الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فاجهد جهدك.
وقال الدارمي بعد أن ذكر أن قوما أنكروا سابق علم الله في خلقه وما الخلق عاملون قبل أن يعملوا: " وهذا المذهب الذي ادعوه في علم الله قد وافقهم على بعضه بعض المعتزلة؛ لأنه لا يبقى مذهب الفريقين جميعا إلا برد علم الله، فكفى به ضلالا؛ ولأنهم متى ما أقروا بعلم سابق خصموا، كذلك قال عمر بن عبد العزيز "(1).
(1) الرد على الجهمية للدارمي ص (118)، (110).
المرتبة الثانية: الإيمان بكتابة المقادير
وهي الإيمان بأن الله - تعالى - قد كتب في اللوح المحفوظ الذي لم يفرط فيه من شيء مقادير الخلق قبل أن يخلقهم، فدخل في ذلك أعمال المكلفين ومصيرهم (1).
ومن الأدلة في ذلك من الكتاب: قول الله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (2)، وقوله:{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (3)،
(1) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (3/ 148)، ومعارج القبول (2/ 332).
(2)
سورة الأنعام الآية 38
(3)
سورة الحج الآية 70
وقوله: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (1)، وقوله:{وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (2).
وقال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (3){إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ} (4).
يقول العلامة ابن القيم: " والزبور هنا جميع الكتب المنزلة من السماء، لا تختص بزبور داود، والذكر أم الكتاب الذي عند الله، والأرض: الدنيا، وعباده الصالحون: أمة محمد صلى الله عليه وسلم، هذا أصح الأقوال في هذه الآية، وهي علم من أعلام نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه أخبر بذلك بمكة، وأهل الأرض كلهم كفار أعداء له ولأصحابه، والمشركون قد أخرجوهم من ديارهم
(1) سورة الأنعام الآية 59
(2)
سورة يونس الآية 61
(3)
سورة الأنبياء الآية 105
(4)
سورة الأنبياء الآية 106
ومساكنهم وشتتوهم في أطراف الأرض، فأخبرهم ربهم تبارك وتعالى أنه كتب في الذكر الأول أنهم يرثون الأرض من الكفار، ثم كتب ذلك في الكتب التي أنزلها على رسله، والكتاب قد أطلق عليه الذكر في قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث:«كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء (1)» ، فهذا هو الذكر الذي كتب فيه أن الدنيا تصير لأمة محمد صلى الله عليه وسلم " (2).
ومن الأدلة في ذلك من السنة حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول ما خلق الله القلم، قال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة (3)» .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كتب الله مقادير
(1) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، كتاب القدر (4/ 72).
(2)
شفاء العليل ص (88).
(3)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده 5/ 317، وأبو داود: كتاب السنة 5/ 76، والترمذي: كتاب القدر (4/ 458)، وابن أبي عاصم في السنة (1/ 48)، رقم (108)، وقال الألباني: حديث صحيح. انظر السنة لابن أبي عاصم (1/ 47 - 50).