الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيا:
التوبة:
لا يخلو التعزير هنا: إما أن يكون لحق الله تعالى، وإما أن يكون حقا للعبد.
أ- فإن كان حقا لله تعالى، فقد أجمع العلماء على أنه يسقط بالتوبة. وقد صرح بذلك فقهاء الحنفية (1)، والمالكية (2)، وأما الشافعية فلم أر لهم- فيما اطلعت عليه- ذكرا لأثر التوبة في إسقاط التعزير الذي لحق الله، بيد أنهم فصلوا في أثر التوبة في إسقاط الحدود، وذكروا هناك وجهين، ولعل التعزير يدخل في التفصيل الذي ذكروه في الحدود (3).
وأما الحنابلة فقد ذكروا التوبة في التعزير الذي لحق الله، وتركوا الأمر لولي الأمر في ذلك (4).
جاء في حاشية ابن عابدين: "قوله: التعزير لا يسقط بالتوبة لما مر أن الذمي إذا لزمه التعزير، فأسلم، لم يسقط عنه، لكن هذا مقيد بما إذا كان حقا للعبد. أما ما وجب حقا لله تعالى فإنه يسقط. "(5).
(1) حاشية ابن عابدين 4/ 87
(2)
منح الجليل 9/ 355
(3)
روضة الطالبين. 10/ 158، 159، ومغني المحتاج 4/ 183، ونهاية المحتاج 8/ 8.
(4)
الكافي 4/ 243
(5)
حاشية ابن عابدين 4/ 87
وجاء في منح الجليل: " وإن جاء فاعل معصية الله تعالى تائبا سقط تعزيره "(1).
وجاء في روضة الطالبين: " السقوط بالتوبة، وقد سبق أن قاطع الطريق إذا هرب يطلب، ويقام ما يستوجبه من حد أو تعزير، فلو تاب قبل القدرة عليه، سقط ما يختص بقطع الطريق من العقوبات على المذهب، وقيل: قولان. وإن تاب بعد القدرة، لم يسقط على المذهب، وقيل: قولان. وهل تؤثر في إسقاط حد الزنى، والسرقة، والشرب في حق غير قاطع الطريق، وفي حقه قبل القدرة، وبعدها، فيه قولان. ثم ما يسقط بالتوبة في حق قاطع الطريق قبل القدرة يسقط بنفس التوبة. وأما توبته بعد القدرة، وتوبة الزاني، والسارق، فوجهان:
أحدهما: كذلك، ويكون إظهار التوبة كإظهار الإسلام تحت السيف.
والثاني: يشترط مع التوبة إصلاح العمل؛ ليظهر صدقه فيها.
ونسب الإمام هذا الوجه إلى القاضي حسين، والأول إلى سائر الأصحاب، والذي ذكره جماعة من العراقيين وغيرهم هو ما نسبه إلى القاضي، واحتجوا بظاهر القرآن، قال الله تعالى في قطاع الطرق:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} (2) لم
(1) منح الجليل 9/ 355
(2)
سورة المائدة الآية 34
يذكر غير التوبة، وقال في الزاني:{فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} (1)، وفي السرقة:{فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ} (2)، قال الإمام: معرفة إصلاح العمل بأن يمتحن سرا وعلنا، فإن بدا الصلاح أسقطنا الحد عنه، وإلا حكمنا بأنه لم يسقط، قال الإمام: وهذا مشكل؛ لأنه لا سبيل إلى حقيقته، وإن خلي، فكيف يعرف صلاحه؛ ويشبه أن يقال تفريعا على هذا: إذا أظهر التوبة، امتنعنا من إقامة الحد، فإن لم يظهر ما يخالف الصلاح، فذاك، وإن ظهر، أقمنا عليه الحد، وقد ذكرنا في باب حد الزنى في موضع القولين في سقوط الحد بالتوبة طريقين، أحدهما:
تخصيصهما بمن تاب قبل الرفع إلى القاضي، فإن تاب بعد الرفع، لم يسقط قطعا.
والثاني: طردهما في الحالين، وقد يرجع هذا الخلاف إلى أن التوبة بمجردها تسقط الحد، أم يعتبر الإصلاح، إن اعتبرناه اشترط مضي زمن يظهر به الصدق، فلا تكفي التوبة بعد الرفع" (3).
وجاء في الكافي: " ويجب التعزير في الموضعين اللذين ورد الخبر فيهما. . . فإن جاء تائبا معترفا يظهر منه الندم والإقلاع؛؛ جاز ترك تعزيره. وإن لم يكن كذلك وجب تعزيره؛ لأنه أدب مشروع لحق الله تعالى، فوجب كالحد "(4)
(1) سورة النساء الآية 16
(2)
سورة المائدة الآية 39
(3)
روضة الطالبين 10/ 158، 159
(4)
الكافي 4/ 243
والخلاصة: أن التعزير الواجب لحق الله تعالى يسقط بالتوبة إجماعا، وقد حكى غير واحد من العلماء هذا الإجماع.
قال القرافي عند كلامه عن الفرق بين قاعدة الحدود وقاعدة التعازير: " من الفروق أن التعزير يسقط بالتوبة ما علمت في ذلك خلافا ". (1).
ب-وإن كان التعزير حقا للعبد؛ فلا أثر للتوبة في إسقاطه. وبهذا صرح الحنفية (2)، والمالكية (3)، أما الشافعية (4) والحنابلة (5) فالذي يظهر من كلامهم أنهم لا يفرقون بين التعزير الذي لحق الله، والتعزير الذي لحق العبد من جهة التوبة؛ فهم يوكلون الأمر إلى ولي الأمر، فيقيم التعزير أو يتركه؛ بحسب ما يراه على الشخص المراد تعزيره من الندم، والإقلاع، والصلاح.
وقد سبق قريبا نص كلام الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وأما المالكية فقد جاء في حاشية الدسوقي: " قوله: إلا أن يجيء تائبا. أشار بهذا إلى أن التعزير المتمحض لحق الله يسقط عن مستحقه إذا جاء تائبا، بخلاف التعزير الذي لحق الآدمي،
(1) الفروق 4/ 181
(2)
حاشية ابن عابدين 4/ 87
(3)
حاشية الدسوقي 4/ 354
(4)
روضة الطالبين 10/ 158، 159
(5)
الكافي 4/ 243