه الدكتور محمد عباس جزاه الله خيرا، وجعل عمله هذا في موازين حسناته وكتب له النجاة يوم الفزع الأكبر، والرد موجه إلى رواية (وليمة لأعشاب البحر)

ص: 108

للكاتب السوري حيدر حيدر، نسأل الله له ولكل ضال الهداية، وسيجد فضيلتكم في الرد المرفق ما قاله الكاتب السوري في ذات الله سبحانه وتعالى، وفي القرآن الكريم، وفي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ما لم يقله يهودي في توراة، ولا نصراني في إنجيل؛ ليأتي هذا الفاجر الفاسق في زمان الفجور والفسق ليستغل غفلة المسلمين علماء وعامة، ويتجرأ ليقول كلاما ما كان ليقوله لو رأى في المسلمين مرجعا وحبا لربهم وكتابهم ونبيهم، يقول هذا الكلام في بلد مسلم؛ ليسمع كل المسلمين رواية الغواية التي كتبها، لقد تحدى هذا الكاتب كل المسلمين وفي مقدمتهم العلماء والهيئات والمؤسسات الدينية، فما هو جواب فضيلتكم وفضيلة علماء هذا البلد الطيب المعروف بدفاعه عن دين الله وكتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم. أرجو أن يكون الجواب بقدر التحدي الذي أظهره الكاتب وأقوى، وحسبنا الله ونعم الوكيل، إنني إذ أبلغ فضيلتكم هذا الأمر أضع الأمر في أعناقكم، فأنتم أقدر وأبرأ إلى الله مما قاله الكاتب ويقوله المضللون، وأبرأ إلى الله من مواقف التخاذل والضعف التي كانت عليها الهيئات والمؤسسات الدينية في بلاد المسلمين أمام الفجرة وفجورهم، وحسبنا الله ونعم الوكيل ".

وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت:

بأنه بعد الاطلاع على نصوص كافية من رواية: (وليمة لأعشاب البحر) تأليف حيدر حيدر. وبعد الوقوف على بعض البيانات الصادرة من جهات إسلامية بشأن هذه الرواية وما فيها من

ص: 109

ضلالات وكفريات؛ تبين للجنة اشتمال الرواية المذكورة على أمور خطيرة منها:

ا- الاستهزاء بالله جل وعلا ووصفه بما لا يليق به سبحانه.

2 -

السخرية بالنبي صلى الله عليه وسلم والافتراء عليه.

3 -

إنكار اليوم الآخر والاستهزاء بالجنة والنار والثواب والعقاب.

4 -

الدعوة إلى الإباحية ونشر الفاحشة بين المؤمنين.

5 -

حمل الناس على الخروج على أحكام الإسلام وعدم الالتزام بتشريعاته. . . إلخ.

ولا يختلف المسلمون أن ما سبق ذكره كفر بالله وإلحاد في دينه وخروج عن ملة الإسلام؛ لأنه استهزاء بالله ورسوله ودينه، وتكذيب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وطعن في القرآن، ورد لأحكام الإسلام، قال الله تعالى:{قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} (1){لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (2)، وقال جل وعلا:{وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ} (3)، وأجمع العلماء على أن من جحد شيئا معلوما من الدين بالضرورة فهو كافر.

فالواجب على أهل الإسلام تمكين القضاء الشرعي من النظر في قضية صاحب الرواية المذكورة؛ ليحكم فيه بحكم الله ورسوله جزاء له وردعا لغيره ممن تسول له نفسه النيل من دين

(1) سورة التوبة الآية 65

(2)

سورة التوبة الآية 66

(3)

سورة التوبة الآية 74

ص: 110