الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عائشة رضي الله عنها في محله؛ حيث إنها تستند على حديث (1).
(1) انظر: نصب الراية (1/ 191)، العلل المتناهية لابن الجوزي (1/ 385).
المبحث الثاني: أخذها رضي الله عنها بالأدلة الشرعية المختلف فيها:
أولا: أخذها رضي الله عنها بالقياس الأصولي:
قد كانت عائشة رضي الله عنها إن لم تجد الحكم في القرآن الكريم والسنة النبوية فإنها كانت تلجأ إلى القياس.
ومن ذلك ما يلي:
1 -
قياس صوت الخلخال على الجرس الذي نص عليه الرسول، فقد روي أن جارية دخلت على عائشة رضي الله عنها وفي رجلها جلاجل من الخلخال، فقالت عائشة: أخرجوا عني مفرق الملائكة (1) حيث قاست صوت الخلخال على صوت الجرس، فكما أن الجرس لا يجوز لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«لا تصحب الملائكة رفقة بها كلب ولا جرس (2)» أو قال صلى الله عليه وسلم: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه جرس (3)» حيث
(1) أخرجه: عبد الرزاق في المصنف (10/ 459)، وابن أبي شيبة بلفظ قريب منه (6/ 44).
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه (ص 1171)، كتاب اللباس والزينة في باب كراهة الكلب والجرس في السفر، حديث رقم (2113)، والترمذي في سننه (4/ 207)، كتاب الجهاد، باب ما جاء في كراهية الأجراس على الخيل، حديث رقم (1703) والنسائي في السنن الكبرى (5/ 458)، والإمام أحمد في المسند (2/ 444) رقم الحديث (8319)
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه (ص 1171)، كتاب اللباس والزينة في باب كراهة الكلب والجرس في السفر، حديث رقم (2113)، والترمذي في سننه (4/ 207)، كتاب الجهاد، باب ما جاء في كراهية الأجراس على الخيل، حديث رقم (1703) والنسائي في السنن الكبرى (5/ 458)، والإمام أحمد في المسند (2/ 444) رقم الحديث (8319)
إن كلا من الخلخال والجرس له صوت، ولذلك منعت عائشة رضي الله عنها الجارية التي كانت تلبس خلخالا، لأن الخلخال صوت يمنع دخول الملائكة.
2 -
قياسها أكل الغراب على الفواسق والخبائث، فقد روي أن عائشة قالت:«إني لأعجب ممن يأكل الغراب، وقد أذن الرسول صلى الله عليه وسلم في قتله، وسماه فاسقا والله ما هو من الطيبات (1)» ؛ حيث فهمت أنه طالما أنه من الفواسق والخبائث التي نهي المسلم عن أكلها وبالتالي فلا يحل أكله (2).
ثانيا: أخذها رضي الله عنها بالاستحسان المبني على الدليل:
والاستحسان العدول عن دليل إلى دليل أقوى منه، فهذا مما لا ينكره أحد، أما إن كان بما يستحسنه الإنسان ويشتهيه من غير دليل فهو باطل، ولا يقول به أحد.
وقد كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ترى أنه يجب العدول في مسألة ما عن حكمها بالقياس المتبادر من النص لأول وهلة إلى حكم آخر لوجه أقوى أثرا وأكثر تحقيقا لمقصد الشارع من هذا النص.
(1) انظر: مصنف عبد الرازق (4/ 519)، وابن أبي شيبة (5/ 400). وهو عند البزار كما في مختصر زوائد مسند البزار (1/ 494) وقال: إسناده حسن، وعند البيهقي في السنن الكبرى (9/ 317)، وفي المصدر نفسه عن عروة بن الزبير، وعند ابن ماجه (2/ 3248) كتاب الصيد، باب الغراب.
(2)
انظر: موسوعة فقه أم المؤمنين رضي الله عنها (ص 567)
والاستحسان حجة شرعية يحتج بها. والدليل على ذلك ما يلي:
1 -
قوله تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} (1).
2 -
قوله تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} (2)
3 -
قول ابن مسعود: " فما رأى المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما رأوه سيئا فهو عند الله سيئ ".
المصدر الرابع من مصادر الأحكام إلى تستمد منها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها – الاستحسان، فقد ترى أنه يجب العدول في مسألة ما عن حكمها القياسي المتبادر من النص لأول وهلة إلى حكم آخر لوجه أقوى أثرا وأكثر تحقيقا لمقصد الشارع من هذا النص (3).
ومن ذلك أنها ترى منع المرأة من الذهاب إلى المسجد لأداء صلاة جماعة، لما يحدث خروجها إلى المسجد من الفتن التي يحرص الشارع الحكيم على اجتثاثها من المجتمع.
(1) سورة الزمر الآية 18
(2)
سورة الزمر الآية 55
(3)
انظر: موسوعة فقه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (ص 569)
فقد قالت رضي الله عنها " لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعت نساء بني إسرائيل ".
وقد عدلت بهذا الرأي عن أحكام "الصلاة جماعة في المسجد أفضل من صلاة الفرد" الواردة بقوله صلى الله عليه وسلم: «تفضل صلاة الجميع صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين جزءا، وفي رواية تفضلها بسبع وعشرين درجة (1)» .
وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله (2)» .
ثالثا: أخذها رضي الله عنها – بالاستصحاب:
وقد كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ترى وجوب العمل بالحكم الأصلي الثابت لشيء حتى يثبت ما يرفع هذا الحكم قطعا، وهذا بناء على أن الأصل في الأشياء الإباحة.
فقد أنزل الله هذه الشريعة بفضله ورحمته تحلل الحلال وتحرم
(1) أخرجه: البخاري في صحيحه (2/ 137)، كتاب التفسير، باب إن قرآن الفجر كان مشهودا، حديث رقم (4717).
(2)
متفق عليه، أخرجه البخاري في صحيحه (ص 180)، كتاب الجمعة، باب: حدثنا عبد الله، رقم 900، ومسلم في الصحيح (ص 232)، كتاب المساجد، باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة رقم 442.
الحرام، وقد جعل الله عز وجل الأصل في الأشياء أنها حلال وباستثناء تلك النصوص من رب العالمين بتحريمها.
وقد جاءت آيات الله تؤكد عموم فضل الله على خلقه، وأنه سبحانه سخر لعباده الأشياء ليبتغوا بها من فضله، فما دام هذا الشيء ليس من المحرمات، فالأصل أنه من المباحات (1). فقال تعالى:{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (2).
ولذلك رأت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حل أكل الجبن، ولا كراهة في ذلك.
فقد أخرج البيهقي: أن امرأة سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن أكل الجبن فقالت عائشة: " إن لم تأكليه فأعطنيه آكل "(3).
وقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها هذا بنته على أن الأصل في الأشياء الإباحة، ولأن الله سبحانه وتعالى قد فصل ما حرم، فقال تعالى:{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (4).
(1) انظر: أصول الأحكام الإسلامية د. يوسف قاسم (ص/ 209)
(2)
سورة الجاثية الآية 13
(3)
انظر: سنن البيهقي (10/ 6)، مصنف عبد الرزاق (4/ 538)
(4)
سورة الأنعام الآية 145
ولذلك نجد الفقهاء يرون أن الأصل بقاء ما كان على ما كان، فرؤية أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بوجوب العمل بالحكم الأصلي الثابت لشيء حتى يثبت ما يرفع هذا الحكم قطعا، فإن لم يثبت رفعه يبقى العمل به استصحابا لحكمه القديم (1).
رابعا: أخذها رضي الله عنها – بالعرف:
من المصادر التي تستمد منها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها الأحكام الفقهية ما كان سائدا في مجتمعها، ولم يكن له حكم ينص عليه بموافقة أو معارضة (2).
ومن ذلك أنها ترى أن سن الإياس للمرأة إذا بلغت خمسين سنة، ما لم تكن قرشية، فقد قالت:" قل امرأة تجاوز الخمسين فتحيض إلا أن تكون قرشية "(3).
وقد اعتمدت في هذا الحكم على غالب نساء عصرها وما كان سائدا في بيئتها التي عاشت بها.
(1) انظر: موسوعة فقه عائشة (ص 571)
(2)
انظر: موسوعة فقه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (ص 572)
(3)
انظر: المنتقى شرح الموطأ (1/ 125 – 126)، والمغني لابن قدامة (1/ 372)
وذهاب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إلى أن السن الذي إذا بلغته المرأة تكون آيسة هو خمسون سنة، وافقها على ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه (1).
وأم المؤمنين عائشة وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما لم يطلقا هذا الحكم مجازفة، بل لا بد أن يكون هناك أمر استندا إليه، وهذا الأمر هو الاستقراء؛ حيث وجدت غالب نساء عصرها وما كان سائدا في بيئتها هو أن السن الذي ينقطع الحيض فيه هو بلوغ الخمسين سنة.
وكذلك ترى أن المرأة إذا بلغت تسع سنين فهي بالغة يجب عليها الحجاب وغيره من الأحكام الشرعية.
فقد أخرج البيهقي: " قالت: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة "(2). وهذا الرأي من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بناء على المنطقة التي كانت تعيش بها؛ حيث الجو الحار الصحراوي الذي يساعد على سرعة البلوغ، بخلاف المناطق الباردة التي يتأخر فيها سن البلوغ (3).
(1) انظر: المنتقى شرح الموطأ جـ 1/ 125
(2)
أخرجه البيهقي في سننه (1/ 32)، وكذلك ذكره الترمذي معلقا في السنن (3/ 417)
(3)
انظر: موسوعة فقه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (ص 572)