الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 -
كذلك المان بعطائه يشهد نفسه مترفعا على الآخر مستعليا عليه غنيا عنه عزيزا، ويشهد ذل الآخذ وحاجته إليه وفاقته ولا ينبغي ذلك للعبد (1).
6 -
أن نفع الصدقة والنفقة عائد على المنفق، والله هو الغني لا يناله شيء من الصدقة، والحظ الأوفر فيها عائد على المتصدق (2).
(1) نفس المصدر والصفحة
(2)
ينظر: طريق الهجرتين، ابن القيم 367
المبحث السادس: اختصاص الله تعالى بالمنة
المنان: اسم من أسماء الله الحسنى التي ثبتت في السنة، فقد جاء في السنن «عن أنس بن مالك (2)» .
فالله عز وجل منان على عباده بإحسانه وإنعامه عليهم بشتى
(1) رواه أبو داود (1495)، النسائي 3/ 52، ابن ماجه 3858
(2)
(1) قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى
النعم التي لا تحصى، قال الحليمي:" وهو العظيم المواهب، فإنه أعطى الحياة والعقل والمنطق، وصور فأحسن الصور، وأنعم فأجزل وأسنى النعم، وأكثر العطايا والمنح ".
وقال الخطابي: " وأما المنان فهو كثير العطاء ".
وقال الأنباري في شرح اسم المنان: " معناه المعطي ابتداء، ولله المنة على عباده، ولا منة لأحد منهم عليه، تعالى الله علوا كبيرا "(1).
(1) لسان العرب، ابن منظور 6/ 4279
وقال الزجاجي: المنان فعال من قولك: مننت على فلان إذا اصطنعت عنده صنيعة، وأحسنت إليه، فالله عز وجل منان على عباده بإحسانه وإنعامه ورزقه إياهم.
وقال ابن الأثير: في أسماء الله تعالى المنان هو المنعم المعطي من المن: العطاء، لا من المنة، وكثيرا ما يرد المن في كلامهم بمعنى الإحسان إلى من لا يستثيبه، ولا يطلب الجزاء عليه. فالمنان من أبنية المبالغة كالسفاك والوهاب (1).
وقول ابن الأثير بأنه من المن: العطاء لا من المنة، غير مسلم فالمعنيان صحيحان في حق الله تعالى، فالله سبحانه وتعالى يدر العطاء على عباده منا عليهم بذلك وتفضلا، كذلك هو سبحانه يعدد نعمه ويذكرها ويمتن على عباده بفعلها.
(1) النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير 4/ 365
قال ابن كثير في قوله تعالى: {غَيْرُ مَمْنُونٍ} (1) قال بعضهم: غير ممنون عليهم، وهذا القول الأخير عن بعضهم قد أنكره غير واحد، فإن الله عز وجل له المنة على أهل الجنة في كل حال وآن ولحظة، وإنما دخلوها بفضله ورحمته، لا بأعمالهم فله المنة عليهم دائما سرمدا، والحمد لله وحده أبدا، ولهذا يلهمون تسبيحه وتحميده كما يلهمون النفس (2).
ثم إن منه تعالى على عباده من صفاته سبحانه العليا، لأن منه تعالى إفضال وتذكير بما يجب على الخلق من أداء واجب شكره (3). فهذه الصفة في حقه تعالى صفة كمال، وفي حق المخلوق، - بهذا المعنى - صفة نقص، فلا يلزم أن يكون كل كمال في الخالق كمالا في المخلوق.
قال ابن القيم: حظر الله على عباده المن بالصيغة، واختص به صفة لنفسه لأن من العباد تكدير وتعيير، ومن الله سبحانه وتعالى إفضال وتذكير (4).
(1) سورة فصلت الآية 8
(2)
تفسير ابن كثير 4/ 524
(3)
الزواجر، الهيتمي 1/ 188
(4)
طريق الهجرتين، ابن القيم 365
والمنة هي النعمة الثقيلة (1)، كما يقول الراغب.
ومن أعظم ما من الله تعالى به على عباده بعثة الرسل عليهم السلام، قال تعالى:{وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} (2).
وقال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (3)، فبعثته صلى الله عليه وسلم هي النعمة العظمى، والمنة الجسيمة التي من الله بها على عباده لأن في بعثته تخليصا لهم من عذاب النار بسبب الإيمان والابتعاد عن الشرك (4).
وقال تعالى: {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ} (5).
(1) المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني، دار المعرفة، بيروت، ص 414
(2)
سورة إبراهيم الآية 11
(3)
سورة آل عمران الآية 164
(4)
تفسير ابن كثير 4/ 21
(5)
سورة الصافات الآية 114
وذلك بالنبوة والنجاة بمن آمن معهما من قهر فرعون وقومه، وإنزال الكتاب العظيم الواضح الجلي المبين وهو التوراة (1).
كذلك من الله تعالى على المؤمنين بأن هداهم للإيمان، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (2) وقال تعالى في حق الأعراب: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (3).
فنهى الله تعالى الأعراب عن المن بإسلامهم وبين أن نفع ذلك يعود عليهم، والله هو الذي يمن عليهم أن هداهم للإيمان، فمنه عليهم بذلك أفضل من كل شيء.
ومما من الله تعالى به على المؤمنين دخول الجنة ونجاتهم من النار، فقال تعالى:{قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} (4){فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} (5){إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} (6)
(1) المصدر نفسه 4/ 235. وينظر: تفسير السعدي 7/ 142
(2)
سورة النساء الآية 94
(3)
سورة الحجرات الآية 17
(4)
سورة الطور الآية 26
(5)
سورة الطور الآية 27
(6)
سورة الطور الآية 28
فالمنة لله على الإطلاق ويجب على كل مؤمن الاعتراف بهذا وهذا دأب الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ومن ذلك أنه لما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم قسم على المؤلفة قلوبهم، ولم يعط الأنصار شيئا، فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، فخطبهم، فقال:«يا معشر الأنصار! ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي، كلما قال شيئا: قالوا: الله ورسوله أمن (1)» .
وفي رواية: بل المن علينا لله ولرسوله (2).
كذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما ذكر له ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين مآثره الصالحة وأعماله، ووفاته رضي الله عنه وهو عنه راض، قال عمر: أما ما ذكرت من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاه، فإنما ذاك من من الله تعالى من به علي وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر
(1) البخاري: 4330
(2)
أحمد 2/ 482، 3/ 76، 105، 253. وقال ابن حجر: وإسناده صحيح، الفتح 8/ 51