الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كذلك.
6 -
إذا حلف شخص لا مال له، وله منافع، يحنث عند الجمهور، خلافا للحنفية (1).
7 -
لو أقر بمال مجملا، ثم فسره بمنفعة، هل يقبل تفسيره أو لا؟ رأيان (2).
(1) مغني المحتاج (2/ 2).
(2)
المصدر السابق.
المبحث الثالث: في مالية الآدمي
للآدمي خصوصية عن غيره؛ حيث يجب شرعا تكريمه باعتباره إنسانا، بصرف النظر عما يتصف به من ذكورة أو أنوثة، ومن حرية أو رق، ومن صغر أو كبر، بل ومن إسلام أو كفر (1). وذلك عملا بقوله تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} (2) وهذا التكريم له عدة مظاهرة منها: تكريم بني آدم بالعقل والتمييز، ومنها تكريمهم بحسن الخلق والنطق، والتقويم، ومنها: أن الله عز وجل قد سخر لهم غيرهم من المخلوقات في الجملة، وسلطهم عليها، ومن ذلك ما ذكره
(1) الموسوعة الكويتية (1/ 95).
(2)
سورة الإسراء الآية 70
القرطبي: (لأنهم يكسبون المال خاصة دون الحيوان).
لذلك كان الأصل في الآدمي أن يكون هو المالك للمال، لا أن يكون هو المال، وقد سخر الله تعالى له ما في الأرض جميعا، ولكن لما كان يقع عليه بالرق الملك، والتقوم، والإحراز، والتمول، وهي من خصائص المال، شابه الحيوان والمتاع في ذلك، فصار له شبهان مختلفان حكما، هما: المالية، والآدمية. فوقع عند الفقهاء الكلام في ماليته، رغبة في مراعاتها مع مراعاة بقاء التكريم الذي ذكرناه آنفا عملا بالشبهين جميعا.
لذا فقد اتفق الفقهاء -رحمهم الله تعالى- على أن الآدمي الحر ليس بمال وتواترت عباراتهم في ذلك، وقد جاء الوعيد الشديد فيمن تمول حرا وباعه وأكل ثمنه، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر،
ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره (1)».
وذهب بعض أهل العلم في قول مهجور إلى أن الحر يباع في الدين؛ فقد جاء في فتح الباري: (وروى ابن أبي شيبة
…
ومن طريق زرارة بن أوفى أحد التابعين أنه (أي عمر بن الخطاب رضي الله عنه) باع حرا في دين، ونقل ابن حزم أن الحر كان يباع في الدين حتى نزلت:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (2) ونقل عن الشافعي مثل رواية زرارة، ولا يثبت ذلك أكثر الأصحاب، واستقر الإجماع على المنع) (3).
وقد كان في شريعة يعقوب عليه السلام أن السارق الحر يدفع إلى المسروق منه فيكون رقيقا له، كما قال تعالى:{قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} (4).
ثم اختلفوا في مالية الآدمي الرقيق:
فذهب جمهور الفقهاء إلى أن الرقيق مال متقوم كغيره من
(1) صحيح البخاري -كتاب البيوع- باب إثم من باع حرا (4/ 417) برقم (2227).
(2)
سورة البقرة الآية 280
(3)
فتح الباري (4/ 418).
(4)
سورة يوسف الآية 75
الأموال.
واحتجوا بأن المالية تتبع التقوم والإحراز على وجه التمول، وذلك موجود في الرقيق، فيكون مالا، كالبهيمة والمتاع.
وقال بعض الحنفية: إن الرقيق وإن كان فيه معنى المالية لكنه ليس مالا حقيقة.
واحتجوا بما يلي:
1 -
أن المال إنما خلق لمصالح الآدمي، فلا يكون الآدمي بنفسه مالا.
2 -
أنه لا يجوز قتل العبد وإهلاكه. وهذا دليل على عدم ماليته (1).
ولا شك عندي في رجحان ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، فإن أهم أمارات المالية الانتفاع والتقوم والمعاوضة، وهي قائمة في الرقيق، ولا يتعارض هذا مع تكريمه لآدميته، وتسخير سائر ما في الأرض له. وأما ما احتج به الآخرون من أنه لا يجوز قتل العبد وإهلاكه، وأن هذا أمارة عدم ماليته؛ فغير مسلم؛ لأن القتل والإهلاك ليس انتفاعا، والانتفاع يعتبر في كل مال بما يصلح له، ولا يجوز إهلاك
(1) البحر الرائق (5/ 277).
شيء من المال بلا انتفاع أصلا، لا في العبد، ولا في البهيمة، ولا في غيرهما، إلا بسبب موجب. وعليه: فمنع قتل العبد وإهلاكه ليس دليلا على عدم ماليته (1).
أثر الحلاف في مالية الآدمي:
ما ذكره الفقهاء في هذه المسألة له أثر في مسائل عديدة في أبواب الفقه تتأثر به، فمن هذه المسائل:
أولا: من سرق حرا هل يقطع؟
أما الحر الكبير فلا يقطع بسرقته بالإجماع لأنه ليس بمال (2)، وأما الحر الصغير: فاختلف فيه على قولين:
القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن سارقه لا يقطع أيضا وعللوا ذلك بأنه ليس بمال، ولا يؤثر عدم تمييزه؛ كالكبير النائم. وبه قال بعض المالكية (3).
القول الثاني: ذهب المالكية إلى أن سارق الحر الصغير يقطع.
(1) راجع: رد المحتار (4/ 502).
(2)
راجع: المغني (12/ 422)، والمحلى (11/ 337)، ومختصر القدوري (3/ 204).
(3)
راجع: المغني (12/ 422)، والمحلى (11/ 337)، ومختصر القدوري (3/ 204).
وذكره أبو الخطاب رواية عن أحمد (1). واستدلوا بما يلي:
1 -
ما روي عن عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر له أن رجلا يسرق الصبيان فأمر بقطعه (2)» .
2 -
أنه حيوان غير مميز سرق من حرز مثله فيقطع سارقه؛ كالبهيمة، ولكن استدلالهم هذا غير مسلم فإنه يفارق البهيمة في أهم مقومات القطع وهو المالية فهو ليس مالا.
وأما الحديث الذي استدلوا به فهو ضعيف. فهو من رواية عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة بن الزبير عن هشام بن عروة، وقد نقل البيهقي عن أبي الحسن الدارقطني قوله:(تفرد به عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة عن هشام بن عروة، وهو كثير الخطأ على هشام، ضعيف الحديث) وكذلك ساقه ابن حزم سياق من يضعفه؛ فقد قال: (وقد جاء في هذا أثر لا علينا أن نذكره لأن الحنيفين يأخذون بأقل منه إذا وافقهم) ثم ذكره (3).
كما يجاب بأنه عام ليس فيه تخصيص حر من عبد، فلعله -على فرض صحته- يحمل على من يسرق الصبيان الأرقاء،
(1) المعونة (3/ 1420)، وبداية المجتهد (2/ 552)، والمغني لابن قدامة (12/ 442).
(2)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى -كتاب السرقة- باب ما جاء في من سرق عبدا صغيرا من حرز (8/ 268)، وابن حزم في المحلى (11/ 337).
(3)
المحلى (11/ 337). وانظر: مغني المحتاج (4/ 173).
وإخراج البيهقي له في (باب ما جاء في من سرق عبدا صغيرا) يدل على أنه يراه كذلك، والله تعالى أعلم.
وهنا أنبه إلى أن من الفقهاء من لم يعتبر المالية في المسروق شرطا؛ بل اعتبر تعلق النفوس به كافيا لقطع يد سارقه. ومنهم ابن العربي المالكي حيث قال -بعد أن ذكر تعليل المانعين لقطعه بأنه ليس بمال-: (قلنا: هو أعظم من المال ولم يقطع السارق في المال لعينه؛ وإنما لتعلق النفوس به وتعلقها بالحر أكثر من تعلقها بالعبد)(1).
ثانيا: من سرق عبدا هل يقطع؟
أما العبد الصغير فذهب عامة أهل العلم إلى أن من سرقه فعليه القطع، وحكى بعضهم الإجماع على ذلك؛ وذلك لأن سارقه سارق مال مملوك تبلغ قيمته نصابا، فوجب القطع عليه؛ كسائر الأموال.
وذكر عن أبي يوسف صاحب أبي حنيفة أنه استحسن أنه لا يقطع سارق العبد الصغيرة لأنه آدمي من وجه مال من وجه، ولأن من لا يقطع بسرقته كبيرا لا يقطع بسرقته صغيرا كالحر (2).
(1) أحكام القرآن لابن العربي (2/ 609).
(2)
الهداية (2/ 121).
ونوقش ذلك: بأنه يفارق الحر فإن الحر ليس بمال ولا مملوك، ويفارق الكبير لأن الكبير لا يسرق ما دام عقله معه؛ وإنما يخدع بشيء أو يكون مطيعا لسارقه (1).
وعليه فالراجح رأي عامة أهل العلم بأن سارق العبد الصغير كسارق غيره من الأموال إذ لا فرق بين من يسرق عبدا صغيرا لا يميز وبين من يسرق بهيمة بجامع المالية وعدم التمييز، والله تعالى أعلم.
العبد الكبير: فإن سارقه لا يقطع؛ إلا أن يكون العبد الكبير مجنونا، أو نائما، أو أعجميا لا يميز بين سيده وبين غيره في الطاعة؟ فإن سارقه يقطع وفيما عدا ذلك لا يقطع؛ لأنه لا يمكن سرقته إلا بموافقته. وهذا هو الذي رأيته منصوصا لدى الفقهاء ولم أجد لهم رأيا يخالفه، إلا ما ذكره ابن رشد في بداية المجتهد أن رأي مالك فيه أن يقطع (2)، ولكن الذي رأيته منصوصا في كتب المذهب خلافه.
ثالثا: إذا اعتدي على عبد بالقتل فهل يضمنه القاتل بقيمته بالغة ما بلغت، ولو زادت على دية الحر (3)؛ باعتباره مالا متقوما؟
(1) المغني، والمحلى. الصفحات السابقة.
(2)
بداية المجتهد (2/ 552).
(3)
راجع: التلقين ص (509)، وشرح الخرشي على مختصر خليل (8/ 94).
أما إن كانت قيمته لا تبلغ دية الحر؟ فإنه يضمن بقيمته بالإجماع (1). وأما إذا بلغت قيمته دية الحر أو زادت عليها؛ فقد اختلفوا في ضمانه على قولين:
القول الأول: أنه يضمن بقيمته بالغة ما بلغت ولو زادت على دية الحر. وهذا هو مذهب مالك، والشافعي، وأحمد، وأبي يوسف -صاحب أبي حنيفة - لأن العبد مال متقوم فيضمن بكمال قيمته كالفرس.
القول الثاني: أنه لا يبلغ به دية الحر، وهو مذهب أبي حنيفة وصاحبه محمد بن الحسن وحكاه أبو الخطاب رواية عن أحمد مراعاة لنقص العبد عن الحر، وأن التقدير في الحر ينبه إلى أن العبد لا يزاد عليه (2) وناقش الأولون هذا بأن بين الحر والعبد فرقا؛ من حيث إن ضمان الحر ليس بضمان مال، ولذلك لم يختلف باختلاف صفاته، بل فيه الدية المقدرة بالشرع مطلقا، وأما ضمان العبد فهو ضمان مال؛ يزيد بزيادة مالية العبد وينقص بنقصانها، فاختلفا (3).
(1) المغني (11/ 504).
(2)
اللباب شرح الكتاب (3/ 169)، والمغني (11/ 505).
(3)
المغني (11/ 505).
وقد حدد أبو حنيفة ومحمد النقص بعشرة دراهم، فقالوا: إذا كانت قيمة العبد عشرة آلاف درهم أو أكثر؛ فإنه يضمن بعشرة آلاف إلا عشرة، وإذا كانت دية الأمة خمسة آلاف درهم فأكثر؛ فإنها تضمن بخمسة آلاف إلا عشرة؛ وذلك لأن دية الحر عشرة آلاف، ودية الحرة خمسة آلاف درهم عندهم (1).
قلت: ولعل تحديد العشرة الدراهم هنا مبني على نصاب القطع في السرقة فإنه عندهم عشرة دراهم.
وبالتأمل في القولين يظهر لي رجحان رأي الجمهور، وأن العبد مضمون بالقيمة بالغة ما بلغت؛ كغيره من الأموال، وما ذكره الحنفية مجرد تعليل ضعيف لا يكفي لنقل العبد عن حكم جنسه.
رابعا: من القواعد المتفق عليها عند الشافعية: أن الحر لا يدخل تحت اليد، ولذا قالوا إن منفعة الحر مضمونة بالتفويت، فإذا قهر حرا وسخره في عمل ضمن أجرته.
ولكن جرى الخلاف عندهم في ثلاث مسائل تتعلق بمنافع الحر:
إحداها: لا تضمن منفعة الحر بالفوات تحت اليد، فلو قهر حرا، وحبسه، وعطل منافعه لم يضمن هذه المنافع على الأصح؛ لأن الحر لا
(1) اللباب في شرح الكتاب (3/ 169).
يدخل تحت اليد، فمنافعه تفوت تحت يده؛ بخلاف المال.
وقال ابن أبي هريرة: يضمنها.
الثانية: لو استأجر حرا وأراد أن يؤجره هل له ذلك؟
قال الأكثرون منهم: له أن يؤجره، وقال القفال: لا يؤجره؛ لأن الحر لا يدخل تحت اليد، ولا تحصل منافعه في يد المستأجر ويدخل في ضمانه إلا عند وجودها.
الثالثة: إذا أسلم الحر نفسه للمستأجر ولم يستعمله المستأجر إلى انقضاء المدة التي استأجره فيها؛ هل تتقرر أجرته؟
الخلاف فيها كسابقتها للتعليل ذاته (1).
ولكن خلافهم في المسائل الثلاث غير مبني على خلاف في القاعدة لديهم، بل هي متفق عليها. قال النووي:(ولم يجعلوا دخول الحر تحت اليد مختلفا فيه، بل اتفقوا على عدمه، ولكن من جوز إجارة المستأجر وقرر الأجرة بنى الأمر على الحاجة والمصلحة، وجعل الغزالي الخلاف في المسائل مبنيا على التردد في دخوله تحت اليد ولم نر ذلك لغيره).
(1) فتح العزيز (11/ 263)، وروضة الطالبين (5/ 14).
خامسا: هل يجوز بيع لبن الآدمية إذا حلب؟
اختلف في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه لا يجوز بيع لبن الآدمية ولا ينعقد، وهذا مذهب الحنفية وبعض الحنابلة، وعللوا المنع: بأن اللبن ليس بمال؛ لأنه لا يحل الانتفاع به شرعا على الإطلاق، بل لضرورة تغذية الطفل فقط، وما حرم الانتفاع به إلا لضرورة لا يكون مالا، وما ليس بمال لا يحل بيعه، ولأنه جزء من الآدمية، والآدمي بجميع أجزائه محترم مكرم، وليس من الكرامة والاحترام ابتذاله بالبيع والشراء.
ولا فرق عند الحنفية -في ظاهر الرواية- بين لبن الحرة والأمة، بل لا يصح بيعهما. وذهب أبو يوسف إلى جواز بيع لبن الأمة دون الحرة؛ لأنه جزء من آدمي هو مال فكان محلا للبيع كسائر أجزائه. وهو رأي لبعض الحنابلة. وناقشه الحنفية بأن الجواز يتبع المالية، ولا مالية للإنسان إلا ما كان محلا للرق، وهو الحي، ولا حياة في اللبن؛ فلا يحل بيعه كالبول والدم (1).
القول الثاني: أنه يجوز بيع لبن الآدمية إذا حلب؛ لأنه لبن
(1) المصادر السابقة.