الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفتوى وأثرها في حماية المعتقد وتحقيق الوسطية
للدكتور: فهد بن سعد الجهني (1)
فاتحة:
الحمد لله الذي هدانا للدين القويم، ومن علينا بأن جعلنا من خير أمة أخرجت للناس، وأصلي وأسلم على خير مبعوث بعث لخير أمة؛ نبي الهدى والرحمة، حبيب الله أبي القاسم، سيد بني هاشم، الذي تركنا على البيضاء! ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه وأزواجه أجمعين، وبعد:
فإن حياة الناس لا تستقيم إلا بشريعة تبين للناس المصالح والمفاسد، وتخرجهم من دواعي الهوى والضلال إلى دواعي الحق والفلاح، ليحققوا معنى الدينونة الحقة لله رب العالمين، حتى يكونوا عبادا لله اختيارا كما هم عباد له اضطرارا (2)، ولا يكون ذلك إلا بالدخول تحت أمره ونهيه، والأصل في ذلك قول الحق سبحانه وتعالى:
(1) أستاذ أصول الفقه المساعد بقسم الشريعة بجامعة الطائف.
(2)
انظر: (الموافقات) للشاطبي (2/ 289).
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1).
وقال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} (2){إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (3).
فقد حصر الأمر في سبيلين: الوحي وهو الشريعة، والهوى، ولا ثالث لهما، والعلاقة بينهما علاقة تضاد، فاتباع الهوى مضاد لاتباع الحق.
من أجل ذلك أنزل الله شريعته وابتلى الخلق بطاعته، فلا تستقيم الحياة كما ذكر آنفا إلا بهذه الشريعة، التي جاءت ممثلة في نصوص الوحيين العظيمين: الكتاب والسنة.
إلا أن الاهتداء بهذا الدين (الشريعة) والانتفاع بها مشروط بالفقه فيه الذي هو الفهم الصحيح لمراد الله عز وجل. والفقه في الدين - كما هو معلوم - مفتاح الخير، وآية السعادة، فقد صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك حيث قال:«من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (4)» ، ومفهوم المخالفة من الحديث يقتضي: أن الذي لا يفقه في الدين لم يرد به خير.
وبذلك يتقرر أن الفقه في الدين له مكانة مهمة وخطيرة، بيد أن
(1) سورة الذاريات الآية 56
(2)
سورة النجم الآية 3
(3)
سورة النجم الآية 4
(4)
رواه البخاري في كتاب فرض الخمس، باب قوله تعالى:(فأن لله خمسه وللرسول) رقم الحديث (3116).
الفقه في أحكام الله وتنزيلها على واقع المكلفين وأحوالهم، ليس بالأمر الهين، وليس مرتعا لكل من شاء أن يقول ما شاء!
والفقيه الذي قصر علمه على حفظ الأقوال في المذهب من غير معرفة الأدلة صحيحها من سقيمها فهو مقلد، فلعله بنى حكما على نص ضعيف لا تقوم به الحجة، أو قاعدة غير صحيحة، أو قول غير معصوم، منقوض بقول المعصوم (1).
إذن لا بد من أصول وقواعد تبين مصادر الاستدلال ومظان الدليل، وتوضيح قواعد الاستنباط وطرقه، وهو ما قام به علماء الأمة رحمهم الله الذين رسموا للأمة المناهج الصحيحة القويمة التي تضبط عملية الاجتهاد في دين الله، وتبين سبيله وضوابطه وشروطه، وتبين ثبات هذه الشريعة بثبات مصادرها، وتبين كذلك شمول الشريعة واستيعابها لحوادث الزمان والمكان، وذلك تحقيقا لقول الحق سبحانه:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} (2).
ومع كثرة الغبش في هذه العصور المتأخرة، وولوج من ليس من العلم في صدر ولا ورد إلى ميدان التأصيل والتفريع، فإن المفزع لمعرفة الحق ومن ثم التمسك به هو العودة الصحيحة لكتاب الله وسنة
(1) انظر: مقدمة (معالم السنن) للخطابي (1/ 4، 5).
(2)
سورة النحل الآية 89
رسوله صلى الله عليه وسلم وبذل الوسع في فهمها الفهم الصحيح مستنيرين بما قعده وأصله علماء الأمة الراسخون.
لذلك فإن الفتوى في دين الله من أعظم الأمور التي يجب العناية بها، ومقامها مقام عظيم، وأثرها في الناس أثر خطير؟ لذا لا بد من توافر الكتابات واستنهاض الهمم المؤهلة والقادرة على ضبط هذا الباب، وحماية هذا الجناب من التلاعب أو التوهين.
ومن أجل ذلك حاولت - مستعينا بالله - وبرغبة كريمة من مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة - حرسها الله - أن أبين - بقدر المستطاع - مدى أثر الفتوى في جانبين مهمين وهما (حماية المعتقد، وتحقيق الوسطية)، وأسأل الله تعالى الإعانة، ومنه أستمد التوفيق، ولا حول ولا قوة إلا به.
وقد تضمن هذا البحث ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: في الفتوى وما يتعلق بها من أحكام، وفيه مطالب:
المطلب الأول: تعريف الفتوى.
المطلب الثاني: بيان خطورة مقام المفتي وأهميته.
المطلب الثالث: الشروط العلمية الواجب توفرها في العالم ليتأهل للإفتاء، وآداب المفتي.
المطلب الرابع: حكم الفتوى التكليفي.