الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باسمه ليستشعر اللطف والتكريم من ربه، وقد سبق مثل هذا في الحديث عن ندائه بـ {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} (1)
وقوله {قُمْ فَأَنْذِرْ} (2) قيل: المراد قم قيام عزم وتصميم ومبادرة وامتثال، وقيل: بل المعنى على الحقيقة فإنه كان مضطجعا متدثرا بثوب أو رداء، ولا مانع أن يراد هنا المعنى الحقيقي مع المعنى المجازي، الذي يحصل منهما القيام بهذا الأمر والنشاط فيه، وجاءت الفاء في قوله:{فَأَنْذِرْ} (3) لإفادة التعقيب للشروع في الإنذار المأمور به، ولم يقل هنا: وبشر؛ لأنه كان في ابتداء النبوة لأن غالب أحوال الناس يومئذ محتاجة إلى الإنذار والتحذير، أو هو من باب الاكتفاء لأن الإنذار يلزم منه ما يقابله وهو التبشير (4).
(1) سورة المزمل الآية 1
(2)
سورة المدثر الآية 2
(3)
سورة المدثر الآية 2
(4)
ينظر: حاشية الخفاجي 9/ 320، روح المعاني 29/ 116، تفسير التحرير والتنوير 29/ 294، 295
المبحث الرابع: ما قيل: إنه نداء للنبي صلى الله عليه وسلم وهو ليس كذلك:
ومما قيل إنه نودي فيه قوله تعالى: {طه} (1){مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} (2){إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} (3) حيث ذهب بعض
(1) سورة طه الآية 1
(2)
سورة طه الآية 2
(3)
سورة طه الآية 3
المفسرين إلى أن (طه) اسم للنبي صلى الله عليه وسلم، نودي به في هذه الآية ومثله (يس). روي هذا عن سعيد بن جبير ومحمد بن الحنفية (1)، وعزاه السيوطي لخلائق من المفسرين والمحدثين (2)، كأنه يقول لنبيه: يا طاهرا من الذنوب، يا هادي الخلق إلى علام الغيوب، وقيل:(طاء) يا طامع الشفاعة للأمة، (هاء) يا هادي الخلق إلى الله، وقيل:(طاء) يا طيب، (هاء) يا هادي.
أما (يس) فقيل: يا سيد مخاطبا ومناديا رسوله صلى الله عليه وسلم، فالياء للنداء، والسين إشارة إلى لفظ (سيد) وقد قال عليه الصلاة والسلام:«أنا سيد الناس يوم القيامة (3)» فاكتفي بفاء الكلمة لدلالتها على باقيها، وهذا مذهب العرب في كلامهم وأشعارهم.
حكى سيبوبه عن بعض العرب " من يقول ألا تا، بلى فا " فإنما أرادوا: ألا تفعل، بلى فافعل " (4) وفي الأثر: " كفى
(1) ينظر لقولهما: نسيم الرياض وشرح الشفا 1/ 191، الجامع لأحكام القرآن 15/ 4، 5، النكت والعيون 5/ 5
(2)
ينظر: الرياض الأنيقة في شرح أسماء خير الخليقة 204، 205، 272.
(3)
رواه البخاري في صحيحه مع الفتح- كتاب الأنبياء- باب قول الله عز وجل. ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه 6/ 371، برقم 3340 واللفظ له، ومسلم في صحيحه- كتاب الفضائل- باب تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق 7/ 59 عن أبي هريرة رضي الله عنه
(4)
الكتاب 3/ 321
بالسيف شا (1) " أي شاهدا.
وقيل المراد من (طه)، (يس) يا إنسان، ولما كان الإنسان اسما لعموم أفراد الإنس، أراد به محمدا صلى الله عليه وسلم، لأنه أكملهم وأفضلهم.
واستدلوا بما رواه أبو الطفيل عنه صلى الله عليه وسلم قال: «لي عند ربي عشرة أسماء، وعد منها: (طه)، (يس) (2)» . وقد جاء في الشعر ما يعضده، وهو قول الشاعر:
يا نفس لا تمحضي بالنصح جاهدة
…
على المودة إلا آل ياسينا
يريد: إلا آل محمد صلى الله عليه وسلم.
ولا يخفى أن هذا القول في غاية الضعف والتكلف، ولا
(1) ينظر: نسيم الرياض وشرح الشفا 1/ 190 غير معزو.
(2)
رواه أبو نعيم في الدلائل 1/ 68، وذكره الخفاجي في نسيم الرياض والقاري في شرح الشفا 1/ 189، والسيوطي في الرياض الأنيقة 29 وعزوه لابن مردويه في تفسيره، والديلمي في تفسيره وذكر نحوه الماوردي في تفسيره 5/ 5 عن علي رضي الله عنه مرفوعا، وقال محققه: " لم يصح هذا الحديث)
دليل عليه، وما استدلوا به وهو حديث أبي الطفيل موضوع، في سنده وضاع وضعيف. .
وقيل إن (طه) و (يس) اسمان من أسماء الله تبارك وتعالى، روي هذا عن ابن عباس وقيل: هما بمعنى يا رجل، كلمة معروفة في عك، معناها عندهم: يا رجل، قال الشاعر (1):
هتفت بطه في القتال فلم يجب
…
فخفت عليه أن يكون موائلا
وقال آخر (2):
(1) قائله: متمم بن نويرة، كما نسبه إليه الطبري في تفسيره 16/ 103
(2)
لم أقف على قائله بعد البحث، ينظر: جامع البيان 16/ 103، الكشاف 2/ 528.
إن السفاهة طه من خلائقكم
…
لا بارك الله في القوم الملاعين
واختار هذا القول ابن جرير الطبري وعزاه إلى جماعة من الصحابة والتابعين.
وقيل: هما من الحروف المقطعة التي في أوائل السور، وهي مما استأثر الله بعلمه، وقال بعضهم: بل كل حرف منها يدل على معنى، ف (ط) شجرة طوبى، والهاء الهاوية، أراد: الجنة والنار، وقيل: الطاء: طهارة أهل البيت، والهاء: هدايتهم، وقيل: الطاء: طبول الغزاة، والهاء: هيبتهم في قلوب الكفار، قال تعالى:{سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} (1) وقيل: الطاء طرب أهل الجنة في الجنة، والهاء هوان أهل النار في النار، وقيل معنى طه: طوبى لمن اهتدى (2).
(1) سورة آل عمران الآية 151
(2)
ينظر: التفسير الكبير 22/ 3، نسيم الرياض، وشرح الشفا 1/ 232، الجامع لأحكام القرآن 11/ 166، 167
وقيل: هما اسمان من أسماء القرآن (1)، وقيل هما اسمان لهاتين السورتين.
وقيل-: روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يقوم في تهجده على إحدى رجليه، ويرفع الأخرى من طول القيام، فأمر أن يطأ الأرض بقدميه معا، ولا يتعب نفسه بالاعتماد على قدم واحدة، وكأن الأصل طأ، فقلبت همزته هاء، كما قالوا: هياك في إياك، وهرقت في أرقت، ويجوز أن يكون الأصل من وطي على ترك الهمزة فيكون الأمر أصله: ط يا رجل، ثم أثبت الهاء فيها للوقف (2).
والذي يظهر لي أن (طه) و (يس) من الحروف المقطعة التي استأثر الله بعلمها، مما افتتح بها بعض سور القران. أما القول بأنها معلومة المعنى فظاهر فيه التكلف، وليس لهم دليل على صحة ما ادعوه، وليسا اسمين للنبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن القيم:" وأما ما يذكره العوام أن يس وطه من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم فغير صحيح، ليس ذلك في حديث صحيح ولا حسن ولا مرسل، ولا أثر عن صحابي، وإنما هذه الحروف مثل: الم وحم والر، ونحوها ".
(1) رواه الطبري عن قتادة 22/ 97، وانظر: النكت والعيون 5/ 5
(2)
ينظر معاني القرآن وإعرابه 3/ 349، التفسير الكبير 22/ 3
تنبيه:
ومما جاء فيه نداء النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} (1) قال مقاتل: " نزلت في عبد الله بن أمية والنضر بن الحارث نوفل بن خويلد والوليد بن المغيرة "(2) وخاطبوا النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الوصف مع أنهم كفرة لا يعتقدون نزول شيء كما قال عز وجل حكاية عن فرعون {قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} (3).
ومرادهم من قولهم {إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} (4) أي: يا من تدعي مثل هذا الأمر العظيم الخارق للعادة إنك بسبب تلك الدعوى متحقق جنونك على أتم الوجوه، وهذا كما يقول الرجل لمن يسمع منه كلاما يستبعده: أنت مجنون، وقيل: حكمهم هذا لما كان يظهر عليه صلى الله عليه وسلم من شبه الغشي حين ينزل عليه القرآن (5).
(1) سورة الحجر الآية 6
(2)
ينظر: البحر المحيط 5/ 446، وروح المعاني 14/ 12
(3)
سورة الشعراء الآية 27
(4)
سورة الحجر الآية 6
(5)
ينظر الكشاف 2/ 387، التفسير 19/ 162، وحاشية الخفاجي 5/ 497، 498، وروح المعاني 14/ 12