الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} (1) وقال: {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ} (2){إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (3).
وكذلك قال عباد الرحمن: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (4).
وهذه من نعم الباري ومننه التي تحتاج إلى الشكر (5).
فلا يعد هذا من المنة المذمومة في الشرع، ومن حكمة الشارع أن دعا إلى شكر من أسدى المعروف، ودعا إلى مكافأته لئلا يقع في قلبه ما يكدر معروفه من من أو أذى، كما قال تعالى:{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} (6) وقال صلى الله عليه وسلم: «من أتى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه (7)» .
(1) سورة الشعراء الآية 84
(2)
سورة الصافات الآية 79
(3)
سورة الصافات الآية 80
(4)
سورة الفرقان الآية 74
(5)
تفسير السعدي 1/ 471
(6)
سورة الرحمن الآية 60
(7)
رواه أبو داود (1672، 5109)، والنسائي (2566)، وأحمد 2/ 68
المبحث الخامس: العلة في النهي عن المنة:
إضافة إلى ما سبق من النصوص التي تنهى عن المنة، وتبين بطلان أجر صاحبها مع ما له من الوعيد الشديد، تكمن العلة في النهى عنها لاشتمالها على أمور منهي عنها، منها:
1 -
أن المنفق ماله في سبيل الله، إنما يبتغي وجه الله، وطلب ما عنده، " فلا وجه لمن المنفق على من أنفق عليه ولا إيذائه بسبب إنفاقه، لأنه لا يدله قبله، ولا صنيعة يستحق بها إن لم يكافئه عليها المن والأذى. إذ كانت نفقته ما أنفق عليه احتسابا، وابتغاء ثواب الله، وطلب مرضاته، وعلى الله مثوبته دون من أنفق ذلك عليه "(1) فإذا كان الله تعالى قد تولى ثوابه، ورد عليه أضعاف ما أعطى فأي حق بقي للمان عند الآخذ (2).
2 -
أن في المنة إيذاء للمسلم وإدخال الحزن إلى قلبه، وهذا مما نهى الله عنه، وكان من أعظم الصدقة إدخال السرور على قلب المسلم، (ففي المنة تعيير وتكدير، إذ آخذ الصدقة منكسر القلب لأجل حاجته إلى غيره، معترف له باليد العليا، فإذا أضاف المعطي إلى ذلك إظهار إنعامه تعديدا عليه، أو ترفعا، أو طلبا لمقابلته عليه بخدمة أو شكره زاد ذلك في مضرة الآخذ وانكسار قلبه، وإلحاق العار والنقص به، وهذه قبائح عظيمة)(3).
3 – أن المنة في الغالب تقع ممن به شعور بالنقص كالبخيل
(1) تفسير الطبري 4/ 655
(2)
طريق الهجرتين، ابن القيم 366
(3)
الزواجر، الهيتمي 1/ 188
والمعجب (فالبخيل تعظم في نفسه العطية وإن كانت صغيرة في نفسها، والمعجب يحمله العجب على النظر لنفسه بعين العظمة، وأنه منعم بما له على المعطى، وإن كان أفضل منه في نفس الأمر)(1).
4 -
أن المنة تتضمن أو يوجبها (الجهل ونسيان نعمة الله فيما أنعم به)(2)، على المعطي، فالمعطي أنفق من المال الذي رزقه الله إياه، والله هو الذي فضله وجعله صاحب اليد العليا، قال تعالى:{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} (3).
" فالله هو المالك الحقيقي وهو الذي يسر الإعطاء وأقدر عليه، فوجب النظر إلى جناب الحق والقيام بشكره على ذلك، والإعراض عما يؤدي إلى منازعة الحق في فضل وجوده؛ إذ لا يمن إلا من غفل أن الله تعالى هو المعطي والمتفضل "(4).
فكيف يشهد قلب المان منة لغير الله الذي أعطاه المال، وحرم غيره منه، ووفقه للبذل ومنع غيره منه، ومن فعل هذا فهو من نقصان شهود منة الله عليه في إعطائه المال وحرمان غيره (5).
(1) فتح الباري، ابن حجر 3/ 298
(2)
نفس المصدر والصفحة
(3)
سورة النحل الآية 53
(4)
الزواجر، الهيتمي 1/ 189
(5)
طريق الهجرتين، ابن القيم 365