المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بالوجوب، وذمه قول أصحاب الرأي بقوله: هو قول سوء. وقولهم: - مختصر الإنصاف والشرح الكبير (مطبوع ضمن مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الثاني)

[محمد بن عبد الوهاب]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌كتاب الطهارة

- ‌باب المياه

- ‌باب الآنية

- ‌باب الاستنجاء

- ‌باب السواك وسنية الوضوء

- ‌باب فروض الوضوء وصفته

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌باب نواقض الوضوء

- ‌باب الغسل

- ‌باب التيمم

- ‌باب إزالة النجاسة

- ‌باب الحيض

- ‌‌‌كتاب الصلاة

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب الأذان والإقامة

- ‌باب شروط الصلاة

- ‌باب ستر العورة

- ‌باب اجتناب النجاسات

- ‌باب استقبال القبلة

- ‌باب النية

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب صلاة التطوع

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌باب صلاة أهل الأعذار

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌كتاب الجنائز

-

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة بهيمة الأنعام

- ‌باب زكاة الخارج من الأرض

- ‌باب زكاة الأثمان

- ‌باب زكاة العروض

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب إخراج الزكاة

- ‌باب أهل الزكاة

-

- ‌كتاب الصيام

- ‌باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة

- ‌باب ما يكره ويستحب، وحكم القضاء

- ‌باب صوم التطوع

- ‌كتاب الاعتكاف

-

- ‌كتاب المناسك

- ‌باب المواقيت

- ‌باب الإحرام

- ‌باب محظورات الإحرام

- ‌باب الفدية

- ‌باب جزاء الصيد

- ‌باب صيد الحرم

- ‌باب دخول مكة

- ‌باب صفة الحج

- ‌باب الفوات والإحصار

- ‌باب الهدي والأضحي

-

- ‌كتاب الجهاد

- ‌باب ما يلزم الإمام والجيش

- ‌باب قسمة الغنائم

- ‌باب حكم الأرضين المغصوبة

- ‌باب الفيئ

- ‌باب الأمان

- ‌باب الهدنة

- ‌باب عقد الذمة

- ‌باب أحكام الذمة

- ‌كاب البيع

- ‌باب الضمان

- ‌باب الحوالة

- ‌باب الصلح

-

- ‌باب الشروط في البيع

- ‌باب الخيار

- ‌باب الربا والصرف

- ‌باب بيع الأصو ول الأثمان

- ‌باب السلم

- ‌باب القرض

-

- ‌كتاب الحجر

- ‌باب الوكالة

-

- ‌كتاب الشركة

- ‌باب المساقاة

- ‌باب الإجارة

- ‌باب السبق

- ‌باب العارية

- ‌باب الغصب

- ‌باب الشفعة

- ‌باب الوديعة

- ‌باب احياء الموت

- ‌باب الجعالة

- ‌باب اللقطة

-

- ‌كتاب الوقف

- ‌باب الهبة والعطية

-

- ‌كتاب الوصايا

- ‌باب الموصى له

- ‌باب الموصى به

- ‌باب الموصى إليه

-

- ‌كتاب النكاح

- ‌باب أركان النكاح وشروطه

- ‌باب المحرمات في النكاح

- ‌باب الشروط في النكاح

- ‌باب حكم العيوب في النكاح

- ‌باب نكاح الكفار

-

- ‌كتاب الصداق

- ‌باب الوليمة

- ‌باب عشرة النساء

- ‌كتاب الخلع

-

- ‌كتاب الطلاق

- ‌باب سنية الطلاق وبدعيته

- ‌باب صريح الطلاق وكنايته

- ‌باب الرجعة

- ‌كتاب العدد

- ‌كتاب الرضاع

-

- ‌كتاب النفقات

- ‌باب من أحق بكفالة الطفل

- ‌كتاب الجنايات

-

- ‌كتاب الديات

- ‌باب القسامة

- ‌باب الحدود

- ‌باب القطع في السرقة

- ‌باب حد المحاربين

- ‌باب قتال أهل البغي

-

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌باب الذكاة

- ‌كتاب الصيد

-

- ‌كتاب الأيمان

- ‌باب جامع الأيمان

- ‌باب النذر

-

- ‌كتاب القضاء

- ‌باب أدب القاضي

- ‌باب طرق الحكم وصفته

- ‌باب حكم كتاب القاضي إلى القضي

- ‌باب القسمة

- ‌باب الدعوات والبينات

- ‌باب تعارض البيّنتين

-

- ‌كتاب الشهادات

- ‌باب شروط من تقبل شهاداته

-

- ‌كتاب الإقرار

- ‌باب ما يحصل به الإقرار

- ‌باب الإقرار بالمجمل

الفصل: بالوجوب، وذمه قول أصحاب الرأي بقوله: هو قول سوء. وقولهم:

بالوجوب، وذمه قول أصحاب الرأي بقوله: هو قول سوء. وقولهم: الصغير ليس من أهل التكليف، فليس معنى الوجوب في حقه التأثيم بتركه، بل أنه شرط لصحة الصلاة والطواف والقراءة.

الثالث: إسلام الكافر: وهو قول مالك وابن المنذر. وقال أبو حنيفة: لا يجب، لأنه لو أمر كل من أسلم بالغسل، لنقل نقلاً متواتراً. ولنا:"أنه صلى الله عليه وسلم أمر قيس بن عاصم لما أسلم أن يغتسل بماء وسدر". 1 قال الترمذي: حديث حسن. وقد روي أن مصعب بن عمير قال لسعد وأسيد لما سألاه: كيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الأمر؟ قال: "نغتسل ونشهد شهادة الحق". فإن أجنب الكافر ثم أسلم لم يلزمه غسل الجنابة، وهذا قول من أوجب غسل الإسلام، وقول أبي حنيفة. وقال الشافعي: عليه الغسل. ويستحب أن يغتسل بماء وسدر، لما في حديث قيس. ويستحب أن يلقي شعره، لقوله:"ألق عنك شعر الكفر واختتن". 2 رواه أبو داود.

الرابع: الموت.

الخامس: الحيض.

السادس: النفاس، وسيذكر في أبوابه.

ومن لزمه الغسل، حرم عليه قراءة آية فصاعدا، وفي بعض آية روايتان. وقال الأوزاعي: لا يقرأ إلا آية الركوب والنزول: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} ، 3 {وقل رب أمزلني منزلا مبارك} . 4 وقال

1 الترمذي: الجمعة (605)، وأبو داود: الطهارة (355) ، وأحمد (5/61) .

2 أبو داود: الطهارة (356) ، وأحمد (3/415) .

3 سورة الزخرف آية: 13.

4 سورة المؤمنون آية: 29.

ص: 56

ابن عباس: "يقرأ ورده". وقال ابن المسيب: يقرأ القرآن؛ أليس هو في جوفه؟ وحكي عن مالك جواز القراءة للحائض دون الجنب. ولنا: "أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يحجبه من قراءة القرآن شيء، ليس الجنابة". 1 قال الترمذي: حسن صحيح. ويجوز له العبور في المسجد، ويحرم اللبث فيه إلا أن يتوضأ لقوله:{وَلا جُنُباً إِلَاّ عَابِرِي سَبِيلٍ} الآية، 2 ولقوله صلى الله عليه وسلم:"لا أُحلّ المسجد لحائض ولا جنب". 3 رواه أبو داود.، فإن خاف أو لم يمكنه الخروج، تيمم وأقام فيه، لأنه روي عن علي وابن عباس في الآية:"يعني: مسافرين لا يجدون ماء فيتيممون". وقال بعض أصحابنا: يلبث بغير تيمم، لأنه لا يرفع الحدث، وهو غير صحيح لمخالفته قول الصحابة. وقال الثوري وإسحاق: لا يمر في المسجد إلا أن لا يجد بداً، فيتيمم؛ وهو قول أصحاب الرأي، لقوله:"لا أُحلّ المسجد لحائض ولا جنب". 4 ولنا: الآية، وقوله لعائشة: لما قال: "ناوليني الخمرة من المسجد. قالت: إني حائض. قال: حيضتك ليست في يدك". 5 وعن زيد بن أسلم قال: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشون في المسجد وهم جنب". رواه ابن المنذر، وهذا إشارة إلى جميعهم، فيكون إجماعاً. فإن توضأ، فله اللبث فيه، وهو قول إسحاق. وقال الأكثرون: لا يجوز، للآية والخبر. ووجه الأولى قول زيد بن أسلم:"كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدثون في المسجد على غير وضوء، وكان الرجل يكون جنباً فيتوضأ ثم يدخل فيتحدث معهم"، وهذا إشارة إلى جميعهم، فيخص عموم الحديث. وعن عطاء بن يسار قال: "رأيت رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون، إذا توضؤوا

1 النسائي: الطهارة (265)، وأبو داود: الطهارة (229)، وابن ماجة: الطهارة وسننها (594) ، وأحمد (1/107) .

2 سورة النساء آية: 43.

3 أبو داود: الطهارة (232) .

4 أبو داود: الطهارة (232) .

5 مسلم: الحيض (298)، والترمذي: الطهارة (134)، والنسائي: الطهارة (271) والحيض والاستحاضة (384)، وأبو داود: الطهارة (261)، وابن ماجة: الطهارة وسننها (632) ، وأحمد (6/45، 6/114، 6/229، 6/245) .

ص: 57

وضوء الصلاة". رواه سعيد والأثرم.

وحكم الحائض إذا انقطع حيضها حكم الجنب، وأما قبله فلا، لأن وضوءها لا يصح. وأما المستحاضة ومن به سلس البول، فلهم اللبث فيه إذا أمنوا تلويثه، لأن بعض أزواجه صلى الله عليه وسلم اعتكفت معه وهي مستحاضة، رواه البخاري. فإن خاف التلويث، حرم لأن المسجد يُصان عن هذا.

والأغسال المستحبة ثلاثة عشر:

(أحدها) : للجمعة بغير خلاف، وفيه آثار كثيرة صحيحة، وليس بواجب؛ حكاه ابن عبد البر إجماعاً.

(الثاني) : للعيدين، لحديث ابن ماجة.

(الثالث) : الاستسقاء، لأنه عبادة يجتمع لها.

(الرابع) : الكسوف، لأنه كالاستسقاء.

(الخامس) : "من غسل الميت"، روي ذلك عن ابن عباس والشافعي وإسحاق وابن المنذر. وروي عن علي وأبي هريرة أنهما قالا:"من غسل ميتا فليغتسل". قال ابن المنذر: ليس فيه حديث يثبت، وكذلك لم يعمل به في وجوب الوضوء على حامله، لا نعلم به قائلاً. وحديث علي، قال الجوزجاني: ليس فيه أن علياً غسل أبا طالب.

(السادس) : الغسل من الإغماء والجنون، "لأنه صلى الله عليه وسلم اغتسل من الإغماء"، متفق عليه. ولا يجب، حكاه ابن المنذر إجماعاً.

(السابع) : غسل المستحاضة.

(الثامن) : الغسل للإحرام.

ص: 58

(التاسع) : دخول مكة.

(العاشر) : الوقوف بعرفة.

(الحادي عشر) : المبيت بمزدلفة.

(الثاني عشر) : رمي الجمار.

(الثالث عشر) : الطواف.

وصفة الغسل الكامل: أن يأتي فيه بعشرة أشياء: النية، والتسمية، وغسل يديه ثلاثاً، وغسل ما به من أذى، وقد ذكرنا الدليل على ذلك، والوضوء، ويحثي على رأسه ثلاثاً يروي بها أصول الشعر، ويبدأ بشقه الأيمن، ويدلك بدنه بيديه، وينتقل من موضع غسله فيغسل قدميه، ويخلل أصول شعر رأسه ولحيته بماء قبل إفاضته عليه، ووجهه: قول عائشة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه ثلاثاً، وتوضأ وضوءه للصلاة. ثم يخلل شعره بيديه، حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته، أفاض عليه الماء ثلاث مرات. ثم غسل سائر جسده". 1 متفق عليه. وحديث ميمونة متفق عليه. ففي هذين الحديثين كثير من الخصال المسماة.

والبداءة بشقه الأيمن، لقول عائشة:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء نحو الحلاب، فأخذ بكفيه فبدأ بشق رأسه الأيمن، ثم الأيسر. ثم أخذ بكفيه فقال بهما على رأسه". 2 متفق عليه.

واختلف عن أحمد في غسل الرجلين، فقال في رواية: بعد الوضوء، على حديث ميمونة. وقال في رواية: العمل على حديث عائشة. وقال في موضع غسل رجليه: في موضعه وبعده وقبله سواء.

والمجزئ: أن يغسل ما به من أذى، وينوي

1 البخاري: الغسل (273)، ومسلم: الحيض (316) .

2 البخاري: الغسل (258)، ومسلم: الحيض (318)، والنسائي: الغسل والتيمم (424)، وأبو داود: الطهارة (240) .

ص: 59

ويعمم بدنه بالغسل، لقوله تعالى:{كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} ، 1 وقوله:{حَتَّى تَغْتَسِلُوا} . 2 ويستحب إمرار يده على بدنه، ولا يجب إذا تيقن وغلب على ظنه وصول الماء؛ وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي.

وقال مالك: إمرار يده إلى حيث تنال واجب، ونحوه قال أبو العالية. قالوا: لأن الله تعالى قال: {حتى تغتسلوا} ، ولا يقال: اغتسل إلا لمن دلك، ولنا: قوله: "إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضين عليك الماء؛ فتطهرين". 3 رواه مسلم.

وما ذكروه ممنوع، فإنه يقال: غسل الإناء، وإن لم يدلكه. ولا يجب الترتيب فيه لقوله:{فاطهروا} ، وقوله:{حَتَّى تَغْتَسِلُوا} ، ولا نعلم في هذا خلافاً. ولا يجب فيه موالاة، نص عليه؛ وهو قول أكثر أهل العلم. وقال ربيعة: من تعمَّده أعاد الغسل، وهو قول الليث.

وإذا بقيت لمعة لم يصبها الماء، فمسحها بيده أو شعره، فروي عن أحمد أنه سئل: عن حديث العلاء بن زياد: "أنه صلى الله عليه وسلم اغتسل فرأى لمعة لم يصبها الماء، فدلكها بشعره"، 4 فقال: نعم، أخذ به. وروي عنه: يأخذ لها ماء جديداً، فيه حديث لا يثبت، يعصر شعره. وذكر له حديث ابن عباس:"أنه صلى الله عليه وسلم عصر لمته على لمعة"، فضعّفه ولم يصححه.

ونص أحمد على أنها تنقض الشعر في غسل الحيض. قيل له: كيف، وهي لا تنقضه من الجنابة؟ قال: حديث أسماء "عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: تنقضه". وهو قول طاووس والحسن وأكثر العلماء، لحديث عائشة. وللبخاري فيه:"انقضي رأسك وامتشطي". 5 وقيل: "مستحب"، روي عن عائشة وأم سلمة؛ وهو قول مالك والشافعي وأصحاب

1 سورة المائدة آية رقم: 6.

2 سورة النساء آية رقم: 43.

3 مسلم: الحيض (330)، والترمذي: الطهارة (105)، والنسائي: الطهارة (241)، وأبو داود: الطهارة (251)، وابن ماجة: الطهارة وسننها (603) ، وأحمد (6/289، 6/314)، والدارمي: الطهارة (1157) .

4 ابن ماجة: الطهارة وسننها (663) ، وأحمد (1/243) .

5 البخاري: الحيض (316)، ومسلم: الحج (1211) ، وأحمد (6/163، 6/177) .

ص: 60

الرأي وأكثر العلماء، وهو الصحيح لأن في بعض ألفاظ حديث أم سلمة:"أفأنقضه للحيضة؟ قال: لا"، رواه مسلم. وحديث عائشة ليس فيه حجة، لأنه ليس في غسل الحيض، إنما هو للإحرام في حال الحيض. ولو ثبت الأمر حمل على الاستحباب، جمعاً بين الحديثين، ولأن فيه ما يدل على الاستحباب، وهو المشط والسدر. وغسل الحيض كغسل الجنابة، إلا أنه يستحب أن تغتسل بماء وسدر، وتأخذ فرصة ممسكة فتتبع بها مجرى الدم والموضع الذي يصل إليه الماء من فرجها، ليزول عنها زفورة الدم، فإن لم تجد مسكاً فغيره من الطيب. والفرصة القطعة من كل شيء.

ويتوضأ بالمدّ، ويغتسل بالصاع؛ فإن أسبغ بدونهما أجزأه، وهذا مذهب أكثر أهل العلم. وقيل: لا يجزئ في الغسل والوضوء دون ذلك. وحكي عن أبي حنيفة لقوله: يجزئ من الوضوء مدّ، ومن الجنابة صاع. ولنا: أن الله تعالى أمر بالغسل وقد أتى به، وعن عائشة:"أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريباً من ذلك". 1 فإن زاد على المد في الوضوء، وعلى الصاع في الغسل، جاز، فإن عائشة قالت:"كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد في قدح يقال له: الفرق". 2 والفرق: ثلاثة آصع. وقال أنس: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد". 3 متفق عليه.

ويكره الإسراف في الماء، للآثار. قال ابن عبد البر: المغتسل إذا عم بدنه ولم يتوضأ، فقد أدى ما عليه، لأن الله تعالى إنما افترض عليه الغسل؛ وهذا إجماع لا خلاف فيه، إلا أنهم أجمعوا على استحباب الوضوء فيه تأسياً به صلى الله عليه وسلم.

ويستحب له إذا أراد النوم أو الأكل أو الوطء ثانياً،

1 مسلم: الحيض (321) .

2 البخاري: الغسل (250)، والنسائي: الطهارة (231) .

3 البخاري: الوضوء (201)، ومسلم: الحيض (325) .

ص: 61

أن يغسل فرجه ويتوضأ. "وكان ابن عمر يتوضأ إلا غسل قدميه". وقال ابن المسيب: إذا أراد أن يأكل يغسل كفيه ويتمضمض، وحكي نحوه عن إمامنا وإسحاق. وقال مجاهد: يغسل كفيه، لما روي عن عائشة:"أنه كان إذا أراد أن يأكل وهو جنب، غسل يديه"، 1 رواه أبو داود. وقال ابن المسيب وأصحاب الرأي:"ينام ولا يمس ماء"، لحديث عائشة، رواه أبو داود. ولنا:"أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم إذا توضأ فليرقد". 2 متفق عليه. ولمسلم من حديث أبي سعيد: "إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود، فليتوضأ". 3 وعن عائشة: "كان إذا أراد أن يأكل أو ينام توضأ"، يعني: وهو جنب، رواه أبو داود.

فأما أحاديثهم فأحاديثنا أصح، ويمكن الجمع بحمل أحاديثنا على الاستحباب. وإذا غمست الحائض أو الجنب أو الكافر أيديهم في الماء فهو طاهر. قال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن عرَق الجنب طاهر. وسئل أحمد عن جنب أدخل يده في ماء ينظر حره من برده، قال: إن كان إصبعاً فأرجو أن لا يكون به بأس، وإن كان اليد أجمع فكأنه كرهه. وقال في الجنب والحائض يغمس يده في الإناء: إن كانتا نظيفتين، فلا بأس به. وقال في موضع: كنت لا أرى به بأساً، ثم حدثت عن شعبة عن محارب بن دثار عن ابن عمر، وكأني تهيبته.

وبناء الحمّام وبيعه وشراؤه وكراؤه: مكروه عند أبي عبد الله، لما فيه من كشف العورات ودخول النساء. قال أحمد: إن علمت أن كل من في الحمام عليه إزار فادخلْه، وإلا فلا تدخل. فأما النساء فليس لهن دخوله إلا لعذر، ثم ذكر حديثين رواهما ابن ماجة في نهي النساء.

ومن اغتسل عرياناً بين الناس لم يجز، أو إن كان وحده جاز، لأن موسى

1 النسائي: الطهارة (255، 256، 257)، وأبو داود: الطهارة (224)، وابن ماجة: الطهارة وسننها (593) ، وأحمد (6/102، 6/119، 6/126، 6/279) .

2 البخاري: الغسل (287)، ومسلم: الحيض (306)، والترمذي: الطهارة (120) ، وأحمد (2/17، 2/102) .

3 مسلم: الحيض (308)، والترمذي: الطهارة (141)، والنسائي: الطهارة (262)، وأبو داود: الطهارة (220)، وابن ماجة: الطهارة وسننها (587) ، وأحمد (3/21، 3/28) .

ص: 62

عليه السلام اغتسل عرياناً، وكذلك أيوب، رواهما البخاري. وقال أحمد: لا يعجبني أن يدخل الماء إلا مستتراً، إن للماء سكاناً. ولا بأس بذكر الله في الحمام، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه، رواه مسلم. فأما قراءة القرآن فيه، فكرهها أبو وائل والشعبي، ولم يكرهها النخعي ومالك لأنه لا نعلم حجة توجب الكراهة. فأما رد السلام، فقال أحمد: ما سمعت فيه شيئاً، والأولى جوازه من غير كراهة، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"أفشوا السلام بينكم"، 1 ولأنه لم يرد فيه نص؛ والأشياء على الإباحة.

ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":

يجب على الصبي الوضوء بموجباته، وجعله الشيخ مثل مسأله الغسل، إلزامه باستجمار ونحوه. وأن الرواية الثانية: لا غسل على الكافر، يعني: إذا أسلم، إلا إن وجد سببه قبله. ولو اغتسل في حال كفره أعاد. وقال الشيخ: لا إعادة إن اعتقد وجوبه، بناء على أنه يثاب على الطاعة في حال كفره إذا أسلم، كمن تزوج مطلقته ثلاثاً معتقداً حلها.

وقيل: لا تمنع الحائض من قراءة القرآن مطلقاً، اختاره الشيخ. وكره الشيخ الذكر للجنب، لا لها. وأوجبه الشيخ على من له عرق أو ريح يتأذى به الناس، أي: غسل الجمعة. واختار عدم استحباب الغسل للوقوف وطواف الوداع والمبيت والرمي، قال: ولو قلنا باستحباب الغسل لدخول مكة، كان الغسل للطواف بعده فيه نوع عبث لا معنى له. واختار أنه لا يستحب لدخولها. ويجوز أن يتيمم لما يستحب الغسل له للحاجة، نقله صالح في الإحرام. ويستحب لما يستحب الوضوء له لعذر، وظاهر ما قدمه

1 مسلم: الإيمان (54)، والترمذي: الاستئذان والآداب (2688)، وأبو داود: الأدب (5193)، وابن ماجة: المقدمة (68) والأدب (3692) ، وأحمد (2/391، 2/442، 2/477، 2/495، 2/512) .

ص: 63

في الرعاية: لا، قال في الفروع: وتيممه صلى الله عليه وسلم يحتمل عدم الماء.

قال: ويتوجه احتمال في رد السلام، لفعله صلى الله عليه وسلم لئلا يفوت المقصود، وهو الرد على الفور. وجوز المجد وغيره التيمم لما يستحب الوضوء له مطلقاً، لأنها مستحبة، فخف أمرها. ويحثي على رأسه ثلاثاً، يروي بها أصول الشعر، يحتمل أنه يروي بمجموع الغرفات، وأن يروي بكل مرة. واستحب المصنف وغيره تخليل أصول شعر رأسه ولحيته قبل إفاضة الماء. ويفيض الماء على سائر جسده ثلاثاً، وقيل: مرة، اختاره الشيخ. وقال الزركشي: هو ظاهر الأحاديث.

وإذا نوى الكبرى فقط، لا يجزي عن الصغرى. وقال الشيخ: يرفع الأصغر أيضاً. ويستحب للجنب إذا أراد النوم أن يغسل فرجه ويتوضأ. وعنه: يستحب للرجل فقط. قال ابن رجب في شرح البخاري: وهذا المنصوص عن أحمد. وقال الشيخ: في كلام أحمد ما ظاهره وجوبه. ولو أحدث بعد الوضوء لم يعده، وظاهر كلام الشيخ أنه يعيد حتى يبيت على إحدى الطهارتين، وقال:"لا تدخل الملائكة بيتاً فيه جنب". 1 رواه أبو داود.

ويكره بناء الحمّام وبيعه وإجارته، وحرّمه القاضي، وحمله الشيخ على غير البلاد الباردة. وللمرأة دخوله لعذر، وقيل: يجوز لضرر يلحقها بتركه لنظافة بدنها، اختاره الشيخ.

1 أبو داود: الطهارة (227)، والدارمي: الاستئذان (2663) .

ص: 64

باب التيمم

يشترط له ثلاثة:

أحدها: دخول الوقت، وهذا قول مالك والشافعي، لأنه مستغن عنه، أشبه التيمم عند وجود الماء. وقال أبو حنيفة: يصح. وروي عن أحمد أنه قال: القياس أن التيمم بمنزلة الطهارة، حتى يجد الماء أو يحدث، فعليها يجوز قبل دخول الوقت.

الثاني: العجز عن استعمال الماء لعدمه، لمن تيمم لعذر عدم الماء.

الثالث: طلب الماء، وفيه خلاف نذكره، إن شاء الله تعالى. وعدم الماء يبيح التيمم في السفر الطويل والقصير؛ وهذا قول مالك والشافعي. وقال قوم: لا يباح إلا في الطويل، قياساً على سائر رخص السفر، ولنا: قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} الآية، 1 فدل على إباحته في كل سفر. وقياسهم لا يصح، لأنه يباح في الحضر، ولأنه عزيمة. فإن عدم الماء في الحضر تيمم، وهذا قول مالك والشافعي. وقال أبو حنيفة في رواية: لا يصح، لأن الله شرط له السفر. ولنا: قوله: "الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين". 2 صححه الترمذي. وهذا عام. ولعل ذكر السفر في الآية خرج مخرج الغالب، كذكر السفر وعدم الكاتب في الرهن. وأبو حنيفة لا يقول بدليل الخطاب

1 سورة النساء آية: 43.

2 الترمذي: الطهارة (124)، والنسائي: الطهارة (322)، وأبو داود: الطهارة (332، 333) ، وأحمد (5/180) .

ص: 65

على نفسه، تيمم ولا إعادة إجماعاً. وإن خاف على رفيقه أو بهائمه، فكذلك. وإن وجد عطشاناً يخاف تلفه، لزمه سقيه وتيمم. وقال القاضي: لا يلزمه بذله، لأنه محتاج إليه. ولنا: أن حرمة الآدمي تُقدم على الصلاة، إذا رأى حريقاً أو غريقاً عند ضيق الوقت، وقد غفر الله لبغيٍّ سقت كلباً، فالآدمي أولى.

وإن خاف على نفسه أو ماله في طلب الماء، كمن بينه وبينه لص أو عدو، فهو كالعادم. ومن كان مريضاً لا يقدر على الحركة ولا على من يناوله، فكالعادم. وإن وجد من يناوله قبل خروج الوقت، فكالواجد. وقال الحسن: يتيمم ولا إعادة، لأنه عادم في الوقت. وإن وجد الماء، إلا أنه إن اشتغل بتحصيله فات الوقت، لم يتيمم، في قول أكثر أهل العلم. وعن الأوزاعي والثوري: يتيمم. ولنا: قوله: {فلم تجدوا ماء} ، 1 وهذا واجد للماء، وقوله:"التراب كافيك ما لم تجد الماء". وإن وجد الماء بثمن مثله، لزمه شراؤه لأنه قادر، وكذلك إن كان بزيادة يسيرة. وقال الشافعي: لا يلزمه الشراء مع الزيادة، قليلة كانت أو كثيرة، لأن عليه ضرراً في الزياة، كخوف اللص. ولنا: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} ، ولأن ضرر المال دون ضرر النفس، وقد قالوا في المريض: يلزمه الغسل ما لم يخف التلف، فتحمل الضرر اليسير في الماء أحرى.

والجريح والمريض إذا أمكنه غسل البعض، غسل ما أمكنه وتيمم للباقي؛ وهو قول الشافعي. وقال مالك: إن كان أكثر بدنه صحيحاً غسله ولا يتيمم، وإن كان أكثره جريحاً تيمم ولا غسل عليه، لأن الجمع بين البدل والمبدل منه لا يجب، كالصيام والإطعام. ولنا: حديث صاحب الشجة، ولأنه من شروط الصلاة، فالعجز عن بعضها لا يسقط جميعها، كالسترة، وما ذكره ينتقض

1سورة النساء آية: 43.

ص: 67

المسح على الحفين، وقياسهم جمع بين البدل والمبدل منه في محل واحد. وكل ما لا يمكن غسله من الصحيح إلا بانتشار الماء إلى الجريح، حكمه حكم الجريح.

ولا يلزمه أن يمسح على الجرح بالماء إذا أمكنه، سواء كان معصوباً أو لا. ونص أحمد في المجروح: إذا خاف مَسَحَ موضع الجرح، مسح وغسل ما حوله، لأن المسح بعض الغسل. ووجه الأولى أنه محل واحد، فلا يجمع بين المسح والتيمم كالجبيرة. وإذا قلنا: يجب المسح فهل يتيمم؟ على روايتين: إحداهما: لا يتيمم، كالجرح المعصوب عليه، والجبيرة على الكسر. والثانية: يتيمم، لأن المسح بعض الغسل، فيتيمم للباقي. والجبيرة الفرض انتقل فيها إلى الحائل فهو كالخفين. وإذا كان الجريح جنباً، فإن شاء قدم التيمم، وإن شاء أخره، بخلاف المتيمم لعدم ما يكفيه، فإنه يلزمه الغسل أولاً، لأن التيمم للعدم، ولا يتحقق مع وجود الماء، ولأن الجريح يعلم أن التيمم بدل عن غسل الجرح، والعادم لا يعلم القدر الذي تيمم له إلا بعد الغسل.

وإن تيمم الجريح للحدث الأصغر، فذكر القاضي أنه يلزمه الترتيب. وقال شيخنا: يحتمل أن لا يجب هذا الترتيب، لأن التيمم طهارة مفردة، كما لو كان الجريح جنباً، ولأن فيه حرجاً فيندفع بقوله:{ما جعل عليكم في الدين من حرج} . 1 وحكى الماوردي عن مذهب الشافعي مثل هذا. وإن وجد ما يكفي بعض بدنه، لزمه استعماله، وتيمم للباقي إن كان جنباً، نص عليه. وفيمن وجد ما يكفيه لوضوئه وهو جنب، قال: يتوضأ ويتيمم؛ وهذا قول عطاء وأحد قولي الشافعي، وبه قال الحسن والزهري ومالك وابن المنذر. والقول الثاني للشافعي: يتيمم ويتركه، لأنه لا يطهره كالمستعمل. ولنا: قوله: {فلم تجدو ماء} ، 2 وخبر أبي ذرّ: "فإذا وجدته

1 سورة الحج آية: 78.

2سورة النساء: آية: 43.

ص: 68

فأمسّه بشرتك"، وقوله: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم". 1 فإن وجده المحدث الحدث الأصغر، فقيل: يلزمه لما ذكرنا في الجنب. والثاني: لا يلزمه، لأن الموالاة شرط فيه؛ والصحيح أنه يلزمه.

والمشهور عن أحمد: اشتراط طلب الماء لصحة التيمم، وهو مذهب الشافعي. وعنه: لا يشترط، وهو مذهب أبي حنيفة، لقوله:"التراب كافيك ما لم تجد الماء". ووجه الأولى: قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} ، ولا يقال: لم يجد إلا لمن طلب، فأما إن تيقن أن لا ماء فلا يجب الطلب، قولاً واحداً، قاله أبو العباس. وإن أراق الماء قبل الوقت، تيمم من غير إعادة، وبه قال الشافعي. وقال الأوزاعي: إن ظن أنه يدرك الماء في الوقت، كقولنا، وإلا تيمم وأعاد لأنه مفرط. فأما إن إراقه في الوقت، أو مر به فلم يستعمله عمداً، مع أنه لا يرجو وجوده، فقد عصى بذلك، فيتيمم ويصلي. وفي الإعادة وجهان.

وإن نسي الماء وتيمم، لم يجزئه، نص عليه، وقال: هذا واجد للماء. وعنه: التوقف في هذه المسألة. وقال أبو حنيفة وابن المنذر: يجزئه. وعن مالك كالمذهبين. وعنه: يعيد ما دام في الوقت. ويجوز التيمم لجميع الأحداث، وللنجاسة على جرح يضره إزالتها. و"كان ابن مسعود لا يرى التيمم للجنب". وقال الثوري وأبو ثور: إذا عجز عن غسل النجاسة على بدنه، مسحها بالتراب وصلى. وقال أكثر الفقهاء: لا يتيمم للنجاسة، لأن الشرع إنما ورد في الحدث. ووجه الأولى: قوله: "الصعيد الطيب طهور المسلم"، 2 وقوله:"جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً". 3 وإن اجتمع عليه نجاسة وحدث، ومعه ما يكفي أحدهما، قدم غسل النجاسة، نص عليه، ولا نعلم فيه خلافاً. فإن عدم الماء والتراب، صلى على حسب حاله، وهو

1 البخاري: الاعتصام بالكتاب والسنة (7288)، ومسلم: الحج (1337)، والنسائي: مناسك الحج (2619)، وابن ماجة: المقدمة (2) ، وأحمد (2/247، 2/258، 2/313، 2/355، 2/428، 2/447، 2/456، 2/467، 2/482، 2/495، 2/508، 2/517) .

2 الترمذي: الطهارة (124)، والنسائي: الطهارة (322)، وأبو داود: الطهارة (332، 333) ، وأحمد (5/180) .

3 البخاري: التيمم (335)، ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (521)، والنسائي: الغسل والتيمم (432) والمساجد (736) ، وأحمد (3/304)، والدارمي: الصلاة (1389) .

ص: 69

قول الشافعي. وروي عن أحمد: لا يصلي حتى يقدر على أحدهما، وهو قول أبي حنيفة والثوري. وقال مالك: لا يصلي ولا يقضي، كالحائض. قال ابن عبد البر: هذه رواية منكرة عنه. ولنا: حديث القلادة وفيه: "فصلّوا بغير وضوء، فلم ينكرن ولا أمر بالإعادة". 1 وقياس أبي حنيفة على الحائض في تأخير الصيام لا يصح، لأن الصوم يدخله التأخير، لأن المسافر يؤخره، ولأن عدم الماء لو كان كالحيض لأسقط الصلاة، وقياس الصلاة على جنسها أولى من قياسها على الصوم. وقياس مالك لا يصح، لمخالفته لقوله:"إذا أمرتكم بأمر، فأتوا منه ما استطعتم". 2 وقياس الطهارة على شرائط الصلاة أولى من قياسها على الحيض، والحيض معتاد، والعجز هنا نادر لأنه يشق إيجاب قضاء المعتاد.

ولا يتيمم إلا بطاهر له غبار يعلق باليد، للآية. قال ابن عباس:"الصعيد تراب الحرث، والطيب الطاهر"، وقال:" {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} ، 3 وما لا غبار له، لا يمسح بشيء منه"، وبه قال الشافعي. وقال مالك وأبو حنيفة: يجوز بكل ما كان من جنس الأرض، كالنورة والزرنيخ والحجارة. وقال الأوزاعي: الرمل من الصعيد. وقال حماد: يتيمم بالرخام، لقوله:"جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً". ولنا: الأمر بالصعيد، وهو التراب، وقوله:{مِنْهُ} . فأما السبخة، فعنه: يجوز، وقاله الشافعي وابن المنذر، لقوله:"وجُعلت تربتها طهوراً ". وعنه: في النورة والحصى والرمل ونحوه، وعنه: يجوز ذلك مع الاضطرار خاصة، وإن ضرب بيده على لبد أو شعير ونحوه، فعلق به غبار، جاز، نص عليه "لأنه صلى الله عليه وسلم ضرب بيده على الحائط، فمسح بها وجهه ويديه".

1 البخاري: المناقب (3773)، ومسلم: الحيض (367)، وابن ماجة: الطهارة وسننها (568) ، وأحمد (6/57)، والدارمي: الطهارة (746) .

2 البخاري: الاعتصام بالكتاب والسنة (7288)، ومسلم: الحج (1337)، والنسائي: مناسك الحج (2619)، وابن ماجة: المقدمة (2) ، وأحمد (2/247، 2/258، 2/313، 2/355، 2/428، 2/447، 2/456، 2/467، 2/482، 2/495، 2/508) .

3 سورة المائدة آية: 6.

ص: 70

وأجاز مالك التيمم بالثلج والحشيش وكل ما تصاعد على وجه الأرض، ومنع من التيمم بغبار اللبد والثوب، لأنه صلى الله عليه وسلم لما ضرب بيديه نفخهما. ولنا: الآية والنفخ لا يزيل الغبار الملاصق. وروى الأثرم عن ابن عمر أنه قال: "لا يتيمم بالثلج فإن لم يجد فصفحة فرسه أو معرفة دابته". فأما التراب النجسن فلا يجوز، لا نعلم فيه خلافاً.

ويجوز أن يتيمم جماعة في موضع واحد بغير خلاف. وإن كان في الطين، فحكي عن ابن عباس:"أنه يطلي به جسده، فإذا جف تيمم به".

ولا خلاف في وجوب مسح الوجه والكفين، للآية؛ وهذا قول الشافعي، يعني: أنه لا يجزي البعض. وقال سليمان بن داود: يجزيه إذا لم يصب إلا بعض وجهه. ولنا: قوله: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} ، 1 والباء للإلصاق.

والنية شرط للتيمم في قول أكثر أهل العلم، لا نعلم فيه خلافاً، إلا ما حكي عن الأوزاعي والحسن بن صالح. وإن نوى نفلاً، لم يصلّ إلا نفلاً. وقال أبو حنيفة: له أن يصلي بها ما يشاء.

ويبطل بخروج الوقت، ووجود الماء، ومبطلات الوضوء. "روي بطلانه بخروج الوقت عن علي وابن عمر"، وهو قول مالك والشافعي. وقيل: لا يبطل، وهو مذهب ابن المسيب والحسن والزهري والثوري وأصحاب الرأي. ولنا: أنه روي عن علي وابن عمر أنه قال: "يتيمم لكل صلاة". وأما وجود الماء فلا نعلم فيه خلافاً. وإن وجده في الصلاة بطلت. وعنه: لا تبطل، قاله مالك والشافعي وابن المنذر. وإن تيمم وعليه ما يجوز المسح عليه، ثم خلعه، بطل. والصحيح ما اختاره شيخنا: أنه لا يبطل، وهو قول سائر الفقهاء. ويجوز التيمم لكل ما يتطهر له. وقال أبو مجلز: لا يتيمم

1 سورة النساء آية: 43.

ص: 71

إلا لمكتوبة. وكره الأوزاعي أن يمس المتيمم المصحف. ولنا: حديث أبي ذر وقوله: "جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً". 1 وإن وجد الماء في الوقت، لم يعد، وهو قول مالك والشافعي. وقال طاووس وابن سيرين والزهري: يعيد. ولنا: ما روى أبو داود عن أبي سعيد: "أن رجلين خرجا في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فتيمما صعيداً فصليا. ثم وجد الماء في الوقت، فأعاد أحدهما ولم يُعد الآخر. ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا له ذلك، فقال للذي لم يُعد: أصبت السنة، وأجزأتك صلاتك. وقال للذي أعاد: لك أجرك مرتين"2.

واحتج أحمد بـ"أن ابن عمر تيمم وهو يرى بيوت المدينة، فصلى العصر. ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة، فلم يعد". والمصلي على حسب حاله إذا وجد الماء أو تراباً، خرج منها بكل حال، ويحتمل أن لا يخرج كالمتيمم إذا وجد الماء في الصلاة. و"يستحب تأخير التيمم إلى آخر الوقت لمن يرجو وجود الماء"، وروي عن علي وعطاء والحسن وأصحاب الرأي. وقال الشافعي في أحد قوليه: التقديم أفضل.

والمسنون عن أحمد: التيمم بضربة واحدة. قال أحمد: من قال بضربتين إنما هو شيء زاده. قال الترمذي: وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم. وقال الشافعي: لا يجزئ إلا ضربتان للوجه واليدين إلى المرفقين. ولنا: حديث عمار، ولأنه حكم علق على مطلق اليد، فلم يدخل فيه الذراع، كقطع يد السارق. وقد احتج ابن عباس بهذا. وأما أحاديثهم فضعيفة، لم يرو منها أهل السنن إلا حديث ابن عمر. وقال أحمد: ليس بصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو عندهم حديث منكر. وحديث ابن الصمة صحيح، لكن إنما جاء في المتفق عليه:"فمسح وجهه ويديه"، فهو حجة لنا. ثم أحاديثهم

1 البخاري: التيمم (335)، ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (521)، والنسائي: الغسل والتيمم (432) والمساجد (736) ، وأحمد (3/304)، والدارمي: الصلاة (1389) .

2 أبو داود: الطهارة (338)، والدارمي: الطهارة (744) .

ص: 72

لا تعارض حديثنا، لأنها تدل على جوازه بضربتين، لا نفي جواز التيمم بضربة، كما أن وضوءه صلى الله عليه وسلم ثلاثاً لا ينفي الإجزاء بمرة. فإن قيل: روي في حديث عمار: "إلى المرفقين"، قيل: لا يعوّل عليه، إنما رواه سلمة وشك فيه، ذكره النسائي، مع أنه أنكر عليه وخالفه فيه سائر الرواة الثقات. ولا يختلف المذهب أنه يجزئ بضربة وبضربتين. وإذا [كان] علا يديه غبار كثير، لم يكره نفخه، لحديث عمار. وقيل: يُكره.

ولا يجوز لواجد الماء التيمم، خوفاً من فوات المكتوبة ولا الجنازة. وعنه: يجوز للجنازة. وعن الأوزاعي والثوري: له التيمم إذا خاف خروج الوقت، وإن خاف فوات العيد فكذلك. وقال الأوزاعي والثوري: له التيمم. ووجه الأولى: قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} . 1 و"التيمم لفوات الجنازة يروى عن ابن عمر وابن عباس"، وبه قال إسحاق وأصحاب الرأي. وقال الشعبي: يصلي عليها من غير وضوء، أشبهت الدعاء في غير الصلاة. ولنا: قوله: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور". 2 ولا يكره للعادم جماع زوجته إذا لم يخف العنت، وفيه رواية: يكره. قال إسحاق بن راهويه: هو سنة مسنونة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ذر وعمار وغيرهما.

ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":

ولا يكره لعادم الماء وطء زوجته، اختاره الشيخ؛ وهو بدل لكل ما يفعله بالماء من الصلاة وغيرها، ولوطء حائض انقطع دمها، وقيل: يحرم الوطء

1 لفظ "كان" زيادة في الطبعة السلفية، وفي المخطوط والشرح: وإذا علا.

2 النسائي: الطهارة (139)، وأبو داود: الطهارة (59)، وابن ماجة: الطهارة وسننها (271) ، وأحمد (5/74، 5/75)، والدارمي: الطهارة (686) .

ص: 73

والحالة هذه، اختاره الشيخ. وإذا وجد عطشاناً يخاف تلفه، لزمه سقيه وتيمم، جزم به الشيخ. وقال: يلزمه قبول الماء قرضاً، وكذا ثمنه وله ما يوفيه. وقال: ولو كان به جرح يخاف من غسله، فمسحه بالماء أولى من مسح الجبيرة. انتهى.

ولو كان على الجرح عصابة أو لصوق، أجزأ المسح على الصحيح، وعنه: يتيمم معه. ولو كان الجرح في بعض أعضاء الوضوء لزمه الترتيب. قال الشيخ: ينبغي أن لا يرتب، وقال: لا يلزمه مراعاة الترتيب، وهو الصحيح من مذهب أحمد وغيره. وقال: الفصل بين أعضاء الوضوء بتيمم بدعة.

ويجوز التيمم للنجاسة، وفي وجه: لا يجب التيمم لنجاسة البدن مطلقاً، نصره الشيخ. ولو عدم الماء والتراب، صلى على حسب حاله، ولا يزيد على ما يجزئ. وقال الشيخ: يتوجه له فعل ما شاء لأنه لا تحريم مع العجز، ولأن له أن يزيد على ما يجزئ في ظاهر قولهم، وقال: له فعل ذلك على أصح القولين.

ولا يتيمم إلا بتراب له غبار، وعنه: بالسبخة، وعنه: وبالرمل أيضاً، اختاره الشيخ. واختار جواز التيمم بغير تراب من أجزاء الأرض، إذا لم يجد تراباً، وهي رواية عن أحمد. وأعجب أحمد حمل التراب عند التيمم، وعند الشيخ لا يحمله.

ويبطل بخروج الوقت. وهو مبيح لا رافع. وعنه: أنه رافع؛ فيصلي به إلى حدثه، اختاره الشيخ. وقال في الفتاوى المصرية: التيمم لوقت كل صلاة، إلى أن يدخل وقت الأخرى، أعدل الأقوال.

وإن تيمم وعليه ما يجوز المسح عليه، ثم خلعه، لم يبطل تيممه، اختاره الشيخ. واختار فيمن استيقظ آخر الوقت وهو جنب، وخاف إن اغتسل خرج

ص: 74

الوقت، أو نسيها وذكرها آخر الوقت، أن يغتسل أو يتوضأ ويصلي خارج الوقت، كالمذهب. وإن استيقظ أول الوقت، وخاف إن اشتغل بتحصيل الماء يفوت الوقت، أن يتيمم ولا يفوِّت الوقت. وإن من أمكنه الذهاب إلى الحمام لكن بفوات الوقت، أن يتيمم ويصلي خارج الحمام، لأن الصلاة في الحمام وخارج الوقت منهي عنها، كمن انتقض وضوءه وهو في المسجد. واختار أيضاً جواز التيمم من فوات الجمعة، فإنه أولى من الجنازة - إلى أن قال - وعنه: يجوز لجنازة، اختاره الشيخ.

ولو كان الماء لأحدهم لزمه استعماله، وذكر ابن القيم في الهدي: أنه لا يمتنع أن يؤثر بالماء، ويتيمم هو.

ص: 75

‌باب التيمم

ولو كان حجة، فالمنطوق راجح عليه. وهل يعيد إذا قدر على الماء على روايتين.

ومن خرج من المصر إلى أرض من أعماله كالحطاب، ممن لا يمكنه حمل الماء معه لوضوئه، ولا يمكنه الرجوع ليتوضأ إلا بتفويت حاجته، صلى بالتيمم ولا إعادة عليه.

وإن خاف البرد ولم يمكنه استعمال الماء على وجه يأمن الضرر، تيمم في قول أكثر أهل العلم. وقال الحسن وعطاء: يغتسل وإن مات.

ووجه الأولى قوله: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} ، 1 ولحديث عمرو بن العاص. وهل يلزمه الإعادة فيه روايتان:

إحداهما: لا تلزم "لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر عمرو بن العاص بالإعادة". وقال أبو يوسف ومحمد: تجب، كنسيان الطهارة؛ والأول أصح، لأن الناسي لم يأت بما أمر به.

والجريح والمريض إذا خافا تيمما، هذا قول أكثر أهل العلم. وقال عطاء والحسن: لا يجوز إلا عند عدم الماء. ولنا: قوله: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} ، 2 وحديث صاحب الشجة. واختلفوا في الخوف المبيح، فعن أحمد: لا يبيحه إلا خوف التلف؛ والصحيح الإباحة إذا خاف زيادة المرض أو تباطؤ البرء، لأنه يجوز إذا خاف ذهاب شيء من ماله أو لم يجد الماء إلا بزيادة كثيرة على ثمن المثل، ولأن ترك القيام في الصلاة وتأخير الصوم في المرض لا ينحصر في خوف التلف. فإن لم يخف الضرر لم يجز. وحكي عن مالك وداود: إباحته للمريض مطلقاً، لظاهر الآية. ولنا: أنه قادر عليه من غير ضرر فأشبه الصحيح، والآية اشترط فيها عدم الماء، فلم يتناول محل النزاع على أنه لا بد فيها من إضمار الضرورة، ولا يكون إلا عند الضرورة. وإن خاف العطش

1 سورة النساء آية: 29.

2 سورة النساء آية: 29.

ص: 56