الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: محبة الحمد بما لم يفعل وعلاقته بالمنة:
نهى الله سبحانه في كتابه عن حب الحمد بما لم يفعل الإنسان فقال: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (1).
وقد جاء في تفسيرها أن مروان بن الحكم قال لبوابه: اذهب إلى ابن عباس فقل: لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي، وأحب أن يحمد بما لم يعمل معذبا لنعذبن أجمعين. فقال ابن عباس: ما لكم ولهذه. إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهود فسألهم عن شيء فكتموه إياه، وأخبروه بغيره، فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم. ثم قرأ ابن عباس {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} (2).
كذلك حتى قوله: {يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} (3)(4).
(1) سورة آل عمران الآية 188
(2)
سورة آل عمران الآية 187
(3)
سورة آل عمران الآية 188
(4)
البخاري 4568
وأما أبو سعيد الخدري فقد جعل المراد هنا المنافقين فقال: " إن رجالا من المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذروا إليه وحلفوا، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا فنزلت {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} (1) "(2).
قال ابن كثير: " ولا منافاة بين ما قاله ابن عباس وما قاله أبو سعد لأن الآية عامة في جميع ما ذكر (3).
فالآية عامة ويدخل فيها كل من فرح بما أتي من القبائح والباطل القولي والفعلي، وأحب أن يحمد بالخير الذي لم يفعله، والحق الذي لم يقله، فجميع بين فعل الشر وقوله، والفرح بذلك، ومحبة أن يحمد على الخير الذي لم يفعله، وعمومها يتناول كل من أتى بحسنة ففرح بها فرح إعجاب، وأحب أن يحمده الناس ويثنوا عليه بما ليس فيه (4).
(1) سورة آل عمران الآية 188
(2)
البخاري 4567
(3)
تفسير ابن كثير 1/ 446. وينظر: فتح الباري، ابن حجر 8/ 233
(4)
ينظر فتح الباري، ابن حجر 8/ 233. تفسير السعدي 1/ 471
وأما من أحب أن يحمد بما فعل من الخير فلا يدخل في العذاب لأنه قد جاء في الحديث «أن ثابت بن قيس (2)» .
فعلى هذا وعلى مفهوم الآية فإن من أحب أن يحمد ويثنى عليه بما فعله من الخير واتباع الحق إذا لم يكن قصده بذلك الرياء والسمعة أنه غير مذموم، بل هذا من الأمور المطلوبة التي أخبر الله تعالى أنه يجزي بها المحسنين في الأعمال والأقوال، وأنه تعالى جازى بها صفوة خلقه من الأنبياء بل وسألوها منه، كما قال إبراهيم عليه السلام:
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك 3 234، وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقال الحافظ في الفتح: إسناده قوي لكنه مرسل كما قال الحافظ في الفتح 6/ 621، وعزاه ابن كثير في تفسيره 1/ 446 إلى ابن مرد ويه
(2)
(1) قال: " يا رسول الله! والله لقد خشيت أن أكون هلكت، قال: لم؟ قال: نهى الله المرء أن يحب أن يحمد بما لم يفعل وأجدني أحب الحمد، ونهى الله عن الخيلاء، وأجدني أحب الجمال، ونهى الله أن نرفع أصواتنا فوق صوتك، وأنا امرؤ جهير الصوت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما ترضى أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة، فقال: بلى يا رسول الله، فعاش حميدا وقتل شهيدا يوم مسيلمة الكذاب