الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القرآن يهدي للتي هي أقوم
لمعالي الدكتور/ محمد بن سعد الشويعر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وبعد:
فقد ختم ابن كثير رحمه الله (700 - 774 هـ) تفسيره بفضائل القرآن، وهو ذيل التفسير، متمما له، في طبعة البابي الحلبي بمصر، التي قوبلت على عدة نسخ خطية، بدار الكتب المصرية، وصححها نخبة من العلماء.
حيث قال: وجدنا هذا الذيل، في آخر النسخة المكية الوحيدة، والمقابلة على نسخة المؤلف، ولكنه غير موجود في النسخة المطبوعة، بمطبعة بولاق وتقع هذه الفضائل في 58 صفحة، ولكنها غير متوفرة في جميع الطبعات.
وإن كان كثير من المفسرين، يذكرون فضائل القرآن باختصار، عند مرورهم ببعض الآيات الكريمات، مثل هذه الآية في سورة الإسراء:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} (1){وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (2).
(1) سورة الإسراء الآية 9
(2)
سورة الإسراء الآية 10
فقد قال ابن الجوزي (508 - 597 هـ) في تفسيره: قال ابن الأنباري: للتي وصف للجمع، والمعنى: يهدي إلى الخصال التي هي أقوم الخصال. قال المفسرون: وهي توحيد الله والإيمان به، وبرسله والعمل بطاعته، {وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ} (1) أي بأن لهم {أَجْرًا} (2) وهو الجنة {وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} (3) أي: ويبشرهم بالعذاب لأعدائهم، وذلك أن المؤمنين كانوا في أذى من المشركين، فعجل الله لهم البشرى في الدنيا بعقاب الكافرين.
ويقول الشيخ محمد المكي الناصري في إملائه: وانتقل كتاب الله إلى الحديث عن الميزة الخاصة التي امتاز بها القرآن الكريم: وأنه اشتمل على لب الدين الصحيح، وجوهره الكامل، وعلى شريعة الله الفاضلة، في أسمى أطوارها، وأنه بعد نزوله لم تبق هناك طريقة أقوم من طريقته، ولا شريعة أفضل من شريعته، فهو الحري والأحق بالاتباع من جميع الشيع والأتباع وذلك ما يشير إليه قوله تعالى، وفي
(1) سورة الإسراء الآية 9
(2)
سورة الإسراء الآية 9
(3)
سورة الإسراء الآية 10
إيجاز وإعجاز: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (1) أي يهدي للعقيدة التي هي أقوم، والشريعة التي هي أقوم، والحياة التي هي أقوم.
ويقول أبو السعود (900 - 982 هـ) في تفسيره: بعد أن جعل لتفسير هذه الآية الكريمة عنوانا بارزا هو: (القرآن هدى العالم) ثم قال: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ} (2) الذي آتيناكه {يَهْدِي} (3) أي الناس كافة لا فرقة مخصوصة منهم، كدأب الكتاب الذي آتيناه موسى {لِلَّتِي} (4) الطريقة التي {هِيَ أَقْوَمُ} (5) أي أقوم الطرائق وأسدها، أعني ملة الإسلام والتوحيد، وترك ذكرها ليس لقصد التعميم لها، وللحالة والخصلة ونحوها، مما يعبر به عن المقصد المذكور، بل للإيذان بالغنى عن التصريح بها، لغاية ظهورها، لا سيما بعد ذكر الهداية التي هي من روادفها، والمراد بهدايته لها، كونه بحيث يهتدي إليها من يتمسك به، لا تحصيل الاهتداء بالفعل، فإنه مخصوص بالمؤمنين حينئذ {وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ} (6) بما في تضاعيفه من الأحكام، والشرائع. وقرئ بالتخفيف {الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ} (7) التي شرعت فيه {أَنَّ لَهُمْ} (8) أي: بأن لهم بمقابلة تلك الأعمال {أَجْرًا كَبِيرًا} (9) بحسب الذات، وبحسب التضعيف
(1) سورة الإسراء الآية 9
(2)
سورة الإسراء الآية 9
(3)
سورة الإسراء الآية 9
(4)
سورة الإسراء الآية 9
(5)
سورة الإسراء الآية 9
(6)
سورة الإسراء الآية 9
(7)
سورة الإسراء الآية 9
(8)
سورة الإسراء الآية 9
(9)
سورة الإسراء الآية 9
عشر مرات فصاعدا (1).
أما في السنة النبوية، فقد وردت أحاديث عديدة في فضل القرآن بصفة عامة، وفي فضل سور منه أو أحاديث خاصة، ففي موطن الهداية، والمخرج من الفتن، أورد ابن الأثير، في كتابه:(جامع الأصول في أحاديث الرسول) عن الحارث بن عبد الله الهمداني - الأعور - قال: «مررت في المسجد، فإذا الناس يخوضون في الأحاديث، فدخلت على علي رضي الله عنه، فأخبرته فقال: أوقد فعلوها؟ قلت: نعم قال: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ألا إنها ستكون فتنة، قلت: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا:
(1) تفسير أبي السعود: إرشاد العقل السليم، إلى مزايا الكتاب الكريم 3/ 427.
من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم، خذها إليك يا أعور (3)».
كما جاءت أحاديث كثيرة في فضل سور من القرآن العظيم، نأخذ من ذلك حديثا واحدا، في فضل سورة الفاتحة، فقد حدث أبو هريرة، رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أبي بن كعب وهو يصلي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبي، فالتفت أبي ولم يجبه، وصلى وخفف، ثم انصرف، فقال: السلام عليك يا رسول الله، قال: وعليك السلام، ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك؟ قال: كنت في صلاة، قال: أفلم تجد فيما أوحي إلي أن قال أبي (5): لا أعود إن شاء الله، قال: تحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة،
(1) جامع الأصول 8/ 461 - 462 رواه الترمذي برقم 2908 في ثواب القرآن: باب في فضل القرآن، ورواه أيضا الدارمي برقم 2/ 435، ورواه أحمد في المسند برقم 704.
(2)
سورة الجن الآية 1 (1){إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا}
(3)
سورة الجن الآية 2 (2){يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ}
(4)
أخرجه البخاري في ثواب القرآن برقم 2878، باب ما جاء في فضل فاتحة الكتاب.
(5)
سورة الأنفال الآية 24 (4){اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}
ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في القرآن مثلها؟ قال: نعم، قال: كيف تقرأ في الصلاة؟ قال: فقرأ أم القرآن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، ما أنزل الله في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في القرآن مثلها، وإنها سبع من المثاني والقرآن العظيم، الذي أعطيته».
كما ذكر ابن الأثير (544 - 606 هـ) أحاديث كثيرة، في فضل سور عديدة من كتاب الله، ووقعها في قلوب من يقرأ بتمعن، وتدبر (1).
وعن الآيات، فقد جاءت أحاديث في فضل ومكانة آية الكرسي، فقد حدث أبو هريرة رضي الله عنه قال: «وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم، بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت، فجعل يحثو من الطعام فأخذته، وقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إني محتاج وعلي عيال، وبي حاجة شديدة، قال: فخليت عنه، فأصبحت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت يا رسول الله شكا حاجة وعيالا فرحمته، فخليت سبيله، قال: أما إنه قد كذبك وسيعود، فعرفت أنه سيعود،
(1) ينظر جامع الأصول الجزء 8 ص 465 - 495.
لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فرصدته، فجاء يحثو من الطعام فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: دعني، فإني محتاج وعلي عيال لا أعود. فرحمته فخليت سبيله، فأصبحت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة ما فعل أسيرك؟ قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته، فخليت سبيله قال: أما إنه قد كذبك وسيعود، فرصدته الثالثة، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا آخر ثلاث مرات إنك تزعم لا تعود ثم تعود، فقال: دعني فإني أعلمك كلمات ينفعك الله بها، قلت ما هن؟ قال: إذا أويت إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي حتى ختم الآية، فإنه لا يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فخليت سبيله. فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا هر، ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت: يا رسول الله، زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها، فخليت سبيله، قال: ما هي؟ قلت قال لي: إذا أويت إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ، ولن يقربك شيطان حتى تصبح - وكان
(1) أخرجه البخاري تعليقا 4/ 396 - 398 والحديث عند الحافظ في الفتح 4/ 398.
(2)
سورة البقرة الآية 255 (1){اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}