الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب النفقات
نفقة المرأة معتبرة بحال الزوجين جميعاً، فإن كانا موسرين فلهما نفقة الموسرين، وكذلك المتوسطين. وإن كان أحدهما موسراً فعليه نفقة المتوسطين، وقال مالك: يعتبر حال المرأة، لقوله تعالى:{وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} ، 1 ولقوله:"خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف"، 2 والمعروف: الكفاية. وقال الشافعي: الاعتبار بحال الزوج وحده، لقوله تعالى:{لينفق ذو سعة من سعته} الآية. 3 وفي ما ذكرنا جمع بين الدليلين. والشرع ورد بالإنفاق من غير تقدير، فيردّ إلى العرف، وقال الشافعي: نفقة المعسر مدّ ونفقة الموسر مدّان، وقال: يجب فيهما الحب. فإن كانت ممن لا تخدم نفسها وجب لها خادم، لقوله تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} . 4 فإن منعها أو أعطاها أقل من كفايتها، فلها أن تأخذ من ماله الواجب بغير إذنه. و"إذا منعها لعسرته، خيّرت بين الصبر وبين فراقه"، روي عن عمر وغيره؛ وبه قال مالك والشافعي. وذهب أبو حنيفة إلى أنها لا تملك فراقه، ولكن يرفع يده عنها لتكتسب. وقال العنبري: يحبس إلى أن ينفق. ولنا: قوله: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} ، 5 وليس الإمساك عن ترك الإنفاق كذلك.
1 سورة البقرة آية: 233.
2 البخاري: النفقات (5364)، ومسلم: الأقضية (1714)، والنسائي: آداب القضاة (5420)، وأبو داود: البيوع (3532)، وابن ماجة: التجارات (2293) ، وأحمد (6/39، 6/50، 6/206)، والدارمي: النكاح (2259) .
3 سورة الطلاق آية: 7.
4 سورة النساء آية: 19.
5 سورة البقرة آية: 229.
سئل ابن المسيب عن: الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته، أيفرّق بينهما؟ قال: نعم. قيل: سنة؟ قال: سنة. ومن ترك الإنفاق الواجب، لم يسقط وكان ديناً في ذمته. وعنه: يسقط، ما لم يفرضها حاكم. ولنا:"أن عمر كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم: يأمرهم بأن ينفقوا أو يطلّقوا. فإن طلّقوا بعثوا بنفقة ما مضى"، قال ابن المنذر: ثبت ذلك عنه.
ويجبر الرجل على نفقة والديه وولده إذا كانوا فقراء وكان له ما ينفق عليهم، الأصل في وجوب نفقتهم: الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب، فقوله تعالى:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} الآية، 1 وقوله:{وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} ، 2 وقوله:"خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف"، 3 وقوله:"أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه". 4 وأما الإجماع فحكاه ابن المنذر.
وتجب نفقة الأم، وحكي عن مالك: لا نفقة عليها ولا لها، لأنها ليست عصبة؛ فإن أعسر الأب وجبت على الأم.
ويجب الإنفاق على الأجداد والجدات وإن علوا، وولد الولد وإن سفلوا، وقال مالك: لا تجب عليهم ولا لهم. ولنا: قوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} . 5 ويشترط أن يكون المنفق وارثاً ولو كان محجوبا بمعسر أقرب منه، إلا إن كان من غير عمودي النسب إذا حجب. ويتخرج في كل وارث لولا الحجب إذا كان الحاجب معسراً وجهان:
فأما ذوو الأرحام الذين لا يرثون بفرض ولا تعصيب، فإن كانوا من
1 سورة البقرة آية: 233.
2 سورة البقرة آية: 83.
3 البخاري: النفقات (5364)، ومسلم: الأقضية (1714)، والنسائي: آداب القضاة (5420)، وأبو داود: البيوع (3532)، وابن ماجة: التجارات (2293) ، وأحمد (6/39، 6/50، 6/206)، والدارمي: النكاح (2259) .
4 الترمذي: الأحكام (1358)، والنسائي: البيوع (4452)، وأبو داود: البيوع (3528، 3529)، وابن ماجة: التجارات (2137، 2290) ، وأحمد (6/31، 6/41، 6/126، 6/127، 6/162، 6/173، 6/193، 6/201، 6/202، 6/220)، والدارمي: البيوع (2537) .
5 سورة البقرة آية: 233.
غير عمودي النسب فلا نفقة عليهم، قال أحمد: الخالة والعمة لا نفقة عليهما. وقال أبو الخطاب: يخرج فيهم رواية أخرى: أنها تلزمهم عند عدم العصبة وذوي الفرض.
وهل تجب لمن يقدر على الحرفة من الوالدين والمولودين؟ فيه روايتان. وقال أبو حنيفة: ينفق على الغلام حتى يبلغ، وقال مالك: ينفق على النساء حتى يتزوجن. ولنا: قوله: "خذي ما يكفيك وولدك"، 1 ولم يستثن بالغاً ولا صحيحاً. والصبي إذا لم يكن له أب أُجبر وارثه على نفقته على قدر ميراثهم؛ وحكي عن أحمد في الصبي المرضع لا أب له ولا جد: نفقته وأجر رضاعه على الرجال دون النساء، وبه قال إسحاق، لما روي عن عمر "أنه قضى على ابن عم منفوس بنفقته"، احتج به أحمد. وقال مالك والشافعي وابن المنذر: لا نفقة إلا على الوالدين والمولودين. ولنا: قوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} 2 - إلى قوله - {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} . 3 وعلى المعتق نفقة معتقه إذا كان فقيراً، لأنه وارث.
ولا سكنى ولا نفقة للمبتوتة، إلا أن تكون حاملاً، لحديث فاطمة. قال ابن عبد البر: من طريق الحجة وما يلزم منها قول أحمد بن حنبل ومن تابعه أصح وأحجّ، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم نصاً صريحاً، فأي شيء يعارض هذه الأمثلة؟ لأنه هو المبين عن الله مراده؛ ومعلوم أنه أعلم بتأويل كتاب الله في قوله:{أَسْكِنُوهُنَّ} 4 إلخ. وأما قول عمر ومن وافقه، فقد خالفه عليّ وابن عباس ومن وافقهما والحجة معهما، ولو لم يخالفه أحد منهم لما قبل قول المخالف لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه حجة على
1 البخاري: النفقات (5364)، ومسلم: الأقضية (1714)، والنسائي: آداب القضاة (5420)، وأبو داود: البيوع (3532)، وابن ماجة: التجارات (2293) ، وأحمد (6/39، 6/50، 6/206)، والدارمي: النكاح (2259) .
2 سورة البقرة آية: 233.
3 سورة البقرة آية: 233.
4 سورة الطلاق آية: 6.
عمر وعلى غيره. ولم يصح عن عمر أنه قال: لا ندع كتاب ربنا وسنّة نبينا لقول امرأة، فإن أحمد أنكره. أما هذا فلا، ولكن لا نقبل في ديننا قول امرأة. وهذا يرده الإجماع على قبول قول المرأة في الرواية، قال إسماعيل بن إسحاق: ونحن نعلم أن عمر لا يقول: لا ندع كتاب ربنا إلا لما هو موجود في كتاب الله، والذي فيه أن لها النفقة إذا كانت حاملاً بقوله:{وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} ، 1 وأما غير ذوات الحمل فلا يدل الكتاب إلا على أن لا نفقة لهن لاشتراطه الحمل في الأمر بالإنفاق.
ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":
واختار في الهدي أنها لو تزوجته عالمة بعسره، أو كان موسراً ثم افتقر، أنه لا فسخ لها، قال: ولم تزل الناس تصيبهم الفاقة بعد الإيسار ولم يرفعهم أزواجهم إلى الحكام ليفرقوا بينهم.
ونقل جماعة: تجب لكل وارث، اختاره الشيخ، لأنه من صلة الرحم، وهو عام كعموم الميراث في ذوي الأرحام بل أولى.
قوله: وإن ترك الإنفاق مدة لم يلزمه عوضه، قال الشيخ: من أنفق عليه بإذن حاكم رجع، وبلا إذن فيه خلاف؛ وظاهر كلامه: يستدين عليه بإذن حاكم.
1 سورة الطلاق آية: 6.