الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحده؛ لعلمه بأنه تعالى ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، فتوحيد القصد هو توحيد العبادة؛ ولهذا ترتب عليه وجوب الوفاء فيما نذره طاعة لله. والعبادة إذا صرفت لغير الله صار ذلك شركا بالله؛ لالتفاته إلى غيره تعالى فيما يرغب فيه أو يرهب، فقد جعله شريكا لله في العبادة، فيكون قد أثبت ما نفته لا إله إلا الله من إلهية غير الله، ولم يثبت ما أثبتته من الإخلاص اهـ.
حكم دعاء غير الله
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة الأستاذ الحاج ع. م. أ- كراتشي باكستان المحترم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنحمد إليكم الله تعالى، ونصلي ونسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه، وإنه وصل إلينا كتابكم المتضمن الاستفتاء الآتي:
ما يقول العلماء في حق رجل ادعى الولاية وكتب شجرة وكتب في أوله الكلمة الطيبة على هذا الترتيب: " لا إله إلا الله شيخ عبد القادر شيئا لله " يعني أنه أعطى مقام الرسالة للشيخ عبد القادر الجيلاني.
وتسأل هل هذا الرجل كافر أم لا؟ والحال أن الناس
يسجدون له ويزعمون أنه قادر على أن يفعل ما يشاء، والذين يتبعونه كيف هم عند الله: أهم على ضلالة، أم على هدى، وإن مات هذا الرجل أيصلى عليه أم لا؟ اهـ.
والجواب: الحمد لله: قد بين الله سبحانه وتعالى في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن لله أولياء من الناس، وللشيطان أولياء من الناس. وفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، فقال تعالى:{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (1){الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (2){لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (3) وقال تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (4). وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (5){فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} (6){وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ} (7){يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (8){إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (9){وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} (10)
(1) سورة يونس الآية 62
(2)
سورة يونس الآية 63
(3)
سورة يونس الآية 64
(4)
سورة البقرة الآية 257
(5)
سورة المائدة الآية 51
(6)
سورة المائدة الآية 52
(7)
سورة المائدة الآية 53
(8)
سورة المائدة الآية 54
(9)
سورة المائدة الآية 55
(10)
سورة المائدة الآية 56
وقال تعالى: {هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا} (1) فهذه الآيات في حق أولياء الرحمن.
وأما أولياء الشيطان فقد ذكرهم الله في عدة آيات من كتابه، فقال تعالى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (2){إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (3){إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} (4). وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} (5).
وقال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} (6). وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا} (7).
(1) سورة الكهف الآية 44
(2)
سورة النحل الآية 98
(3)
سورة النحل الآية 99
(4)
سورة النحل الآية 100
(5)
سورة النساء الآية 76
(6)
سورة الكهف الآية 50
(7)
سورة النساء الآية 119
قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} (1) إلى قوله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (2).
وقال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} (3){وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (4) إلى قوله تعالى: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} (5).
وقال تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} (6). وقال الخليل عليه السلام: {يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} (7).
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} (8) الآيات إلى قوله تعالى: {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (9).
وإذا عرف أن الناس فيهم أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، فيجب أن يفرق بين هؤلاء وهؤلاء كما فرق الله ورسوله بينهما، فأولياء الله هم المؤمنون المتقون، كما قال تعالى:{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (10){الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (11).
(1) سورة آل عمران الآية 173
(2)
سورة آل عمران الآية 175
(3)
سورة الأعراف الآية 27
(4)
سورة الأعراف الآية 28
(5)
سورة الأعراف الآية 30
(6)
سورة الأنعام الآية 121
(7)
سورة مريم الآية 45
(8)
سورة الممتحنة الآية 1
(9)
سورة الممتحنة الآية 5
(10)
سورة يونس الآية 62
(11)
سورة يونس الآية 63
فكل من ادعى الولاية فلا بد من سبر أحواله ومعرفة ما هو عليه، فإن كان متصفا بما وصف الله به أولياءه المؤمنين، مجانبا لحزب الشيطان وأوليائه الضالين المضلين، وكان مقيما لشعائر الدين، من تحقيق التوحيد، وإقامة الصلاة في الجمع والجماعات، وكان من الدعاة إلى الله، واتصف بما عليه سلف الأمة وأئمتها هديا وسمتا وخلقا وحالا ومقاما، وصلحت نيته بذلك، فهذا يرجى أن يكون من أولياء الله المتقين الذين قال الله فيهم:{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (1){الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (2) فكل من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا، ومن ادعى الولاية بدون ذلك فهو مدع:
والدعاوى ما لم يقيموا عليها
…
بينات أبناؤها أدعياء
وأما كتابته تحت كلمة الإخلاص: (شيخ عبد القادر شيئا لله) فهذا يحتاج إلى فهم معنى ما كتبه، فإن كان يسأل من الشيخ عبد القادر شيئا فهذا من دعاء غير الله، وطلب الحوائج من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك أكبر بلا شك، فإذا اتضح له وبين له كلام العلماء فأصر وعاند فهو مشرك كافر، كما قال تعالى. {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (3).
(1) سورة يونس الآية 62
(2)
سورة يونس الآية 63
(3)
سورة المؤمنون الآية 117