الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: صلاة المرأة في المسجد:
المساجد بيوت الله في الأرض، ويتعين عمارتها بإقامة الصلاة فيها؛ حيث أمر الله بذلك، والصلاة في المسجد جماعة أمر بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وأكدها في أحاديث كثيرة، حتى بلغ الأمر إلى أن هدد المتأخرين عنها من الرجال بالعقاب الشديد، بل إن بعض العلماء يذهبون إلى أن الصلاة جماعة في المسجد شرط لصحتها، ولا تصح الصلاة بغير المساجد إلا من عذر - خوف أو مرض -، والمرأة مأمورة بأن تبقى في البيت حتى لا تختلط بالرجال الأجانب، وإذا كانت الشريعة الإسلامية أباحت لها الصلاة في المساجد، فإن ذلك مشروط بالمحافظة على حيائها وعفتها، وخروجها إلى المساجد مقيد بعدم تعرضها لما يخل بشرفها وأخلاقها.
واختلف السلف والخلف في حكم صلاة المرأة في المسجد جماعة (1).
فذهبت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إلى أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، وأنه يكره لها الخروج إلى المسجد (2).
(1) انظر: موسوعة فقه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (ص 664)
(2)
انظر: مصنف عبد الرزاق (1/ 34)، سنن البيهقي (3/ 133)
الأدلة:
1 -
قوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} (1){رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} (2).
وجه الاستدلال:
أن تخصيص الله من يسبح له في المساجد بالرجال يدل بمفهومه على أن النساء يسبحن له في بيوتهن، لا في المساجد (3).
2 -
ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا نساءكم المساجد، ودورهن خير لهن (4)» .
وجه الاستدلال:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأن صلاة المرأة في البيت خير من صلاتها في المسجد، لذا يجب عليها أن تفعل ما فيه خير لها (5).
(1) سورة النور الآية 36
(2)
سورة النور الآية 37
(3)
انظر: موسوعة فقه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (ص 665)
(4)
أخرجه: الإمام أحمد في مسنده (2/ 76)، وأبو داود في سننه (1/ 155) كتاب الصلاة، باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد حديث رقم (566 - 568)، والحاكم في المستدرك (1/ 327)، كتاب الإمامة وصلاة الجماعة، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، والبيهقي في سننه (3/ 76)
(5)
انظر: موسوعة فقه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (ص 666)
3 -
ما أخرجه الإمام أحمد «أن أم حميد (2)» .
وجه الاستدلال:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله رحمة للعالمين، قد بين للسائلة ما هو خير لها وهو أن تصلي في بيتها لأنه أفضل لها من صلاتها في المسجد (3).
4 -
ما روته أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها عن رسول الله
(1) أخرجه: الإمام أحمد في مسنده (6/ 371)، وابن خزيمة في صحيحه (3/ 95) جماع أبواب صلاة النساء في الجماعة، رقم الحديث (1688) وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (2/ 350): إسناده حسن، ونقله ووافقه عليه صاحب تحفة الأحوزي (3/ 131)، وابن خزيمة في صحيحه (3/ 95). وحسنه الشيخ ناصر الدين الألباني
(2)
(1) الساعدية جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني أحب الصلاة معك. فقال: قد علمت، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجد الجماعة
(3)
انظر: موسوعة فقه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (ص 666)
صلى الله عليه وسلم - قال: «خير مساجد النساء قعر بيوتهن (1)» .
وجه الاستدلال:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بالشيء الذي فيه خير في الدنيا والآخرة، ومنه أن تصلي المرأة في بيتها لا في المسجد (2).
5 -
ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها (3)» .
وجه الاستدلال:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن المرأة كلما كانت مختفية عن أنظار الرجال، والاختلاط بهم في صلاتها، كان أفضل لها، حتى إنه فاضل بين صلاتها في البيت وبين صلاتها في المخدع (4).
(1) أخرجه: الإمام أحمد في مسنده (6/ 297)، وابن خزيمة في صحيحه (3 92)، وصححه الشيخ ناصر الدين الألباني، ومستدرك الحاكم (1/ 327)، والبيهقي في سننه (3/ 131)، وقال المناوي في فيض القدير (1/ 560) تعقيبا على ذكر ابن الجوزي والسيوطي لهذا الحديث في الموضوعات: فلعله لم يقف على تعقيب الحافظ ابن حجر بأن ابن عساكر خرجه من وجه آخر في أماليه وحسنه. . . فالحديث إلى الحسن أقرب
(2)
انظر: موسوعة فقه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (ص 667)
(3)
أخرجه: أبو داود في سننه (1/ 156)، كتاب الصلاة، باب التشديد في ذلك، حديث رقم (570). قال في مجمع الزوائد (2/ 155): رواه الطبراني في المعجم الكبير، ورجاله رجال الصحيح
(4)
انظر: موسوعة فقه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (ص 668)
ووافق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لما ذهبت إليه من السلف عمر بن الخطاب، وابن مسعود وابن عمر في رواية رضي الله عنهم أجمعين -، وقد تبعهم عروة والقاسم والنخعي، والبصري، وعطاء رحمهم الله (1).
ومن الفقهاء الحنفية مطلقا (2) والمالكية في الشابة البارعة الجمال، والشافعية (3) والحنابلة في الحسناء (4).
ولعل الراجح والله أعلم:
ما ذهبت إليه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من أن
(1) انظر: مصنف عبد الرزاق (3/ 146 – 147)، ومصنف ابن أبي شيبة (2/ 183 – 383)
(2)
انظر: بدائع الصنائع (1/ 46)، حاشية ابن عابدين (1/ 566)
(3)
انظر: حاشية الدسوقي (1/ 335)
(4)
انظر: المغني لابن قدامة (3/ 35 - 36)، وكشاف القناع (1/ 551)
الأفضل عدم خروج المرأة للمساجد، لا سيما إذا كانت الآثار المترتبة على الخروج أسوأ من عدم الخروج، فقالت: لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المساجد.
وتصريح أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بهذا القول مع وجود نص من الرسول يثبت عدم منع النساء المساجد ما هو إلا اجتهاد منها، بناء على فكرة أصولية، وهي سد الذرائع، فمن الممكن أن تكون عائشة رضي الله عنها رأت أن الأفضل عدم خروج المرأة للمساجد لأن الزمان اختلف عن زمان الرسول صلى الله عليه وسلم فضعفت النفوس، وفشت الرذائل، حفظا على صيانة المرأة وعفتها وغلقا لأبواب الفساد الذي يحدث من وراء ذلك فمنعته.
فلما رأت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تطور الزمن أدى إلى أن المصلحة المتوخاة من خروجهن قد تكون أقل من المضرة التي يؤدي إليها الخروج، ووجدت فساد الزمن أدى إلى أن الخروج يكون أسوأ من عدم الخروج، فمنعت من الخروج، وهو بلا شك مفسدة من وجهة نظر عائشة رضي الله عنها، وعدم الخروج يؤدي إلى مصلحة وبالتالي فهي لا ترى بأسا من تغير الأحكام بتغير الأزمان.
ومن الممكن بأن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ربطت مشروعية هذا الحكم على ما يترتب عليه من المصلحة في خروجهن ودفع المفسدة، فلما رأت أن النساء قد تغيرن في عهدها وأن الفساد
الذي يترتب على خروجهن إلى المساجد قد يفوق المصلحة الدينية التي قصدها الشارع في إباحة خروجهن - قالت هذا القول درءا للفساد المترتب على خروجهن، وهذا فهم منها لمقاصد النصوص، وتعليل منها لهذا النص بأن حكم النص معلل بوجود المصلحة في خروجهن، وعدم تعرضهن للفساد (1).
(1) انظر: الإصابة في الفكر الأصولي لدى فقهاء الصحابة (ص 213 - 214)
المبحث الرابع: لبس الحلي للمرأة في الزينة:
المرأة مأمورة أن تظهر أمام زوجها بمظهر حسن يجعله يقصر نظره عليها من أجل ذلك أباح لها الإسلام من الزينة ما لم يبحه للرجل، وحتى إذا كان في تلك المرأة نقص، فإن هذه الزينة تغطي ذلك النقص، ويجعلها كاملة الجمال في نظر زوجها.
ومن أدوات الزينة التي من شأنها أن تضفي جمالا على المرأة، ومنظرا حسنا، هي لبس الحلي على مختلف أشكاله وأنواعه (1).
وقد اختلف السلف والخلف في ذلك.
ذهبت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إلى جواز تحلي المرأة بالذهب والفضة وغيرهما من الحلي (2).
(1) انظر: موسوعة فقه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (ص 672)
(2)
أخرجه: البخاري في صحيحه (10/ 330) في اللباس تعليقا، وعبد الرزاق في مصنفه (4/ 83)
الأدلة:
1 -
قوله تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} (1)
وجه الاستدلال:
أن الله سبحانه تعالى أخبر بأن من طبيعة المرأة أن تربى وتنشأ في الزينة، فدل ذلك على الترخيص لها في التحلي بالذهب والفضة وغيرهما من الحلي. قال مجاهد:" رخص للنساء بالذهب والحرير "(2).
2 -
ما أخرجه الترمذي وغيره " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم (3)» .
(1) سورة الزخرف الآية 18
(2)
انظر: تفسير القرطبي (6/ 71)، أحكام القرآن للجصاص (3 387)
(3)
أخرجه: الإمام أحمد في مسنده (4/ 392)، وابن أبي شيبة في مصنفه (5 151)، والترمذي في سننه (4/ 217)، كتاب اللباس، باب ما جاء في الحرير والذهب، رقم الحديث (1720) وقال: حسن صحيح، والنسائي في السنن الكبرى (5/ 437)، وفي المجتبي (سنن النسائي)(8/ 161)، وابن ماجه في سننه (2/ 1189) كتاب اللباس، باب لبس الحرير والذهب للنساء، حديث رقم (3595)، والسنن الكبرى للبيهقي (3/ 275). قال الشوكاني في نيل الأوطار (2/ 75): وبين النسائي الاختلاف فيه على يزيد بن حبيب، قال الحافظ: وهو اختلاف لا يغير ونقل عبد الحق عن ابن المديني أنه قال: حديث حسن ورجاله معروفون. وهذه الطرق متعاضدة، بكثرتها ينجبر الضعف الذي لم تخل واحدة منها
وجه الاستدلال: أن الرسول صلى الله عليه وسلم صرح بجواز تحلي النساء بالذهب مطلقا من غير تقيد لنوع أو هيئة أو وزن (1).
3 -
ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «إن أسامة عثر بعتبة الباب فدمي. قالت: فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يمصه ويقول: لو كان أسامة جارية لحليتها ولكسوتها حتى أنفقها (2)» .
وجه الاستدلال:
عزم الرسول صلى الله عليه وسلم على تحلية أسامة لو كان جارية دليل على جواز التحلي للمرأة (3).
ووافق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في روايتها: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابن عمر في رواية، وحذيفة، وابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين - وتبعها مجاهد رحمه الله (4).
(1) انظر: موسوعة فقه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (ص 674)
(2)
أخرجه: الإمام أحمد في مسنده (6/ 139)، وابن أبي شيبة في مصنفه (6/ 392)، وابن ماجه في سننه (1/ 635)، كتاب النكاح، باب الشفاعة في التزويج، حديث رقم (1976). قال المناوي (5/ 325): قال الحافظ العراقي بعدما عزاه لأحمد: إسناده صحيح. هكذا جزم
(3)
انظر: موسوعة فقه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (ص 674)
(4)
انظر: مصنف ابن أبي شيبة (8/ 382)، ومصنف عبد الرزاق (11/ 69)(6/ 54)
ومن الفقهاء الأئمة الأربعة:
أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد رحمهم الله.
والراجح، والله أعلم:
هو ما قالت به أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من جواز تحلي المرأة بالذهب والفضة وغيرهما.
والفكرة الأصولية التي بنت عليها أم المؤمنين رضي الله عنها روايتها هذه هي أنه يضيف إلى المرأة الجمال المطلوب أمام الزوج، حتى يغض طرفه عن سواها وهذا ما أجمع عليه المسلمون.
ومن الممكن أن تكون الفكرة الأصولية التي بنت عائشة عليها جواز تحلي المرأة بالذهب والفضة هي أن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل يغير تلك الإباحة، ولم يأت دليل من الشرع يقول بالمنع من ذلك، بل وجدت الأدلة التي أجازت ذلك.
ومن الممكن أيضا أن تكون الفكرة الأصولية التي بنت عائشة رضي الله عنها عليها جواز تحلي المرأة بالذهب والفضة هو تحقيق المصالح، ودرء المفاسد؛ حيث إن المرأة عندما تتحلى بالذهب والفضة تكون أخذت بزينتها أمام زوجها، فتساعده على غض النظر، فتحقق العفة للمجتمع المسلم، وتدرأ عنه المفاسد.