الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المحتويات
الافتتاحية
وصايا للطلبة والطالبات لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ 7
الفتاوى
* من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ 21
* من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز 41
* من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ 61
* من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 71
البحوث
* توحيد الألوهية لفضيلة الدكتور عواد بن عبد الله المعتق 91
وسطية أهل السنة والجماعة في باب القدر لفضيلة الدكتور عبد الله بن سليمان الغفيلي 167
* الأحاديث الواردة هما لزوم الجماعة (في دراسة حديثية فقهية) لفضيلة الدكتور حافظ بن محمد الحكمي 223
* الأشياء، المختلف في ماليتها عند الفقهاء لفضيلة الدكتور صالح بن عبد الله اللحيدان 305
* بيان من سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء حول التطاول على االرسول صله الله عليه وسلم 375
صفحة فارغة PgPg 6
صفحة فارغة
وصايا للطلبة والطالبات
لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
مفتي عام المملكة العربية السعودية
من عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ إلى الإخوة والأبناء من الطلاب والطالبات. . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن الله تعالى يقول: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} (1)، ويقول سبحانه:{فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} (2)، ويقول عز وجل:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (3)، ويقول صلى الله عليه وسلم:«الدين النصيحة (4)» .
إخوتي وأبنائي يقول الله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} (5)،
(1) سورة الذاريات الآية 55
(2)
سورة الأعلى الآية 9
(3)
سورة المائدة الآية 2
(4)
صحيح مسلم الإيمان (55)، سنن النسائي البيعة (4198)، سنن أبو داود الأدب (4944)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 102).
(5)
سورة الفرقان الآية 62
فتعاقب الليل والنهار ومرور الأيام والشهور والأعوام فيه عبرة عظيمة للمعتبرين، وتذكرة لمن أراد أن يتذكر فيستعتب من ذنوبه ويستأنف عملا صالحا، وفيه فسحة لمن أراد أن يستغلهما في شكر الله بدوام طاعته والخضوع له.
إخوتي وأبنائي. . . ها نحن الآن في استقبال عام دراسي جديد قد طوينا قبله أعواما، فحري بنا أن نقف أولا وقفة تذكر وتفكر واعتبار بمضي الأيام والأعوام، ثم هذا التذكر والتفكر في الحال والمال لا بد أن يورث فينا توبة صادقة مما سلف منا من ذنوب وآثام؛ لأن الله تعالى يقول:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (1)، ومع التوبة يكون منا الاستعداد والاجتهاد في عبادة الله عز وجل، والتقرب إليه بأنواع القربات والطاعات التي تكون لنا زلفى عند ربنا عز وجل.
وأجل أنواع الطاعات وأعظم القربات أداء الفرائض من توحيد الله عز وجل، وإخلاص الدين له سبحانه، والمحافظة على الصلوات الخمس جماعة في المساجد، وأداء الزكاة على من وجبت عليه متى حل وقتها وإيصالها لمستحقها، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلا، وكذلك أيضا بر الوالدين، وصلة الأرحام، والأمر بالمعروف،
(1) سورة النور الآية 31
والنهي عن المنكر.
وبعد الفرائض تأتي النوافل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الذي يرويه عن ربه عز وجل:«يقول الله تعالى: " من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها (1)» ،. . . " الحديث.
ومن أعظم ما يتقرب به العبد إلى ربه طلب العلم، وذلك أنه وسيلة الوصول إلى معرفة الله عز وجل، ومعرفة حقه سبحانه وعبادته حق العبادة، وأداء حقه على عباده.
والعلم كما ذكر ابن الجوزي وغيره من الأئمة منه ما هو فرض عين، ومنه ما هو فرض كفاية، ومنه المباح، ومنه المذموم، فالعلم المفروض منه ما هو فرض عين، وهو ما يتعين وجوبه على الشخص من توحيد الله، ومعرفة أوامره، وحدوده في العبادات والمعاملات التي يحتاج إليها.
ومن العلوم ما هو فرض كفاية، وهو كل علم لا يستغنى عنه في قوام الدنيا كالطب والحساب، وأصول الصناعات كالفلاحة والحياكة والحجامة، ويدخل في ذلك أيضا العلوم الحديثة التقنية والمهنية ونحوها مما يكون به تقدم المسلمين واكتفاؤهم بأنفسهم،
(1) صحيح البخاري الرقاق (6502).
فلو خلا البلد عمن يقوم بهذه العلوم والصناعات أثم أهل البلد جميعا، وإذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين.
ومن العلوم ما يكون مباحا كالعلم بالأشعار التي لا سخف فيها، ومنها ما يكون مذموما كعلم السحر والطلسمات.
والمقصود أن طلب العلم في الأصل فريضة حتى يكون المسلم عابدا لربه على بصيرة، وقد جاءت آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم حاثة على طلب، العلم مثنية على أهله، مشيدة به وبأدواته، يقول الله تعالى:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (1){خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} (2){اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} (3){الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} (4){عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (5)، ويقول سبحانه:{الرَّحْمَنُ} (6){عَلَّمَ الْقُرْآنَ} (7){خَلَقَ الْإِنْسَانَ} (8){عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} (9)، ويقول عز وجل:{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (10)، ويقول سبحانه:{هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (11)، وقال عز وجل:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (12)، وقال سبحانه:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (13).
(1) سورة العلق الآية 1
(2)
سورة العلق الآية 2
(3)
سورة العلق الآية 3
(4)
سورة العلق الآية 4
(5)
سورة العلق الآية 5
(6)
سورة الرحمن الآية 1
(7)
سورة الرحمن الآية 2
(8)
سورة الرحمن الآية 3
(9)
سورة الرحمن الآية 4
(10)
سورة طه الآية 114
(11)
سورة الزمر الآية 9
(12)
سورة فاطر الآية 28
(13)
سورة المجادلة الآية 11
والرسل عليهم الصلاة والسلام هم قدوة العلماء والمربين، فرسالتهم رسالة تطهير وتزكية وتعليم، يقول عز وجل:{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (1).
والنبي صلى الله عليه وسلم حث على طلب العلم فقال: «من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر (2)» .
«وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم له كتاب يهود، قال:" إني والله ما آمن يهود على كتاب "، قال: فما مر بي نصف شهر حتى تعلمته له، قال: فلما تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم، وإذا كتبوا
(1) سورة آل عمران الآية 164
(2)
صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2699)، سنن الترمذي القراءات (2945)، سنن أبي داود الأدب (4946)، سنن ابن ماجه المقدمة (225)، مسند أحمد (2/ 514)، سنن الدارمي المقدمة (344).
إليه قرأت له كتابهم "، وقال صلى الله عليه وسلم: " سلوا الله علما نافعا، وتعوذوا بالله من علم لا ينفع (1)».
ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (اغد عالما أو متعلما، ولا تغد بين ذلك)، ويقول أيضا رضي الله عنه:(إن أحدا لا يولد عالما، وإنما العلم بالتعلم).
ويقول علي رضي الله عنه لرجل من أصحابه: (يا كميل العلم خير من المال، العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والعلم حاكم، والمال محكوم عليه، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو بالإنفاق).
ويقول أبو الدرداء رضي الله عنه: (العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتوق الشر يوقه).
ويقول عبد الله بن الشخير: (فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة، وخير دينكم الورع).
ويقول الشافعي رحمه الله: (طلب العلم أفضل من صلاة النافلة).
وقال أبو بكر البصري: دخلت على سهل بن عبد الله ومعي المحبرة فقال لي: تكتب؟ قلت: نعم، قال:" اكتب، فإن استطعت أن تلقى الله عز وجل ومعك المحبرة فافعل ".
والإمام أبو بكر بن السني رحمه الله حين حضرته الوفاة كانت المحبرة بين يديه فتركها ورفع يديه ودعا ثم مات.
(1) سنن الترمذي الاستئذان والآداب (2715)، سنن أبي داود العلم (3645).
والآيات والأحاديث وكلام السلف في هذا المعنى أكثر من أن أحصيه، وإنما قصدت الإشارة إلى طرف من فضل العلم والحث عليه مما يبين أن ديننا دين العلم، يقول تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (1)، وقد أشار الله سبحانه بأدوات التعلم من القلم وما يكتب عليه، فأقسم الله سبحانه بها لتعظيم شأنها، يقول عز وجل:{ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} (2).
والذي ينبغي التنبيه له أن النصوص التي في فضل العلم إنما يقصد بها العلم الشرعي في المقام الأول، وقد يلحق به في بعض النصوص العلوم التي بها قوام دنيا الناس؛ لأن صلاح دنيا المسلمين واستقامة معاشهم عز لهم وذل لأعدائهم، وهذا من مقاصد الشارع الحكيم، فكان لزاما على أهل الإسلام أن يعتنوا بالعلم الشرعي ويؤصلوه في مناهجهم الدراسية، ويعلموه لأبنائهم ويربوهم عليه؛ لأنه هو العلم النافع، وأن يكون العلم الشرعي هو ركيزة سائر العلوم والحاكم عليها، وليعلم المسلمون أنه لا تعارض بين العلوم المادية النظرية التي فيها مصالح العباد في دنياهم وبين العلوم الشرعية؛ إذ إن الشرع جاء باعتبار ما يكون فيه صلاح دنيا الناس وحثهم على
(1) سورة يوسف الآية 108
(2)
سورة القلم الآية 1
السعي في ذلك، يقول سبحانه:{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} (1)، ويقول سبحانه:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} (2)، ويقول سبحانه:{فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} (3).
وغير ذلك من النصوص، وهذا لا يتحقق إلا بتعلم الوسائل الموصلة إليه، فكان العلم بأمور الدنيا علما معتبرا، والله تعالى قد حث المؤمنين على التوازن بين طلب الآخرة والسعي في هذه الدنيا بما يكون معه عزهم ورفعتهم، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (4).
فالواجب أن يكون التعليم في بلاد المسلمين موجها لأهداف عظمى أهمها:
- توثيق الصلة بين العبد وربه من خلال تعليمه التوحيد، وما يجب عليه من حق الله تعالى، وتعليمه كيف يعبد ربه.
(1) سورة القصص الآية 77
(2)
سورة الجمعة الآية 10
(3)
سورة الملك الآية 15
(4)
سورة البقرة الآية 201
- التركيز على ما به نهوض الأمة الإسلامية في شتى المجالات، وليكن الانطلاق والارتكاز على العلم الشرعي الذي يرشد لباقي العلوم، ويحقق الفائدة المرجوة منها.
- بعث التفاؤل في نفوس الأبناء وأن دين الله باق ومنصور مهما كاد له الأعداء، فما كيدهم إلا في تباب وخسار، وما مكرهم إلا عائد عليهم، والأمر كما قال تعالى:{يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (1).
ثم الوصية لإخواني وأبنائي الطلاب والطالبات بإخلاص النية لله عز وجل في طلب العلم، واستحضار أن هذا العمل عبادة لله عز وجل، والله تعالى يقول:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (2)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» .
وكذلك أيضا عليكم بالجد في الطلب، فإن العلم ثقيل، يقول الله تعالى:{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} (3)، ويقول سبحانه:{يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} (4)،
(1) سورة التوبة الآية 32
(2)
سورة البينة الآية 5
(3)
سورة المزمل الآية 5
(4)
سورة مريم الآية 12
ويقول صلى الله عليه وسلم: «منهومان لا يشبعان: منهوم في علم لا يشبع، ومنهوم في دنيا لا يشبع (1)» .
وأيضا ينبغي للطالب أن يحذر من أن يكون همه من التعلم طلب الدنيا والظهور والبروز والحصول على المناصب، خاصة في العلوم التي يبتغى بها وجه الله تعالى، يقول صلى الله عليه وسلم:«من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة (2)» .
وينبغي للطالب والطالبة أن يبتعدوا عن الذنوب، فإنها سبب لعذاب الله، وهي من أسباب نسيان العلم، يقول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه:(إني لأحسب الرجل ينسى العلم كان يعلمه بالخطيئة يعملها).
وينبغي للطالب والطالبة التواضع في حال التحصيل وعدم التكبر عن العلم أو على المعلمين، وكذلك أيضا الجرأة بأدب وعدم الحياء، يقول مجاهد بن جبر رحمه الله:" لا ينال العلم مستحي ولا مستكبر ".
وينبغي للطالب والطالبة أيضا عدم المماراة والمجادلة والمباهاة بالعلم والدخول في الصراعات الفكرية التي لا طائل تحتها، بل تفرق ولا تجمع، وتضر ولا تنفع، يقول الله تعالى:{وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا} (3)،
(1) سنن الدارمي المقدمة (334).
(2)
سنن أبي داود العلم (3664)، سنن ابن ماجه المقدمة (252)، مسند أحمد (2/ 338).
(3)
سورة الأنفال الآية 46
ويقول عز وجل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (1)، ويقول صلى الله عليه وسلم:«لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا تخيروا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار (2)» .
وينبغي للطالب والطالبة أن يجلوا معلميهم ومعلماتهم، ولا يرفعوا عليهم أصواتهم، بل يحترمونهم ويقدرونهم؛ لأنهم هم السبب الذي يوصل إليهم الخير، ويقربهم إلى الله تعالى إن أحسنوا النية واحتسبوا الأجر، كما أوصي أخواتي وبناتي الطالبات بالتصون والتستر وعدم التعطر حال الخروج إلى المدرسة أو منها؛ لأن هذا محرم ومنكر.
أسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، وأن يصلح أحوال المسلمين، ويجنبنا الشرور والآفات، وأن يبارك في أبنائنا وبناتنا ويصلحهم ويوفقهم لكل خير، إنه سبحانه سميع مجيب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
المفتي العام للمملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء
(1) سورة آل عمران الآية 103
(2)
سنن ابن ماجه المقدمة (254).
صفحة فارغة PgPg 18
صفحة فارغة
الفتاوى
من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ
من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
صفحة فارغة PgPg 20
صفحة فارغة
من فتاوى سماحة الشيخ
محمد بن إبراهيم آل الشيخ
مفتي الديار السعودية رحمه الله
ملحق في إنكار الاحتفال بالمولد النبوي
والرد على الشنقيطي
بعدما نشر ردنا على الشنقيطي كتب مرة أخرى في الموضوع رددنا عليها بالسرد التالي:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد وآله وصحبه وسلم، وبعد:
فقد نشرت جريدة " الندوة " في العدد الصادر يوم السبت 16/ 4/ 1382هـ للشنقيطي محمد مصطفى العلوي في تبرير الاحتفال بالمولد النبوي مقالا آخر تحت عنوان: " هذا ما يقوله ابن تيمية في الاحتفال المشروع بذكرى المولد النبوي ".
مضمون ذلك المقال أن شيخ الإسلام ابن تيمية يرى الاحتفال بالمولد النبوي، واعتمد الشنقيطي في تلك الدعوى على ثلاثة أمور:
1 -
قول شيخ الإسلام في " اقتضاء الصراط المستقيم " في بحث المولد: فتعظيم المولد واتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس، ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قدمت أنه يستحسن من بعض الناس ما يستقبح من المؤمن المسدد.
يقول الشنقيطي: فكلام شيخ الإسلام - يقصد هذه العبارة - صريح في جواز عمل مولد النبي صلى الله عليه وسلم الخالي من منكرات تخالطه.
2 -
قول شيخ الإسلام في " الاقتضاء " أيضا: فإذا رأيت من يعمل هذا - أي: المنكر - ولا يتركه إلا إلى شر منه، فلا تدع إلى ترك منكر بفعل ما هو أنكر، أو بترك واجب أو مندوب تركه أضر من فعل ذلك المكروه.
يقول الشنقيطي: من الجدير بالذكر ما أشار إليه شيخ الإسلام أن مرتكب البدعة لا ينهى عنها إذا كان نهيه يحمله إلى ما هو شر منها، ومن المعلوم عند العموم أن أكثر أهل هذا الزمان يضيعون الليالي وخصوصا ليلة الجمعة في سماع أغاني أم كلثوم وغيرها من حفلات صوت العرب الخليعة مما يذيعه الراديو والتلفزيون، فلا يخفى على مسلم عاقل أن سماع ذكر صفة وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير
من سماع الأغاني الخليعة والتمثيليات الماجنة.
3 -
دعوى أن شيخ الإسلام ابن تيمية لا ينكر الابتداع في تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويذكر الشنقيطي أن أكبر شاهد على ذلك تأليفه " كتاب الصارم المسلول ".
هذا ما ذكره الشنقيطي مما برر به هذه الدعوى الباطلة.
والحق أنه إنما أتي من سوء فهم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وسيرته، وفي نوع ما وقع فيه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب " الاستغاثة ": الوهم إذا كان لسوء فهم المستمع لا لتفريط المتكلم لم يكن على المتكلم بذلك بأس، ولا يشترط في العلماء إذا تكلموا في العلم أن لا يتوهم من ألفاظهم خلاف مرادهم، بل ما زال الناس يتوهمون من أقوال الناس خلاف مرادهم، وهذا هو عين ما وقع للشنقيطي في عبارات شيخ الإسلام ابن تيمية، وإلى القراء بيان ذلك فيما يلي:
أما قول شيخ الإسلام: فتعظيم المولد واتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس، ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فليس فيه إلا الإثابة على حسن القصد، وهي لا تستلزم مشروعية العمل الناشئة عنه، ولذلك ذكر شيخ الإسلام أن هذا العمل - أي: الاحتفال بالمولد - يستقبح من المؤمن
المسدد، ولكن الشنقيطي أخذ أول العبارة دون تأمل في آخرها.
وفي أول بحث المولد في " اقتضاء الصراط المستقيم " فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الذين يتخذون المولد عيدا محبة للنبي صلى الله عليه وسلم ص 294، 295:
والله تعالى قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدا مع اختلاف الناس في مولده؛ فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضى وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيرا محضا أو راجحا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا؛ فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما له منا، وهم على الخير أحرص، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطنا وظاهرا، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان.
فهذا تصريح من شيخ الإسلام بأن إثابة من يتخذ المولد عيدا محبة للنبي صلى الله عليه وسلم من ناحية حسن قصده لا تقتضي مشروعية اتخاذ المولد عيدا ولا كونه خيرا؛ إذ لو كان خيرا محضا أو راجحا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا؛ لأنهم أشد محبة وتعظيما لرسول الله منا.
ثم بعد ذلك صرح شيخ الإسلام بذم الذين يتخذون المولد عيدا فقال في ص
295، 296: أكثر هؤلاء الذين تجدونهم حرصاء على أمثال هذه البدع، مع ما لهم فيها من حسن القصد والاجتهاد الذي يرجى لهم به المثوبة، تجدونهم فاترين في أمر الرسول عما أمروا بالنشاط فيه، وإنما هم بمنزلة من يحمل المصحف ولا يقرأ فيه، أو يقرأ فيه ولا يتبعه، وبمنزلة من يزخرف المسجد ولا يصلي فيه، أو يصلي فيه قليلا، وبمنزلة من يتخذ المسابح والسجادات المزخرفة وأمثال هذه الزخارف الظاهرة التي لم تشرع ويصحبها من الرياء الكثير والاشتغال عن المشروع ما يفسد حال صاحبها.
وقال شيخ الإسلام في " الاقتضاء " ص 371: من كانت له نية صالحة أثيب على نيته، وإن كان الفعل الذي فعله ليس بمشروع، إذا لم يتعمد مخالفة الشرع، وصرح في ص 290 بأن إثابة الواقع في المواسم المبتدعة متأولا ومجتهدا على حسن قصده لا تمنع النهي عن تلك البدع، والأمر بالاعتياض عنها بالمشروع الذي لا بدعة فيه، وذكر أن ما تشتمل عليه تلك البدع من المشروع لا يعتبر مبررا لها.
كما صرح في كلامه على مراتب الأعمال بأن العمل الذي يرجع صلاحه لمجرد حسن القصد ليس طريقة السلف الصالح، وإنما ابتلي به كثير من المتأخرين، وأما السلف الصالح فاعتناؤهم بالعمل الصالح المشروع الذي لا كراهة فيه بوجه من الوجوه، وهو العمل الذي تشهد له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: وهذا هو الذي يجب تعلمه وتعليمه والأمر به على حسب مقتضى الشريعة من إيجاب واستحباب.
أضف إلى هذا أن نفس قول شيخ الإسلام: فتعظيم المولد واتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس، ويكون له أجر عظيم لحسن قصده إلخ، إنما ذكره بصدد الكلام على عدم محاولة إنكار المنكر الذي يترتب على محاولة إنكاره الوقوع فيما هو أنكر منه، يعني: أن حسن نية هذا الشخص ولو كان عمله غير مشروع خير من إعراضه عن الدين بالكلية.
ومن الأدلة على عدم قصده تبرير الاحتفال بالمولد تصريحاته
في كتبه الأخر بمنعه، يقول في " الفتاوى الكبرى ": أما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار، فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف الصالح ولم يفعلوها.
وقال في بعض فتاواه: فأما الاجتماع في عمل المولد على غناء ورقص ونحو ذلك واتخاذه عبادة، فلا يرتاب أحد من أهل العلم والإيمان أن هذا من المنكرات التي ينهى عنها، ولا يستحب ذلك إلا جاهل أو زنديق.
وأما قول شيخ الإسلام: فإذا رأيت من يعمل هذا - أي: المنكر - ولا يتركه إلا إلى شر منه فلا تدع إلى ترك منكر بفعل ما هو أنكر، أو بترك واجب أو مندوب تركه أضر من فعل ذلك المكروه.
فمن غرائب الشنقيطي الاستدلال به على مشروعية الاحتفال بالمولد ما دام شيخ الإسلام يسمي ذلك منكرا، وإنما اعتبر ما يترتب على محاولة إزالته من خشية الوقوع في أنكر منه عذرا عن تلك المحاولة، من باب اعتبار مقادير المصالح والمفاسد.
وقد بسط شيخ الإسلام الكلام على هذا النوع في رسالته في " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "، ومن ضمن بحثه في ذلك قوله: ومن هذا الباب
ترك النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أبي بن سلول وأمثاله من أئمة النفاق والفجور لما لهم من أعوان، فإزالة منكره بنوع من عقابه مستلزمة إزالة معروف أكثر من ذلك بغضب قومه وحميتهم، وبنفور الناس إذا سمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه، ولهذا لما خطب الناس في قضية الإفك بما خطبهم به واستعذر منه، وقال له سعد بن معاذ قوله الذي أحسن فيه، حمي له سعد بن عبادة مع حسن إيمانه وصدقه، وتعصب لكل منهما قبيلته حتى كادت تكون فتنة.
ومن هذا يعلم أن لا ملازمة بين ترك النهي عن الشيء لمانع وبين إباحة ذلك الشيء كما تخيله الشنقيطي، وقد فاته أن هذه العبارة التي نقلها عن شيخ الإسلام في عدم النهي عن المنكر إذا ترتب عليه الوقوع في أنكر منه، لا تصلح جوابا لمن سأل عن الاحتفال بالمولد هل هو بدعة أم لا؟ في بلد لا يقام فيه ذلك الاحتفال، وإنما تعتبر جوابا لمن سأل عن حكم الإنكار على من اتخذ المولد عيدا إذا ترتب على الإنكار الوقوع في أنكر منه.
كما فاته أن ما ذكره من جهة أغاني أم كلثوم وما عطفه عليها لا يعتبر مبررا للابتداع، فإن الباطل إنما يزال بالحق لا بالباطل، قال تعالى:{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} (1)،
(1) سورة الإسراء الآية 81
وليس النهى عن الاحتفال بالمولد من ناحية قراءة السيرة، بل من ناحية اعتقاد ما ليس مشروعا مشروعا، والتقرب إلى الله تعالى بما لم يقم دليل على التقرب به إليه، ومن أكبر دليل على عدم اعتبار ما ذكره الشنقيطي أن المواضع التي تقام فيها الاحتفالات بالموالد ما حالت بينها وبين الاستماع لأغاني أم كلثوم وما عطف عليها، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم أرفع من أن لا تقرأ في السنة إلا في أيام الموالد.
وأما دعوى الشنقيطي فتح شيخ الإسلام ابن تيمية باب الابتداع فيما يتعلق بتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، فكتابات شيخ الإسلام ابن تيمية تدل أوضح دلالة على بطلانها، فقد قرر فيها أن كيفية التعظيم لا بد من التقيد فيها بالشرع، وأنه ليس كل تعظيم مشروعا في حق النبي صلى الله عليه وسلم، فإن السجود تعظيم ومع ذلك لا يجوز لغير الله، وكذلك جميع التعظيمات التي هي من خصائص الألوهية لا يجوز تعظيم الرسول بها، كما قرر في غير موضع من كتبه أن الأعمال المضادة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وإن قصد فاعلها التعظيم فهي غير مشروعة لقوله تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (1)، ويستدل كثيرا بما
(1) سورة آل عمران الآية 31
جاء في النصوص من النهي عن الإطراء، وكلامه في ذلك كثير لا يحتاج إلى الإطالة بذكره ما دامت المراجع بحمد الله موجودة، هذا على سبيل العموم.
أما ما يخص مسألة اتخاذ المولد النبوي عيدا بدعوى التعظيم فقد تقدم قول شيخ الإسلام ابن تيمية فيه: إنه لم يفعله السلف مع قيام المقتضى، وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيرا محضا أو راجحا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا؛ فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما له منا، وهم على الخير أحرص، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطنا وظاهرا ونشر ما بعث به والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان.
وتمثيل الشنقيطي " بالصارم المسلول " لدعواه فتح شيخ الإسلام ابن تيمية لباب الابتداع في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم إنما نشأ من عدم تدبر كلام شيخ الإسلام في مقدمته، فإنه قد بين فيها أن مضمون الكتاب " الصارم المسلول " بيان الحكم الشرعي الموجب لعقوبة من سب النبي صلى الله عليه وسلم من مسلم أو كافر بيانا مقرونا بالأدلة، ومن نظر إلى الأدلة التي سردها