المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الجن المكلفون بشرع الله - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٨٠

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌إذا بليت العظام وهي واقعة بين المنازلوكانت عرضة للامتهان فما الحكم، بأي شيء يعرف بلاؤها

- ‌الأخذ مما لم يدفن فيه لحاجة الشارع

- ‌هدم ما بني فيها من المساكن وعدم تعويضهم

- ‌نقل الميت من بلده إلى المدينة

- ‌ القراءة على القبر

- ‌القراءة على الميت في المسجد أو عند القبر أو في بيته بدعة،وعمل الطعام بعد ثلاثة أيام أو بعد الختمة، القراءة المشروعة

- ‌إهداء ثواب القرب

- ‌إهداء ثواب صلاة النوافل والذبح والصدقة

- ‌إهداء ثواب الدعاء

- ‌صنع الطعام للمعزين ولقراء القرآن ثلاثة أيام

- ‌إقامة المأتم في أي يوم كان غير مشروعة

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌مسألة الزكاة في حلي الذهب والفضة من مسائل الخلاف

- ‌ أقوال العلماء بالنسبة لزكاة حلي النساء المستعملة

- ‌وجوب الزكاة في الحليالملبوس أو المعد للبس أو العارية

- ‌يجب إخراج زكاة الحلي منذ العلم بوجوبها

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌ حكم من أخذ من لحيته أو حلقها بالكلية

- ‌ هل استعمال السواك له فترة محددة

- ‌ إذا اغتسل الرجل لتنظيف جسمه فهل يكفيه هذا الغسل عن الوضوء للصلاة

- ‌من فتاوى اللجنة الدائمةللبحوث العلمية والإفتاء

- ‌ الصلاة في النعال

- ‌ حكم دخول المسجد بالحذاء

- ‌ حدود المسجد المعتبرة شرعا

- ‌ الإفطار للصائم المسافر للعمرة

- ‌ الصلاة في توسعة المسجد النبوي تحت المظلات تعتبر كالصلاة داخل المسجد النبوي

- ‌ المسجد الذي أسس على التقوى

- ‌ المسجد الأقصى

- ‌القرآن يهدي للتي هي أقوم

- ‌نماذج مما دل عليه القرآن الكريم

- ‌ عبد الله بن سلام

- ‌ كعب الأحبار

- ‌ وهب بن منبه

- ‌ الجن المكلفون بشرع الله

- ‌الفتوى وأثرها في حماية المعتقد وتحقيق الوسطية

- ‌فاتحة:

- ‌المبحث الأول: الفتوى وما يتعلق بها من أحكام:

- ‌المطلب الأول: تعريف الفتوى:

- ‌المطلب الثاني: خطورة مقام المفتي وأهميته:

- ‌المبحث الثاني - أهمية الفتوى في حماية العقيدة:

- ‌المطلب الأول: وسائل حفظ الدين، وعلاقة ذلك بالفتوى:

- ‌المطلب الثاني: الالتفاف حول " المحكمات " وأثره في الفتوى وحماية المعتقد:

- ‌المبحث الثالث: أثر الفتوى في تحقيق وسطية الأمة:

- ‌المطلب الأول: تحرير معنى الوسطية:

- ‌الخاتمة ونتائج البحث:

- ‌أحكام الصلاة في المقابر

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: الصلاة في المقابر:

- ‌المبحث الأول: حكم الصلاة في المقبرة من حيث الفعل:

- ‌المبحث الثاني: حكم الصلاة في المقبرة من حيث الإجزاء:

- ‌الفصل الثاني: الصلاة على الجنازة في المقابر:

- ‌المبحث الأول: حكم الصلاة على الجنازة في المقبرة:

- ‌المبحث الثالث: حكم الصلاة على قبر من صلي عليه عن فاتته الصلاة:

- ‌المبحث الخامس: بيان المدة التي يشرع فيها الصلاة على الميت في القبر:

- ‌الخاتمة:

- ‌المنهج الأصولي لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهاوأثره في الأحكام الشرعية إزاء المرأة

- ‌الفصل الأول:منهج عائشة الأصولي من خلال اجتهاداتها

- ‌المبحث الأول: التزامها بالنصوص:

- ‌المبحث الثاني: أخذها رضي الله عنها بالأدلة الشرعية المختلف فيها:

- ‌الفصل الثاني: أثر منهج أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها الأصولي في الأحكام الشرعية الخاصة بالمرأة:

- ‌المبحث الأول: خروج المعتدة من وفاة من بيتها:

- ‌المبحث الثاني: أحكام الاستمتاع بالمرأة:

- ‌المبحث الثالث: صلاة المرأة في المسجد:

- ‌المبحث الخامس: وصل وإزالة شعر المرأة:

- ‌الخاتمة

- ‌التمهيد: منزلة حسن الخلق في الإسلام

- ‌المبحث الأول: مفهوم المنة، وفيه مطلبان:

- ‌المطلب الأول: معنى المنة في اللغة:

- ‌المبحث الثاني: الآثار في النهى عنها:

- ‌المبحث الثالث: الرياء وعلاقته بالمنة

- ‌المطلب الأول: معنى الرياء والنهي عنه:

- ‌المطلب الثاني: علاج الرياء:

- ‌المطلب الثالث: علاقة الرياء بالمنة:

- ‌المبحث الرابع: محبة الحمد بما لم يفعل وعلاقته بالمنة:

- ‌المبحث الخامس: العلة في النهي عن المنة:

- ‌المبحث السادس: اختصاص الله تعالى بالمنة

- ‌الخاتمة

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ الجن المكلفون بشرع الله

أول زمن من أزمانه، حين كان في رحم أمه، يخلق فيه ويرزق من غير كسبه، في قرار مكين، لا يؤذيه فيه حر ولا قر، ولا شيء يهمه، ثم أراد الله سبحانه أن يحوله من تلك المنزلة، إلى غيرها، ويحدث له في الزمن الثاني: رزقا من أمه، يكفيه ويغنيه من غير حول ولا قوة، ثم أراد الله أن يعصمه من ذلك اللبن، ويحوله في الزمن الثالث: في رزق يحدثه له، من كسب أبويه، يجعل له الرحمة في قلبيهما، حتى يؤثراه على أنفسهما بكسبهما ويستغنيا روحه، بما يعنيهما، ولا يعينهما في شيء من ذلك، بكسب ولا حيلة يحتالها، حتى يعقل ويحدث نفسه أن له حيلة وكسبا.

فإنه لن يغنيه في الزمن الرابع، إلا من أغناه ورزقه في الأزمان الثلاثة التي قبلها، فلا مقال له ولا معذرة، إلا برحمة الله هو الذي خلقه، فإن ابن آدم كثير الشك، يقصر به حلمه وعقله، عن علم الله ولا يتفكر في أمره، ولو تفكر حتى يفهم ويفهم، وحتى يعلم علم أن علامة الله، التي بها يعرف خالقه الذي خلقه، ورزقه لما خلق (1)، كما أن له رأيا في الخوارج، يحذر منهم، ومن خفايا نواياهم (2).

(1) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم الأصبهاني نشر دار أم القرى بالقاهرة ج 4 ص 25.

(2)

ينظر سير أعلام النبلاء للذهبي 4/ 553 – 555.

ص: 141

4 -

وأما‌

‌ الجن المكلفون بشرع الله

، وتوحيد العبادة له سبحانه: عقيدة وعملا، كما قال سبحانه:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1)، فقد كان من سبب إسلامهم، وهدايتهم إلى دين الحق سماعهم القرآن، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، قائم يصلي في الليل، بعد ما صرفهم الله إليه عليه الصلاة والسلام كما قال سبحانه:{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} (2){قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} (3){يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (4).

ذكر ابن الجوزي (508 - 597 هـ) في تفسيره في سبب صرفهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أقوال:

الأول: أنهم صرفوا إليه بسبب ما حدث من رجمهم بالشهب، رواه البخاري ومسلم، من حديث ابن عباس قال: «انطلق رسول الله صلى الله علمه وسلم، في طائفة من أصحابه، عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين، وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم

(1) سورة الذاريات الآية 56

(2)

سورة الأحقاف الآية 29

(3)

سورة الأحقاف الآية 30

(4)

سورة الأحقاف الآية 31

ص: 141

الشهب، فرجعت الشياطين، فقالوا: ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب، قالوا: وما ذاك إلا من شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها. فمر الذين توجهوا نحو تهامة، بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو بـ (نخلة) قائم يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن، قالوا: هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء فرجعوا لقومهم، (3)».

والثاني: أنهم صرفوا إليه، لينذرهم، وأمر أن يقرأ عليهم القرآن هذا مذهب جماعة منهم قتادة. وفي رواية لمسلم من «حديث علقمة، قال: لعبد الله: من كان منكم مع النبي، ليلة الجن؟ فقال: ما كان معه أحد، فقدناه ذات ليلة ونحن بمكة، فخفنا عليه فانطلقنا نطلبه في الشعاب، فلقيناه مقبلا من نحو حراء، فقلنا: يا رسول الله أين كنت؟ لقد أشفقنا عليك. فقال: إنه أتاني داعي الجن، فذهبت أقرئهم القرآن (4)» .

وقال قتادة: «ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني أمرت أن أقرأ على الجن، فأيكم يتبعني؟» .

والثالث: أنهم مروا به وهو يقرأ، فسمعوا القرآن.

(1) البخاري الأذان (739)، مسلم الصلاة (449)، الترمذي تفسير القرآن (3323)، أحمد (1/ 252).

(2)

سورة الجن الآية 1 (1){فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا}

(3)

سورة الجن الآية 2 (2){يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ}

(4)

مسلم الصلاة (450)، الترمذي تفسير القرآن (3258)، أحمد (1/ 436).

ص: 143

فذكر بعض المفسرين: أنه لما يئس من أهل مكة أن يجيبوه، خرج إلى الطائف ليدعوهم إلى الإسلام، فلما كان ببطن نخلة، قام يقرأ القرآن في صلاة الفجر، فمر به نفر من أشراف جن نصيبين، فاستمعوا القرآن، فعلى هذا القول، والقول الأول لم يعلم بحضورهم، حتى أخبره الله تعالى. وعلى القول الثاني علم بهم، حين جاءوا، وفي المكان الذي سمعوا فيه تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم قولان: أحدهما الحجون وبه قال ابن مسعود وقتادة، والثاني بطن نخلة عن ابن عباس، وبه قال قتادة. وأما النفر فقد اختلف في عددهم، أما دينهم فاليهودية (1).

وذكر هود بن محكم الهواري (من علماء القرن الثالث الهجري) في تفسيره، على سورة الأحقاف قائلا: ذكر بعضهم «أن جن نصيبين، أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأ عليهم القرآن، فقالوا: يا رسول الله زودنا، فقال: كل روثة لكم خضرة، وكل عظم لكم عرق، فقالوا: يا رسول الله إن أمتك ينجسونه علينا، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يستنجى بعظم أو روثة» .

(1) زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي ج 7 ص 387 - 390 باختصار.

ص: 144

وقال: ذكروا عن عون بن عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن مسعود قال: خرجنا حاجين، ومعتمرين حتى إذا كنا بالطريق، هاجت ريح فارتفعت عجاجة من الأرض حتى إذا كانت على رءوسنا، انكشفت عن حية بيضاء؟ فنزلنا وتخلف صفوان بن المعطل فأبصرها، فصب عليها من مطهرته، وأخرج خرقة من عيبته، فكفنها فيه، ثم دفنها، ثم اتبعنا.

فإذا بنسوة قد جئن عند العشاء، فسلمن ثم قلن: أيكم دفن عمرو بن جابر؟ فقلنا: والله ما نعرف عمرو بن جابر.

فقال صفوان بن المعطل: أبصرت جانا أبيض، فدفنته. قلن: ذاك والله عمرو بن جابر، بقية من استمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قراءة القرآن من الجن التقى زحفان من الجن: زحف من المسلمين، وزحف من فسقة الجن، فاسشهد رحمه الله (1).

وعند ابن كثر في تفسيره رحمه الله (700 - 774 هـ)، على أول سورة الجن قال: يقول تعالى، آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم، أن يخبر قومه: أن الجن استمعوا القرآن، فآمنوا به وصدقوه، وانقادوا له، فقال تعالى:{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} (2){يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} (3)

(1) تفسير كتاب الله العزيز للهواري ج 5 ص 152 - 154 الطبعة الأولى دار الغرب الإسلامي بيروت.

(2)

سورة الجن الآية 1

(3)

سورة الجن الآية 2

ص: 145

أي إلى السداد والنجاح {فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} (1) وهذا المقام شبيه بقوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} (2) وقد قدمنا الحديث في ذلك، ثم قال على قوله تعالى:{وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} (3) أي طرائق متعددة، مختلفة وآراء متفرقة.

قال ابن عباس ومجاهد، وغير واحد:{كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} (4) أي: منا المؤمن ومنا الكافر.

وأورد عن أحمد بن سليمان النجاد، في أماليه بالسند إلى الأعمش يقول: تروح إلينا جني، فقلت له: ما أحب الطعام إليكم؟ قال: الأرز. قال: فأتيناهم به، فجعلت أرى اللقم ترفع، ولا أرى أحدا، فقلت: فيكم من هذه الأهواء التي فينا؟ قال: نعم. فقلت: فما الرافضة فيكم؟ قال: شرنا.

وأورد عن الدمشقي، أنه سمع بعض الجن، وهو في منزل بالليل ينشد:

قلوب براها الحب حتى تعلقت

مذاهبها في كل غرب وشارق

(1) سورة الجن الآية 2

(2)

سورة الأحقاف الآية 29

(3)

سورة الجن الآية 11

(4)

سورة الجن الآية 11

ص: 146

تهيم بحب الله، والله ربها

معلقة بالله دون الخلائق (1)

وجاء عند السيوطي في تفسيره: رواية عن سهل بن عبد الله، قال: كنت في ناحية عاد، إذ رأيت مدينة من حجر، منقورة في وسطها، قصر من حجارة تأوي إليه الجن، فدخلت فإذا شيخ عظيم الخلق، يصلي نحو الكعبة، وعليه جبة صوف، فيها طراوة، فلم أتعجب من عظم خلقته، كتعجبي من طراوة جبته فسلمت عليه، فرد علي السلام، وقال: يا سهل إن الأبدان لا تخلق الثياب، وإنما يخلقها روائح الذنوب، ومطاعم السحت، وإن هذه الجبة، علي منذ ستمائة سنة، لقيت بها عيسى، ومحمدا عليهما السلام فآمنت بهما، فقلت له: ومن أنت؟ قال: أنا من الذين نزلت فيهم: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} (2).

قال: كان من جن نصيبين (3).

وابن كثير رحمه الله ذكر في تفسيره لسورة الجن، أن عبد العزيز بن

(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، كتاب الشعب بالقاهرة ج 8 ص 268 - 269 وقد أورد أشياء كثيرة عنهم.

(2)

سورة الجن الآية 1

(3)

تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي ج 8 ص 297 دار الفكر في بيروت 1414 هـ.

ص: 147

عمر قال: أما الجن الذين لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنخلة فجن نينوى، وأما الجن الذين لقوه بمكة فجن نصيبين، وجن حران، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، جعل سبعة من أهل نصيبين، رسلا إلى قومهم (1). فدل هذا على أن وافدهم جاءوا أكثر من مرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد ما سمعوا القرآن، ليتعلموا أمور دينهم.

وفيما ذكرناه دليل واضح، على أن هذا القرآن هو نور الله الساطع، يهدي به سبحانه من يشاء ويفتح الله بما فيه من آيات ومعجزات، آذانا صما، وقلوبا غلفا، فتبهرهم ما أودع الله فيه، من معجزات وآيات، يدركها من أنار الله بصيرته، في مشارق الأرض ومغاربها، ليدخلوا الإسلام، كل حسب اختصاصه.

(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، المطابع عيسى البابي الحلبي وشركاهم ج 4 ص 167.

ص: 148

5 -

فقد دخل الإسلام عالم جيولوجيا في جامعة أكسفورد ببريطانيا، عندما احتار في الصخور وألوانها، وسبب ذلك، وطال بحثه ولم يجد نتيجة، فقرأ عليه مساعده في المعمل وهو مسلم من الهند، هاتين الآيتين، من سورة فاطر، وبعد ما أفهمه دلالتهما وشرح له معناهما، شرح الله صدره للإسلام، وأسلم، والآيتان هما:

ص: 148

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} (1){وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (2).

6 -

ودخل في دين الله الحق ربان سفينة أسباني، عاش حياته كلها في البحار، وفى يوم من الأيام، تلاطمت المياه، وارتفع الموج، وترادفت السحب، فازداد الظلام، وأيقن بالهلاك، فصار من رجال بحارته، رجل مسلم، لاحظ عليه الهدوء، والهمهمة بكلمات باللغة العربية لم يفهمها (الربان)، فتعجب منه وهدوئه، وكل من في السفينة، قد أصابهم الهلع لما يرون من بوادر الهلاك، فاستدعاه (الربان)، ليسأله عما يقول، وما رأيه في الوضع

فقال: كنت أدعوا ربي وأقرأ آيات من كتاب الله .... قال: ما هي؟ فقرأ عليه قول الله تعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} (3){أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} (4).

(1) سورة فاطر الآية 27

(2)

سورة فاطر الآية 28

(3)

سورة النور الآية 40

(4)

سورة النور الآية 41

ص: 149

فلما كرر عليه معنى هاتين الآيتين الكريمتين، وجه الربان، لهذا الرجل المسلم القول: هل كان محمد ممن يركبون البحر؟ فأجابه بلا، وأنه لم يعرف عنه حتى السفر بالبحر.

قال: أنا لي أربعون سنة أعمل في البحر، وأول مرة يمر بي مثل هذا الاضطراب في البحر، وهذه الظلمات المتراكمة بعضها فوق بعض، وهذا - ما دام محمد لم يكن ممن يسافر في البحر - يدلنا على أن ما قلته: عن كتابكم القرآن، أنه ليس من كلام محمد - كما يصور لنا - غير صحيح

والآن نؤمن بأنه جاء من قوة أعلا .... بمثل هذا الوصف الدقيق.

وبعد ما نصل لليابسة، وينقذنا الله من هذا الهلاك والأعاصير، سأتعلم الإسلام وأتفهم القرآن .. وقد حصل هذا بعد ذلك وأسلم.

7 -

ومن يقرأ حكايات من أسلموا في كل مكان، يجد آثار القرآن، منطبعة في قلوبهم، بعدما جذبتهم عظمة القرآن، ودلالاته العميقة، التي سبقت العلوم الجديدة في حياة البشر، ذلك أنه شرع الله إلى الثقلين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وقد أحاط من أنزله سبحانه كل شيء علما.

ص: 150

وما أشرنا إليه فما هو إلا شواهد فقط، تدل على بعض أدوار القرآن الكريم، والسنة المطهرة، في جذب من أراد الله له الخير، إلى نور الإيمان، الذي به الإرشاد وحسن التوجيه:{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (1).

8 -

وفى الآيات الكريمات، في السور الكبار الأربع: الأولى من كتاب الله: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة خاصة وفى غيرها عامة، ما يوضح دور أهل الكتاب، في أمرين: الاستجابة لمن أراد الله بهم الخير، عندما عرفوا الحق، الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، من عند ربه، مصدقا لما معهم كما حصل مع وفد نجران النصارى، الذين عاندوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفضوا الإسلام في البداية، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم مباهلتهم، عندما جاء مع أهل بيته، فقال زعيمهم يا قوم نطلب التأجيل، لأنه ما باهل قوم نبيا إلا هلكوا. وفي رواية ما لاعن قوم نبيا إلا أبادهم الله فطلبوا المهلة وأن يرسل معهم أمينا فأرسل معهم أبا عبيدة (2).

(1) سورة المائدة الآية 54

(2)

يراجع في قصتهم تفسير ابن كثير عند تفسير الآية 59 وما بعدها، من سورة آل عمران.

ص: 151

أو العناد والجحود، لمن حقت عليه الشقاوة، ولم ينفعه علمه الذي أخبرتهم به كتبهم، وجاء على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، وفق ما بعث الله به الرسل من قبله، ولله الحكمة البالغة في الهداية، ولذلك خلق الثقلين، كما قال تعالى:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (1).

(1) سورة القصص الآية 56

ص: 152