الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على فعلها ويكرمهم، ويبغض المعصية وينهى عنها، ويعاقب عليها ويهينهم، وما يصيب العبد من النعم فالله أنعم بها عليه، وما يصيبه من الشر فبذنوبه ومعاصيه، كما قال تعالى:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} (1)، وقال تعالى:{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} (2)، أي: ما أصابك من خصب ونصر وهدى فالله أنعم به عليك، وما أصابك من حزن وذل وشر فبذنوبك وخطاياك، وكل الأشياء كائنة بمشيئة الله وقدرته وخلقه، فلا بد أن يؤمن العبد بقضاء الله وقدره، وأن يوقن العبد بشرع الله وأمره (3).
(1) سورة الشورى الآية 30
(2)
سورة النساء الآية 79
(3)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 8/ 63، 64.
المبحث الخامس: مراتب الإيمان بالقدر وأدلتها
.
الإيمان بالقدر لا يقوم ولا يتم إلا بالإيمان بأربع مراتب قامت عليها الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهي:
المرتبة الأولى: الإيمان بعلم الله عز وجل السابق بكل شيء:
علم تبارك وتعالى بما كان وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف سيكون، وقد أحاط - سبحانه - بكل شيء علما، وهو عالم الغيب والشهادة، لا يعزب عن علمه شيء، فالواجب على العبد أن
يؤمن بأن الله - تعالى - قد علم ما الخلق عاملون بعلمه الذي هو موصوف به أزلا، وعلم جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال والسعادة والشقاوة (1).
والأدلة الدالة على هذا الأمر كثيرة جدا منها:
قول الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} (2)، وقوله:{لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} (3)، وقوله:{وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (4)، ففي هذه الآية إثبات لعلم الله -تعالى - بعواقب الأمور أن لو وقعت كيف تكون عاقبتها، فالله عز وجل علم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، ومن هذا المعنى أيضا قوله تعالى:{وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} (5).
ومن هذا المعنى أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل
(1) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 3/ 148، ومعارج القبول (2/ 328).
(2)
سورة الحشر الآية 22
(3)
سورة الطلاق الآية 12
(4)
سورة البقرة الآية 216
(5)
سورة الأنعام الآية 28
عن أولاد المشركين فقال: «الله أعلم بما كانوا عاملين (1)» .
وكتابة الله - تعالى - للمقادير قبل خلقها دالة كذلك على علم الله - سبحانه - السابق، كما سيأتي تفصيله قريبا إن شاء الله تعالى.
وقد كان علماء أهل السنة والجماعة إذا أرادوا أن يحاجوا القدرية احتجوا عليهم بالعلم، فإن أنكروه كفروا، وإذا أثبتوه خصموا، ومن نصوصهم في ذلك:
ما قاله عمر بن عبد العزيز: " من أقر بالعلم فقد خصم "(2)، وقد قيل له: إن غيلان يقول في القدر كذا وكذا، فمر به، فقال: أخبرني عن العلم؟ فقال: سبحان الله! فقد علم الله كل نفس ما هي عاملة وإلى ما هي صائرة، فقال عمر بن عبد العزيز: والذي نفسي بيده لو قلت غير هذا لضربت عنقك، اذهب الآن
(1) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب القدر (11/ 502)، ومسلم في صحيحه، كتاب القدر (4/ 2049).
(2)
الرد على الجهمية للدارمي ص (118، 119) رقم (244).