الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من فتاوى سماحة الشيخ
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
مفتي عام المملكة العربية السعودية سابقا رحمه الله
ليلة القدر هي أفضل الليالي
س: بمناسبة ليلة القدر نود من سماحتكم التحدث لعامة المسلمين بهذه المناسبة الكريمة؟
ج: ليلة القدر هي أفضل الليالي، وقد أنزل الله فيها القرآن، وأخبر سبحانه أنها خير من ألف شهر، وأنها مباركة، وأنه - يفرق فيها كل أمر حكيم، كما قال سبحانه في أول سورة الدخان:{حم} (1){وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} (2){إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} (3){فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} (4){أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} (5){رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (6) وقال سبحانه: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (7){وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} (8){لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} (9){تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} (10){سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (11) وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
(1) سورة الدخان الآية 1
(2)
سورة الدخان الآية 2
(3)
سورة الدخان الآية 3
(4)
سورة الدخان الآية 4
(5)
سورة الدخان الآية 5
(6)
سورة الدخان الآية 6
(7)
سورة القدر الآية 1
(8)
سورة القدر الآية 2
(9)
سورة القدر الآية 3
(10)
سورة القدر الآية 4
(11)
سورة القدر الآية 5
قال: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه (1)» متفق على صحته. وقيامها يكون بالصلاة والذكر والدعاء وقراءة القرآن وغير ذلك من وجوه الخير.
قد دلت هذه السورة العظيمة أن العمل فيها خير من العمل في ألف شهر مما سواها. وهذا فضل عظيم ورحمة من الله لعباده. فجدير بالمسلمين أن يعظموها وأن يحيوها بالعبادة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسم أنها في العشر الأواخر من رمضان، وأن أوتار العشر الأواخر أرجى من غيرها، فقال عليه الصلاة والسلام:«التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، التمسوها في كل وتر (2)» وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن هذه الليلة متنقلة في العشر، وليست في ليلة معينة منها دائما، فقد تكون في ليلة إحدى وعشرين، وقد تكون في ليلة سبع وعشرين وهي أحرى الليالي، وقد تكون في تسع وعشرين، وقد تكون في الأشفاع، فمن قام ليالي العشر كلها إيمانا واحتسابا أدرك هذه الليلة بلا شك، وفاز
(1) رواه البخاري في (الصوم) باب من صام رمضان إيمانا واحتسابا برقم (1901)، ومسلم في (صلاة المسافرين) باب الترغيب في قيام رمضان برقم (760)
(2)
رواه البخاري في (الاعتكاف) باب الاعتكاف في العشر الأواخر برقم (2027) والترمذي في (الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في ليلة القدر برقم (792)
بما وعد الله أهلها. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص هذه الليالي بمزيد اجتهاد لا يفعله في العشرين الأول. قالت عائشة رضي الله عنها «كان النبي صلى الله عليه وسلم: يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها (1)» . وقالت: «كان إذا دخل العشر أحيا ليله وأيقظ أهله وجد وشد المئزر (2)» . وكان يعتكف فيها عليه الصلاة والسلام غالبا، وقد قال الله عز وجل:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (3).
وسألته عائشة رضي الله عنها فقالت يا رسول الله: إن وافقت ليلة القدر فما أقول فيها، قال:«قولي، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني (4)» وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم، وكان السلف بعدهم، يعظمون هذه العشر ويجتهدون فيها بأنواع الخير.
فالمشروع للمسلمين في كل مكان أن يتأسوا بنبيهم صلى الله عليه وسلم وبأصحابه الكرام رضي الله عنهم وبسلف هذه الأمة الأخيار، فيحيوا هذه الليالي بالصلاة وقراءة القرآن وأنواع الذكر والعبادة إيمانا واحتسابا حتى يفوزوا بمغفرة الذنوب، وحط الأوزار والعتق من النار. فضلا منه سبحانه وجودا وكرما. وقد دل الكتاب والسنة أن هذا الوعد العظيم مما يحصل باجتناب الكبائر. كما قال سبحانه:
(1) سنن الترمذي الصوم (796).
(2)
صحيح البخاري صلاة التراويح (2024)، صحيح مسلم الاعتكاف (1174)، سنن النسائي قيام الليل وتطوع النهار (1639)، سنن أبو داود الصلاة (1376)، سنن ابن ماجه الصيام (1768)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 41).
(3)
سورة الأحزاب الآية 21
(4)
رواه الترمذي في (الدعوات) باب في عقد التسبيح باليد برقم (3513)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر (2)» خرجه الإمام مسلم في صحيحه.
ومما يجب التنبيه عليه أن بعض المسلمين قد يجتهد في رمضان ويتوب إلى الله سبحانه مما سلف من ذنوبه، ثم بعد خروج رمضان يعود إلى أعماله السيئة وفي ذلك خطر عظيم. فالواجب على المسلم أن يحذر ذلك وأن يعزم عزما صادقا على الاستمرار في طاعة الله وترك المعاصي، كما قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (3) وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (4) وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} (5){نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} (6){نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} (7) ومعنى الآية أن الذين اعترفوا بأن ربهم الله وآمنوا به وأخلصوا له
(1) سورة النساء الآية 31
(2)
رواه مسلم في (الطهارة) باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة برقم (233)
(3)
سورة الحجر الآية 99
(4)
سورة آل عمران الآية 102
(5)
سورة فصلت الآية 30
(6)
سورة فصلت الآية 31
(7)
سورة فصلت الآية 32