الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الشفعة
الشفعة ثابتة بالسنة والإجماع؛ أما السنة، فحديث جابر متفق عليه. وقال ابن المنذر: أجمعوا على إثبات الشفعة للشريك الذي لم يقاسم فيما بيع من أرض أو دار أو حائط. والشفعة على خلاف الأصل، إذ هي انتزاع ملك المشتري بغير رضاه، فأثبتها الشرع لمصلحة راجحة.
ولا تثبت إلا بشروط أربعة:
أحدها: أن يكون الملك مشاعاً. "فأما الجار، فلا شفعة له"، وبه قال عثمان وابن المسيب ومالك والشافعي. وقال الثوري وأصحاب الرأي: الشفعة بالشركة، ثم بالشركة في الطريق، ثم بالجوار، لحديث:"الجار أحق بصقبه". 1 ولنا: قوله: "الشفعة فيما لم يقسم.. . إلخ"2.
الثاني: أن يكون المبيع أرضاً لأنها تبقى، وأما غيرها فقسمان: أحدهما: فيه الشفعة، تبعاً للأرض، وهو البناء والغراس يباع مع الأرض، لا نعلم فيه خلافاً. والثاني: ما لا شفعة فيه تبعاً ولا مفرداً، وهو الزرع والثمرة الظاهرة، فإنها لا تؤخذ مع الأصل، وبه قال الشافعي. وقال مالك: يؤخذ ذلك مع أصوله. فإن كان فيه ثمرة غير ظاهرة كالطلع الذي لم يؤبر دخل، لأنه تبع. وأما ما بيع مفرداً من الأرض، فلا شفعة فيه، سواء كان مما ينقل كالثياب والحجارة، أو لا كالبناء والغراس؛ وبه قال الشافعي. واختلف
1 البخاري: الحيل (6977)، والنسائي: البيوع (4702)، وأبو داود: البيوع (3516)، وابن ماجة: الأحكام (2495) ، وأحمد (6/390) .
2 ابن ماجة: الأحكام (2497) .
عن عطاء ومالك فقالا مرة: الشفعة في كل شيء حتى الثوب. وعن أحمد: إنها واجبة فيما لا يقسم كالسيف. وعنه: تجب في البناء والغراس وإن بيع مفرداً، وهو قول مالك للعموم.
الثالث: أن يكون المبيع مما يمكن قسمته، فأما ما لا يمكن ففيه روايتان.
الرابع: أن يكون الشقص منتقلاً بعوض، فأما المنتقل بغير عوض كالهبة والوصية والإرث فلا شفعة فيه، في قول عامة أهل العلم. وحكي عن مالك في المنتقل بهبة أو صدقة: أن فيه الشفعة ويأخذه بقيمته. فإن كان الشقص مَهراً أو عوض خلع فلا شفعة، اختاره ابن المنذر. وقيل: تجب، وبه قال مالك والشافعي: قال مالك بالقيمة، وقال الشافعي بمهر المرأة 1.
وحق الشفعة على الفور، إن طالب بها ساعة يعلم بها، وإلا بطلت. وعنه: أنها على التراخي ما لم يوجد منه ما يدل على الرضى، وهو قول مالك. ولنا: قوله: "الشفعة كنشط العقال". 2 وإن قيدت ثبتت، وإن تركت فاللوّم على من تركها.
وإن ظهر أن الثمن أكثر مما وقع به العقد فترك الشفيع الشفعة، لم تسقط، وكذلك إن أظهر أن المبيع سهام قليلة فبانت كثيرة، أو أظهر أن الثمن دنانير فبان دراهم أو عكسه؛ وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: إن كان قيمتها سواء سقطت الشفعة، فإن أظهر أنه اشترى بثمن فبان أكثر، أو بثمن فبان أنه اشتري به بعضه، فإن أخبر بالبيع فلم يطالب سقطت، إلا إن كان ممن لا يعمل بقوله كالفاسق. فإن قال للمشتري: بعني ما اشتريت، أو صالحني، بطلت. وإن أسقطت قبل البيع لم تسقط، وعنه: بلى. قيل له: ما معنى: "من كان بينه وبين أخيه ربعة فأراد بيعها، فليعرضها عليه" 3؟ قال: ما هو
1 من أول الباب إلى هنا: مختصر من المغنى.
2 ابن ماجة: الأحكام (2500) .
3 مسلم: المساقاة (1608)، والترمذي: البيوع (1312)، والنسائي: البيوع (4646، 4701)، وأبو داود: البيوع (3513) ، وأحمد (3/382) .
ببعيد، إلا أن يكون له شفعة، وهذا قول الثوري وأبي عبيد. قال ابن المنذر: احتجوا بقوله: "وإن شاء ترك "، ومحال إلا أن يكون لتركه معنى، ولأن مفهوم قوله:"فإن باع ولم يؤذنه فهو أحق به"، 1 أنه إذا آذنه لا حق له.
وإذا بيع في شركة الصغير شقص، فله الشفعة، في قول عامة الفقهاء. فإذا كبر فله الأخذ، عفا عنها الولي أو لا، وسواء كان الحظ في الأخذ أو الترك. وقال ابن حامد: إن تركها الولي لحظ الصبي، أو لكونه ليس له ما يأخذها به، سقطت؛ وهو ظاهر مذهب الشافعي. وقال أبو حنيفة: تسقط بعفو الولي عنها في الحالين، يعني: سواء كان له الحظ أو لا. وقال ابن أبي ليلى: لا شفعة للصبي، وروي عن النخعي.
[الرابع] : 2 أن يأخذ جميع المبيع، فإن طلب أخذ البعض سقطت. وقال أبو يوسف: لا تسقط. فإن كانا شفيعين فهي بينهما على قدر ملكيهما. وعنه: على عدد الرؤوس. فإن تركها بعضهم فليس للباقي إلا أخذ الجميع، حكاه ابن المنذر إجماعاً. وإن كان المشتري شريكاً فهي بينه وبين الآخر، وللآخر بقدر نصيبه، وبه قال الشافعي. وحكي عن الحسن والشعبي: لا شفعة للآخر، لأنها لدفع ضرر الداخل. وإذا اشترى اثنان حق واحد، فللشفيع أخذ حق أحدهما، وبه قال مالك والشافعي. وإن تصرف المشتري في المبيع قبل الطلب بوقف أو هبة سقطت، نص عليه. وقال مالك والشافعي وأصحاب الرأي: للشفيع فسخ ذلك وأخذه بالثمن.
وإن مات بطلت شفعته، إلا أن يموت بعد طلبها فهي لورثته، قال أحمد: الموت يبطل به ثلاثة أشياء: الشفعة، والحد إذا مات المقذوف، والخيار إذا مات الذي اشترطه. وقال مالك والشافعي: تورث، ويأخذه الشفيع بالثمن، لقوله في حديث جابر:"هو أحق به بالثمن". 3 رواه الجوزجاني. ولا يأخذ
1 مسلم: المساقاة (1608)، والنسائي: البيوع (4701)، وأبو داود: البيوع (3513)، والدارمي: البيوع (2628) .
2 هذا هو ابتداء الشرط الرابع في الأصل.
3 أحمد (3/310) .
بها من لا يقدر عليه ولو أحضر رهناً أو ضميناً، لأن على المشتري ضرراً في تأخير الثمن، قال أحمد: ينتظر الشفيع يوماً أو يومين بقدر ما يرى الحاكم، فإن كان أكثر فلا؛ وهذا قول مالك. وإن كان مؤجلاً أخذ بأجل إن كان ملياً، وإلا أقام كفيلاً ملياً، وبه قال مالك. وقال الثوري: لا يأخذه إلا بالنقد حالاً. فإن كان الثمن عرضاً أعطاه مثله كالحبوب والأدهان. وإن كان مما لا مثل له كالثياب والحيوان، أخذ بقيمة العرض، في قول أكثر أهل العلم. وحكي عن الحسن وسوار: لا شفعة.
ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":
اختار الشيخ أنها تجب بالشركة في مصالح عقار، قال الحارثي: هذا الذي يتعين المصير إليه. ثم ذكر أدلته، قال: وفيه جمع بين الأخبار. قوله: ولا شفعة فيما لا تجب قسمته، كالحمام الصغير والبئر، وما ليس بعقار كالشجر والحيوان، وعنه: في ذلك الشفعة، اختاره الشيخ. واختار سقوطها إن أسقطها قبل البيع. وإن ترك الولي شفعة للصبي فيها حظ، لم تسقط. وإن تركها لعدم الحظ، سقطت؛ اختاره الشيخ. ولا تسقط رهنه الشفعة، وإن سقطت بالوقف والهبة. قال في الفائق: خص القاضي النص بالوقف ولم يجعل غيره مسقطاً، اختاره شيخنا.