الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: دراسة الأحاديث الواردة في الحث على لزوم الجماعة
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: الأحاديث الواردة في الجماعة
.
المبحث الثاني: الأحاديث الواردة في السمع والطاعة لولاة الأمر.
المبحث الأول: الأحاديث الواردة في الجماعة.
1 -
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: «كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال:" نعم "، قلت: وهل بعد هذا الشر من خير؟ قال: " نعم، وفيه دخن " قلت: وما دخنه؟ قال: " قوم يهدون بغير هديي، ويستنون بغير سنتي، تعرف منهم وتنكر " قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: " نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها ". قلت: يا رسول الله صفهم لنا. قال: " هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا ". قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: " تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ". قالت: فإن
(1) صحيح البخاري الفتن (7084)، صحيح مسلم الإمارة (1847)، سنن أبي داود الفتن والملاحم (4244)، مسند أحمد (5/ 404).
لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك (1)».
أخرجه البخاري (2) ومسلم (3) وابن ماجه (4) كلهم من طريق أبي إدريس الخولاني عن حذيفة، به.
وأخرجه مسلم (5) من طريق أبي سلام الأسود عن حذيفة، فذكره. وفيه:«قلت: فهل وراء ذلك الخير من شر؟ قال: " نعم ". قلت: كيف؟ قال: " يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس " قال: قلت: " كيف أصنع يا رسول الله إن أدركني ذلك؟ " قال: " تسمع وتطيع للأمير، وإن كان ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع (6)» .
2 -
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نضر الله (7) امرأ سمع مقالتي فوعاها وحفظها
(1) دخن: بالمهملة ثم المعجمة المفتوحتين بعدها نون: هو الحقد، وقيل: فساد القلب. فتح الباري 12/ 32. (1)
(2)
صحيح البخاري مع الفتح (كتاب المناقب، ح 3606، كتاب الفتن، ح 7084).
(3)
صحيح مسلم (كتاب الإمارة، ح 1847).
(4)
سنن ابن ماجه (كتاب الفتن، ح 3979).
(5)
صحيح مسلم (كتاب الإمارة، ح 1847)(52).
(6)
صحيح البخاري الفتن (7084)، صحيح مسلم الإمارة (1847)، سنن أبي داود الفتن والملاحم (4244)، مسند أحمد (5/ 406).
(7)
سنن الترمذي العلم (2658)، سنن ابن ماجه المقدمة (232).
وبلغها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة أئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن الدعوة تحيط من ورائهم».
أخرجه الترمذي (1) قال: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، فذكره.
وأخرجه الشافعي (2)، عن سفيان، به. وصحح سنده الألباني (3).
وأخرجه الحاكم (4) من طريق الشافعي به.
وأخرجه الترمذي (5) وابن ماجه (6) من طريق سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عبد الله به مختصرا، وليس فيه «ثلاث لا يغل عليهن (7)». . . إلخ ". وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(1) سنن الترمذي (كتاب العلم، ح 2658).
(2)
الرسالة (ص 401).
(3)
تخريج المشكاة مع المشكاة (1/ 78).
(4)
معرفة علوم الحديث (ص 322).
(5)
سنن الترمذي (كتاب العلم، ح 2657).
(6)
سنن ابن ماجه (المقدمة، ح 232).
(7)
سنن الترمذي العلم (2658).
والحديث صحيح لشواهده، ففي سنده شيخ الترمذي ابن أبي عمر العدني، قال ابن حجر في التهذيب:" وثقه ابن معين والدارقطني، وقال أبو حاتم: فيه غفلة، وكان صدوقا ".
وقال ابن حجر في التقريب: " صدوق ".
وسفيان هو ابن عيينة الإمام المشهور. وعبد الله بن عمير ثقة من رجال الشيخين، قال ابن حجر:" تغير حفظه وربما دلس ".
وعبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ثقة من رجال الشيخين، لكن للحديث شواهد كثيرة، فقد روى الحديث جمع من الصحابة، منهم: زيد بن ثابت، وجبير بن مطعم، رضي الله عنهما.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في تخريج المختصر (1): " حديث مشهور خرج في السنن أو بعضها من حديث ابن مسعود وزيد بن ثابت وجبير بن مطعم، وصححه ابن حبان والحاكم. وذكر أبو القاسم ابن منده في تذكرته أنه رواه عن المصطفى أربعة وعشرون صحابيا، ثم سرد أسماءهم ".
وذكره السيوطي في كتابه " قطف الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة "(2).
وجمع شيخنا الشيخ عبد المحسن العباد (3) طرقه ودرسها
(1) فيض القدير (6/ 284).
(2)
قطف الأزهار المتناثرة (ص 28) رقم (2).
(3)
كتاب دراسة حديث " نضر الله امرءا سمع مقالتي، (ص 211).
دراسة مستفيضة، وأثبت أنه متواتر.
3 -
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة؛ فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، ومن أراد بحبحة الجنة فعليه بالجماعة (1)» .
أخرجه ابن أبي عاصم (2) عن إسماعيل بن سالم والترمذي (3) عن أحمد بن منيع، كلاهما عن النضر بن إسماعيل أبي المغيرة، حدثنا محمد بن سوقة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن عمر (فذكره).
وهذا لفظه عند ابن أبي عاصم، وهو عند الترمذي في سياق حديث طويل.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الألباني: " حديث صحيح، رجاله ثقات غير النضر بن إسماعيل أبي المغيرة، فإنه ليس بالقوي وقد توبع ".
قلت: النضر بن إسماعيل قد اختلف فيه، فقال أبو زرعة
(1) سنن الترمذي الفتن (2165)، سنن ابن ماجه الأحكام (2363)، مسند أحمد (1/ 18).
(2)
السنة (1/ 42).
(3)
سنن الترمذي (كتاب الفتن، 2165).
والنسائي: ليس بالقوي.
وقال الإمام أحمد: ليس بقوي يعتبر بحديثه، ووثقه غيرهم فقال العجلي: ثقة.
وقال الدارقطني: صالح، وقال ابن عدي: أرجو أن لا بأس به.
واختلف فيه قول ابن معين، فمرة قال: ليس بشيء، وعنه: قال صدوق (1).
والذي يظهر أن أقل أحواله أن حديثه حسن لغيره، فقد تابعه ابن المبارك كما أشار الترمذي والألباني، وهذه المتابعة عند الإمام أحمد قال (2): حدثنا علي بن إسحاق، أخبرنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا محمد بن سوقة به، بأطول من سياق ابن أبي عاصم.
وهذا الإسناد صحيح، شيخ الإمام أحمد علي بن إسحاق السلمي ثقة، وكذا بقية رجاله ثقات.
وأخرجه الحاكم (3) من طرق عن عبد الله بن المبارك به مطولا، وقال:" هذا حديث صحيح على شرط الشيخين؛ فإني لا أعلم خلافا بين أصحاب ابن المبارك في إقامة هذا الإسناد، ولم يخرجاه ".
(1) تهذيب التهذيب (10/ 434).
(2)
المسند (1/ 18).
(3)
المستدرك (1/ 114).
ووافقه الذهبي (1)، وقال الألباني (2): وهو كما قالا.
وأخرجه الإمام أحمد من وجه آخر (3)، قال: حدثنا جرير، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة قال: خطب عمر الناس بالجابية (فذكره).
وأخرجه ابن أبي عاصم (4) عن علي بن حمزة، ثنا جرير بن حازم، به.
وقال الألباني (5): " سند ابن أبي عاصم جيد، ورجاله كلهم ثقات، رجال الشيخين، غير علي بن حمزة، والظاهر أنه علي بن حمزة بن سوار العتكي، قال ابن أبي حاتم: روى عن جرير بن المعولي، وروى عنه أبو زرعة ".
قلت: لا تضر جهالة علي بن حمزة؛ لأن الإمام أحمد قد روى الحديث عن شيخه جرير بن حازم كما سبق، وجرير ثقة، لكن شيخ جرير عبد الملك بن عمير مختلف فيه، قال الإمام أحمد: مضطرب الحديث جدا. ولابن معين فيه قولان؛ فقد روى عنه إسحاق بن منصور أنه قال: مخلط. وروى عنه ابن الرقي أنه قال:
(1) تلخيص المستدرك مع المستدرك (1/ 114).
(2)
تخريج السنة لابن أبي عاصم، مع السنة (1/ 43).
(3)
المسند (1/ 26).
(4)
السنة (2/ 437).
(5)
تخريج السنة لابن أبي عاصم، مع السنة (2/ 437).
ثقة إلا أنه أخطأ في حديث أو حديثين. وقال ابن نمير: كان ثقة ثبتا. وقال العجلي: صالح الحديث تغير قبل موته (1). ولعل ابن حجر حمل ما وصفه به أحمد وابن معين من الاضطراب على ما بعد التغير، فقال في التقريب: ثقة فقيه تغير حفظه، وربما دلس. ورجح الذهبي في الميزان (2) توثيقه فقد رمز له بـ (صح)، ووصفه بالثقة. والذي يظهر لي: أن الحديث صحيح بمجموع طرقه، وقد صححه أحمد شاكر رحمه الله (3).
4 -
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الجماعة رحمة، والفرقة عذاب (4)» .
أخرجه ابن أبي عاصم (5)، قال: حدثنا أبو يحيى محمد بن عبد الرحيم، ثنا يونس بن محمد، عن أبي، عن وكيع، عن القاسم بن الوليد الشعبي، عن النعمان بن بشير، فذكره.
وأخرجه الإمام أحمد (6)، عن منصور بن أبي مزاحم، ويحيى بن عبد الرحمن مولى بني هاشم كلاهما عن أبي وكيع به في حديث.
(1) انظر الأقوال السابقة في تهذيب التهذيب (6/ 411).
(2)
(2/ 660).
(3)
الرسالة (ص 575).
(4)
مسند أحمد (4/ 375).
(5)
السنة (1/ 44).
(6)
المسند (4/ 278).
وأخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (1) عن يحيى بن عبد الرحمن مولى بني هاشم به، بلفظ الإمام أحمد.
وفي سند الحديث أبو عبد الرحمن القاسم بن الوليد، وثقه ابن معين وابن سعد. وقال العجلي: ثقة، وهو في عداد الشيوخ (2)، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:" يخطئ ويخالف "(3). وقال ابن حجر في " التقريب ": " صدوق يغرب ".
وقال الألباني (4): " فيه كلام لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن "، وحسن سنده هذا في تخريج السنة (5).
(1) المسند (4/ 375).
(2)
تهذيب التهذيب (8/ 34).
(3)
الثقات (7/ 338).
(4)
الصحيحة ح 447، صحيح الترغيب ح 405.
(5)
تخريج السنة لابن أبي عاصم، مع السنة، (1/ 45).
5 -
عن عبد الله بن عمر عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله لا يجمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة، ويد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار (1)» .
أخرج الترمذي (2): قال: حدثنا أبو بكر بن نافع البصري، حدثني المعتمر بن سليمان، حدثنا سليمان المدني، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر (فذكره).
(1) سنن الترمذي الفتن (2167).
(2)
سنن الترمذي (كتاب الفتن، ح 2167).
وأخرجه الحاكم (1) من طريق أبي بكر بن نافع، به.
وقال الترمذي: " هذا حديث غريب من هذا الوجه، وسليمان المدني هو سليمان بن سفيان، وقد روى عنه أبو داود الطيالسي وأبو عامر العقدي وغير واحد من أهل العلم ".
قلت: جاء التصريح باسم والد سليمان بما ذكر الترمذي في رواية المسيب بن واضح عند ابن أبي حاتم.
قال: حدثنا المسيب بن واضح، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن سليمان هو ابن سفيان مولى آل طلحة المدني، عن عبد الله بن دينار به بنحوه (2).
وجاء التصريح باسمه كذلك في رواية يحيى بن حبيب بن عربي، عنه، عند الحاكم إلا أنه خالف غيره في شيخه فجعله:(عن عمرو بن دينار) بدل: (عبد الله بن دينار).
قال الحاكم: أخبرنا أبو علي الحسن بن علي الحافظ، أخبرنا سهل بن أحمد بن عثمان الواسطي من كتابه، حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي، حدثنا المعتمر بن سليمان، قال: قال أبو سفيان سليمان بن سفيان المدني، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر (فذكره)(3).
(1) المستدرك (1/ 116).
(2)
السنة (1/ 39).
(3)
المستدرك (1/ 116).
وأخرجه الحاكم من طريق يعقوب بن إبراهيم، حدثنا المعتمر بن سليمان، حدثني أبو سفيان المدني، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر (1).
وأخرجه من طريق علي بن الحسين الدرهمي، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن سفيان أو أبي سفيان، عن عبد الله بن دينار، به (2).
ومدار الإسناد على سليمان بن سفيان المدني، وقد حكى الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب تضعيفه عن غير واحد، وقال في التقريب:" ضعيف ".
وقد ساق له الحاكم متابعات:
الأولى: ما أخرجه من طريق المعتمر بن سليمان، عن أبيه:
قال: حدثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن تميم الأصم ببغداد، حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر، حدثنا خالد بن يزيد القرني، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن عبد الله بن دينار، به (3). وأخرجه اللالكائي من طريق جعفر بن محمد بن شاكر، به (4).
وقال الحاكم: خالد بن يزيد القرني هذا شيخ قديم للبغداديين، ولو حفظ هذا الحديث لحكمنا بصحته.
(1) المستدرك (1/ 115).
(2)
المصدر السابق.
(3)
المستدرك (1/ 115).
(4)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 106/ ح 154).
وخالد بن يزيد هذا قال الحافظ في " التقريب " في نسبته: المزرفي، وقال:" صدوق ". ولم أر فيه توثيقا لأحد غير قول ابن معين: " لا بأس به "، وقد خالفه في هذه المتابعة، وهو قوله:(عن أبيه) خمسة من الرواة كما سبق، وهم:
الأول: أبو بكر بن نافع، وهو صدوق، وله روايتان، إحداهما عن المعتمر عن سليمان المدني. والثانية: عن المعتمر عن سليمان أبي عبد الله المدني.
الثاني: المسيب بن واضح وهو متكلم في حفظه لكن يصلح في المتابعات، قال في روايته: عن المعتمر عن سليمان هو ابن سفيان مولى آل طلحة.
الثالث: يحيى بن حبيب بن عربي، وهو ثقة، وقد رواه عن المعتمر، عن أبي سفيان سليمان بن سفيان المدني.
الرابع: يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وهو ثقة، قال في روايته: عن المعتمر بن سليمان، حدثني أبو سفيان المدني.
الخامس: علي بن الحسن الدرهمي، وهو صدوق، قال: عن المعتمر بن سليمان، عن سفيان أو أبي سفيان - على الشك.
والذي يظهر أنه لا تعارض بين روايات هؤلاء، أما رواية يعقوب بن إبراهيم ويحيى بن حبيب، والمسيب بن واضح فلا إشكال فيها، وكذا رواية أبي بكر بن نافع التي فيها: عن سليمان المدني.
لكن الثانية التي فيها: " عن سليمان أبي عبد الله المدني " فهي محمولة على الاختلاف في كنيته كما ذكر البيهقي في كتابه (الأسماء والصفات).
وأما رواية علي بن الحسين الدرهمي التي فيها: عن سفيان أو أبي سفيان فهي مروية على الشك، فتحمل على رواية الثقات، فيكون الراجح فيها (عن أبي سفيان). فالحاصل: أن شيخ المعتمر عند هؤلاء الخمسة هو سليمان بن سفيان المدني، فلا تقوى رواية خالد بن يزيد على معارضتها؛ إذ لم يصفه أحد بالحفظ، والذي يظهر أنه أخطأ في قوله عن (أبيه)، وكأنه حين رأى المعتمر بن سليمان يروي عن سليمان ظن أن سليمان هذا والد المعتمر، فقال:(عن أبيه).
والحاكم قد تردد - كما سبق - في حفظ خالد بن يزيد لهذه الرواية، فعاد الإسناد إلى سليمان بن سفيان المدني، والله أعلم.
المتابعة الثانية: متابعة سلم بن أبي الذيال عند الحاكم:
قال: حدثنا أبو الحسن عبد الصمد بن مكرم البزار ببغداد، حدثنا محمد بن غالب، حدثنا خالد بن عبد الرحمن، حدثنا المعتمر، عن سلم بن أبي الذيال، عن عبد الله بن دينار، به (1).
وقال الحاكم: وهذا لو كان محفوظا من الراوي لكان على
(1) المستدرك (1/ 115).
شرط مسلم.
وسلم بن أبي الذيال ثقة، لكن الراوي عن معتمر خالد بن عبد الرحمن، لم أقف له على ترجمة، وكلام الحاكم يشعر بعدم معرفته بحاله.
أما المتابعة الثالثة: فهي متابعة مرزوق مولى آل طلحة عند الطبراني:
قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثنا معتمر بن سليمان، عن مرزوق مولى آل طلحة، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر (1).
قال الهيثمي: " رواه الطبراني بإسنادين؛ رجال أحدهما ثقات رجال الصحيح خلا مرزوق مولى آل طلحة وهو ثقة "(2).
قال الألباني: " إسناده صحيح، رجاله ثقات، ومرزوق اسم أبيه: مرداسة، كما في " مشكل الآثار ". . . "(3).
قلت: في إطلاق الصحة على هذا السند نظر؛ لأن مرزوقا مولى آل طلحة لم أر من وثقه، والتصريح باسم أبيه جاء في " مشكل الآثار "، نعم ذكر في أثناء السند، لكن لم يرد فيه بيان
(1) المعجم الكبير (12/ 447).
(2)
مجمع الزوائد (5/ 218).
(3)
ظلال الجنة مع السنة لابن أبي عاصم (1/ 40).
لحاله، وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " (1) وقال:" يخطئ ". ومثل هذا إنما يصلح في المتابعات.
وحديث الباب في المتابعات: لا يقل عن مرتبة الحسن، والله أعلم.
قال الحافظ ابن حجر: " وللترمذي والحاكم عن ابن عمر مرفوعا: «لا تجمع هذه الأمة على ضلالة أبدا (2)» . فيه سليمان بن سفيان المدني وهو ضعيف. وأخرج له الحاكم شواهد، ويمكن الاستدلال له بحديث معاوية مرفوعا:«لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله (3)» أخرجه الشيخان. ووجه الاستدلال منه أنه لوجود هذه الطائفة القائمة بأمر الله إلى يوم القيامة لا يحصل الاجتماع على الضلالة.
ثم قال الحافظ: وقال ابن أبي شيبة، حدثنا أبو أسامة، عن الأعمش، عن المسيب بن رافع، عن يسير بن عمرو قال: " شيعنا أبا مسعود حين خرج، فنزل في طريق القادسية، فدخل بستانا فقضى حاجته، ثم توضأ ومسح على جوربيه، ثم خرج وإن لحيته ليقطر منها الماء، فقلنا له: اعهد إلينا، فإن الناس قد وقعوا في الفتن، ولا ندري هل نلقاك أم لا؟ قال: اتقوا الله واصبروا، حتى يستريح بر، أو يستراح من فاجر، وعليكم بالجماعة، فإن الله لا يجمع أمة محمد
(1) الثقات (7/ 487).
(2)
سنن الترمذي الفتن (2167).
(3)
صحيح البخاري التوحيد (7460)، صحيح مسلم الإمارة (1037)، مسند أحمد (4/ 101).
على ضلالة ". إسناده صحيح، ومثله لا يقال من قبل الرأي. وله طريق أخرى عنده عن يزيد بن هارون، عن التيمي، عن نعيم بن أبي هند، أن أبا مسعود خرج من الكوفة، فقال: " عليكم بالجماعة، فإن الله لم يكن ليجمع أمة محمد على ضلالة " (1).
قلت: ومن شواهده حديث ابن عباس السابق.
6 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يد الله مع الجماعة (2)» .
أخرجه الترمذي (3) قال: حدثنا يحيى بن موسى، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا إبراهيم بن ميمون، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، فذكره. وقال:" هذا حديث حسن غريب: لا نعرفه من حديث ابن عباس إلا من هذا الوجه ".
وأخرجه الحاكم (4) من طريقين عن عبد الرزاق بلفظ: «لا يجمع الله أمتي على ضلالة أبدا، ويد الله على الجماعة (5)» .
وقال الحاكم: " إبراهيم بن ميمون العدني هذا قد عدله عبد الرزاق وأثنى عليه، وعبد الرزاق إمام أهل اليمن وتعديله حجة ".
وحكى الذهبي (6) كلام الحاكم ثم قال: " ووثقه ابن معين ".
(1) التلخيص الحبير (3/ 141).
(2)
سنن الترمذي الفتن (2167).
(3)
سنن الترمذي (كتاب الفتن، ح 2165).
(4)
المستدرك (1/ 116).
(5)
سنن الترمذي الفتن (2167).
(6)
تلخيص المستدرك مع المستدرك (1/ 117).
قلت: وبقية رجاله ثقات، فالسند صحيح، وقد صححه الألباني (1).
7 -
عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اثنان خير من واحد، وثلاثة خير من اثنين، وأربعة خير من ثلاثة، فعليكم بالجماعة؛ فإن الله عز وجل لا يجمع أمتي إلا على هدى (2)» .
أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في " زوائده على المسند " قال: حدثنا أبو اليمان، حدثنا ابن عياش عن البختري بن عبيد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي ذر، (فذكره).
وسند الحديث ضعيف جدا، فيه البختري بن عبيد بن سلمان الطابخي وهو متروك، ووالده مجهول كما في " التقريب ".
وساقه الألباني في سلسلة الضعيفة (3) من هذا الوجه وقال: " هذا موضوع آفته أبو البختري، قال أبو نعيم: روى عن أبيه عن أبي هريرة موضوعات ".
8 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى
(1) تخريج المشكاة (1/ 61).
(2)
مسند أحمد (5/ 145).
(3)
سلسلة الأحاديث الضعيفة (ح 1797).