الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التمهيد: وفيه مبحثان:
المبحث الأول: رفعة قدره عليه الصلاة والسلام عند ربه عز وجل:
لقد من الله عز وجل على هذه الأمة بأن أرسل إليهم أفضل رسله وخيرته من خلقه، سيد الأولين والآخرين، المبعوث رحمة للعالمين والمخصوص بالشفاعة العظمى يوم الدين، إمام الأنبياء وخاتم الرسل عليهم السلام، صاحب اللواء المعقود والحوض المورود والمقام المحمود، هو الرحمة المهداة والنعمة المسداة، بعثه الله عز وجل رحمة للعالمين، فألزم جميع الخلق الإيمان به وطاعته واتباع سنته واقتفاء أثره إلى يوم الدين.
اصطفى الله سبحانه نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم من خلقه وأعلى قدره وعظم منزلته، وفضله على خلقه، وخصه بفضائل لم تكن لغيره، وكرمه بخصائص انفرد بها صلى الله عليه وسلم عن غيره من الأنبياء والرسل عليهم السلام، فمما جاء في القرآن مما يدل على عظيم قدره ورفعة منزلته عند ربه:
-أن الله عز وجل أخذ العهد له على جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام إن بعث هو عليه الصلاة والسلام وهم أحياء أو أحد منهم وجب عليهم أن يؤمنوا به ويتبعوه وينصروه، وأن يأخذوا هذا العهد على جميع أممهم إن بعث عليه الصلاة والسلام وجب عليهم الإيمان به واتباعه ونصرته، قال تعالى {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ
وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} (1).
قال بعض المفسرين: " ما بعث الله نبيا من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمدا صلى الله عليه وسلم وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه "(2).
- أنه عليه الصلاة والسلام أول المسلمين وخاتم النبيين، قال تعالى {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (3) {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (4) وقال تعالى:{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (5) وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة، قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين (6)» متفق عليه.
(1) سورة آل عمران الآية 81
(2)
تفسير القرآن العظيم 2/ 378.
(3)
سورة الأنعام الآية 162
(4)
سورة الأنعام الآية 163
(5)
سورة الأحزاب الآية 40
(6)
رواه البخاري في صحيحه مع الفتح - كتاب المناقب - باب خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم 6/ 558 برقم 3535 واللفظ له، ورواه مسلم في صحيحه - كتاب الفضائل - باب ذكر كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين 7/ 64.
- كونه عليه الصلاة والسلام منة الله عز وجل على عباده، فلا هداية لهم إلا على يديه وعن طريقه الداعي إليه، قال تعالى:{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (1).
- أن طاعته ومبايعته عليه الصلاة والسلام هي طاعة الله عز وجل ومبايعته، وقرن بين طاعته سبحانه وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام؛ وجعل اتباعه عليه الصلاة والسلام موجبا لمحبته سبحانه، والأدلة على هذا كثيرة، منها قوله تعالى:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} (2)، وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} (3) الآية. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} (4)، وقال تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (5).
(1) سورة آل عمران الآية 164
(2)
سورة النساء الآية 80
(3)
سورة الفتح الآية 10
(4)
سورة الأنفال الآية 20
(5)
سورة آل عمران الآية 31
- أن الإيمان به عليه الصلاة والسلام مقرون بالإيمان بالله تعالى، فلا يصح إيمان من لم يؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وإن ادعى الإيمان بالله تعالى، بل لا بد من وجود الإيمان بالله تعالى والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} (1) وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} (2) وقال تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (3).
- أن الله جعله رحمة مهداة للعالمين مؤمنهم وكافرهم، كما جعله رؤوفا رحيما بأمته خاصة، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (4)، وقال تعالى:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (5).
- أن الله عز وجل جعل وجوده عليه الصلاة والسلام بين أمته أمنة لهم من العذاب والهلاك، بخلاف ما حصل لبعض الأمم السابقة حيث عذب بعضهم وأهلك آخرون مع وجود أنبيائهم، قال تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (6) 181
(1) سورة النساء الآية 136
(2)
سورة الحجرات الآية 15
(3)
سورة التغابن الآية 8
(4)
سورة الأنبياء الآية 107
(5)
سورة التوبة الآية 128
(6)
سورة الأنفال الآية 33
- أن الله عز وجل جعل رسالته عليه الصلاة والسلام عامة لكل الناس، بخلاف ما كان عليه الأنبياء والرسل السابقون عليهم وعليه الصلاة والسلام، فقد كانوا يرسلون إلى أقوامهم خاصة، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (1)، وقال تعالى:{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (2)، وعن جابر رضي الله عنه: عنه صلى الله عليه وسلم قال: «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي، كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود (3)» - وفي البخاري: «وبعثت إلى الناس عامة- وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض طيبة طهورا ومسجدا، فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان، ونصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر، وأعطيت الشفاعة (4)» متفق عليه واللفظ لمسلم.
أن الله عز وجل تكفل بحفظه وعصمته.
- كما كفاه المستهزئين فلا يصلون إليه، وتكفل أيضا بحفظ دينه من التبديل والتحريف،
(1) سورة سبأ الآية 28
(2)
سورة الفرقان الآية 1
(3)
صحيح البخاري التيمم (335)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (521)، سنن النسائي الغسل والتيمم (432)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 304)، سنن الدارمي الصلاة (1389).
(4)
رواه البخاري في صحيحه مع الفتح- كتاب التيمم- الباب الأول 1/ 435 برقم 335، ورواه مسلم في صحيحه- كتاب المساجد ومواضع الصلاة- 2/ 63.
ليكون باقيا سليما معجزا، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (1) وقال تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (2){إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} (3)، وقال تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (4).
-القسم بحياته، ولا يعرف هذا لغيره من الأنبياء، قال تعالى:{لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} (5).
كما أن الله تعالى أقسم له صلى الله عليه وسلم وهذا غاية التعظيم والتقدير، قال تعالى:{وَالضُّحَى} (6){وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} (7){مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} (8){وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} (9){وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} (10).
وقال سبحانه: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} (11){مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} (12){وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} (13){إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (14).
-أن الله عز وجل غفر له عليه الصلاة والسلام ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهو حي صحيح يمشي على الأرض، قال تعالى:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} (15){لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} (16) 183 {وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا} (17)
(1) سورة المائدة الآية 67
(2)
سورة الحجر الآية 94
(3)
سورة الحجر الآية 95
(4)
سورة الحجر الآية 9
(5)
سورة الحجر الآية 72
(6)
سورة الضحى الآية 1
(7)
سورة الضحى الآية 2
(8)
سورة الضحى الآية 3
(9)
سورة الضحى الآية 4
(10)
سورة الضحى الآية 5
(11)
سورة النجم الآية 1
(12)
سورة النجم الآية 2
(13)
سورة النجم الآية 3
(14)
سورة النجم الآية 4
(15)
سورة الفتح الآية 1
(16)
سورة الفتح الآية 2
(17)
سورة الفتح الآية 3