الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأحاديث الواردة في لزوم الجماعة
(دراسة حديثية فقهية)
للدكتور حافظ بن محمد الحكمي (1)
المقدمة:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستهديه، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
فإن الجماعة الأولى التي صنعت على عين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تعاهدها خلفاؤه من بعده بالرعاية والتوجيه هي الجماعة التي تمثل الإسلام حقيقة، فقد أخذته عن قناعة وحكمته في شؤونها عن رضى وتسليم، فسعدت بالعيش في ظله؛ حيث عاشت الحياة الطيبة التي وعدها بها ربها في قوله:
(1) الأستاذ المشارك في قسم الحديث بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} (1).
وعاشت العزة التي كتبها لها ربها كما قال سبحانه: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (2).
لقد خضعت لعزة تلك الجماعة المؤمنة جميع أمم الأرض، وفي مقدمتها فارس والروم، وبلغ ملكها المشارق والمغارب، وتحققت لها المعجزة التي بشرها بها رسولها صلوات الله وسلامه عليه.
وقد ورث تلك العزة والملك العظيم أجيال الأمة الإسلامية اللاحقة التي سارت على منهاج الجماعة الأولى إلى ما شاء الله، ثم تسربت إلى الأمة أدواء الأمم السابقة، فأخذت الدنيا طريقها إلى قلوب أبنائها، وتنافسوها كما تنافسها من قبلهم، ودب الخلاف إلى صفوفها، فأحدث شيئا من التصدع والفرقة، وكل ذلك قد أسهم في ضعف شوكة الأمة وإطماع أعدائها فيها، فأخذوا يناوشونها ويستعيدون بعض الثغور التي ضعفت قبضتها عليها، ثم غزوها في عقر دارها، ويهيئ الله لها بعد كل فترة من يجدد لها أمر دينها، وينهض بها من عثرتها فتأخذ بالثأر، وتسترد ما سلب منها، وقد اشتد في هذا الزمن تفريط الأمة في أمر دينها وإيثارها لدنياها، فسلط
(1) سورة النحل الآية 97
(2)
سورة المنافقون الآية 8
الله عليها بذلك أعداءها، فألحقوا بها من الذل ما لم يسبق له نظير في تاريخها الطويل، وتلك سنة الله في عباده كما قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (1).
وهذا الحال يتطلب من أبناء الأمة توحيد الصف، وجمع الكلمة، ومضاعفة الجهود للرجوع بالأمة إلى دينها، فإن رفع هذا الذل عنها مرتبط بذلك كما أخبر بذلك الذي لا ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه عليه، ففي سنن أبي داود عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم (2)» .
ومراجعة الأمة لدينها تكون بالرجوع إلى ما كانت عليه الجماعة الأولى؛ فإنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وقد أخبر (3) النبي صلى الله عليه وسلم بالفتن التي ستمر بها الأمة الإسلامية، وبين أن الخلاص منها يكون بلزوم الجماعة، وجاءت أحاديث كثيرة في الحث على لزوم الجماعة والتحذير من الخروج عنها، وقد بين أهل العلم أن الجماعة الواردة في تلك الأحاديث هي التي تكون على ما كانت عليه الجماعة الأولى.
(1) سورة الرعد الآية 11
(2)
سنن أبي داود كتاب البيوع (رقم 3462).
(3)
جاء ذلك في حديث حذيفة رضي الله عنه، انظر:(برقم 1).
وقد رأيت أن أقوم في هذا البحث بجمع الأحاديث الواردة في لزوم الجماعة مع بيان حالها من حيث الصحة والضعف، ثم بيان ما اشتملت عليه من أحكام وتوجيهات نبوية؛ لأنه لا غنى للمهتمين بأمر الأمة عنها، ولا جمع لكلمتهم بغيرها. وخير من فهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أهل العلم من سلف هذه الأمة والتابعين لهم بإحسان، وقد حرصت على جمع ما وقفت عليه من كلامهم في ذلك من كتب الشروح والغريب وكتب العقيدة وغيرها.
هذا، وقد جعلت البحث في فصلين:
الفصل الأول لدراسة أسانيد الأحاديث وبيان حالها من الصحة والضعف.
والفصل الثاني لدراسة الأحاديث من الناحية الفقهية.
وقدمت للبحث بمقدمة لبيان أهمية الموضوع والحاجة إلى الكتابة فيه، وأنهيته بخاتمة اشتملت على أهم نتائج البحث، ثم ذيلته بفهارس تسهل على الباحث الوصول إلى مطلوبه.
هذا، ونسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه، وأن يعمم النفع به، إنه ولي ذلك، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.