الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد فسر المنان بالحديث بأنه الذي لا يعطي شيئا إلا منه، أي امتن به على المعطى له، فإن الامتنان بالعطاء مبطل لأجره (1).
3 -
عن أبي بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة خب ولا بخيل ولا منان (2)» .
فنفى دخول الجنة – دخولا أوليا - عن المنان الذي يمن على الفقراء بعد العطاء.
4 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه والمرأة المترجلة والديوث، وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والمدمن على الخمر، والمنان بما أعطى (3)» .
(1) بذل المجهود السهار نفوري 16/ 413
(2)
الترمذي، 1963
(3)
النسائي 5/ 80، أحمد 2/ 134، 69، 128
المبحث الثالث: الرياء وعلاقته بالمنة
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: معنى الرياء والنهي عنه:
ضرب الله تعالى مثلا للذي يتبع صدقته بالمن والأذى بالمرائي فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (1).
وذلك لأن الرياء مثل المنة مبطل لأجر الصدقة كما سبق.
والرياء مأخوذ من الرؤية، هو أن يعمل العبادة ويقصد بها رؤية الخلق وملاحظتهم له، فلا يريد بعبادته وجه الله بل يقصد إطلاع الناس على عبادته حتى يحصل له منهم مال أو جاه أو ثناء، وهو من الكبائر لما سيأتي من النصوص، والمرائي حين يقصد غير الله ينبئ عن اعتقاده أنه أقدر على تحصيل مراده من الله فيرفع العبد الضعيف العاجز على الله المولى القادر، كذلك هو يلبس على الخلق بإيهامه لهم أنه مخلص مطيع لله وهو بخلاف ذلك (2).
وقد شهد بتحريمه الكتاب والسنة، أما الكتاب فمنه قوله تعالى:{الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} (3) وقال تعالى: {وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (4)
(1) سورة البقرة الآية 264
(2)
ينظر: الزواجر، للهيتمي، 1/ 43
(3)
سورة الماعون الآية 6
(4)
سورة الكهف الآية 110
أي لا يرائي بعمله.
وأما السنة فمنها قوله صلى الله عليه وسلم: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله! قال: الرياء، يقول الله عز وجل يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء (1)» .
وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه نادى مناد: من كان أشرك في عمل عمله لله أحدا فليطلب ثوابه من عند غير الله فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك (2)» .
وذكر صلى الله عليه وسلم أن المرائي بأعماله الصالحة سواء أكانت جهادا في سبيل الله، أو تعليم القرآن والعلم وتعلمه، أو الإنفاق في سبيل الله، ذكر أنه أول من تسعر بهم النار، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت
(1) رواه أحمد؛ 5/ 428، 429
(2)
رواه أحمد؛ 5/ 215، 3154، والترمذي 3154، وابن ماجه 4203
القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار (1)».
وهذا دليل على تغليظ تحريم الرياء وشدة عقوبته وعلى الحث على وجوب الإخلاص في الأعمال (2).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه (3)» .
قال النووي: ومعناه أنا غني من المشاركة وغيرها فمن عمل
(1) رواه مسلم، 1905
(2)
شرح النووي 13/ 50
(3)
رواه مسلم 2985
شيئا لي ولغيري لم أقبله، بل أتركه لذلك الغير، والمراد أن عمل المرائي باطل لا ثواب فيه، ويأثم به (1).
فالشيء إذا انقسم ووقعت فيه الشركة نقص ما يحصل لكل واحد، فمن كان متبعا للشريعة في الظاهر وكان قصده الرياء والسمعة وتعظيم الناس له، كان عمله باطلا لا يقبله الله (2).
ومن رأى بعمله، وسمعه الناس ليكرموه ويعظموه ويعتقدوا فيه خيرا سمع الله به يوم القيامة الناس وفضحه، وكان حظه من عمله ما حصل له في الحياة الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم:«من سمع سمع الله به، ومن رآى رآى الله به (3)» ، (4).
والآثار في النهي عن الرياء وبيان خطورته وعقوبة صاحبه كثيرة يطول المقام لو أريد استقصاؤها فيكتفى بما ذكر.
هذا، وقد تكلم العلماء في درجات الرياء، وأنها متفاوتة في القبح، فأقبحها الرياء المحض وهو الرياء في أصل الإيمان، كحال المنافقين الذين أكثر الله من ذمهم، ويليهم المراءون بأصول العبادات الواجبة
(1) رواه مسلم 2289
(2)
ينظر: مجموع الفتاوى – ابن تيمية، 11/ 613، 17/ 146
(3)
رواه مسلم 2290
(4)
ينظر: شرح النووي 18/ 117
كأن يعتاد تركها في الخلوة ويفعلها في الملأ خوف المذمة، ويليهم المراءون بالنوافل، ثم المراءون بأوصاف العبادات كتحسينها وإطالة أركانها (1).
وذكروا أن مجرد السرور باطلاع الناس على العمل إذا لم يبلغ أثره بحيث يؤثر في العمل. بل بقي العمل صادرا عن نية خالصة، فلا يفسد العمل لبقاء أصل النية الباعثة عليه والحاملة على إتمامه (2).
فإذا فرح المؤمن بالثناء الحسن واستبشر بذلك لم يضره ذلك، سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يعمل العمل لله من الخير ويحمده الناس عليه؟ فقال:«تلك عاجل بشرى المؤمن (3)» .
قال ابن كثير: إن من عمل عملا لله فاطلع عليه الناس فأعجبه ذلك، أن هذا لا يعد رياء (4).
وإظهار العبادة قد يكون في حق بعض الناس أفضل، وذلك إذا خلصت نياتهم من شائبة الرياء، وكان في إظهار العمل حمل للناس على الاقتداء بهم، والتأسي في فعل ذلك الخير، والمبادرة إليه، لكونه
(1) ينظر: الزواجر - الهيتمي 1/ 46 جامع العلوم والحكم لابن رجب 1/ 79
(2)
ينظر: الزواجر 1/ 45 جامع العلوم والحكم لابن رجب 1/ 79
(3)
رواه مسلم 2642
(4)
تفسير ابن كثير، 4/ 983