المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المحتويات * الافتتاحية * خطبة عرفة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٨٠

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌إذا بليت العظام وهي واقعة بين المنازلوكانت عرضة للامتهان فما الحكم، بأي شيء يعرف بلاؤها

- ‌الأخذ مما لم يدفن فيه لحاجة الشارع

- ‌هدم ما بني فيها من المساكن وعدم تعويضهم

- ‌نقل الميت من بلده إلى المدينة

- ‌ القراءة على القبر

- ‌القراءة على الميت في المسجد أو عند القبر أو في بيته بدعة،وعمل الطعام بعد ثلاثة أيام أو بعد الختمة، القراءة المشروعة

- ‌إهداء ثواب القرب

- ‌إهداء ثواب صلاة النوافل والذبح والصدقة

- ‌إهداء ثواب الدعاء

- ‌صنع الطعام للمعزين ولقراء القرآن ثلاثة أيام

- ‌إقامة المأتم في أي يوم كان غير مشروعة

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌مسألة الزكاة في حلي الذهب والفضة من مسائل الخلاف

- ‌ أقوال العلماء بالنسبة لزكاة حلي النساء المستعملة

- ‌وجوب الزكاة في الحليالملبوس أو المعد للبس أو العارية

- ‌يجب إخراج زكاة الحلي منذ العلم بوجوبها

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌ حكم من أخذ من لحيته أو حلقها بالكلية

- ‌ هل استعمال السواك له فترة محددة

- ‌ إذا اغتسل الرجل لتنظيف جسمه فهل يكفيه هذا الغسل عن الوضوء للصلاة

- ‌من فتاوى اللجنة الدائمةللبحوث العلمية والإفتاء

- ‌ الصلاة في النعال

- ‌ حكم دخول المسجد بالحذاء

- ‌ حدود المسجد المعتبرة شرعا

- ‌ الإفطار للصائم المسافر للعمرة

- ‌ الصلاة في توسعة المسجد النبوي تحت المظلات تعتبر كالصلاة داخل المسجد النبوي

- ‌ المسجد الذي أسس على التقوى

- ‌ المسجد الأقصى

- ‌القرآن يهدي للتي هي أقوم

- ‌نماذج مما دل عليه القرآن الكريم

- ‌ عبد الله بن سلام

- ‌ كعب الأحبار

- ‌ وهب بن منبه

- ‌ الجن المكلفون بشرع الله

- ‌الفتوى وأثرها في حماية المعتقد وتحقيق الوسطية

- ‌فاتحة:

- ‌المبحث الأول: الفتوى وما يتعلق بها من أحكام:

- ‌المطلب الأول: تعريف الفتوى:

- ‌المطلب الثاني: خطورة مقام المفتي وأهميته:

- ‌المبحث الثاني - أهمية الفتوى في حماية العقيدة:

- ‌المطلب الأول: وسائل حفظ الدين، وعلاقة ذلك بالفتوى:

- ‌المطلب الثاني: الالتفاف حول " المحكمات " وأثره في الفتوى وحماية المعتقد:

- ‌المبحث الثالث: أثر الفتوى في تحقيق وسطية الأمة:

- ‌المطلب الأول: تحرير معنى الوسطية:

- ‌الخاتمة ونتائج البحث:

- ‌أحكام الصلاة في المقابر

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: الصلاة في المقابر:

- ‌المبحث الأول: حكم الصلاة في المقبرة من حيث الفعل:

- ‌المبحث الثاني: حكم الصلاة في المقبرة من حيث الإجزاء:

- ‌الفصل الثاني: الصلاة على الجنازة في المقابر:

- ‌المبحث الأول: حكم الصلاة على الجنازة في المقبرة:

- ‌المبحث الثالث: حكم الصلاة على قبر من صلي عليه عن فاتته الصلاة:

- ‌المبحث الخامس: بيان المدة التي يشرع فيها الصلاة على الميت في القبر:

- ‌الخاتمة:

- ‌المنهج الأصولي لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهاوأثره في الأحكام الشرعية إزاء المرأة

- ‌الفصل الأول:منهج عائشة الأصولي من خلال اجتهاداتها

- ‌المبحث الأول: التزامها بالنصوص:

- ‌المبحث الثاني: أخذها رضي الله عنها بالأدلة الشرعية المختلف فيها:

- ‌الفصل الثاني: أثر منهج أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها الأصولي في الأحكام الشرعية الخاصة بالمرأة:

- ‌المبحث الأول: خروج المعتدة من وفاة من بيتها:

- ‌المبحث الثاني: أحكام الاستمتاع بالمرأة:

- ‌المبحث الثالث: صلاة المرأة في المسجد:

- ‌المبحث الخامس: وصل وإزالة شعر المرأة:

- ‌الخاتمة

- ‌التمهيد: منزلة حسن الخلق في الإسلام

- ‌المبحث الأول: مفهوم المنة، وفيه مطلبان:

- ‌المطلب الأول: معنى المنة في اللغة:

- ‌المبحث الثاني: الآثار في النهى عنها:

- ‌المبحث الثالث: الرياء وعلاقته بالمنة

- ‌المطلب الأول: معنى الرياء والنهي عنه:

- ‌المطلب الثاني: علاج الرياء:

- ‌المطلب الثالث: علاقة الرياء بالمنة:

- ‌المبحث الرابع: محبة الحمد بما لم يفعل وعلاقته بالمنة:

- ‌المبحث الخامس: العلة في النهي عن المنة:

- ‌المبحث السادس: اختصاص الله تعالى بالمنة

- ‌الخاتمة

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ ‌المحتويات * الافتتاحية * خطبة عرفة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد

‌المحتويات

* الافتتاحية *

خطبة عرفة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ 7

*الفتاوى *

من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ 43

من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز 59

من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ 75

من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 87

ص: 4

البحوث

القرآن يهدي للتي هي أقوم لمعالي الدكتور محمد بن سعد الشويعر 101

الفتوى وأثرها في حماية المعتقد وتحقيق الوسطية لفضيلة الدكتور فهد بن سعد الجهني 153

أحكام الصلاة في المقابر لفضيلة الدكتور / فهد بن عبد الله العمري 223

المنهج الأصولي لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأثره في الأحكام الشرعية إزاء المرأة للدكتورة / أسماء بنت عبد الله الموسي 275

المنة مفهومها والتحذير منها وعلة ذلك للدكتورة سارة بنت فراج بن علي العقلا 333

التيسير في الحج لفضيلة الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان 379

ص: 5

صفحة فارغة

ص: 6

خطبة عرفة 1427هـ

لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى، واشكروه على مزيد إفضاله وواسع عطائه، جعلنا من خير أمة أخرجت للناس، هدانا لدينه الذي ليس فيه التباس، أرسل إلينا أفضل رسله، وأنزل علينا خير كتبه، كتاب محكم البيان، واضح البرهان، فيه الوعد والوعيد، فيه النهي عن الشرك، والأمر بالتوحيد، وكل خلق كريم.

ص: 7

أيها المسلمون، هذا كتاب الله؛ معجزة نبيكم صلى الله عليه وسلم، يقول صلى الله عليه وسلم:«ما بعث الله من نبي إلا آتاه من الآيات ما على مثله آمن البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا (1)» .

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا} (2)، {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (3)، {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} (4)، {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (5)، هو الحق ويهدي للحق {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} (6){يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (7)

(1) البخاري: كتاب الفضائل، باب كيف نزل الوحي وأول ما نزل، حديث رقم 4981، ومسلم كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس، حديث رقم 152

(2)

سورة الكهف الآية 1

(3)

سورة الفرقان الآية 1

(4)

سورة هود الآية 1

(5)

سورة فصلت الآية 3

(6)

سورة المائدة الآية 15

(7)

سورة المائدة الآية 16

ص: 8

فيه البيان والتبيين، فيه الأمر والنهي، فيه الخبر والإخبار {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (1)، {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} (2)، كتاب أنزله الله لنتدبره ونتعقل معانيه؛ ليكون وسيلة إلى صلاح قلوبنا وأعمالنا {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (3)، أنزله الله ليعبد وحده لا شريك له {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (4)، محفوظ بحفظ الله من أيدي العابثين زيادة أو نقصانا. قال جل وعلا:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (5)، {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} (6){لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (7)، هو أحسن الحديث وخير الكلام {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} (8)، أنزله الله ليكون شرفا لهذه الأمة {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (9)،

(1) سورة الأنعام الآية 38

(2)

سورة النحل الآية 89

(3)

سورة ص الآية 29

(4)

سورة الزمر الآية 2

(5)

سورة الحجر الآية 9

(6)

سورة فصلت الآية 41

(7)

سورة فصلت الآية 42

(8)

سورة الزمر الآية 23

(9)

سورة الأنبياء الآية 10

ص: 9

أنزله الله ليخرج العباد من ظلمات الجهل والضلال إلى نور العلم والهدى {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} (1)، أنزله الله هدى ورحمة {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (2)، نعم، إنه الهداية العظمى والبشارة الكبرى {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} (3)، أجل، لقد هدانا إلى أقوم السبل في كل أمورنا في ديننا ودنيانا.

ففي عقيدتنا بين لنا - جل وعلا - عظيم مخلوقاته لنستدل بها على عظيم كبريائه وجلاله وقدرته على كل شيء، وكمال ربوبيته سبحانه، خلق السماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (4)، تعاقب

(1) سورة إبراهيم الآية 1

(2)

سورة الأعراف الآية 52

(3)

سورة الإسراء الآية 9

(4)

سورة الأعراف الآية 54

ص: 10

الليل والنهار آيات من آياته الدالة على عظيم شأنه {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا} (1)، خلق من كل شيء زوجين لبقاء نوع ذلك المخلوق {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (2) هدانا لأقوم السبل في التبصر في أنفسنا ومعرفة أطوار خلقنا لنعرف ربنا وخالقنا؛ فنعبده وحده لا شريك له {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} (3)، هدانا لمعرفة الرازق سبحانه {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ} (4).

هدانا - جل وعلا - لنستدل بآياته الكونية وعظيم مخلوقاته على أنه المستحق للعبادة دونما سواه

(1) سورة الإسراء الآية 12

(2)

سورة الذاريات الآية 49

(3)

سورة الحج الآية 5

(4)

سورة العنكبوت الآية 17

ص: 11

{آللَّهُ خَيْرٌ أَمْ مَا يُشْرِكُونَ} (1){أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} (2)، هدانا للغاية التي من أجلها خلقنا {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (3).

وبالتوحيد أمر الله {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (4)، وبالتوحيد بعثت الرسل {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (5).

الشرك أعظم الظلم {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (6) الشرك نقص في العقل {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} (7)، المشرك لا يغفر الله ذنبه إن لم يتب قبل لقاء الله {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} (8) دعاء غير الله شرك أكبر وذنب لا يغفر {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (9)،

(1) سورة النمل الآية 59

(2)

سورة النمل الآية 60

(3)

سورة الذاريات الآية 56

(4)

سورة البينة الآية 5

(5)

سورة الأنبياء الآية 25

(6)

سورة لقمان الآية 13

(7)

سورة الأعراف الآية 191

(8)

سورة النساء الآية 48

(9)

سورة المؤمنون الآية 117

ص: 12

يتبرأ كل معبود من عابده يوم القيامة {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} (1)، {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} (2).

هدانا للإيمان بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (3)، إثباتا بلا تمثيل وتنزيها بلا تعطيل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (4).

هدانا للإيمان بالله وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر؛ خيره، وشره {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} (5)، {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (6)، هدانا للإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} (7)، هدانا لاتباعه ومحبته {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (8).

(1) سورة البقرة الآية 166

(2)

سورة العنكبوت الآية 25

(3)

سورة الأعراف الآية 180

(4)

سورة الشورى الآية 11

(5)

سورة البقرة الآية 177

(6)

سورة القمر الآية 49

(7)

سورة النساء الآية 136

(8)

سورة آل عمران الآية 31

ص: 13

هدانا لنصرته وتأييده {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (1)، هدانا لتحكيم شريعته والتحاكم إليها والرضا بها {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} (2)، هدانا لكونه صلى الله عليه وسلم بشرا مثلنا لا يستحق شيئا من العبادة، {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} (3)، هدانا لمعرفة عظيم ما جاء به وأنه وحي من الله إليه {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} (4)، {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (5).

هدانا القرآن الكريم لكمال الدين وتمامه {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} (6)، فهذا دين معصوم؛ لأنه من وحي الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، وأصحابه نقلوا ذلك إلينا، حتى وصلنا بالأسانيد الصحيحة، والكتب الموثوقة.

أيها المسلمون، هدانا القرآن في عباداتنا إلى أقوم السبل، فبين لنا

(1) سورة الأعراف الآية 157

(2)

سورة النساء الآية 65

(3)

سورة الكهف الآية 110

(4)

سورة النجم الآية 3

(5)

سورة النجم الآية 4

(6)

سورة المائدة الآية 3

ص: 14

أنه شرع لنا عبادات مالية، وعبادات بدنية، وعبادات قلبية ولسانية، مراعاة لطبيعة البشر وتسهيلا لأداء تلك الأعمال، تحقيقا للابتلاء والامتحان.

فهدانا لإقام الصلاة بأن أمرنا بها {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ} (1)، وأمرنا بالمحافظة عليها {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} (2)، وبين لنا أنها من سنن المرسلين {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} (3)، {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} (4).

هدانا لأداء الزكاة في وقتها وإيصالها إلى مستحقها {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (5) هدانا لأنها طهرة للمال وزكاة لقلب وخلق المزكي {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (6).

هدانا للإيمان بصيام رمضان وفرضيته وأنه الوسيلة لتحقيق التقوى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (7).

(1) سورة هود الآية 114

(2)

سورة البقرة الآية 238

(3)

سورة مريم الآية 54

(4)

سورة مريم الآية 55

(5)

سورة التوبة الآية 103

(6)

سورة التوبة الآية 103

(7)

سورة البقرة الآية 183

ص: 15

وهدانا للحج لأداء هذه الفريضة التي فيها الخير لنا كما قال - جل وعلا -: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} (1).

هدانا للدعوة إليه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالطرق الشرعية {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (2) هدانا فأخبرنا أن الأصل في تعاملنا الحل إلا ما دل الدليل على منعه {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} (3).

أمرنا بالأكل من الطيبات {يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} (4).

أباح لنا البيع والشراء وجعل التجارة مقرونة مع الجهاد {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (5) أباح لنا البيع الذي فيه تبادل المنافع، وحرم علينا الربا الذي فيه الظلم والعدوان {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (6)

(1) سورة الحج الآية 28

(2)

سورة آل عمران الآية 104

(3)

سورة البقرة الآية 29

(4)

سورة البقرة الآية 168

(5)

سورة المزمل الآية 20

(6)

سورة البقرة الآية 275

ص: 16

أمرنا بالأمانة في تعاملنا {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} (1).

حرم علينا الميسر وهو القمار {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (2)، حرم علينا الرشوة فإنها من السحت وقد ذم الله اليهود بقوله:{سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} (3) حرم علينا التعدي على الأموال العامة بالغلول والأخذ من غير الطريق الشرعي {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (4) حرم علينا الإسراف {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (5)، وحرم علينا التبذير والإنفاق في الباطل {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} (6)، {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} (7)، أقر الرهن وأتى بوثيقة في المداينات في آية من القرآن، لن تستطيع عقول البشر أن تأتي بمثلها؛

(1) سورة النساء الآية 58

(2)

سورة المائدة الآية 90

(3)

سورة المائدة الآية 42

(4)

سورة آل عمران الآية 161

(5)

سورة الأعراف الآية 31

(6)

سورة الإسراء الآية 26

(7)

سورة الإسراء الآية 27

ص: 17

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} (1).

وفي نظام الأسرة نرى أن القرآن هدانا لأقوم السبل، فأمرنا بالنكاح الشرعي ورغبنا فيه {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} (2)، {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} (3) ولكنه حرم سبيل الفساد، وهو الزنا؛ المضاد للنكاح الشرعي {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} (4)، جعل القوامة للرجل لما بذل من مال ولما فضله الله في خلقته، وجعله أهلا لذلك قال الله تعالى:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (5)، نظم الفرق في النكاح، وبين عدد الطلاق {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (6).

وفي الروابط الاجتماعية بين المسلمين نرى القرآن يهدينا لأقوم السبل، فأمرنا ببر الوالدين وقرن حقه مع حقهما {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (7)، نهانا عن طاعتهما في

(1) سورة البقرة الآية 282

(2)

سورة النور الآية 32

(3)

سورة النساء الآية 3

(4)

سورة الإسراء الآية 32

(5)

سورة النساء الآية 34

(6)

سورة البقرة الآية 229

(7)

سورة النساء الآية 36

ص: 18

المعصية مع الالتزام بالإحسان إليهما {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} (1) أمر بإكرام الجار {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} (2) أمر بصلة الرحم {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} (3)، أمر المسلمين بالتناصر والتعاون والتناصح فيما بينهم {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (4)، {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (5).

وهدى الرعية قيادة وأفرادا إلى التعاون في الخير، فأوجب على الرعية طاعة ولاتهم بالمعروف {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (6) وأوجب على الراعي الحكم بالعدل قال تعالى:{وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} (7)، وأمرنا أن نرد المهمات من الأشياء إلى ولاة أمرنا قال تعالى:{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (8)،

(1) سورة لقمان الآية 15

(2)

سورة النساء الآية 36

(3)

سورة النساء الآية 1

(4)

سورة التوبة الآية 71

(5)

سورة المائدة الآية 2

(6)

سورة النساء الآية 59

(7)

سورة النساء الآية 58

(8)

سورة النساء الآية 83

ص: 19

وفي باب القضاء هدى الأمة المسلمة إلى أقوم السبل فأمر بالحكم بالعدل {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} (1) هدانا لحفظ الحقوق بالبينات والشهود {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} (2) نهى عن كتمان الشهادة، {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} (3) وحرم شهادة الزور {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} (4)، {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} (5).

وفي الحدود جاء بنظام عادل، فأمر بقطع يد السارق إذا سرق؛ تقطع يده في ربع دينار وإن كانت قيمتها نصف الدية، لكنه أمر بقطعها؛ حماية للأموال {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (6) أمر بجلد الزاني غير المحصن لانتهاكه المحرمات فقال:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (7)، أمر بجلد القاذف، الذين

(1) سورة النحل الآية 90

(2)

سورة البقرة الآية 282

(3)

سورة البقرة الآية 283

(4)

سورة الفرقان الآية 72

(5)

سورة الحج الآية 30

(6)

سورة المائدة الآية 38

(7)

سورة النور الآية 2

ص: 20

يقذفون الناس وينتهكون أعراضهم ويتسلطون عليهم ظلما وعدوانا {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} (1)، أمر بقتل القاتل ظلما وعدوانا لتأمن الرعية ويستتب الأمن {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} (2)، {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (3)، وأمر بقطع دابر المفسدين وقطاع الطرق والمخلين بالأمن والمزعزعين لأمن الأمة {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (4).

أيها المسلمون، وجانب الأخلاق في الإسلام له شأنه الكبير، فهدانا القرآن الكريم لأفضل الأخلاق وأكملها، فأخبر أن الخلق الكريم خلق محمد صلى الله عليه وسلم {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (5) هدانا للصدق فأمرنا به {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (6) هدانا إلى الإخلاص في الأقوال والأعمال {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (7)،

(1) سورة النور الآية 4

(2)

سورة البقرة الآية 179

(3)

سورة المائدة الآية 45

(4)

سورة المائدة الآية 33

(5)

سورة القلم الآية 4

(6)

سورة التوبة الآية 119

(7)

سورة الزمر الآية 2

ص: 21

هدانا للتوبة {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (1)، هدانا للاستغفار والذكر، هدانا لبذل المعروف، هدانا لكل خلق كريم، أمرنا بالوفاء بالعهود والتزام المواثيق، {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} (2) أمرنا بالعدل مع العدو والصديق {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (3) نهانا عن الأخلاق السيئة فحرم علينا الكذب {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} (4) وحرم علينا الخيانة {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (5)، حرم علينا الفساد في الأرض {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} (6)، {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} (7)، حرم

(1) سورة النور الآية 31

(2)

سورة المعارج الآية 32

(3)

سورة المائدة الآية 8

(4)

سورة النحل الآية 105

(5)

سورة الأنفال الآية 27

(6)

سورة البقرة الآية 204

(7)

سورة البقرة الآية 205

ص: 22

علينا السحر فحذرنا منه وأخبرنا أنه كفر فقال - جل وعلا -: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} (1) فاحذروا السحرة والمشعوذين، ولا تثقوا بأقوالهم ولا تركنوا إليهم، ولا تبحثوا عن قنواتهم، احذروا واحفظوا إيمانكم من ذلك.

أيها المسلمون، هذه بعض هدايات القرآن، إنه كتاب هدى ورحمة، إيمان صادق وعمل صالح، عقيدة خالصة وشريعة عادلة، جمع الله فيه الخير كله، وصدق الله {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (2).

فأين واقع الناس من تعاليم القرآن؟

أيها المسلمون لقد جرب العالم صنوفا من الأفكار؛ ما بين مناهج سياسية ومذاهب فلسفية، ما بين سياسة نفعية، وما بين اشتراكية شيوعية، وما بين ليبرالية متحررة وأخرى غالية متشددة.

انظروا وقلبوا النظر، هل تجدون إلا نزاعا وقتالا، ودماء وأشلاء وإرهابا وفسادا، كل ذلك نتيجة للصراعات الفكرية الخاطئة، ماذا استفاد العالم من هذه الأفكار؟ بل ماذا استفادوا من عزل الإسلام عن واقع الحياة.

(1) سورة البقرة الآية 102

(2)

سورة الإسراء الآية 9

ص: 23

يا صناع القرار، إن العالم لا استقرار له ولا انتظام لحياته إلا إذا طبق عليه منهج رباني؛ منهج خالق الخلق، رب العالمين الذي خلق الخلق وهو أعلم بما يصلحهم {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (1) كل صانع أدرى بما يصلح صنعته، فلا بد من عود إلى هذا القرآن الكريم.

يا صناع القرار إن عالمنا اليوم يسير نحو الهاوية، مادية طاغية، أخلاق منهارة، حروب متأججة، أوضاع متأزمة.

إن سياسات بالية، قامت على مناهج بائدة، صنعتها عقول حائرة، لن تعود على العالم إلا بالدمار والبلاء، الحل كل الحل في نظام الإسلام الذي خاطب الروح بعقيدة راسخة، ملأت القلب نورا وسرورا، الحل في تعاليم الإسلام، جاء بهذه الشريعة العادلة التي تراعي مصالح الخلق باعتدال تام واتزان بديع، وتعطي كل ذي حق حقه، الحل في تعاليم الإسلام الذي جاء بمنظومة اقتصادية فيها تشجيع العمل والإنتاج، الحل في تعاليم الإسلام الذي حدد علاقة المسلم بالمسلم وعلاقته بغيره والعلاقة الاجتماعية والسياسية والأخلاقية، الحل في تعاليم الإسلام؛ لأن مصدره من رب العالمين لم تصنعه أيدي البشر وإنما هو تنزيل من حكيم حميد.

أمة الإسلام، من كرم الله علينا أن اختار لنا الإسلام فسمانا

(1) سورة الملك الآية 14

ص: 24

مسلمين، وارتضى لنا هذا الاسم، وهو الذي سمى به الموحدين من عباده على لسان خليله إبراهيم عليه السلام {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} (1)، نحن شهداء على الناس بما نحمله من هذه الشريعة العادلة الصالحة المصلحة.

يا أيها المسلمون إن كل شعارات ترفع، وكل نداءات تعلن خالية عن الإسلام فهي باطلة، إن عالمنا اليوم يزخر بألوان من الشعارات الحزبية والعصبية القومية البغيضة، إننا أمة أعزنا الله بالإسلام، جمع الله به شتاتنا، ووحد به صفوفنا، وألف به بين قلوبنا، فمتى ابتغينا الهدى من غيره أذلنا الله، اختصم مهاجري وأنصاري في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فنادى المهاجري: يا للمهاجرين. ونادى الأنصاري: يا للأنصار. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم (2)» .

ليس في ديننا عصبية لقومية عربية ولا فارسية ولا تركية ولا لأي فئة كائنة ما كانت، إنما هو الإسلام دين الوحدة {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} (3).

(1) سورة الحج الآية 78

(2)

البخاري: كتاب التفسير، باب قوله تعالى:(سواء عليهم أستغفرت لهم)، حديث رقم 4905، مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب: نصر الأخ ظالما أو مظلوما، حديث رقم 2584.

(3)

سورة المؤمنون الآية 52

ص: 25

أيها المسلمون، إن من نعمة الله علينا هذه الوحدة التي من الله بها علينا، وأمرنا بها {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (1) وحدة بلغت ذروتها في عصر النبوة حتى صار المسلم أخا المسلم لا يظلمه ولا يكذبه ولا يحقره ولا يخذله، وحدة قامت على أسس ثابتة؛ فالرب واحد، والنبي واحد، والدين واحد والقبلة واحدة، مقومات باقية ما بقيت الدنيا، مقومات ثابتة بإجماع المسلمين، مظاهر الوحدة في الشريعة متنوعة: الصلاة وراء إمام واحد، والصوم في شهر واحد، والحج إلى جهة واحدة، كل ذلك لتربية المسلم على الوحدة في كل أموره، فأعيدوها وحدة صالحة خالصة بعيدة عن البدع والخرافات والانحرافات، وحدة تجمع قلوب المسلمين، وحدة فيها اتصالهم، وفيها قوتهم، ليكونوا كما أراد الله {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (2)، إن عدوا سعى في تفكيك دولتنا الأولى، وشتات خلافتنا العظمى لن يكون يوما سببا في وحدتنا، فكفى اغترارا بهم، وارتماء في أحضانهم.

أمة الإسلام، إن الله - جل وعلا - اختار دين الإسلام، فجعله خير الأديان، واختار محمدا صلى الله عليه وسلم فجعله خاتم أنبيائه

(1) سورة آل عمران الآية 103

(2)

سورة آل عمران الآية 110

ص: 26

ورسله، أرسله بالهدى ودين الحق بشيرا ونذيرا وإليه داعيا، وكان الله له حفيظا وعليه وكيلا وله ناصرا، دين أكمله الله وارتضاه وأتمه، دين جمع الفضائل: العدل، والرحمة، والفضل، والإحسان، دين أراد الله إكماله وبقاءه وتكفل الله بنصر من ينصره {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} (1).

لقد ابتلي المؤمنون بمصائب عظيمة تمحيصا لما في قلوبهم {وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ} (2)، فمن وفقه الله وقبل هذا الدين ثبت ورسخت قدمه، فما يزيده إرجاف المرجفين إلا إيمانا وتصديقا، ولا كيد الكائدين إلا إيمانا ورسوخا، عرضت عليهم الدنيا بزخارفها، فأبوا إلا الثبات على الدين، داهنهم الكفار والمشركون فأبوا إلا أن يكون ولاؤهم لهذا الدين، فقاتلوهم وآذوهم في أنفسهم وأهليهم وأموالهم فصبروا وصابروا حتى كانت العاقبة لهم.

ألا تنظرون ماذا حل بالمسلمين، أصبنا في ديننا، أصيب المسلمون في دينهم، أصيبوا في بلادهم، أصيبوا في خيراتهم، أصيبوا في حرماتهم، أصيبوا بتكالب الأعداء عليهم، ولا ناصر إلا الله {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} (3).

(1) سورة الحج الآية 40

(2)

سورة آل عمران الآية 154

(3)

سورة الفرقان الآية 31

ص: 27

ولكن أشد من ذلك أن يخرج من بيننا فئة يتاجرون بمصالح أمتهم الكبرى؛ إما لمصالح سياسية أو لأطماع إقليمية أو لأغراض مادية، كفى غفلة، كفى غفلة فانتبهوا لما حولكم، فقضايا الأمة المصيرية تباع بأرخص الأثمان في سوق الخيانة والغدر، أفيقوا فالمنافقون قد ظهر سوقهم، هذا يبيع أعداء الإسلام قلمه بما يخط ويكتب، وذا يبيعهم نفوذه، وذا يبيعهم فصاحته وخطابته، سلع تباع بأرخص الأثمان، حتى استرخص قوم دينهم ودماء إخوانهم ومصالح أمتهم من غير خجل ولا حياء. فبئست الصفقة وشاهت الوجوه وتربت الأيدي.

أمة الإسلام، إن أساس نجاح كل دعوة أن تقوم على قواعد راسخة ثابتة تكون سببا لاستمراريتها وثبوتها، وإن مما ميز دعوة الإسلام وضوح معالمها وسلامة منهجها وصدق دعاتها.

بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، فدعا إلى الله وإلى توحيده، وحذر من الشرك به، هذا أساس دعوته ومحور رسالته كما عليه الأنبياء السابقون، بدأ بعشيرته والأقربين إليه امتثالا لقوله تعالى:{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (1) فدعاهم واحدا تلو الواحد، وكان مختفيا؛ خوفا على نفسه وعلى الثلة التي معه،

(1) سورة الشعراء الآية 214

ص: 28

وقريش يعلمون حقيقية ما يدعوهم إليه، قالوا:{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (1)، فلما قويت شوكته أمره الله بالصدع بدعوته {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (2)، وأخبره أنه عاصمه من كيد الكائدين {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (3)، فدعا إلى الله وعرض نفسه على قبائل العرب، حتى إذا أراد الله إعزار دينه هدى فئة من الأوس والخزرج وهم الأنصار بايعوه على أن يحموه مما يحمون منه أولادهم ونساءهم وأهليهم، فانتقل إليهم فصار سببا لعز الإسلام وقوته.

أمة الإسلام، لقد ظهر في العالم دعوات ضالة، قامت على غير هدى، دعوات قائمة على السرية التامة، دعوات غامضة معالمها، غامضة أهدافها، مقاصدها غير واضحة، دعوات شبكية يحسن دعاتها اقتناص فرائسهم بالتدرج بهم شيئا فشيئا، والارتقاء بهم في درك الضلال، ليمسخوا انتماءهم الديني والوطني، والقبلي وكل انتماء، سوى الانتماء إلى دعوتهم الباطلة، دعوات قادتها مجهولون، قصد أربابها زعزعة العالم وتفكيكه وإيجاد الفوضى بين صفوفه، وتحريك

(1) سورة ص الآية 5

(2)

سورة الحجر الآية 94

(3)

سورة المائدة الآية 67

ص: 29

المؤامرات، كم من مؤامرات قادوها؟ وكم من بلاد دمروها؟ وكم من جاهل وقع في شبكاتهم فصار ألعوبة في أيديهم بمنصب يرجوه أو مال يؤمله أو لذة فانية يحصل عليها؟!

فيا أهل العقول والأفهام، احذروا تلك الدعوات وأنديتها، إن المسلم الذي كرمه الله بالإسلام وشرفه بهذا الدين الواضح في معالمه وأهدافه وغاياته، قائده محمد صلى الله عليه وسلم، سيرته واضحة، هديه محفوظ، لا غش ولا خداع، الداعي إليه مأجور، والطريق إليه الصراط المستقيم، والرفقة في طريقه صالحة.

قادة المسلمين، قادة المسلمين وساستهم، المسئولية عليكم جسيمة، أهل الإسلام وأرض الإسلام أمانة في أعناقكم، عالمنا الإسلامي يمر بظروف عصيبة، أعداؤنا يريدون مسخ هويتنا الإسلامية، يريدون عزل ديننا عن قضايا الحياة، يريدون أن نكون ذليلين تابعين للقوى العالمية، أعداؤنا في رغد من العيش، واستمرار في الحال، وتمتع في تقدم المعلومات، وخيرات بلادنا يتمتعون بها، وأرضنا مسرح لنزاعاتهم السياسية والعسكرية وتجاربهم الحربية.

يا قادة المسلمين، المسلمون بحاجة إلى المحافظة على هويتهم الإسلامية، وكيانهم التشريعي، بحاجة إلى تحصين أجيالهم دينا وثقافة، وبحاجة إلى إحكام الثغور وإلى القوة، بحاجة إلى موقف شجاع وصلب

ص: 30

على أسس من الهدى، بحاجة إلى حل قضايا الأمة بداخلها فلا يكون للعدو مجال، ولا نبحث عن حلول من هنا أو هناك ونحن أمة الإسلام.

يا علماء الإسلام، يا ورثة الأنبياء، يا أهل الفتوى، ابحثوا عن حلول شرعية لقضايا أمتكم، الأمة بحاجة إلى موقف شرعي واضح لقضايا أراضيها السليبة، إلى موقف شرعي واضح فيما دخل على الأمة من ثقافات وآراء فيها التكفير والغلو والتميع والانحلال، موقف - يا أهل الإسلام - من التأمل والتدبر فيما يخططه أعداء الإسلام ضد المسلمين، موقف للنظر في ضعفنا وماذا أصاب عامة المسلمين من التعلق بالخرافات والبدع التي أقصتهم عن حقيقة دينهم.

شباب الإسلام، مرحلة الشباب من أخطر المراحل، شباب الإسلام، الله الله في دينكم، الله الله في أنفسكم، الله الله في أمتكم، كونوا على وعي مما يراد بكم، فأعداؤنا يريد شبابا لا هوية له حتى يسهل انقياده، وينفذ ما أرادوه من مخططات الفساد والدمار.

يا رجال التربية والتعليم، عقول أبنائنا بين أيديكم فاتقوا الله فيهم، نريد مناهج ترسخ العقيدة الصحيحة، نريد أن تكون مناهجنا مقررة للأخلاق الكريمة، نريد أن تكون مناهجنا مواكبة للعصر، نريد من مناهجنا أن تربط حاضرنا بماضينا وتقوي الأمل والثقة بحاضرنا

ص: 31

وتبين وعد الله لهذه الأمة وأن مستقبل هذا الدين خير كله، وأن هذا الدين لا يزال باقيا «ولا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم (1)» .

يا رجال الإعلام، الإعلام هو اللسان المعبر عن الأمة، فكونوا على صدق في إعلامكم، فبلادكم قلب العالم ومنبع الخيرات، فليكن هذا الإعلام على مستوى يخدم العقيدة والدين، ويرسم الخطط النافعة للأمة في حاضرها ومستقبلها، ليكن إعلام الإسلام يقارع حجج الضلال ويدمغ الباطل بالحق، من قنوات إجرامية، ما بين إلحادية وما بين إجرامية في الأخلاق، وما بين قنوات تفكك جسد الأمة وتنشر البلاء والكذب والأباطيل.

أيتها الفتاة المسلمة، أنت ثمرة الفؤاد، وأنت قرة العين، سهام الأعداء موجهة نحوك، ومؤتمراتهم تدور حول إفسادك، الزمي العفة والحجاب فهو يعصمك من أن تقعي في الرذيلة، لا تغتري بالدعايات ولا تنجرفي معها، فنتائجها معصية الله، ثم تلويث سمعتك وأخلاقك، فاثبتي على هذا الدين لتكوني امرأة صالحة تقية بتوفيق الله.

(1) مسلم كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم:" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم " حديث رقم 1920.

ص: 32

يا رجال الأعمال والخبراء، إن بلادنا بلاد خيرات، بلاد الإسلام بلاد خيرات، تستفيد منها الدول الصناعية على اختلافها، فهلا خطة اقتصادية تكفل استغلال خيرات الأمة في بلادها.

يا رجال الأعمال، الربا قد طغى وأصبح أمرا عاما وشرا وبلاء، فهلا تشمير عن ساعد الجد لإيجاد مركز مالي إسلامي يخلص الناس من وبال الربا.

إخوتي في فلسطين، إخوتي في العراق، إخوتي في الصومال، إخوتي في الأفغان، إخوتي المسلمين في كل مكان، أناشدكم في هذا المقام العظيم، من هذا المنبر العظيم، في هذا اليوم العظيم والشهر العظيم، أناشدكم لأبين لكم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل هذا اليوم إذ قال في خطبته المشهورة:«إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا (1)» ، وأنا أقتدي برسول الله وأمتثل أمر رسول الله فأقول لإخوتي: الدماء الدماء، الله الله في أنفسكم، عودوا إلى رشدكم، نظموا شؤونكم، ارتفعوا عن الشخصيات وارتفعوا عن هذه الترهات، اجعلوا الغاية المصلحة العليا العامة فقدموها على كل شيء، العدو في ساحتكم

(1) البخاري كتاب المغازي، باب حجة الوداع، حديث رقم 4406، مسلم كتاب القسامة والمحاربين، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال، حديث رقم 1679.

ص: 33

وأنتم مشغولون بأنفسكم، جمع الله شملكم، ووحد كلمتكم، وأذل أعداءكم إنه على كل شيء قدير.

أمه الإسلام، إن من نعم الله على المسلمين وجود هذه القيادة الصالحة المصلحة المتواصية بالحق وبالخير في سبيل خدمة الحرمين وإكرام ضيوف الرحمن، قاد هذه المسيرة الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل غفر الله له وأسكنه فسيح جنته، وتعاقب بعده أبناؤه الملوك، فما من واحد إلا وله لمسات خير في هذه المشاعر، فمضى الملك سعود وفيصل وخالد وفهد رحم الله الجميع وأسكنهم فسيح جنته، وهذا دور إمامنا عبد الله بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين يكمل المسيرة إن شاء الله بالنمو والخير والبذل والعطاء، وتهيئة الحرمين وتوسعتهما وكل أمر فيه خدمة هؤلاء الحجيج، فقادة هذا البلد خططوا ونظموا وأقاموا المراكز المختصة بخدمة الحجيج فجزاهم الله عما قدموا خيرا، شقوا الطرق بين المشاعر وهيؤوها لكل قادم، فجزاهم الله عما ما بذلوا خيرا ووفقهم لما يحبه ويرضاه.

أيها المسلمون تدبروا كتاب الله ففيه الهدى، وأكثروا من تلاوته ففيه الخشوع وحضور القلب، أكثروا من تلاوته، لقد هدانا القرآن لأمر أكيد وهو أن الموت مصير كل حي {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} (1){ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} (2)، هدانا لأن

(1) سورة الزمر الآية 30

(2)

سورة الزمر الآية 31

ص: 34

يذكرنا بساعة الاحتضار {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} (1){وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} (2){وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ} (3){وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} (4) هدانا لأن نعلم هول ذلك اليوم وحالتنا يوم قيامنا من قبورنا {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} (5){خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} (6) هدانا فبين لنا أهوال يوم القيامة {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} (7) وقال جل وعلا: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} (8){وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} (9){فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} (10){وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} (11){وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} (12){يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} (13) هدانا فبين لنا أن أقوالنا وأعمالنا محصاة علينا {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (14)

(1) سورة القيامة الآية 26

(2)

سورة القيامة الآية 27

(3)

سورة القيامة الآية 28

(4)

سورة ق الآية 19

(5)

سورة المعارج الآية 43

(6)

سورة المعارج الآية 44

(7)

سورة إبراهيم الآية 48

(8)

سورة الحاقة الآية 13

(9)

سورة الحاقة الآية 14

(10)

سورة الحاقة الآية 15

(11)

سورة الحاقة الآية 16

(12)

سورة الحاقة الآية 17

(13)

سورة الحاقة الآية 18

(14)

سورة ق الآية 18

ص: 35

{وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} (1){وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا} (2){اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} (3) هدانا فبين لنا أهوال ذلك اليوم ومآل أهل السعادة {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} (4).

حجاج بيت الله، ها أنتم أجبتم الدعاء، ها أنتم وصلتم إلى بلاد الله المعظمة، الطريق إليها آمن، والمشاعر مهيأة، فاعبدوا الله وأخلصوا له الدين، اتقوا الله في أنفسكم، سيروا برفق وتحركوا بنظام واحترموا الأنظمة الموضوعة لكم، وأكثروا من ذكر الله والتضرع بين يديه وسؤاله لا سيما في هذا اليوم المبارك، فعسى الله أن يمن علي وعليكم بالقبول.

حجاج بيت الله، إن هذا المنسك ليس مجالا للمزايدات والشعارات والقيل والقال وإنما هو لذكر الله والتقرب إليه بصالح الأعمال.

أمة الإسلام، اليوم يوم عرفة و «الحج عرفة (5)» ، حج النبي صلى الله

(1) سورة الكهف الآية 49

(2)

سورة الإسراء الآية 13

(3)

سورة الإسراء الآية 14

(4)

سورة الفرقان الآية 24

(5)

سنن الترمذي كتاب الحج، باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج حديث رقم 889 سنن ابن ماجه كتاب المناسك، باب من أتى ليلة عرفة قبل الفجر ليلة جمع، حديث رقم 3015، وقال الشيخ الألباني: صحيح.

ص: 36

عليه وسلم حجة الوداع، عام عشر، تلك الحجة التي وافقت يوم الجمعة؛ يوم استدار الزمان كهيئته يوم خلق السماوات والأرض.

فيوم الجمعة هو أفضل أيام الأسبوع، يوم خلق الله فيه آدم وأسكنه الجنة وأخرجه منها، ويوم تقوم فيه الساعة، فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله من فضله إلا أعطاه، أضل الله عنه اليهود والنصارى، وهدانا لهذا اليوم العظيم، فالحمد لله إذ وافق حجتنا حجة محمد صلى الله عليه وسلم.

قفوا بعرفة إلى الغروب، وبيتوا معظم الليل بمزدلفة، وإن بقيتم إلى الفجر فأفضل، ارموا يوم العيد جمرة العقبة، واحلقوا أو قصروا، والحلق أفضل، وقد حل لكم كل شيء إلا النساء، طوفوا بالبيت، وبالصفا والمروة إن لم تكونوا سعيتم من قبل أو كنتم متمتعين، وبذلك تتحللون التحلل الكامل، ودعوا بيت الله الحرام وكونوا متخلقين بالحلم والصبر، إن الحج جهاد في سبيل الله كما قالت عائشة:«يا رسول الله، على النساء جهاد؟ قال: نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه: حج مبرور (1)» ، فما أصابك من أي شيء فتحمل واصبر، فإن ذاك جهاد في سبيل الله.

(1) البخاري كتاب الجهاد والسير، باب فضل الجهاد والسير، حديث رقم 2784.

ص: 37

اللهم يا حي يا قيوم، يا أرحم الراحمين، يا أكرم الأكرمين، يا أجود الأجودين، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اعتقنا من عذابك، اللهم اجعلنا في هذا اليوم من العتقاء من عذابك، اللهم أقل عثرتنا واغفر زلتنا وارحم ضعفنا.

اللهم وقفنا بين يديك في هذا اليوم العظيم، في هذا المكان العظيم، واليوم المشهود، موقف الخاضع الذليل، موقف الفقير المسكين، موقف الوجل الخائف، من يرجو رحمتك ويخاف عذابك، فرحمتك أرجى من أعمالنا ومغفرتك أوسع من ذنوبنا، اللهم إنا نسألك بأنا نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد أن تجعل حجنا مبرورا وسعينا مشكورا وذنبنا مغفورا.

اللهم اغفر لآبائنا، اللهم اغفر لأمهاتنا، اللهم أصلح ذرياتنا، اللهم اجمع كلمة المسلمين على الخير، اللهم أبدل ذلهم عزا وضعفهم قوة وتشتتهم اجتماعا على الخير والهدى، اللهم ول عليهم خيارهم.

اللهم اغفر وارحم عبدك فهد بن عبد العزيز رحمه الله، اللهم إنه أحسن لعباد الله فأحسن إليه، اللهم اغفر زلته وارفع درجته إنك على كل شيء قدير.

ص: 38

اللهم وفق إمامنا عبد الله بن عبد العزيز لكل خير، اللهم اجعله إمام هدى وتقوى، اللهم انصره بالإسلام وانصر الإسلام به، اللهم اجعله ممن لزم شرعك وحكم كتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم شد أزره، واربط على قلبه وأمده بمدد من عندك، اللهم وفقه لسبيل الرشاد، اللهم اجمع على يده كلمة المسلمين، اللهم اجعل في بقية عمره خيرا للإسلام والمسلمين، اللهم اختر له جلساء صالحين ناصحين يعينونه إن ذكر، ويذكرونه إن نسي، اللهم اجعله مخلصا لك في أقواله وأعماله، واجعل الخير على يده، إنك على كل شيء قدير.

اللهم شد أزره بولي عهده سلطان بن عبد العزيز، اللهم وفقه للصواب، اللهم أمده بسلامة الدين وصحة البدن والعافية، اللهم قوه على الخير، واجعله من أنصار الخير والهدى، إنك على كل شيء قدير.

والدعاء والشكر موصول أيضا لرئيس هيئة الحج العليا نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية، وفقه الله، الذي طالما عمل وطالما اجتهد، وطالما بذل، وطالما أشرف، فجزاه الله خيرا، وجزى أعوانه والقائمين بذلك ومن قاد الحجيج خيرا، ووفقهم جميعا لما يحبه ويرضاه.

{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (1)

(1) سورة الحشر الآية 10

ص: 39

عباد الله في هذا اليوم ينزل الله إلى سمائه الدنيا فيباهي بأهل الموقف أهل السماء، ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من هذا اليوم، إن خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قال النبي والأنبياء قبله يوم عرفة: لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، يقول صلى الله عليه وسلم:«ما رئي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة، وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا ما أري يوم بدر (1)» ، فأخلصوا لله الدعاء، وتوجهوا بقلوبكم إلى ربكم وارفعوا أكف الضراعة إليه، سلوه الثبات على الإسلام، سلوه الاستقامة، سلوه للمسلمين جمع الكلمة، سلوه أن يوحد الله صفوفهم ويكفيهم شر من أرادهم بشر، إنه على كل شيء قدير.

ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم، ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، سبحان ربنا رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

أعاده الله علي وعليكم وعلى إمامنا بالخير واليمن والبركة، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

(1) موطأ مالك كتاب الحج، باب جامع الحج، حديث رقم 962.

ص: 40