الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورضاه، فإنما ذاك من من الله جل ذكره من به علي (1).
فالمنة لله تعالى وحده في كل خير يصيب المرء في دنياه وفي آخرته، ولا منة لأحد عليه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
(1) البخاري 3692
الخاتمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد.
فقد كان أهم ما تضمنه البحث ما يلي:
* حث الإسلام على حسن الخلق وذكر الأجر العظيم لصاحبه في الدنيا والآخرة وهذا مما يدل على أن حسن الخلق مقدور عليه.
* المنة في اللغة مشتقة من القطع، أو من الإحسان والإنعام، وأما المعنى المنهي عنه فهو ذكر الإحسان وتعداده وهذا لا شك أنه يكون باللسان، وقد تكون بالقلب من غير تصريح باللسان.
* جاءت الآثار في النهي عن السنة وبيان إبطالها لأجر صاحبها في الدنيا، وكذلك أنه من الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ونفى عن صاحبها دخول الجنة - أي دخولا أوليا؛ وهذا كله كان في بيان أنها من الكبائر لأن العلماء ذكروا أن الكبيرة هي ما توعد عليه بعذاب في الآخرة، أو كان له حد في الدنيا.
* شبهة المنة بالرياء بجامع أن كليهما يبطل العمل، ولا شك أن الرياء أعظم منها.
* أما محبة الحمد بما لم يفعل الإنسان فهذا منهي عنه، ولا يدخل فيه محبة الإنسان ما فعل من الخير بشرط ألا يكون قصده بذلك الرياء والسمعة، بل هذا عاجل بشرى المؤمن، فلا يعد هذا من المنة المذمومة في الشرع.
* تكمن العلة في النهي عن المنة أنها مشتملة على إيذاء المسلم وأن صاحبها مترفع على غيره معجب بعمله قد نسي أن المنعم الحقيقي هو الله، ثم إنه يدعي أنه يريد وجه الله، فعلى هذا لا وجه لمنه على من أنفق عليه، لأن الله هو الذي يتولى مجازاته، فنفع الصدقة عائد على المتصدق، لا على المتصدق عليه.
* كان من أسماء الله تعالى الثابتة في السنة: المنان، وقد تنوعت عبارات العلماء في تفسيره، على أن أقوالهم متفقة على المعنى الذي يتضمن العطاء والإحسان، كذلك هو الذي يعدد نعمه ويذكرها لعباده، فلله تعالى المنة العظمى بالخلق والرزق وبعث الأنبياء، لا سيما أفضلهم: محمد صلى الله عليه وسلم، فيجب على كل مؤمن الاعتراف بهذا، ويقوم بحق الله تعالى في شكر هذه النعم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
صفحة فارغة
التيسير في الحج
لفضيلة الشيخ الدكتور: صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء
الحمد لله الذي شرع فيسر {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (1) وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
فإن التيسير في الحج وغيره من أحكام الدين يكون حسب الأدلة الصحيحة مع التقيد بأداء الأحكام كما شرع الله سبحانه وتعالى ومن ذلك عبادة الحج والعمرة قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (2) وإتمامها يكون بأداء مناسكهما على الوجه الذي أداهما به رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (3)، وقوله صلى الله عليه وسلم:«خذوا عني مناسككم (4)» ، أي أدوها على الصفة التي أديتها بها، لا على الرخص التي قال بها
(1) سورة الحج الآية 78
(2)
سورة البقرة الآية 196
(3)
سورة الأحزاب الآية 21
(4)
أخرجه مسلم في كتاب الحج باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر .. برقم 1297
بعض العلماء، من غير دليل من كتاب أو سنة، وتلقفها بعض الكتاب والمنتحلين للفتوى، قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (1)، ففي هذه الآية الكريمة أنه يجب علينا أن نأخذ من أقوال العلماء ما دل عليه كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا ما يوافق أهواءنا ورغباتنا من أقوال العلماء التي لا مستند لها من الأدلة الصحيحة، ولا أن تستعمل الأدلة الشرعية على غير مدلولها، وفي غير مواضعها كمن يستدل بقوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن تقديم أعمال يوم العيد بعضها على بعض:«افعل ولا حرج (2)» على كل تقديم وتأخير، وترك لبعض واجبات الحج وأفعاله، فاستعمل هذا الدليل في غير محله، ونسي قول الله تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (3)، ولا يحصل إتمام الحج والعمرة الذي أمر الله به في هذه الآية الكريمة إلا بأداء كل منسك من منسكهما في زمانه ومكانه، كما حدده الله ورسوله، لا كما يقوله فلان أو يفتي به فلان، من غير دليل وإنما تحت
(1) سورة النساء الآية 59
(2)
أخرجه البخاري في كتاب العلم باب الفتيا وهو واقف على الدابة، وغيرها برقم 83 ومسلم في كتاب الحج باب من حلق قبل النحر أو نحر قبل الرمي برقم 1306
(3)
سورة البقرة الآية 196
مظلة: (افعل ولا حرج)، وفي غير الزمان والمكان والأفعال التي وردت فيها هذه الكلمة النبوية. هل قال الرسول صلى الله عليه وسلم لمن انصرف من عرفة قبل الغروب:(افعل ولا حرج)، هل قالها لمن يرمي قبل الزوال في أيام التشريق، هل قالها لمن وقف بنمرة ووادي عرنة ولم يقف بعرفة منتصف الليل، هل قالها لمن لم يبت في مزدلفة في ليلتها، ومنى ليالي أيام التشريق، وهو يقدر على المبيت في مزدلفة، وفي منى هل قالها لمن طاف بالبيت من غير طهارة، إنه لا بد أن توضع الأمور في مواضعها، والأدلة في أماكنها، ولا بد أن يبين الإطلاق والإجمال كما قال العلامة ابن القيم:
فعليك بالتفصيل والتمييز فالـ
…
إطلاق والإجمال دون بيان
قد أفسدا هذا الوجود وخبطا الـ
…
أذهان والآراء كل زمان
ولا ننس أن الحج جهاد، والجهاد لا بد فيه من مشقة وليس هو رحلة ترفيهية، وقد وسع الله الزمان والمكان لأداء المناسك، أما المكان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرفة:«وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف وارفعوا عن بطن عرنة، وقال في مزد لفة: وقفت هاهنا وجمع كلها موقف (1)» . وطاف صلى الله عليه وسلم بالبيت ماشيا
(1) أخرجه مسلم في كتاب الحج باب ما جاء في أن عرفة كلها موقف برقم 1218.
وراكبا يستلم الحجر بمحجن، ووقت طواف الإفاضة والسعي يبدأ من منتصف الليل ليلة العيد، ولا حد لنهايتها، ووقت رمي جمرة العقبة يوم العيد يبدأ من منتصف ليلة العاشر، إلى آخر المساء من ليلة الحادي عشر، ووقت رمي الجمرات الثلاث يبدأ من الزوال إلى آخر المساء من ليلة الثاني عشر وليلة الثالث عشر لمن تعجل وغروب الشمس من اليوم الثالث عشر لمن تأخر، وفج منى كله مكان للمبيت، وهو فج واسع لولا تصرفات الناس واتباع أطماعهم فإنه لا يضيق بالحجاج لو استغل استغلالا صحيحا، واقتصر كل على ما يكفيه، وترك الباقي لإخوانه، وإلا فإنه سيتحمل إثم من أخرجه من منى باستيلائه على أكثر من حاجته:
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها
…
ولكن أخلاق الرجال تضيق
إن الذي يجب إعلانه للناس هو قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (1)، وقوله صلى الله عليه وسلم:«خذوا عني مناسككم (2)» أما قوله صلى الله عليه وسلم: «افعل ولا حرج (3)» ، فإنما يقال لمن وقع منه تقديم وتأخير في المناسك التي تفعل في يوم العيد حيث قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، في هذا اليوم لمن حصل منه تقديم وتأخير في
(1) سورة البقرة الآية 196
(2)
صحيح مسلم الحج (1297)، سنن أبو داود المناسك (1970)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 337).
(3)
البخاري الأيمان والنذور (6288)، مسلم الحج (1306)، أبو داود المناسك (2014)، أحمد (2/ 192)، مالك الحج (959)، الدارمي المناسك (1907).
المناسك الأربعة: الرمي والنحر والحلق أو التقصير، والطواف والسعي، ولم يقله ابتداء فكل شيء يوضع في مواضعه. وأما إعلان:(افعل ولا حرج) لكل الناس وقبل حصول الخلل فهذا يحدث تساهلا وبلبلة في أعمال الحج.
نسأل الله عز وجل أن يوفق الجميع للعلم النافع والعمل الصالح والإخلاص لوجهه الكريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
بقلم: صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء
عضو اللجنة الدائمة للإفتاء