الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سادسا:
اتهامهم بالتطرف والتشدد والتزمت:
جاء في الدائرة بقلم ماكدونالد (1): " ولما كان جميع المسلمين اليوم ما عدا المتطرفين من أهل الحديث والمشبهة كالوهابية وأصحاب ابن تيمية. . . "(2).
وقال روبصون: " المخترعات الحديثة تستخدم بلا حرج بين الوهابيين، وهم أكثر فرق الإسلام الحديث تزمتا "(3).
وقال كرن عن بعض سكان سومطرة الأندونيسية: " وقد
(1) سبقت ترجمته
(2)
الدائرة 4/ 265، الله، ماكدونالد
(3)
الدائرة 6/ 417، بدعة، روبصون
عاد من الحجاز في أوائل القرن التاسع عشر ثلاثة من أهل منغكاباو، بعد أن أدوا فريضة الحج، ورأوا الحكم الوهابي في مكة بعد سنة 1806 م فامتلأت نفوسهم بالحماسة لتزمت الوهابيين وتشددهم " (1).
قال مورتمان: " ولقد رفض الوهابيون السماح لقوافل المحمل الذي أعدته الحكومة التركية بدخول الأراضي المقدسة، وأبطل سعود الخطبة للسلطان، وقال في رسالة رسمية: إنه ليس على والي دمشق أن يعتنق المذهب الوهابي فحسب بل على السلطان أن يفعل ذلك، ولما رفض صاحب دمشق رفضا باتا أن يذعن لمشيئته
(1) الدائرة 6/ 411 بدري، كرن
أجابه سعود بسلب حوران في يوليه عام 1810 م " (1).
قلت: إذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة دين الله هو المقصود بالتشدد والتزمت والتطرف فنعم؛ فقد كانت دعوة الشيخ كذلك، بل ذلك هو غاية دعوة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
أما سوى ذلك فلم تكن دعوة الشيخ رحمه الله بهذه الصفة، " بل إن الشيخ نفسه رغم شدة خصومة مناوئيه وضراوتها، وشناعة عنادهم، واستمراره، إلا أن الشيخ رحمه الله قد كان حريصا على هداية أولئك الخصوم، فيبذل الأسباب والوسائل لتحقيق ما يؤدي إلى استقامتهم والتزامهم بمتابعة الحق المؤيد بالدليل، ويظهر اللين والتلطف معهم ".
ومن أمثلة ذلك: رسالته للشيخ عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف أحد علماء الإحساء، حيث يخاطبه فيقول:" سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد: فقد وصل إلينا من ناحيتكم رسالة فيها إنكار وتغليظ علي، ولما قيل إنك كنت معهم وقع في الخاطر بعض الشيء؛ لأن الله نشر لك الذكر الجميل، وأنزل في قلوب عباده لك من المحبة ما لم يؤته كثيرا من الناس "(2).
(1) الدائرة 1/ 309، ابن سعود، مورتمان
(2)
الدرر السنية 1/ 31
مع أن الشيخ المخاطب سبق له أن ألف رسالة في الرد على الشيخ سماها " سيف الجهاد لمدعي الاجتهاد"(1).
كما يخاطب الشيخ عبد الوهاب بن عبد الله بن عيسى فيقول: " إني أدعو لك في سجودي، وأنت وأبوك أجل الناس إلي وأحبهم عندي "(2).
ومع ذلك فقد عانى الشيخ محمد بن عبد الوهاب من الشيخ المخاطب وأبيه معاناة شديدة، وأصابه منهما نكد وهم، كما صرح به الشيخ في رسائله (3).
وهذا محمد بن فيروز الحنبلي المدافع عن الاستغاثة بالأموات، ومن ألد أعداء دعوة الشيخ، وقد كتب إلى الأتراك يستنجدهم لقتال البغاة الخارجين بنجد، وهو يقصد الشيخ وأتباعه، وحسبنا في بيان شدة كراهته وتعديه قوله: لعل الشيخ - يعني عبد الوهاب - غفل عند مواقعة أمه- يعني أم محمد بن عبد الوهاب- فسبقه الشيطان إليها فكان أبا هذا المارد " (4).
ومع ذلك يصف الشيخ ابن فيروز في إحدى رسائله: " ولكن تعرف ابن فيروز أنه أقربهم إلى الإسلام، وهو رجل من الحنابلة "(5).
(1) دعاوى المناوئين ص 36
(2)
مجموعة مؤلفات الشيخ، الرسائل الشخصية ص 281
(3)
مجموعة مؤلفات الشيخ، الرسائل الشخصية ص 314
(4)
محمد بن عبد الوهاب للندوي ص 171، وانظر: دعاوى المناوئين ص 37
(5)
مجموعة مؤلفات الشيخ، الرسائل الشخصية ص 206
كما كان أمراء آل سعود القائمون بنصرة الدعوة في نجد متسامحين، فهذا سعود أعظم أمراء الدولة ولى على المدينة النبوية قاضيا حنفيا من اسطنبول، كما أن قاضيه على القطيف كان من أهل فارس.
كما كان علماء الدعوة متسامحين رحماء، مع حرصهم على تطبيق أحكام الله تعالى، ويشهد كل من جالسهم باعتدالهم وسعة علمهم، ومن ذلك ما يذكره المؤرخ المصري الجبرتي:" أنه لما أرسل عبد الله بن سعود اثنين من علماء نجد لمصر للتفاوض مع محمد علي، وجلسوا مع علماء الأزهر استأنسوا بهما، وأعجبوا بخلقهما وعلمهما بعد أن ناقشوهما واستمعوا إليهما، وسألوا عن أهل مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وعن الكتب المصنفة في مذهبه، فقيل انقرضوا من أرض مصر بالكلية، واشتريا نسخا من كتب التفسير والحديث مثل الخازن والكشاف والبغوي والكتب الستة ".
وقال: " وقد اجتمعت بهما مرتين فوجدت منهما أنسا، وطلاقة لسان، واطلاعا وتضلعا، ومعرفة بالأخبار والنوادر،
ولهما من التواضع وتهذيب الأخلاق، وحسن الأدب، واستحضار الفروع الفقهية، واختلاف المذاهب ما يفوق الوصف" (1). كما شهد الرحالة الأسباني " دومنغوبادلي أي لبيخ " المعروف باسم الحاج علي بك العباسي - والذي عاصر الدولة السعودية الأولى وزار الحجاز إبان حكمهم، وشهد موكب الإمام سعود في مكة سنة 1806 م- باعتدال الوهابيين حيث قال: " إن الحقيقة تفرض علي أن أعترف أنني وجدت جميع الوهابيين الذين تحدثت إليهم على جانب من التعقل والاعتدال، وقد استقيت منهم كل المعلومات التي أوردوها عن مذهبهم. ولكن على الرغم من اعتدالهم لا يستطيع السكان والحجاج سماع مجرد اسمهم دون أن تمتلك الرجفة قلوبهم، ولا يتلفظون به إلا
(1) المختار من تاريخ الجبرتي 8/ 925 في أحداث شوال 1230 هـ