الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التمهيد: منزلة حسن الخلق في الإسلام
الأخلاق جمع خلق، وهو الصورة الباطنة في الإنسان: يعني السجايا والطبائع، وهي أوصاف الإنسان التي يعامل بها غيره، أو هي ما صار عادة للنفس وسجية لها على سبيل الرسوخ ويستحق الموجود بها المدح أو الذم، وهي تنقسم إلى قسمين: محمودة ومذمومة، فالمحمودة هي الحسنة، وللخلق الحسن منزلة عظيمة في الإسلام، وتعددت الأحاديث الدالة على ذلك وتنوعت؛ ففي حين يجعل حسن الخلق من الإيمان، بل ويجعله أكمل خصال الإيمان فيقول صلى الله عليه وسلم:«أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا (1)» فإيمان الذين أحسنوا الخلق زائد على من دونهم في حسن الخلق.
(1) رواه أحمد، 2/ 250، والترمذي 261، وأبو داود 4682
وفي حين آخر يصرح بأن حسن الخلق من أفضل ما أعطي الإنسان، «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، ما أفضل ما أعطي المرء المسلم؟ قال: الخلق الحسن (1)».
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن صاحب الخلق الحسن يبلغ بخلقه درجة الصائم القائم، فقال:«إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجات الصائم القائم (2)» .
كذلك أخبر أن حسن الخلق أثقل ما يوضع في الميزان، فقال:«ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة الصوم والصلاة (3)» .
وبين صلى الله عليه وسلم أن صاحب الخلق الحسن أحب الناس إلى الله وأقربهم منه من النبي صلى الله عليه وسلم مجلسا؛ فقال: «ألا أخبركم بأحبكم إلى الله وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة؟ قالوا: بلى، قال: أحسنكم خلقا (4)» .
كذلك ذكر أن أكثر ما يدخل الناس الجنة: حسن الخلق؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «أكثر ما يدخل الجنة تقوى الله وحسن الخلق (5)» .
(1) رواه أحمد 4/ 278. ابن ماجه 3436
(2)
رواه أحمد 6/ 94، أبو داود 4798
(3)
رواه أحمد 6/ 442، 446 و 448. وأبو داود 4799. والترمذي 2002، 2003 وقال: حديث حسن صحيح.
(4)
صحيح ابن حبان 485
(5)
رواه أحمد 2/ 292، 442 ابن ماجه 29، الترمذي 62. صحيح ابن حبان 476.
وقال صلى الله عليه وسلم في بيان منزلة صاحب الخلق الحسن ودرجته في الآخرة وأنها أشرف المنازل «أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه (1)» .
وكان صلى الله عليه وسلم يأمر بمكارم الأخلاق (2)، وكان هو ذاته مثلا أعلى للخلق الحسن حتى قال عنه ربه سبحانه وتعالى:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (3).
وأوصى من كان من خواص أصحابه معاذ بن جبل بحسن الخلق فقال له: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن (4)» .
وفي المقابل ذكر أن سوء الخلق ينقص من الإيمان؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «وإن المرء ليكون مؤمنا وإن في خلقه شيئا فينقص ذلك من إيمانه (5)» .
(1) رواه أبو داود 4800
(2)
البخاري 3861
(3)
سورة القلم الآية 4
(4)
رواه أحمد 5/ 153، 158، 177 – 236. الترمذي 1987
(5)
تعظيم قدر الصلاة، محمد بن نصر المروزي. تحقيق: د. عبد الرحمن الفريوائي، مكتبة الدار، المدينة المنورة، الطبعة الأولى - 1406 هـ، ص 454
وجاء في الحديث: «سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل (1)» .
وفسر صلى الله عليه وسلم البر بقوله «البر حسن الخلق (2)» . يعني أن حسن الخلق أعظم خصال البر كما قال صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة (3)» .
أو أن البر يكون بمعنى الصلة، وبمعنى اللطف والمبرة وحسن الصحبة والعشرة، وبمعنى الطاعة، وهذه الأمور هي مجامع حسن الخلق.
وقد تنوعت عبارات السلف في تفسير حسن الخلق، وإن كانت كلها تدور حول خصال هي: العطاء، والاحتمال، والعفو، وكظم الغيظ، وبسط الوجه.
فعن الحسن قال: " حسن الخلق: الكرم والبذلة والاحتمال ".
(1) المستدرك، الحاكم
(2)
رواه مسلم 2553، وأحمد 4/ 182، والترمذي 2389
(3)
رواه أحمد 4/ 309، وأبو داود 1949، والترمذي 889، والنسائي 5/ 264، وابن ماجه 3015
وعن ابن المبارك قال: " هو بسط الوجه وبذل المعروف وكف الأذى ".
وعن الإمام أحمد أنه قال: " حسن الخلق أن تحتمل ما يكون من الناس ".
وقال ابن تيمية: " وجماع الخلق الحسن مع الناس: أن تصل من قطعك بالسلام والإكرام والدعاء له والاستغفار والثناء عليه والزيارة
له. وتعطي من حرمك من التعليم والمنفعة والمال، وتعفو عمن ظلمك في دم أو مال أو عرض ".
وقال القرطبي (1): " فالمحمودة على الإجمال: أن تكون مع غيرك على نفسك فتنتصف منها ولا تنتصف لها ".
وقد اختلف في حسن الخلق هل هو غريزة أو مكتسب؟
ورجح ابن حجر رحمه الله أن منه ما هو جبلي ومنه ما هو مكتسب (2).
(1) المفهم للقرطبي
(2)
فتح الباري، 10/ 459.