الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومتأسيا في إخفاء معالمها، بما حصل لعمر بن الخطاب، عندما جاء إلى رسول الله، ومعه ورقة من التوراة، فتأثر وقال لعمر:«أفي شك مما جئت به يا ابن الخطاب، والله لو كان موسى حيا لما وسعه إلا اتباعي (1)» فرماها عمر وتاب من عمله.
(1) توجد أخبار وسيرة كعب عن أبي نعيم في الحلية 5/ 364، إلى آخر الجزء، و 6/ 3.
3 -
والثالث: هو
وهب بن منبه
(34 - 114 هـ)، الأبناوي - يعني أنه من أبناء الفرس، الذين أرسلهم كسرى إلى اليمن، يقول الزركلي: كثير الأخبار عن الكتب القديمة، عالم بأساطير الأولين، ولا سيما الإسرائيليات، يعد من التابعين، ولاه عمر بن عبد العزيز قضاء صنعاء، وقال: وفي وفاته خلاف، وأنه من أصل يهودي، ويتقن اليونانية والسريانية والحميرية (1).
ذكر ابن عساكر (630 هـ - 711 هـ)، في مختصر تاريخه (تاريخ دمشق): أن سماك بن الفضل قال: كنا عند عروة بن الزبير (22 - 92 هـ) وإلى جنبه وهب بن منبه، فجاء قوم، فشكوا من عاملهم شيئا، فتناول وهب عصا، كانت في يد عروة، فضرب بها رأس العامل، حتى سال دمه، فضحك، واستلقى على قفاه، وقال: يعيب علينا أبو عبد الله الغضب، وهو يغضب.
(1) الأعلام للزركلي الطبعة الثانية ج 9 ص، 150.
فقال وهب: وما لي لا أغضب، وقد غضب الذي خلق الأحلام، إن الله تبارك وتقدس يقول:{فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} (1) يقول: أغضبونا.
وقيل له: كيف ترى الرؤيا تحدثنا بها، فلا تلبث أن نراها، كما رأيت. قال: هيهات، ذهب ذلك عني منذ وليت القضاء (2).
وأورد الذهبي (673 - 748) نبذة عن سيرته، استقاها من (25) مصدرا، ومن ذلك قوله: عن عبد الرزاق عن أبيه عن وهب، قال: يقولون: عبد الله بن سلام، كان أعلم أهل زمانه، وإن كعبا أعلم أهل زمانه، أفرأيت من جمع علمهما، أهو أعلم أم هما؟
وعن كثير أنه سار مع وهب، فباتوا بصعدة عند رجل، فخرجت بنت الرجل، فرأت مصباحا، فاطلع صاحب المنزل، فنظر إليه صافا قدميه في ضياء كأنه بياض الشمس فقال الرجل: رأيتك البارحة، في هيئة وأخبره، فقال: اكتم ما رأيت.
وعن عباد بن كعب قال: حدث المثنى بن الصباح قال: لبث وهب بن منبه، أربعين سنة، لم يسب شيئا فيه الروح، ولبث عشرين سنة، لم يجعل بين العشاء والصبح وضوءا، وقال: قال وهب: لقد قرأت ثلاثين كتابا نزلت على ثلاثين نبيا.
(1) سورة الزخرف الآية 55
(2)
مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر لابن منظور ج 26 ص 387 - 388.
وعن مقدرته، على استظهار الدليل من القرآن الكريم في رده على الحرورية من الخوارج، أورد في نصيحته من الابتعاد عنهم، ودحض حججهم أكثر من عشر آيات مما يبرهن على فهمه العميق، للقرآن الكريم، وتدبره لمعانيه، علاوة على إدراكه للسنة المطهرة.
ويجد المتابع لأحاديث ومواعظ وهب بن منبه، أنها مستمدة، من فهمه لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، دقة في التوضيح، وتجليه للسامع، حتى يدرك المراد من حكمة الله، في توزيع الأرزاق، وتهيئتها لعباده ويبلو عباده جل وعلا بالرضا والصبر وحسن التوكل، يقول سبحانه:{وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} (1) وقوله: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} (2).
ويقول صلى الله عليه وسلم: «لو أنكم كنتم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا، وتروح بطانا (3)» .
(1) سورة إبراهيم الآية 32
(2)
سورة النحل الآية 71
(3)
أخرجه الترمذي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه برقم 2345 في الزهد، وأخرجه أيضا أحمد وابن ماجه والحاكم، ينظر جامع الأصول لابن الأثير 10/ 140.
ومن الآيات الكثيرة، والأحاديث العديدة، في تكفل الله سبحانه، بأرزاق عباده ومعاشهم، منذ خلقهم حتى يفارقوا الحياة الدنيا، ولا يطلب منهم سبحانه إلا: شكره وحسن عبادته، وأداء حق هذه النعم له عملا وتوكلا.
من هذا المطلوب فهمه جيدا، نجد كثيرا من أحاديث ومواعظ وهب، يحرص فيها على تمكين هذا المعنى، في قلوب الناس، وقد أورد أبو نعيم (336 - 430 هـ) في الحلية، خاصة، وغيرها عامة، ومن ذلك ما رواه أبو نعيم الأصبهاني (336، 430 هـ)، بالسند إلى عقيل بن معقل قال: سمعت وهب بن منبه يقول: لا يشكن ابن آدم، أن الله عز وجل يوقع الأرزاق، متفاضلة ومختلفة، فإن تقلل ابن آدم شيئا من رزقه، فليزده رغبة إلى الله عز وجل، ولا يقولن لو اطلع الله هذا، وشعر به غيره، فكيف لا يطلع الله الشيء الذي هو خلقه وقدره؟
أولا يعتبر ابن آدم في غير ذلك، مما يتفاضل فيه الناس، فإن الله فضل بينهم في الأجسام، والألوان والعقول والأحلام، فلا يكبر على ابن آدم أن يفضل الله عليه في الرزق والمعيشة، ولا يكبر عليه أنه قد فضل عليه في علمه وعقله، أولا يعلم ابن آدم أن الذي رزقه في ثلاثة أوان من عمره، لم يكن له في واحد منهن كسب ولا حيلة، أنه سوف يرزقه في الزمن الرابع.