الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(يا أي) جعل المنادى غير معلوم أولا، فيكون كل سامع متطلعا إلى المنادى، فإذا خص واحدا كان في ذلك إنباء الكل لتطلعهم إليه، وإذا قال: يا زيد أو يا رجل لا يلتفت إلى جانب المنادي إلا المذكور، إذا علم هذا فنقول:(يا أيها) لا يجوز حمله على غفلة النبي صلى الله عليه وسلم لأن قوله: (النبي) ينافي الغفلة، لأن النبي عليه السلام خبير فلا يكون غافلا، فيجب حمله على خطر الخطب ".
المبحث الثالث: الفرق بين ندائه عليه الصلاة والسلام والإخبار عنه:
جاء نداء النبي صلى الله عليه وسلم بوصفه الشريف (الرسول) أو (النبي) تكريما وتقديرا له وتنويها بفضله ودلالة على رفعة مكانته وعلو منزلته عند ربه، وليربأ بمقامه الشريف عن أن يخاطب بمثل ما يخاطب به غيره.
وهذا بخلاف الإخبار عنه، فقد يجيء بهذا الوصف، كقوله تعالى:{يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ} (1)، وقوله تعالى:{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} (2) وقوله تعالى: {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} (3)
(1) سورة التحريم الآية 8
(2)
سورة الأحزاب الآية 6
(3)
سورة الأنفال الآية 1
وقوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} (1)، وقوله تعالى:{فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} (2).
وقد يجيء الإخبار عنه باسمه العلم مع إضافة صفة الرسول إليه وذلك في آيتين، قال تعالى:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} (3) وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (4).
وقد يجيء الإخبار عنه باسمه العلم مع الإشارة إلى رسالته، وذلك في آيتين، قال تعالى:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} (5) وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (6) وقد يجيء الإخبار عنه باسمه العلم مع الإشارة إلى رسالته، وذلك في آيتين، قال تعالى:{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (7) وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} (8) وفي بيان سبب إيثار نداء الرسول عليه الصلاة والسلام بوصفه: الشريف وعدم التزام ذلك في الإخبار عنه، يقول الزمخشري: " فإن
(1) سورة الفرقان الآية 30
(2)
سورة الأنفال الآية 41
(3)
سورة آل عمران الآية 144
(4)
سورة الفتح الآية 29
(5)
سورة آل عمران الآية 144
(6)
سورة الفتح الآية 29
(7)
سورة الأحزاب الآية 40
(8)
سورة محمد الآية 2
قلت: إن لم يوقع اسمه في النداء فقد أوقعه في الإخبار، في قوله:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} (1)، {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} (2)، قلت: ذاك لتعليم الناس بأنه. رسول الله، وتلقين لهم أن يسموه بذلك ويدعوه به، فلا تفاوت بين النداء والإخبار، ألا ترى إلى ما لم يقصد به التعليم والتلقين من الإخبار كيف ذكره بنحو ما ذكره في النداء، {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} (3)، {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ} (4)، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (5)، {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} (6)، {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} (7)، {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} (8)، {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ} (9)(10).
مراده: أن تلك المقامات يقصد فيها تعليم الناس بأن صاحب هذا الاسم هو رسول الله الواجب الإيمان به واتباعه، أو تلقين لهم بأن يسموه بهذا الوصف وينادوه به.
(1) سورة الفتح الآية 29
(2)
سورة آل عمران الآية 144
(3)
سورة التوبة الآية 128
(4)
سورة الفرقان الآية 30
(5)
سورة الأحزاب الآية 21
(6)
سورة التوبة الآية 62
(7)
سورة الأحزاب الآية 6
(8)
سورة الأحزاب الآية 56
(9)
سورة المائدة الآية 81
(10)
الكشاف 3/ 248، انظر: البحر المحيط: 7/ 210، تفسير التحرير والتنوير 21/ 250
وقد تعقب الزمخشري فيما ذكر بأن أمر التعليم والتلقين في قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} (1) ظاهر، أما في قوله تعالى:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} (2) فلا، على أن قوله تعالى:{وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ} (3) ينقض ما بناه.
نعم النداء يناسب التعظيم، وربما يكون نداء سائر الأنبياء عليهم السلام في كتبهم أيضا على نحو منه، وجاء في القرآن بأسمائهم دفعا للإلباس (4).
واختار الطيببي أن النداء بهذا الوصف الشريف؛ للاحتراس وجبر ما يوهمه الأمر والنهي الذي يعقب هذا النداء، كتقديم العفو قبل العتاب في قوله تعالى:{عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} (5)(6).
لكن ما ذكره لا يشمل جميع نداءاته عليه الصلاة والسلام، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (7)، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} (8) الآية. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} (9)؛ لأن ما بعد هذه النداءات أخبار.
(1) سورة الفتح الآية 29
(2)
سورة آل عمران الآية 144
(3)
سورة محمد الآية 2
(4)
ينظر: روح المعاني 21/ 143
(5)
سورة التوبة الآية 43
(6)
ينظر: روح المعاني 21/ 143
(7)
سورة الأنفال الآية 64
(8)
سورة الأحزاب الآية 50
(9)
سورة الأحزاب الآية 45