الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جاء في الأحكام السلطانية للماوردي ولأبي يعلى: "ولا يتجاوز بصلبه ثلاثة أيام". (1).
ويمكن القول بأن هذه المدة لا دليل عليها، وإنما هي اجتهاد من الفقهاء رحمهم الله، ولعلهم رأوا أنه بعد ثلاثة أيام قد يتشوه الميت، أو تخرج رائحة كريهة. وهذه العلة قد تكون بعد يوم الصلب مع حرارة الجو، وما دام أن الغرض من الصلب هو التأديب والانزجار، فيمكن أن تتجاوز المدة ثلاثة أيام متى أمن الضرر على الميت، وكان تجاوز المدة فيها مصلحة راجحة.
ولذا يترك الأمر في تقدير هذه المدة لولى الأمر؛ ليأمر بما يرى فيه المصلحة، والعلم عند الله تعالى.
(1) الأحكام السلطانية للماوردي ص 389، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 283
سقوط العقوبة التعزيرية وأسبابه في الفقه:
ذكر الفقهاء- رحمهم الله أسبابا لسقوط العقوبة وعدم استيفائها، ومن هذه الأسباب:
أولا:
العفو:
التعزير الواجب إما أن يكون حقا للعبد أو حقا لله.
أ- حق العبد: وهو ما له إسقاطه؛ كالسب، والضرب، والإيذاء بوجه ما، وإن كان فيه حق لله تعالى؛ لأنه ما من حق لآدمي إلا ولله فيه حق؛ إذ من حق الله على كل مكلف ترك أذية
غيره من المعصومين.
ب- حق الله تعالى: وهو ما ليس لأحد إسقاطه، كالأكل في نهار رمضان، وتأخير الصلاة، وطرح النجاسة ونحوها في طريق العامة. .
1 -
حق العفو عن التعزير الذي لحق العبد:
اتفق الفقهاء رحمهم الله على أنه يجوز العفو عن التعزير الذي وجب لأجله.
جاء في بدائع الصنائع: " وأما صفته أي صفة التعزير- فله صفات. . . ومنها: أنه يحتمل العفو والصلح والإبراء؛ لأنه حق العبد خالصا، فتجري فيه هذه الأحكام، كما تجري في سائر الحقوق للعباد من القصاص، وغيره بخلاف الحدود ". (1).
وجاء في حاشية الدسوقي: " بخلاف التعزير لحق الآدمي، فإنه لا يسقط بذلك. نعم، يسقط لعفو صاحب الحق عنه". (2).
وجاء في الأحكام السلطانية للماوردي: " والوجه الثاني: أن الحد، وإن لم يجز العفو عنه، ولا الشفاعة فيه، فيجوز في
(1) بدائع الصنائع 7/ 64
(2)
حاشية الدسوقي 4/ 354
التعزير العفو عنه، وتسوغ الشفاعة فيه". (1).
وجاء في الأحكام السلطانية لأبي يعلى: " فهل يجوز في التعزير العفو، وتسوغ الشفاعة فيه. . .؟ نظرت: فإن تعلق بحق آدمي وعفا عن حقه، جاز عفوه ". (2).
2 -
العفو عن التعزير الذي لحق الله تعالى:
اختلف العلماء في العفو عن التعزير الذي لحق الله تعالى على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن ما نص عليه من التعزير كما في وطء جارية امرأته، أو المشتركة، وجب امتثال الأمر فيه. وما لم ينص عليه، إذا رأى الإمام المصلحة، أو علم أنه لا ينزجر إلا به وجب، وما علم أنه انزجر بدونه لا يجب، وإلى هذا ذهب الحنفية (3) وهو قول عند الحنابلة (4).
جاء في فتح القدير: " ولنا أن ما كان منصوصا عليه من التعزير، كما في وطء جارية امرأته، أو جارية مشتركة يجب امتثال الأمر فيه. وما لم يكن منصوصا عليه؛ إذا رأى الإمام- بعد مجانبة هوى نفسه- المصلحة، أو علم أنه لا ينزجر إلا به
(1) الأحكام السلطانية للماوردي ص 387.
(2)
الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 281
(3)
فتح القدير 5/ 346، والبحر الرائق 5/ 49، وحاشية ابن عابدين 4/ 80
(4)
المغني مع الشرح الكبير 10/ 349، والكافي 4/ 243
وجب؛ لأنه زاجر مشروع لحق الله تعالى، فوجب كالحد" (1). وجاء في الكافي:" ويجب التعزير في الموضعين اللذين ورد الخبر فيهما، وما عداهما يفوض إلى اجتهاد الإمام ". (2).
القول الثاني: أن إقامة التعزير إذا كان لحق الله واجب، لا يجوز العفو فيه. وهذا قول بعض فقهاء المالكية (3)، ويستثني بعضهم من ذلك إتيان من يراد تعزيره تائبا (4)، وهو المذهب عند الحنابلة بلا استثناء (5).
جاء في الشرح الكبير: " وعزر الإمام أو نائبه ممن له ذلك لمعصية الله. . . إلا أن يجيء تائبا "(6).
وجاء في الإنصاف: " باب التعزير، وهو واجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة. . . قوله: واجب، هذا المذهب مطلقا وعليه أكثر الأصحاب"(7).
القول الثالث: أن التعزير الذي لحق الله يجوز لولي الأمر
(1) فتح القدير 5/ 346
(2)
الكافي 4/ 243
(3)
الفروق 4/ 179، والشرح الكبير بهامش حاشية الدسوقي 4/ 354 وحاشية الدسوقي 4/ 354
(4)
الشرح الكبير بهامش حاشية الدسوقى 4/ 354 وحاشية الدسوقي 4/ 354
(5)
الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 282، والإنصاف 10/ 240
(6)
الشرح الكبير بهامش حاشية الدسوقي 4/ 354
(7)
الإنصاف 10/ 240
فيه أن يراعي الأصلح في العفو، أو التعزير، وهو المشهور عند المالكية (1) وإليه ذهب الشافعية (2).
جاء في المدونة: " قلت: أرأيت الشفاعة في التعزير أو النكال بعد بلوغ الإمام، أيصلح ذلك أم لا؛ قال: قال مالك في الذي يجب عليه التعزير، أو النكال، فيبلغ به الإمام، قال مالك: ينظر الإمام في ذلك؛ فإن كان لرجل من أهل المروءة والعفاف، وإنما هي طائرة أطارها، تجافى السلطان عن عقوبته.
وإن كان قد عرف بذلك، وبالطيش، والأذى ضربه النكال. فهذا يدلك على أن العفو والشفاعة جائزة في التعزير، وليست بمنزلة الشفاعة في الحدود " (3).
وجاء في روضة الطالبين: "الجناية المتعلقة بحق الله تعالى خاصة، يجتهد الإمام في تعزيرها بما يراه من ضرب، أو حبس، أو اقتصار على التوبيخ بالكلام. وإن رأى المصلحة في العفو فله ذلك ". (4).
الأدلة:
استدل من قال بوجوب إقامة التعزير إذا كان لحق الله تعالى بقولهم: إن التعزير زاجر مشروع لحق الله تعالى، فوجب
(1) المدونة 4/ 387، ومواهب الجليل 6/ 320
(2)
الأحكام السلطانية للماوردي ص 387، والمهذب 2/ 370، وروضة الطالبين 10/ 176، ومغني المحتاج 4/ 193
(3)
المدونة 4/ 387
(4)
روضة الطالبين 10/ 176.
كالحد (1). واستدل من قال: إن لولي الأمر الحق في التعزير أو العفو بأدلة منها:
1 -
(1) فتح القدير 5/ 346، والمغني مع الشرح الكبير 10/ 349
(2)
البخاري مع الفتح 5/ 34
«احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر " فقال الزبير: والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} (1)» وجه الاستشهاد: لو لم يجز ترك التعزير لعزره الرسول صلى الله عليه وسلم على ما قال (2).
2 -
ولما قسم النبي صلى الله عليه وسلم غنائم حنين، قال له رجل: والله إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله (3) ولم يعزره الرسول صلى الله عليه وسلم.
3 -
وترك النبي صلى الله عليه وسلم تعزير الذي غل من الغنيمة.
4 -
واستدلوا أيضا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم.
«أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود (4)» . قال الماوردي:
(1) سورة النساء الآية 65
(2)
المهذب 2/ 370
(3)
متفق عليه، البخاري مع الفتح 10/ 511، ومسلم بشرح النووي 7/ 158.
(4)
رواه أحمد 6/ 181، وأبو داود 4/ 540 واللفظ له، وقال المنذري: وفي إسناده عبد الملك بن زيد العدوي وهو ضعيف، مختصر سنن أبي داود 6/ 213، والنسائي في الكبرى 4/ 310، وانظر: تلخيص الحبير 4/ 149
وفي ذوي الهيئات هاهنا وجهان:
أحدهما: أنهم أصحاب الصغائر دون الكبائر.
والثاني: أنهم الذين إذا ألموا بالذنب ندموا عليه وتابوا منه. وفي عثراتهم هاهنا وجهان:
أحدهما: أنها صغائر الذنوب التي لا توجب الحدود.
والثاني: أنها أول معصية ذل فيها مطيع (1).
وجه الاستشهاد: قال الخطابي: " فيه دليل على أن الإمام مخير في التعزير، إن شاء عزر، وإن شاء ترك، ولو كان التعزير واجبا كالحد، لكان ذو الهيئة وغيره في ذلك سواء". (2).
القول الراجح:
والراجح- والله أعلم- هو القول الثاني والقائل بأن التعزير - الذي لحق الله يجوز لولي الأمر فيه مراعاة الأصلح من إقامته أو العفو عنه، إذ الغرض من التعزير هو التأديب، والتأديب قد يكون بالتعزير وقد يكون بالعفو، ولا يلزم بإقامة التعزير، قياسا على الحدود، لأن هذا من الفروق التي ذكرها بعض العلماء بين الحدود والتعازير (3).
(1) الحاوي 13/ 440
(2)
معالم السنن للخطابي، مطبوع مع سنن أبي داود 4/ 540
(3)
الفروق 4/ 179.