الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: عنصر (إمكان المعاوضة عنه)
هذا العنصر مما تكاد تطبق عليه المذاهب، فقد جعل الفقهاء المالية شرطا في صحة المعاوضة، كما جعلوا صحة المعاوضة أمارة على المالية، مما يدل على تلازمهما تماما ونصوصهم في ذلك كثيرة جدا. فمن نصوص الحنفية في ذلك:
جاء في المبسوط: (وكذلك في البيع بالخمر؛ فإن ركن العقد المالية في البدلين، وبتخمر العصير لا تنعدم المالية، وإنما ينعدم التقوم شرعا)(1).
وفي أصول السرخسي في ربا الفضل: (المراد الفضل الخالي عن العوض
…
ثم خلو الفضل عن العوض لا يظهر يقينا بعدد الحبات والحفنات ولا يظهر إلا بعد ثبوت المساواة قطعا في الوصف الذي صار به محلا للبيع وهو المالية) (2).
كما نصوا على أن المال قد يكون ثمنا وقد يكون مثمنا، ففي أنيس الفقهاء: (والأموال أنواع: نوع ثمن بكل حال، كالنقدين صحبة الباء أو لا، قوبل بجنسه أو بغيره، ونوع مبيع بكل حال، وهو ما ليس من ذوات الأمثال، كالثياب والدواب والمماليك، ونوع ثمن بوجه، مبيع بوجه، كالمكيل والموزون، فإذا كان معينا في العقد كان
(1) المبسوط (13/ 25).
(2)
أصول السرخسي (2/ 126).
مبيعا، وإن لم يكن معينا وصحبه الباء وقابله مبيع فهو ثمن، ونوع ثمن بالاصطلاح وهو سلعة في الأصل، فإن كان رابحا كان ثمنا وإن كان كاسدا كان سلعة) (1).
ومن نصوص المالكية في ذلك:
جاء في الإشراف: (يقطع في جميع المتمولات التي تتمول في العادة، ويجوز أخذ الأعواض عليها)(2).
وفي بداية المجتهد: (القطع في كل متمول يجوز بيعه وأخذ العوض فيه)(3).
وأما الشافعية فمن نصوصهم:
جاء في الأم قول الشافعي -رحمه الله تعالى-: (ولا يقع اسم مال ولا علق إلا على ماله قيمة يتبايع بها، ويكون إذا استهلكها مستهلك أدى قيمتها- وإن قلت- وما لا يطرحه الناس من أموالهم، مثل الفلس وما يشبه ذلك) وقال في موضع آخر: (ولا يقع اسم مال إلا على ما له قيمة يباع بها، وتكون إذا استهلكها مستهلك أدى قيمتها -وإن قلت- وما لا يطرحه الناس من أموالهم؛ مثل الفلس وما أشبه ذلك الذي يطرحونه)(4).
(1) أنيس الفقهاء ص (222).
(2)
الإشراف في مسائل الخلاف للقاضي عبد الوهاب البغدادي (2/ 171).
(3)
بداية المجتهد (2/ 551، 552).
(4)
الأم (5/ 63 و171). وانظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص (327).
ومن نصوص الحنابلة:
ما جاء في كشاف القناع وغيره في شروط البيع: (الشرط الثالث: أن يكون المبيع والثمن مالا لأنه مقابل بالمال إذ هو مبادلة المال بالمال).
والفقهاء رحمهم الله تعالى كثيرا ما يقرنون التقويم بالمالية، والتقويم مصدر: قومت المتاع، أي حددت له قيمة معلومة، والقيمة هي الثمن الذي يقاوم به المتاع، سميت بذلك لأنها تقوم مقامه (1)، وهذا هو المعاوضة.
بل إنهم كثيرا ما يذكرون حدوث صفة المالية (أي عرضيتها بعد أن كانت معدومة) وزوالها وفواتها بعد أن كانت موجودة، وزيادتها، ونقصانها، وتفاوتها، وهم يعنون بصفة المالية في ذلك كله القيمة التي تقابل الشيء في المعاوضات، مما يدل على أن إمكان المعاوضة عنصر رئيس من العناصر المكونة للمالية.
فذكر حدوث المالية مثلا في المبسوط للسرخسي (2/ 205)، والوسيط للغزالي (3/ 408)، ومغني المحتاج للشربيني (2/ 291).
وذكر زوالها في المنثور للزركشي (2/ 181)، وروضة
(1) المصباح المنير ص (199، 198).
الطالبين للنووي (5/ 44)، ومغني المحتاج (2 14 و129 و290) و (3/ 203)، والمغني لابن قدامة (6/ 460)، والإنصاف للمرداوي (3/ 148).
وذكر زيادتها في المغني لابن قدامة (11/ 505).
وذكر نقصانها في المبسوط (4/ 158) و (5/ 70)، والبحر الرائق لابن نجيم (3/ 176) و (6/ 14)، ومغني المحتاج (4/ 286)، والمغني لابن قدامة (11/ 505).
وذكر تفاوت المالية في المبسوط (5/ 88)، والهداية للمرغيناني (3/ 72)، ورد المحتار لابن عابدين (4/ 536)، ولقد آثرت الإحالة عليها دون نقل نصوصهم لئلا يطول المقام.
وهم في كل ذلك يعنون بصفة المالية القيمة التي تقابل الشيء في المعاوضات والتي يقوم بها في الضمانات وقد نص بعضهم على هذا التفسير فقد قال الغزالي الشافعي: (لأن المالية باقية ببقاء القيمة)(1)، وقال ابن نجيم الحنفي:(لأن المقصود نقصان المالية وذلك بانتقاص القيمة)(2)، وقال ابن ضويان الحنبلى في الخيارات:(الخامس: خيار العيب، والعيوب: النقائص الموجبة لنقص المالية في عادة التجار)(3).
(1) الوسيط (3/ 144).
(2)
البحر الرائق (6/ 40، 41).
(3)
منار السبيل (1/ 319).