الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن نصوص الحنابلة: جاء في المبدع في شروط البيع: (أن يكون المبيع مالا وهو ما فيه منفعة مباحة)(1)، وفي أخصر المختصرات:(وكون مبيع مالا وهو ما فيه منفعة مباحة)(2)، وفي منتهى الإرادات:(وهو ما يباح نفعه مطلقا واقتناؤه بلا حاجة)(3).
وبهذا يتبين اتفاق كلمة المذاهب الأربعة على اعتبار الانتفاع عنصرا أساسيا في المالية.
والانتفاع بالمال ليس جنسا واحدا بل هو في كل شيء بما يصلح له (4).
لكنه في كل أحواله مقيد بالحل. فكل انتفاع محرم غير معتبر في المالية ولا أثر له فيها بل هو ملغي كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
(1) المبدع (4/ 9).
(2)
أخصر المختصرات لابن بلبان ص (163).
(3)
منتهى الإرادات (1/ 256).
(4)
انظر: رد المحتار (4/ 502).
المطلب الثالث: عنصر (حل الانتفاع)
المراد بحل الانتفاع: أن لا يكون الشيء محرما، فالحلال نقيض الحرام، وبهذا فهو يشمل الواجب، والمندوب، والمباح، والمكروه؛
من حيث الإذن الشرعي بها مع رجحان الفعل في الواجب والمندوب، وتساوي الفعل والترك في المباح، ورجحان الترك في المكروه، ولهذا سلك بعض علماء الأصول ذلك في تقسيم الحكم، فقالوا: الحكم قسمان، تحريم وإباحة. والتقسيم الخماسي هو المشهور.
وقد جاء الحل مقابلا للتحريم في الكتاب والسنة. قال تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (1)، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} (2)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث المسور بن مخرمة:«وإني لست أحرم حلالا ولا أحل حراما (3)» .
وقد اختلف الفقهاء في حل الانتفاع؛ هل هو شرط في المالية؟
(1) سورة البقرة الآية 275
(2)
سورة التحريم الآية 1
(3)
صحيح البخاري -كتاب فرض الخمس- باب ما ذكر من ورع النبي صلى الله عليه وسلم وعصاه وسيفه (6/ 212) برقم (3110)، في صحيح مسلم -كتاب فضائل الصحابة- باب من فضائل فاطمة رضي الله عنها (16/ 3) برقم (2449).
فذهب الحنفية إلى أن حل الانتفاع ليس شرطا في المالية، وليس من ضرورة التحريم سقوط المالية وهذا دفعهم إلى تقسم المال إلى قسمين: مال متقوم، ومال غير متقوم، فالمال المتقوم عندهم هو ما يباح الانتفاع به شرعا في حال السعة والاختيار، والمال غير المتقوم هو ما لا يباح الانتفاع به في حال الاختيار؛ كالخمر والخنزير في حق المسلم. وعليه فإنها للذمي تعتبر مالا متقوما؛ لأنه يتمولها ولا يعتقد حرمتها، وقد أمرنا بتركهم وما يدينون (1).
وهذا يعني أنه ليس من ضرورة التحريم سقوط المالية عند الحنفية، بل سقوط التقوم فقط، فإن التقوم يثبت بالمالية وبإباحة الانتفاع معا فإن تخلف شرط الإباحة لم يكن متقوما وإن بقي مالا، كالخمر والخنزير بالنسبة للمسلم، وإن تخلف شرط المالية لم يكن متقوما وإن كان مباحا، كحبة القمح مثلا، فالمالية أعم من التقوم (2). وذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن حل الانتفاع شرط في المالية، وأن كل ما لا يباح الانتفاع به شرعا فليس بمال أصلا، كالخمر، والخنزير، والميتة، والدم، والأصنام،
(1) المبسوط (5/ 38 - 40) و (13/ 25)، وبدائع الصنائع (7/ 147)، وحاشية ابن عابدين (4/ 501) و (6/ 520).
(2)
المبسوط (5/ 39، 40) و (13/ 25)، وبدائع الصنائع (1/ 147)، وحاشية ابن عابدين (4/ 501).
والصلبان، وآلات الملاهي، ونحو ذلك، وينبني عليه عدم صحة المعاوضة عليها، وعدم ضمانها بالإتلاف.
إلا أن المالكية قد أوجبوا الضمان على متلف خمر الذمي بقيمته لا مثله لاعتباره مالا في حقه، كما ذكرته آنفا.
ولذلك لا تجد عند الجمهور تقسيم المال إلى متقوم وغير متقوم بالمعنى الذي قصده الحنفية، وهم إذا أطلقوا لفظ (المتقوم) فإنما يريدون به ما له قيمة مادية بين الناس، وقابلية لأن يكون له بدل في العقود.
والمراد بحل الانتفاع: الحل المطلق في جميع الأحوال، أما ما أبيح لأجل الضرورة والحاجة فقط، مع تحريمه بدونهما فليس بمال؛ كالكلب الذي يباح اقتناؤه للحاجة، وكالخمر والخنزير والميتة التي يباح تناولها للضرورة، فلا تكون لذلك أموالا؛ لأنها إباحة عارضة لأجل الحاجة والضرورة لا مطلقة في كل الأحوال (1).
(1) المبدع (4/ 9)، ومعونة أولي النهى (4/ 13 - 14)، وكشاف القناع (3/ 1400)، ورد المحتار (5/ 69).