الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما إن كان المقصود صرف شيء من العبادة لهم من دعاء أو ذبح أو نذر أو غيرها من وجوه العبادة، فهذا شرك أكبر، أرسل الرسل للقضاء عليه.
ثامنا:
الرد على وصفهم بالقرصنة:
جاء في الدائرة محاولات عدة لوصف الحركة الإصلاحية في نجد بالقرصنة، ومن ذلك:" وكان هدف البريطانيين من تدخلهم في سياسة بحر فارس هو القضاء على تجارة الرقيق والقرصنة اللتين كانتا قد نظمتا تنظيما أفضل مع اتساع نفوذ الوهابيين "(1).
كما جاء عن سعود بن عبد العزيز تلميذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأقوى الأئمة الذين حكموا في الجزيرة العربية: " ونظم سعود القرصنة التي كانت تقوم بها القبائل القاطنة على الخليج الفارسي "(2).
كما جاء عن قبائل الدواسر: "وهم يعيشون حيثما تيسر لهم على السلب، ويقال إنهم أكثر الوهابيين تعصبا وخطورة "(3). وقد قلدهم في ذلك "فيليب حتى" فسمى شاطئ الإمارات بشاطئ القراصنة.
(1) الدائرة 6/ 297، بحر فارس بكنكهام
(2)
الدائرة 1/ 309، ابن سعود، مورتمان، (تقدمت ترجمته)
(3)
الدائرة الأولى 9/ 306، دواسر، فاير
وسبب وصفهم بذلك أن القواسم في ساحل رأس الخيمة والشارقة يغيرون على السفن البريطانية وعملائها في مسقط، وينهبونها، ويتم ذلك بتشجيع الأمراء السعوديين في نجد " الوهابيين " وترسل إليهم الخمس من المغنم.
إن من العجب وصف الوهابيين بذلك، فالمستعمر يصف غيره بالقرصان، وينسى نفسه!.
كما أن قرصنة الإنجليز في بحار العرب سابقة لظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب حيث ظهرت في البحر الأحمر سنة (1966م) خمس سفن بريطانية وسفينتان أخريان على كل واحدة أربعة عشر مدفعا، ومن البحارة مائة وخمسون، وأخذت تنهب السفن في البحر الأحمر والبحر العربي والخليج العربي (1)، ولم تحرك بريطانيا ساكنا.
فهذه القرصنة التي تفتك بسفن الحجاج وغيرهم مسكوت عنها، ودفاع صاحب الأرض ضد المستعمر قرصنة يجب إنهاؤها!.
إن الحقيقة التي لا يجادل فيها هي: أن مرور السفن البريطانية سواء شركة الهند البريطانية، أو غيرها في الخليج إنما كان لأعمال استعمارية خالصة، وهم لا يتناهون عن الاستيلاء ليس على السفن فحسب بل حتى على الأراضي إذا ما وجدوا فيها
(1)(الخليج العربي) السير أرنولد ويلسون ص 322، ترجمة عبد القادر يوسف، مكتبة الأمل، الكويت
ضالتهم الاستعمارية رغم أنف أهلها كما هو معلوم بالضرورة عن الإنجليز، فقد استعمروا آنذاك دولا وأراضي لا حصر لها، كما أن مرورهم في الخليج إنما كان لعبور السفن بين مستعمراتهم العربية في العراق ومستعمراتهم الهندية، التي تديرها شركة الهند الشرقية.
ولقد " تحولت سياسة شركة الهند الشرقية إلى امتلاك الأراضي وفرض السيادة الإنجليزية عليها من أواخر القرن السابع عشر. . . واستطاع الإنجليز في مدة قصيرة بين سنة 1750، وسنة 1818 فرض سيادتهم على أغلب أراضي الهند ".
وهل يتوقع الإنجليز أن تبحر سفنهم بأمان وهم بهذه المثابة، بالإضافة إلى تدخلهم في شئون بلاد الخليج حيث كانوا يحرضون حليفهم سلطان عمان على مهاجمة حلفاء الدولة السعودية، فلما لم يستطع على ذلك، بل أصبح حليفا للسعوديين يدفع الزكاة لهم (1)، حاصرت بريطانيا جزيرة كشم التابعة للقواسم سنة 1805 م، منتحلة أوهى الأسباب، وأجبرتهم على اتفاقية مجحفة سنة 1806 م، ثم هاجموا رأس الخيمة في السنة نفسها (2).
كما أبرموا معاهدة استعمارية أملوها على أمير رأس الخيمة
(1) تاريخ ابن بشر، حوادث سنة 1223 هـ، ص 191
(2)
قراءة جديدة لسياسة محمد باشا التوسعية، سليمان بن محمد الغنام ص 35، نشر شركة تهامة، جدة 1402 هـ
بعد ضعفه حين هزيمة مناصريه السعوديين، الذين كانوا الساعد الأيمن له، وكانت تلك المعاهدة سنة 1820 م بعد سقوط الدرعية بعامين، ومن بنودها:" بقاء رأس الخيمة وما حولها من مزارع في أيدي الحكومة البريطانية "(1).
قال بوندار ليفسكي المؤرخ الروسي: " في سنة 1805 م لما تولى الأمير بدر حاكم مسقط سعى إلى إقامة علاقات طبيعية مع آل سعود وبمساندة إمام عمان، وكان ذلك يتهدد خطط شركة الهند الشرقية في الجنوب الشرقي من الجزيرة، فاغتيل الأمير بدر في سنة 1807 م بأمر من مقيم الشركة، وصار سعيد بن سلطان صنيعة البريطانيين، ومن ثم أصبح عدو الوهابيين اللدود، ثم نشب صراع مسلح أسهم في فرض الحماية البريطانية على مسقط وساحل الصلح البحري الذي سماه المستعمرون بصفاقة ووقاحة: [ساحل القرصنة] "(2).
إن السبب في الخصومة بين السعوديين والقواسم من جهة، والإنجليز وخاصة حاكم بومباي من قبل الإنجليز من جهة أخرى يتلخص ببساطة بـ: اصطدام مصالح الإنجليز الاستعمارية التوسعية في الشرق بالقوة السعودية الناشئة المصممة على خضوع أراضي الجزيرة للدعوة الإصلاحية، والتي من أسسها عدم خضوع
(1) المقاومة العربية في الخليج العربي، سليم طه التكريتي ص 138، دار الرشيد للنشر، بغداد، 1982 م
(2)
الغرب ضد العالم الإسلامي، بوندار ليفسكي ص50، ترجمة إلياس شاهين، دار التقدم، موسكو، دطت
الأراضي الإسلامية للكفار.
وكان لشركة الهند تجارة واسعة في عمان، بل هي مركزها في المنطقة بعد البصرة، وكان الإنجليز يمارسون نفوذهم عليها.
إن الدعوة الوهابية ترى في الإنجليز عدوا للإسلام ومستعمرا يجب محاربته، وحين احتل القواسم بعض مدن عمان سنة 1808 م وأرسل سلطان عمان رسله للدرعية للتوسط طلب منهم الإمام عبد العزيز أن يوجه حاكمهم سفنه لضرب البصرة، وأن عليه أن يثبت ولاءه للقضية الإسلامية، فيعد حملة ضد شركة الهند المتعاونة مع باشا بغداد (1).
" وفي هجمات القواسم على الإنجليز في إحدى المرات وجدوا في إحدى السفن امرأة هي زوجة تيلر القنصل الإنجليزي في بغداد، فلم يمسوها بأذى بل أعادوها إلى بو شهر طبقا للتقاليد العربية"(2)، فليس هذا من عمل القراصنة، وهو ليس تقليدا عربيا فحسب، بل هو ما يحث عليه الإسلام من عدم التعرض لغير المحاربين.
إن تحرير الأرض الإسلامية من المعتدين هو من الجهاد في سبيل الله وهو حق مشروع، بل هو واجب، وإذا لم يمكن ذلك فلا أقل من معاداة المعتدين، وعدم توليهم، ومضايقتهم، والتصدي لهم.
(1) إمارات الساحل لمحمد مرسي ص 174
(2)
إمارات الساحل لمحمد مرسي ص 180
أما أن ينعت المعتدي أصحاب الحق بالقراصنة فهو من المفارقات العجيبة، وهذا يذكرنا بما تطلقه إسرائيل على المقاومين للاحتلال بالمخربين والإرهابيين.
أما السلب فلا ينكر أن القبائل البدوية في الجزيرة العربية كانت تمارس السلب على نطاق واسع، ولكن هذا مخالف لتعاليم الإسلام، ولم يكن له صلة بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، بل إن السلب والنهب انحسر بوضوح مع توسع الدولة السعودية المؤيدة من الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه، ولقد شهد بذلك القاصي والداني ممن اطلع على أحوال نجد في تلك الفترة من المنصفين، ومن ذلك:
ما شهد به الرحالة الأسباني " دومنغو بادليا أي ليخ " المعروف باسم الحاج علي بك العباسي، عن قرب ومشاهدة شخصية عن الوهابيين بعد فتحهم لمكة بأنهم:" لا يسرقون قط، لا عن طريق القوة، ولا عن طريق الحيلة، إلا إذا اعتقدوا أن المتاع يخص عدوا أو كافرا (1)، وهم يؤدون أثمان كل ما يشترونه، وأجور الخدمات التي تقدم لهم بالعملة التي لديهم ".
كما شهد بذلك بوركهارت الذي زار الجزيرة العربية بعد
(1) لم يتعرضوا للكافر المعاهد البتة، وإنما للكافر الحربي
ذلك حيث قال عن الأمن في عهد الدولة السعودية الأولى التي تسير على منهج دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب: " ولعل هذا الأمن والأمان قد استتب في البلاد لأول مرة بعد النبي العربي، ووجد البدو لأول مرة فرصة النوم آمنين مطمئنين على أموالهم وأمتعتهم ومواشيهم "(1).
وأما ما تفعله الدولة السعودية الأولى من الاستيلاء على ممتلكات الأعداء المحاربين، فهذه غنائم حرب، وتلك الغنائم مشروعة في الإسلام، بل في غالب الأعراف؛ وهم لا يفعلون ذلك إلا مع أعداء دعوتهم الإصلاحية المناوئين لها، ولا يفعلون ذلك إلا بعد البيان والإنذار، أما من يسمح لدعاة الدعوة بالإصلاح في الأرض، ويعينهم في إزالة الشرك والفساد، فإن أموالهم ودماءهم مصانة محفوظة.
ولقد أحس أهل نجد بفقد الرحمة والشورى بعد سقوط الدولة عندما حكم إبراهيم باشا الدرعية تسعة أشهر حكما إرهابيا
(1) محمد بن عبد الوهاب للندوي 104، 105، نقلا عن كتابه ص 130