المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: النداء بصفة الرسالة: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٦١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

- ‌النذر والذبح للولي

- ‌حكم دعاء غير الله

- ‌دعوة الجن

- ‌حكم الغلو في القبور والآثار

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌ليلة القدر هي أفضل الليالي

- ‌ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان

- ‌علامة ليلة القدر

- ‌قد ترى ليلة القدر بالعين

- ‌تعريف الاعتكافوبيان المقصود منه

- ‌حكم الاعتكافوما يجب على المعتكف التزامه

- ‌محل الاعتكاف ووقته وحكم قطعه

- ‌ الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

- ‌حكم خروج المعتكفمن معتكفه للإتيان بعمرة

- ‌الذنوب تتضاعف فيالزمان والمكان الفاضل كيفا لا كما

- ‌مضاعفة الأعمال الصالحة بمكة

- ‌حكم التفرغ للعبادة في رمضان

- ‌ الدعاء في السجود بأمور الدنيا

- ‌ وضع المكياج بعد الوضوء

- ‌ صلى العشاء في جماعة والفجر مع الجماعة، هل يكتب له قيام الليل كله

- ‌ ينام بعض الناس في المسجد وهم يسبحون بالمسابح فهل يجب عليه إعادة الوضوء قبل الصلاة

- ‌ حكم من مس ذكره أثناء التنشيف بعد اغتساله

- ‌ نقض وضوء من مس ذكره

- ‌ لمس العورة أو حكها حتى ولو فوق الملابس ولو لم تتحرك شهوته هل ينقض الوضوء

- ‌ لمس المتوضئ يد زوجته فهل ينتقض وضوءه

- ‌ هل ينتقض الوضوء بملامسة أو (مصافحة) المرأة الأجنبية

- ‌ هل يفسد الوضوء بمجرد النظر إلى النساء والرجال العراة

- ‌ الوضوء من أكل لحم الجزور

- ‌ لحم الجزور، هل هو من نواقض الوضوء أم لا

- ‌رسالة في القرآن وكلام الله

- ‌ترجمة المؤلف:

- ‌التعريف بالرسالة:

- ‌نماذج من صور المخطوطة

- ‌النص محققا

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: رفعة قدره عليه الصلاة والسلام عند ربه عز وجل:

- ‌المبحث الثاني: النداء في القرآن الكريم:

- ‌الفصل الأول: أساليب نداء الله عز وجل نبيه عليه الصلاة والسلام:

- ‌المبحث الأول: النداء بصفة الرسالة:

- ‌المبحث الثاني: النداء بصفة النبوة:

- ‌المبحث الثالث: النداء بصفات أخرى:

- ‌المبحث الرابع: ما قيل: إنه نداء للنبي صلى الله عليه وسلم وهو ليس كذلك:

- ‌الفصل الثاني: ما يعقب نداءه عليه الصلاة والسلام والمعاني التي تضمنها:

- ‌المبحث الأول: ما يعقب النداء في القرآن الكريم:

- ‌المبحث الثاني: ما يعقب نداءه عليه الصلاة والسلام في القرآن:

- ‌المبحث الثالث: المعاني التي تضمنها نداؤه صلى الله عليه وسلم:

- ‌الفصل الثالث: خصائص نداء النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن:

- ‌المبحث الأول: نداؤه عليه الصلاة والسلام بالوصف لا باسمه العلم:

- ‌المبحث الثالث: الفرق بين ندائه عليه الصلاة والسلام والإخبار عنه:

- ‌الخاتمة:

- ‌تنفيذ العقوبة التعزيرية في الفقه

- ‌المقصود بتنفيذ العقوبة التعزيرية في الفقه:

- ‌القواعد العامة لتنفيذ العقوبة التعزيرية:

- ‌ عمومية التعزير:

- ‌ من يقيم التعزير:

- ‌ علانية التعزير:

- ‌ مكان التعزير:

- ‌كيفية تنفيذ العقوبات التعزيرية في الفقه:

- ‌ تنفيذ عقوبة الجلد:

- ‌ آلة الجلد:

- ‌ جلد الرجل:

- ‌ هل يجلد الرجل قائما أو قاعدا

- ‌ صفة المجلود عند جلده:

- ‌ جلد المرأة:

- ‌ تجريد المرأة من ثيابها:

- ‌ هيئة المرأة عند الجلد:

- ‌ من يتولى جلد المرأة:

- ‌ صفة الجلد:

- ‌ موضع الضرب من الجسم:

- ‌صفة مسك السوط:

- ‌ أقل الجلد:

- ‌ أشد الضرب:

- ‌ وقت إقامة الجلد:

- ‌ تنفيذ عقوبة السجن:

- ‌ مكان السجن:

- ‌ صفة السجن:

- ‌ مدة السجن:

- ‌ حالات خروج السجين:

- ‌ ما يمنع المحبوس عنه:

- ‌ عزل الرجال عن النساء:

- ‌ تنفيذ عقوبة القتل:

- ‌ تنفيذ عقوبة النفي:

- ‌ المقصود بعقوبة النفي:

- ‌ 2 - مشروعية النفي:

- ‌ 3 - الحكمة من عقوبة النفي:

- ‌ مدة النفي:

- ‌ تنفيذ عقوبة الصلب:

- ‌ كيفية الصلب:

- ‌ ما لا يمنع عن المصلوب:

- ‌ مدة الصلب:

- ‌سقوط العقوبة التعزيرية وأسبابه في الفقه:

- ‌ العفو:

- ‌ التوبة:

- ‌ الموت:

- ‌دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهابفي دائرة المعارف الإسلامية

- ‌تمهيد: تعريف بدائرة المعارف الإسلامية:

- ‌الطعن في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب:

- ‌ نظرة عامة لما في الدائرة:

- ‌ عدم وجود الأدلة على ما زعموا:

- ‌ علماء الدعوة وتكفير المسلمين:

- ‌ وصف أتباع محمد بن عبد الوهاب بالمشبهة:

- ‌ اتهامهم بإنكار الإجماع والقياس:

- ‌ اتهامهم بالتطرف والتشدد والتزمت:

- ‌ فيما يتعلق بالقبور:

- ‌ الرد على وصفهم بالقرصنة:

- ‌ فيما يتعلق بتجارة الرقيق:

- ‌ فيما يتعلق بالتقليد:

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌المبحث الأول: النداء بصفة الرسالة:

وقد يخرج النداء عن معناه الأصلي إلى معان أخرى تفهم من سياق الكلام وقرائن الأحوال، ومما ورد في القرآن:

ا- إظهار التحسر، كقوله تعالى:{قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} (1).

2 -

الإهانة، كقوله تعالى:{ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ} (2).

3 -

إظهار الشفقة والعطف، كقوله تعالى:{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} (3).

4 -

التأنيس والتلطف، كقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} (4){يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} (5) وغير ذلك.

(1) سورة الأنعام الآية 31

(2)

سورة الواقعة الآية 51

(3)

سورة الصف الآية 5

(4)

سورة المزمل الآية 1

(5)

سورة المدثر الآية 1

ص: 188

جاء في سبب نزول الآية أقوال منها:

أولا: عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: «مر على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمما مجلودا فدعاهم صلى الله عليه وسلم، فقال: هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قالوا: نعم. فدعا رجلا من علمائهم، فقال: أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قال: لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجده الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، قلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه، فأمر به فرجم، فأنزل الله عز وجل: إلى قوله: يقول: ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه، وإن أفتاكم

(1) رواه مسلم مع شرح النووي في صحيحه- كتاب الحدود- باب حد الزنا، 11/ 209، 210.

(2)

مسودا وجهه بالفحم، القاموس (حمم) 4/ 101. (1)

(3)

سورة المائدة الآية 41 (2){يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ}

ص: 189

بالرجم فاحذروا، فأنزل الله تعالى:،، في الكفار كلها (4)».

ثانيا: أنها نزلت في أقوام من اليهود قتلوا قتيلا، وقالوا: تعالوا نتحاكم إلى محمد، فإن حكم بالدية فاقبلوه، وإن حكم بالقصاص فلا تسمعوا منه (5)، قاله ابن عباس.

ثالثا: أنها نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر بقوله لبني قريظة حين حاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم: إنما هو الذبح فلا تنزلوا على حكم سعد قاله السدي (6)، والصحيح القول الأول.

في هذه الآية نداء من الله عز وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام بـ {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} (7) تشريفا له ورفعة لقدره وبيانا لعلو منزلته، حيث لم يناده باسمه العلم، وفي هذا تعليم وتأديب

(1) سورة المائدة الآية 41 (3){إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ}

(2)

سورة المائدة الآية 44 (1){وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}

(3)

سورة المائدة الآية 45 (2){وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}

(4)

سورة المائدة الآية 47 (3){وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}

(5)

ينظر: جامع البيان 6/ 150 تفسير القرآن العظيم 2/ 58، الدر المنثور3/ 74، 75.

(6)

ينظر: جامع البيان 6/ 149، 150، الدر المنثور 3/ 78.

(7)

سورة المائدة الآية 41

ص: 190

للمؤمنين، يتضمن النهي عن مخاطبته باسمه، والأمر بأن يخاطبوه بوصفه، وهكذا كان يدعوه الصحابة. ولما جهل هذا الأدب بعض الأعراب لما كانوا عليه من خشونة البادية وجفائها فكانوا ينادونه باسمه (يا محمد) أنزل الله عز وجل:{لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} (1) الآية (2).

وقد نهى الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية عن الحزن والأسى على كفر هاتين الطائفتين، المنافقين {الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} (3) أي: أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر، فإن الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب لم يعدل به صاحبه غيره، ولم يبغ به بدلا.

{وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا} (4) أي: اليهود {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ} (5) أي: مستجيبون ومقلدون لرؤسائهم وأئمتهم، المبني أمرهم على الكذب والضلال والغي، وهؤلاء الرؤساء والأئمة المتبعون {لَمْ يَأْتُوكَ} (6) بل أعرضوا عنك، وفرحوا بما عندهم من الباطل {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} (7) أي: يتأولونه على غير تأويله الحق، ويبدلونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون {يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} (8) أي: يقول بعضهم لبعض: إن حكم لكم محمد

(1) سورة النور الآية 63

(2)

ينظر: لباب النقول 162، التفسير الكبير 11/ 238، البحر المحيط 3/ 487.

(3)

سورة المائدة الآية 41

(4)

سورة المائدة الآية 41

(5)

سورة المائدة الآية 41

(6)

سورة المائدة الآية 41

(7)

سورة المائدة الآية 41

(8)

سورة المائدة الآية 41

ص: 191

بهذا الحكم الذي يوافق هواكم فاقبلوا حكمه، وإن لم يحكم لكم به، فاحذروا أن تتابعوه على ذلك.

وقوله: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} (1) كقوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (2)، {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} (3) فلذلك صدر منهم ما صدر من اتباع الهوى والإعراض عن الحق {لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ} (4) أي: فضيحة وعار {وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (5) أي: النار وما فيها (6).

2 -

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (7).

جاء في سبب نزول هذه الآية أقوال منها:

أولا: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلا نظروا أعظم شجرة يرونها فجعلوها للنبي صلى الله عليه وسلم، فينزل تحتها، وينزل أصحابه بعد ذلك في ظل الشجر، فبينما هو نازل تحت شجرة وقد علق السيف عليها إذ جاء أعرابي فأخذ السيف من الشجرة

(1) سورة المائدة الآية 41

(2)

سورة القصص الآية 56

(3)

سورة المائدة الآية 41

(4)

سورة المائدة الآية 41

(5)

سورة المائدة الآية 41

(6)

ينظر: تفسير القرآن العظيم 2/ 58، 59، تفسير التحرير والتنوير 6/ 194، 195.

(7)

سورة المائدة الآية 67

ص: 192

ثم دنا من النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم فأيقظه: فقال: يا محمد من يمنعك مني؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله» فأنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (1) الآية.

ثانيا: عن عائشة رضي الله عنها قالت: «سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فقلت: يا رسول الله ما شأنك؟ قال: ألا رجل صالح يحرسنا الليلة؟ فبينما نحن في ذلك سمعت صوت السلاح فقال من هذا؟ قال سعد وحذيفة: جئنا نحرسك، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعت غطيطه، ونزلت هذه الآية، فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من قبة أدم، وقال: انصرفوا يا أيها الناس، فقد عصمني الله (2)» .

ثالثا: ما رواه الحسن البصري ومجاهد وابن جريح: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يهاب قريشا ويخشى تكذيبهم إياه،

(1) سورة المائدة الآية 67

(2)

جاء الحديث بهذا اللفظ في أسباب النزول للواحدي 233، 234، ورواه الطبري مختصرا في تفسيره 6/ 197، وكذا الحاكم في المستدرك - كتاب التفسير 2/ 313 وقال:" هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه " ووافقه الذهبي، والحديث في صحيح مسلم - كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم باب فضل سعد بن أبي وقاص 7/ 124، لكن بدون ذكر نزول الآية.

ص: 193

فأنزل الله هذه الآية (1)».

في هذه الآية نادى ربنا عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بوصفه الشريف: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} (2) ثم أمره بتبليغ ما أنزل إليه، فكان نداؤه بهذا الوصف في غاية المناسبة، حيث اصطفاه الله عز وجل وشرفه وأعلى قدره، وحمله تبليغ هذا الدين ودعوة الناس إليه، معتصما به سبحانه، واثقا بنصره وإعانته، معرضا عما سواه.

والمراد بقوله: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (3) الديمومة في ذلك وألا يتوقف عند أي عارض، غير مراقب في ذلك أحدا، ولا خائف أن يناله مكروه أبدا.

قال ابن عاشور: وفي الإتيان بضمير المخاطب في قوله: {إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (4) إيماء عظيم إلى تشريف الرسول صلى الله عليه وسلم بمرتبة الوساطة بين الله والناس، إذ جعل الإنزال إليه ولم يقل إليكم أو إليهم، كما قال في آية آل عمران:{وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} (5)، وقوله:{لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (6) وفي تعليق الإنزال بأنه من الرب تشريف للمنزل.

(1) ينظر: جامع البيان 6/ 198، أسباب النزول للواحدي 232، 233، الدر المنثور 3/ 116، 117.

(2)

سورة المائدة الآية 67

(3)

سورة المائدة الآية 67

(4)

سورة المائدة الآية 67

(5)

سورة آل عمران الآية 199

(6)

سورة النحل الآية 44

ص: 194

والإتيان بلفظ الرب هنا دون اسم الجلالة؛ لما في التذكير بأنه ربه من معنى كرامته، ومن معنى أداء ما أراد إبلاغه كما ينبغي من التعجيل والإشاعة، والحث على تناوله والعمل بما فيه.

وقوله: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (1) أي: إذا لم تبلغ جميع ما أنزل إليك، فتركت بعضه لم تكن مبلغا رسالته؛ لأن كتمان البعض مثل كتمان الجميع في الاتصاف بعدم التبليغ، وجاء الشرط بـ (إن) التي شأنها في كلام العرب عدم اليقين بوقوع الشرط؛ لأن عدم التبليغ غير مظنون به صلى الله عليه وسلم، وإنما فرض هذا الشرط ليبنى عليها الجواب، وهو قوله:{فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (2) وقوله: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (3) افتتح باسم الجلالة للاهتمام به؛ لأن المخاطب والسامعين يترقبون عقب الأمر بتبليغ كل ما أنزل إليه أن يلاقي عنتا وتكالبا عليه من أعدائه، فافتتح تطمينه بذكر اسم الله؛ لأن المعنى: هذا ما عليك، وأما ما علينا فالله يعصمك، والعصمة هنا: الحفظ والوقاية من كيد أعدائه، وقد جاء الوعد بها في القرآن أيضا، قال تعالى:{فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} (4)(5).

وقد يقال: أين ضمان العصمة وقد شج وجهه عليه الصلاة والسلام في غزوة أحد وكسرت رباعيته؟.

(1) سورة المائدة الآية 67

(2)

سورة المائدة الآية 67

(3)

سورة المائدة الآية 67

(4)

سورة البقرة الآية 137

(5)

تفسير التحرير والتنوير 6/ 259، 262 بتصرف.

ص: 195

قيل: المراد أنه يعصمه من القتل وأما دون ذلك من أنواع الأذى فذلك مما ناله عليه الصلاة والسلام؛ ليكون قدوة وأسوة لأمته.

وفيه التنبيه على أنه يجب عليه أن يتحمل كل ما دون النفس من أنواع البلاء، وقيل: إن الآية نزلت بعد يوم أحد (1).

وقد أعيد افتتاح الخطاب لنبينا صلى الله عليه وسلم بوصف الرسول إشعارا بمنتهى شرفه، ولهذا الوصف في هذا الخطاب الثاني موقع زائد على موقعه في الخطاب الأول (2)، فكما ثبت جنانه بالخطاب الأول أن لا يهتم بمكائد أعدائه ومسارعتهم في الكفر وإعراضهم عنه، حذر بالخطاب الثاني من ملاينتهم في إبلاغهم قوارع القرآن وأحكامه وشرائعه، خشية إعراضهم أو أذاهم (3).

وهنا ذكر بعض الباحثين: أنه يتجه النداء في القرآن الكريم إلى رسولنا عليه الصلاة والسلام بصيغة (يا أيها الرسول) حينما يكون الحديث عن رسالته العامة، أو عما يعترضها من معوقات،

(1) وهو قوله: يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر الآية 41

(2)

ينظر: الكشاف 1/ 631، التفسير الكبير 12/ 53، تفسير التحرير والتنوير 6/ 263.

(3)

ينظر: تفسير التحرير والتنوير 6/ 257

ص: 196