الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
همسا. لذا فإن الناس يهربون منهم، ويتجنبون التحدث إليهم قدر الإمكان ".
وما يتعلق بالدعاء للسلطان فإن الدولة العثمانية في حالة حرب مع الدعوة فمن الطبيعي أن يلغي سعود الدعاء له في الخطبة.
وأما من حيث الحج فقد تقدم ما يدل على أن الأمراء السعوديين لم يمنعوا أحدا من الحج (1)، وإنما نهوا عن البدع وما خالف الشريعة، وكل ذلك إنما كان بعد الإنذار لعام كامل.
(1) انظر: قول الجبرتي وبرائجس ص 908، 910
سابعا:
فيما يتعلق بالقبور:
جاء في الدائرة حكاية لمذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه: " وهم يرون أن السنة القديمة وشخصية النبي وجوهر الإسلام تبعا لذلك قد شوهت بسبب تقديس الأولياء، وهم من أجل ذلك يهاجمون أكثر أماكن الإسلام قداسة عند أهل السنة وعند الشيعة؛ لأن هذه الأماكن تعتبر في نظرهم معاقل لعبادة الأوثان "(1).
وقال بلا: " وزار بوركهارت هذا المكان- بقيع الغرقد -
(1) الدائرة الأولى 13/ 217، شرك، بيوركمان، تقدمت ترجمته
بعد غزو الوهابيين فوجد أنه أصبح أتعس المقابر حالا في المشرق- يشير إلى هدم القباب والزخارف- " (1).
وجاء أيضا: " وكانت زيارة قبور الأولياء من البدع التي حاربها محمد بن عبد الوهاب "(2).
وجاء أيضا: " لا يعتبر موحدا من زار قبور الأولياء "(3). كما جاء في الدائرة في وصف جماعة أهل الحديث في الهند:: " ويسمي الوهابيون في الهند أنفسهم بهذا الاسم " ثم جاء في وصفهم: " عنوا خاصة بتوكيد التوحيد، وإنكار علم الغيب لأي من مخلوقات الله، وقد اقتضى هذا إنكار كرامات
(1) الدائرة 7/ 462، بقيع الغرقد، بلا
(2)
الدائرة الأولى 10/ 473، زيارة، فنسنك، تقدمت ترجمته
(3)
الدائرة الثالثة 32/ 10174، مرجليوث
الأولياء، والمبالغة في تقديسهم " (1) قلت: الشيخ لم يحرم زيارة القبور، وإنما حرم ما يصاحب ذلك من بدع وشرك. وفيما يتعلق بمهاجمتهم الأضرحة فصحيح، ولكن لا بد من مراعاة اعتبارين:
الأول: أنها وإن كانت أكثر الأماكن قداسة عند مرتاديها فإنها ليست أكثر الأماكن قداسة في الإسلام.
الثاني: أن القبور المرتفعة مخالفة للسنة، فضلا عن البناء عليها، وقد ثبت عن أبي الهياج الأسدي أنه قال: قال لي علي بن أبي طالب: «ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته (2)» .
فرفع القبور مخالفة للسنة الشريفة، وأعظم من ذلك دعاء أصحابها؛ إذ إن هذا هو الشرك الذي كان المشركون يفعلونه، وكان القرآن ينزل بالنكير عليهم. قال سبحانه:{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (3) وكثير من الناس يشنع على أتباع الدعوة فيما يخص القبور دون تصور للحكم الشرعي في هذا الأمر، ودون فهم للدوافع والأسباب التي جعلت من الشيخ وأتباعه يشددون بأن تكون وفق السنة، وذلك لمغالاة القوم فيها حتى عبدت من
(1) الدائرة 5/ 143، 144، أهل الحديث، ش عنايت الله
(2)
رواه مسلم في كتاب، الجنائز، باب 63
(3)
سورة الأعراف الآية 194
دون الله تعالى.
وقد لاحظ ذلك بعض المعاصرين للدعوة من الغربيين حيث قالت " جاكلين بيرين " عن سبب عداوة بعض الناس لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب: " والسبب الأول في هذه العداوة أن الناس لم يفهموا للوهلة الأولى المعنى الإصلاحي لهدم المزارات وتقويض أضرحة الأولياء التي كان المؤمنون يؤدون لها واجب الإجلال، وقد كاد هذا الإجلال يتحول إلى نوع من أنواع العبادة التي لا تجب إلا لله وحده ".
أما عنايتهم بتوكيد التوحيد فهي في مكانها، إذ قد عني به جميع الأنبياء- عليهم السلام بل إن الله حصر رسالتهم فيها:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (1) وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (2) أما ما يختص بعلم الغيب فإن مذهب أتباع الدعوة موافق لمذهب أهل السنة، الذين يؤمنون بما جاء في القرآن أن الغيب لله وحده:{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (3) وأن هذا الغيب يطلعه الله على رسله كرامة لهم
(1) سورة النحل الآية 36
(2)
سورة الأنبياء الآية 25
(3)
سورة النمل الآية 65
وإظهارا لإعجازهم، قال سبحانه:{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} (1){إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} (2) وأصل هذه المسألة أن كاتب المادة هو من أعداء أهل الحديث الذين يبالغون في تقديس الأولياء ويثبتون لهم العلم بالغيب، مع مخالفته الظاهرة للقرآن.
أما إنكار كرامات الأولياء فهي فرية لا تنطلي على أحد؛ ذلك أن مصنفات أهل السنة شاهدة على إثباتها، بل إنها جزء من عقيدتهم؛ لأن تلك الكرامات دلت عليها الأدلة، وإثباتها جزء من عقيدة أهل السنة.
قال ابن تيمية: " ومن أصول أهل السنة والجماعة: التصديق بكرامات الأولياء، وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات، في أنواع العلوم والمكاشفات، وأنواع القدرة والتأثيرات، كالمأثور عن سلف الأمم في سورة الكهف وغيرها، وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر قرون الأمة، وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة "(3).
أما تقديسهم للأولياء: فإن كان المقصود محبتهم، وطلب الدعاء منهم في حال حياتهم، والاعتراف بفضلهم فهذا لم ينكروه، ولم ينكره أحد من المسلمين، بل هو ثابت عندهم فيمن علم ولايته.
(1) سورة الجن الآية 26
(2)
سورة الجن الآية 27
(3)
مجموع الفتاوي لابن تيمية 3/ 156، جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم، الرياض