الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عائشة الآية من خلال الخفاء الوارد في الآية من عدم تحديدها المكان، قد توافق غيرها على ذلك وقد تختلف (1).
ومن الممكن أن تكون القاعدة الأصولية التي بنت عليها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حكمها في عدم وجوب اعتداد المرأة المتوفى عنها زوجها في بيت زوجها، هو سدا للذرائع، وغلقا لأبواب الشجار والخلاف، لأن بيت الزوج هذا إما أن يكون مكترى وإما أن يكون ملكا فإن كان مكترى بطل العقد بموته، وإن كان ملكا فقد صار للورثة فيه نصيب، فلا يحل لها مال الغير.
(1) انظر: الإصابة في الفكر الأصولي لدى فقهاء الصحابة (ص 219)
المبحث الثاني: أحكام الاستمتاع بالمرأة:
أولا: الاستمتاع بالمرأة الحائض:
خلق الله سبحانه وتعالى المرأة وركبها تركيبا جسميا ونفسيا يختلف عن الرجل، وهذه التركيبة تنم عن عظيم حكمة الله تعالى في خلقه، إذ أن المرأة خلقت لأداء وظيفة معينة في الحياة تختلف عن وظيفة الرجل، ومن هذه الاختلافات التي خلقها الله تعالى في المرأة تلك الانهدامات الرحمية التي تسمى بالحيض، والتي تنتابها كل شهر في أيام معينة.
والمرأة في فترة الحيض تنتابها آلام، وتتغير نفسيتها فتميل إلى الاضطراب والنفور من الرجل، لذا من رحمة الله بهذه المرأة خفف الله
تعالى عنها العبادات، فلم يأمرها بالصلاة، ولا بالصوم، ولا بغيرهما من العبادات التي تشترط لها الطهارة، كذلك حرم الله على الرجل وطأها وقد كان الناس قبل الإسلام؛ سواء كانوا يهودا أو مشركين، يعتبرون المرأة في فترة الحيض نجسة، فلا يضاجعونها، ولا يقبلون منها الخدمة في البيت، فجاء الإسلام بتعاليمه السمحة، فأزال تلك النظرة السيئة، وأباح للرجل أن يتعامل مع زوجته كما كان قبل الحيض إلا الوطء فإنه محرم عليه. عند ذلك اختلف السلف والخلف في كيفية الاستمتاع بالمرأة الحائض (1).
اتفق السلف والخلف على أن للرجل الاستمتاع بزوجته الحائض بما فوق الإزار (2) لكن اختلفوا بما تحت الإزار والاستمتاع به (3).
فذهبت عائشة رضي الله عنها إلى أنه يجوز للرجل أن يستمتع بزوجته الحائض بكل شيء دون الفرج (4).
الأدلة:
استدلت السيدة عائشة رضي الله عنها لما ذهبت إليه بما يلي:
1 -
(1) انظر: موسوعة فقه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (ص/ 710)
(2)
انظر: المجموع شرح المهذب (2/ 364)، المغني لابن قدامة (1/ 350)
(3)
انظر: مصنف عبد الرازق (10/ 327)
(4)
انظر: تفسير الماوردي (1/ 236)
(5)
سورة البقرة الآية 222
وجه الاستدلال:
أن المحيض هو اسم لمكان الحيض، كالمقيل، والمبيت، فتخصيصه موضع الدم بالاعتزال دليل على إباحته فيما عداه من المرأة، وهو ما تحت الإزار (1).
2 -
ما ورد في سبب نزول الآية السابقة عن أنس رضي الله عنه (أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة عندهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} (2)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اصنعوا كل شيء إلا النكاح (3)» ، فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه.
وجه الاستدلال:
قالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم بين المباح للرجل من زوجته الحائض، وأنه لا يحرم عليها إلا النكاح الذي هو الجماع، ومحله الفرج، فدل
(1) انظر: المغني لابن قدامة (1/ 350)
(2)
سورة البقرة الآية 222
(3)
مسلم الحيض (302)، الترمذي تفسير القرآن (2977)، النسائي الحيض والاستحاضة (369)، أبو داود النكاح (2165)، ابن ماجه الطهارة وسننها (644)، أحمد (3/ 133)، الدارمي الطهارة (1053).
على أن ما عداه مباح للرجل (1).
3 -
ما رواه عكرمة رحمه الله عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: أن «النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا (2)» .
وكذلك ما روي «عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها – قالت: " كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض (3)» .
وجه الاستدلال:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يمتنع إلا عن فرجها فقط، فدل على حل ما سواه من المرأة الحائض (4).
4 -
دليل من القياس: أن تحريم الوطء للحائض لأجل الحيض، فاختص التحريم بمكانه كالدبر (5).
وقد وافق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في ذلك أمهات المؤمنين حفصة وميمونة رضي الله عنهما (6).
(1) انظر: موسوعة فقه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (ص 711)
(2)
أخرجه: أبو داود في سننه (1/ 71)، كتاب الطهارة، باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع، حديث رقم (272). قال عنه ابن حجر: إسناده قوي، وقال المناوي: انفرد بإخراجه أبو داود، وإسناده صحيح، فيض القدير (5/ 95)
(3)
أخرجه: البخاري في صحيحه باب مباشرة الحائض، من كتاب الحيض، باب اغتسال المعتكف من كتاب الاعتكاف (1/ 82)(3/ 63)، ومسلم في صحيحه، باب مباشرة الحائض فوق الإزار، من كتاب الحيض (1/ 242)
(4)
انظر: موسوعة فقه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (ص 714)
(5)
انظر: موسوعة فقه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (ص 714)
(6)
انظر: تفسير الماوردي (1/ 236)
وقد تبعها على ذلك أيضا مجاهد والنخعي وعكرمة وسفيان والشعبي رحمهم الله – ومن الفقهاء الحنابلة
والظاهرية رحمهم الله (1).
والراجح في ذلك هو ما ذهبت إليه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وذلك لما يلي:
1 -
إن أمهات المؤمنين: عائشة، وميمونة، وحفصة رضي الله عنهن أجمعين - هن اللاتي روين أحاديث مباشرة الرسول صلى الله عليه وسلم لهن بما فوق الإزار، وهن القائلات بجواز ما تحت الإزار مما يدل على أنهن قد فهمن من فعله صلى الله عليه وسلم ما يدل على الجواز، وهن أعلم بهذه الأمور المختصة بالنساء اللاتي لا يطلع عليها إلا هن، ولو فهمن المنع لأخبرن به.
2 -
أن الآية قد نزلت لتغيير وضع كان سائدا في المجتمع آنذاك، وهو اعتزال المرأة الحائض، وعدم قربها، فنزلت هذه الآية لبيان جواز قربها، والاستمتاع بها بما دون محل الحيض (2).
والفكرة الأصولية التي بنت عائشة عليها هذا الحكم هو التزامها بالنصوص. حيث التزمت بما رواه الرسول صلى الله عليه وسلم بالإضافة إلى فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع نسائه؛ خصوصا أن هذه الأمور مما لا يطلع عليها أحد غيرهن. وعائشة رضي الله عنها هنا لم تئول، ولم تنسخ، ولم تغير ما قاله الرسول أو فعله، مما يدل على مدى التزام عائشة بالسنة النبوية.
(1) انظر: المغني لابن قدامة (1/ 350)
(2)
انظر: موسوعة فقه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (ص 717)
ثانيا: أحكام المرأة المستحاضة:
من طبيعة المرأة التي خلقها الله عليها هذا الحيض الذي يعتادها في كل شهر وهذا الحيض له أيام محددة لا يتجاوزها، ودمه له صفات معينة لا تختلف عنه، فإذا ما تجاوز الدم حده الزمني أو صفاته، فمعنى ذلك أنه لم يعد حيضا، وإنما استحاضة، مما يلزم أن تختلف أحكام هذا الأمر الجديد عن الحيض وأحكامه (1).
وسنستعرض بعض الأحكام التي تتعلق بالمرأة المستحاضة، ورأي أم المؤمنين عائشة:
المسألة الأولى: تطهر المرأة المستحاضة:
الطهارة من الحدث شرط في صحة الصلاة، والطواف بالبيت، واختلف السلف والخلف في المرأة المستحاضة إذا أرادت أن تتطهر لتأدية هذه العبادات.
فذهبت عائشة رضي الله عنها إلى أن المستحاضة يجب عليها غسل واحد فقط، وتتوضأ لكل صلاة
(1) انظر: موسوعة فقه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (ص 718)
الأدلة:
استدلت لما ذهبت إليه رضي الله عنها بما يلي:
1 -
ما روته رضي الله عنها «من أن فاطمة بنت أبي حبيش أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني أستحاض فلا ينقطع مني الدم، فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل، وتتوضأ لكل صلاة، وتصلي وإن قطر الدم على الحصير قطرا (1)» .
وجه الاستدلال:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرها بما يجب عليها، وهو الغسل بعد انقضاء أيام عادتها، ثم تتوضأ لكل صلاة فقط، فدل ذلك أنه هو الواجب عليها (2).
2 -
ما رواه أبو داود والترمذي قال النبي صلى الله عليه وسلم في المستحاضة «تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتصلي، والوضوء عند كل صلاة (3)» .
(1) أخرجه: ابن أبي شيبة في المصنف (1/ 118)، والإمام أحمد في المسند (6/ 204)، والنسائي في سننه الكبرى بلفظ مقارب (1/ 97)، وابن ماجه في السنن (1/ 204)، كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في المستحاضة التي قد عدت أيام أقرائها قبل أن يستمر بها الدم، حديث رقم (624)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 344)، وقد ضعفه البيهقي في معرفة السنن والآثار (1/ 379)
(2)
انظر: موسوعة فقه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (ص 719)
(3)
أخرجه: أبو داود في سننه (1/ 73)، كتاب الطهارة، باب في المرأة تستحاض ومن قال تدع الصلاة .. ، الحديث رقم (281)، وضعفه الترمذي في سننه (1/ 220)، أبواب الطهارة، باب ما جاء في أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة، الحديث رقم (126)، وقال: حديث تفرد به شريك، عن أبي اليقظان
وجه الاستدلال:
دل الحديث على أن المستحاضة تغتسل عند انتهاء أيام عادتها، ثم تتوضأ لكل صلاة (1).
3 -
دليل من الرأي:
أن دم الاستحاضة حدث لا يوجب الغسل، بخلاف الدم الخاص بالحيض، أو النفاس، أو الجما ع (2).
وقد وافق السيدة عائشة رضي الله عنها في ذلك عروة، وابن المسيب - رحمهما الله - (3).
ومن الفقهاء: الحنفية، والشافعية، والحنابلة، والمالكية، إلا أنهم قالوا: لا يجب عليها الوضوء لكل صلاة إلا لحدث جديد غير خروج وقت الصلاة (4).
ولعل الراجح والله أعلم هو ما ذهبت إليه عائشة رضي الله عنها أن المستحاضة تغتسل مرة واحدة لطهرها، وتتوضأ لكل صلاة. ومن الممكن أن تكون الفكرة الأصولية التي بنت عائشة رضي الله عنها عليها حكمها في أن المستحاضة تغتسل مرة واحدة،
(1) انظر: موسوعة فقه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (ص 720)
(2)
انظر: موسوعة فقه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (ص 720)
(3)
انظر: مصنف عبد الرزاق (1/ 304)
(4)
انظر: المنتقى شرح الموطأ (1/ 127)
وتتوضأ لكل صلاة هو التزامها بما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش، بالإضافة إلى استقرائها المنطقي من أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الأمور التي تلحق المشقة، فإنه كان يأخذ بالأيسر لرفع الحرج والمشقة عن المرأة. فما خير الرسول بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما.
وأسباب الرجحان ترجع لما يلي:
1 -
أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهي التي روت أغلب أحاديث المستحاضة قد صدر منها فتوى بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الواجب على المستحاضة هو غسل واحد، وتتوضأ لكل صلاة، مما يدل على أن هذا الذي استقر عليه الأمر وأن ما سبقه منسوخ بذلك.
2 -
أن اختلاف الأحاديث التي وردت قد يكون مرجعه إلى اختلاف حالات الاستحاضة في المستحاضات، فمستحاضة تعرف أيام حيضها، فأمرت بما يتناسب مع حالتها، وأخرى كان في الماء علاج لها كالتي يثج الدم منها ثجا، فأمرت بأن تكثر منه، والاغتسال منه، لعل ذلك يكون فيه تقليل لخروج الدم منها، خاصة إذا كان الماء باردا، وأن في غسلها لكل صلاة احتياطا لها حتى لا تصلي وهي نجسة، فلكل حالة من ذلك حكم يستحب الأخذ به تقديرا لحالة هذه المرأة المستحاضة (1).
(1) انظر: موسوعة فقه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (ص 723 – 724)
المسألة الثانية: وطء المرأة المستحاضة:
المرأة المستحاضة محكوم بطهارتها، لذا أمرت بأن تؤدي جميع العبادات من صلاة أو صيام أو طواف، ولكن محل الوطء ملطخ بالدماء، وقد سماه الله أذى في حالة الحيض، وهو لا يزال باقيا في المستحاضة، لذا اختلف السلف والخلف في حكم وطء المستحاضة (1).
فذهبت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إلى أن المستحاضة لا يحل وطؤها.
واستدلت رضي الله عنها لما ذهبت إليه بقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} (2).
وجه الاستدلال:
أن الله تعالى حرم وطء الحائض لوجود الأذى بخروج الدم، وهذه العلة موجودة في المستحاضة، فيحرم وطؤها لوجود العلة بها (3).
وتبع السيدة عائشة رضي الله عنها بهذه الرواية النخعى في
(1) انظر: موسوعة فقه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (ص 724)
(2)
سورة البقرة الآية 222
(3)
انظر: موسوعة فقه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (ص 725)
رواية، وابن سيرين، والشعبي، وسليمان بن يسار (1).
ومن الفقهاء الإمام أحمد إلا إذا خشي على نفسه فيجوز له الوطء (2).
ولعل الراجح والله أعلم: أنه يكره وطء المرأة المستحاضة، إلا إذا خشي على نفسه الوقوع في الحرام، فحينئذ يجوز له ذلك، لأن حكم المستحاضة فيه تخفيف.
والقاعدة الأصولية التي بنت عليها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها هذه الرواية هي أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. وذلك للأسباب الآتية:
1 -
أن وطء المرأة الحائض والنفساء فيه ضرر صحي عليهما، لكون الرحم منهكا بهذه الدماء التي تخرج منه، وهذا موجود في المستحاضة.
2 -
إن ما ورد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من النهي عن وطء المستحاضة يمكن حمله على الكراهة لا على التحريم، لعدم دلالة الآية على ذلك (3).
ومن المكن أيضا أن تكون الفكرة الأصولية التي بنت عليها
(1) انظر مصنف عبد الرزاق (1/ 311)، مصنف ابن أبي شيبة (4/ 278)
(2)
انظر: المغني لابن قدامة (1/ 353)
(3)
انظر: موسوعة فقه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (ص 724)
عائشة رضي الله عنها كراهة وطء المستحاضة هو قياسها دم الاستحاضة على دم الحيض، فكما أن دم الحيض أذى تعتزل فيه النساء فكذلك دم الاستحاضة، غاية ما هناك أن دم الحيض (طلب ترك جازم) فيأخذ التحريم. أما دم الاستحاضة فقياس عليه فيأخذ الكراهة.
ثالثا: الاستمتاع في حالة الصيام:
المرأة جزء من الرجل، قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (1)، وتقتضى هذه الجزئية أن يرتبط كلا الزوجين بصاحبه، وترتفع بينهما العلاقة حتى ترقى بينهما إلى درجة الائتلاف الكلي، حتى لا يبقى هناك حاجز يمنع أحدهما أن يستمتع بالآخر، وأن يفضي له بما يكنه له في قلبه، وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة، قال تعالى:{وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} (2).
ولكن هناك حالات تطرأ على المرأة تحد من هذا الاستمتاع الكلي، وتقتصر على بعض معانيه، ومن ذلك حينما يكون كلا الزوجين صائمين، أو أحدهما فإن الجماع يحرم على الزوج، أما باقي
(1) سورة الروم الآية 21
(2)
سورة النساء الآية 21
الاستمتاع بزوجته فالسلف والخلف اختلفوا في ذلك (1).
ذهبت السيدة عائشة رضي الله عنها إلى أنه يجوز للزوج الاستمتاع بزوجته بكل شيء سوى الجماع إذا كان يملك إربه.
الأدلة:
1 -
ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه كان أملككم لإربه (2)» .
وجه الاستدلال:
أن فعل الرسول صلى الله عليه وسلم دليل على جواز المباشرة للصائم (3).
2 -
ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه «أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم؟ فرخص له، فأتاه آخر فسأله فنهاه، فإذا
(1) انظر: موسوعة فقه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (ص 728)
(2)
أخرجه: البخاري في صحيحه (4/ 149)، كتاب الصوم، باب القبلة للصائم، حديث رقم (1928)، والترمذي في سننه (3/ 107)، كتاب الصوم، باب ما جاء في مباشرة الصائم، الحديث رقم (728 - 729)، والنسائي في السنن الكبرى (5/ 352)، كتاب النكاح، الرخصة في أن تحدث المرأة بما يكون بينها وبين زوجها، البيهقي في سننه (1/ 314).
(3)
انظر: موسوعة فقه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (ص 729)
الذي رخص له شيخ، وإذا الذي نهاه شاب (1)».
وجه الاستدلال:
أن ترخيص الرسول صلى الله عليه وسلم بالمباشرة للسائل دليل على جوازها لمن ملك إربة (2).
وقد وافق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لما ذهبت إليه أم سلمة، وابن عباس، وابن عمر في رواية عنهما، وابن مسعود، وأبو هريرة، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم أجمعين - (3).
وتبعها على ذلك عكرمة، وعطاء، والشعبي رحمهم الله (4)، ومن الفقهاء الحنفية، والظاهرية، والحنابلة في القبلة فقط (5).
(1) أخرجه الإمام مالك في الموطأ (ص/ 176)، وأبو داود في سننه (2/ 312)، كتاب الصوم، باب كراهيته للشاب حديث رقم (3787)، قال المباركفوري: سكت عنه أبو داود والمنذري، وقال ابن الهمام: إسناده جيد، ورواه ابن ماجه عن ابن عباس (1/ 539) كتاب الصيام، باب ما جاء في المباشرة للصائم، حديث رقم (1688) وإسناده ضعيف، والبيهقي في السنن الكبرى (4/ 232)
(2)
انظر: موسوعة فقه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (ص / 730)
(3)
انظر: معاني الآثار للطحاوي (2/ 88) وما بعدها، مصنف ابن أبي شيبة (3/ 63)
(4)
انظر: مصنف عبد الرزاق (3/ 183)، وابن أبي شيبة (3/ 63)
(5)
انظر: المبسوط (3/ 58)، المحلى (6/ 205)، المغني لابن قدامة (3/ 48)
ولعل الراجح والله أعلم: ما قالت به أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن المباشرة للصائم جائزة إذا كان مالكا لإربه، والفكرة الأصولية التي بنت عليها رضي الله عنها هذه الرواية هي صريح الأدلة القولية والفعلية؛ لقربها من الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه أمور خفية لا يعلمها إلا هي وزوجاته صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن أجمعين -.
ومن الممكن أن تكون الفكرة الأصولية: تحقيق المصالح ودرء المفاسد؛ خصوصا إذا كانت المباشرة لا يترتب عليها مفاسد، وتحقق ألفة ومودة بين الزوجين، يؤيد ذلك سؤال عمر رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم عن قبلة الصائم، فقال:«أرأيت لو تمضمضت بماء ثم مججته أكنت شاربه؟ قال: لا، قال: فكذلك القبلة (1)» .
كما أن تصريح جمع من الصحابة بذلك دليل على أن ذلك هو الغالب بينهم (2).
(1) أخرجه: الإمام أحمد في مسنده، (1/ 21)، وابن خزيمة في صحيحه (3/ 245)، باب جماع أبواب الأفعال التي تفطر الصائم؛ باب تمثيل النبي قبلة الصائم بالمضمضة بالماء، وقال عنه محققه: صحيح، وأبو داود في سننه (2/ 311) كتاب الصوم، باب القبلة للصائم
(2)
انظر: موسوعة فقه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (ص 732)