الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الجنائز
يستحب ذكر الموت والاستعداد له، لقوله صلى الله عليه وسلم:"أكثروا من ذكر هادم اللذات". 1 رواه البخاري.
ويكره الأنين، لما روي عن عطاء أنه كرهه. ولا يتمنى الموت لضر نزل به، للحديث، صححه الترمذي. و"يحسن الظن بربه"، لحديث جابر، رواه أبو داود. وقال معتمر عن أبيه:"أنه قال له عند موته: حدثني بالرخص".
ويستحب عيادة المريض، وإذا دخل على المريض دعا له ورقاه، لحديث ثابت عن أنس: "اللهم رب الناس مذهب الباس
…
إلخ"، 2 وحديث أبي سعيد في رقية جبرائيل، قال أبو زرعة: كلا الحديثين صحيح.
ويلقن إذا نزل به: "لا إله إلا الله"، لقوله صلى الله عليه وسلم:"لقنوا موتاكم: "لا إله إلا الله"". 3 رواه مسلم. وقال الحسن: "سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: أن تموت يوم تموت، ولسانك رطب من ذكر الله ". رواه سعيد. ولا يكرر عليه ولا يضجره، إلا أن يتكلم بشيء فيعيد تلقينه، لتكون "لا إله إلا الله" آخر كلامه، نص عليه. قال أحمد: ويقرؤون عند الميت إذا حضر ليخفف عنه بالقرآن، ويقرأ "يس"، وأمر بقراءة "الفاتحة". ويوجه إلى القبلة، واستحبه مالك وأهل المدينة والأوزاعي وأهل الشام، وأنكره ابن المسيب؛ فإنهم لما أرادوا أن يحولوه إليها، قال: ألم أكن على القبلة إلى يومي هذا؟ والأول أوْلى، لأن حذيفة قال:"وجهوني إلى القبلة". و"تغمض عيناه"، لحديث أم سلمة، رواه مسلم.
ويسارع إلى تجهيزه إذا تيقن
1 الترمذي: الزهد (2307)، والنسائي: الجنائز (1824)، وابن ماجة: الزهد (4258) ، وأحمد (2/292) .
2 البخاري: الطب (5742)، والترمذي: الجنائز (973)، وأبو داود: الطب (3890) ، وأحمد (3/151، 3/267) .
3 مسلم: الجنائز (916)، والترمذي: الجنائز (976)، والنسائي: الجنائز (1826)، وأبو داود: الجنائز (3117)، وابن ماجة: ما جاء في الجنائز (1445) ، وأحمد (3/3) .
موته، لحديث:"لا ينبغي لجيفة مسلم أن تُحبس بين ظهراني أهله". 1 رواه أبو داود.
وإذا اشتبه الميت، اعتبر بظهور أمارات الموت، من استرخاء رجليه، وانفصال كفيه، وميل أنفه. وإن مات فجأة انتظر حتى يتيقن موته.
ويسارع في قضاء ديْنه، لقوله عليه السلام:"نفس المؤمن معلقة بديْنه حتى يُقضى". 2 حسنه الترمذي. وإن تعذر استحب لوارثه أو غيره أن يتكفل به عنه، كفعل أبي قتادة. و"يسجى بثوب يستر جميعه"، لقول عائشة:"سُجي رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوب حبرة"3.
ويستحب تجريده عند غسله، وستر عورته، لا نعلم فيه خلافاً. وقال الشافعي:"يغسل في قميص، كما فعل به صلى الله عليه وسلم". ولنا: قول عائشة: "نجرده كما نجرد موتانا". قال ابن عبد البر: روي عنها من وجه صحيح. قيل لأحمد: أيستر الصبي؟ قال: ليست عورته بعورة، وتغسله النساء.
والاستحباب: أن لا يغسل تحت السماء. وكان ابن سيرين يستحب أن يكون الذي يغسل فيه مظلماً، ذكره أحمد. وقال أحمد: لا يعصر بطنه في الأولى، ولكن في الثانية، لأن الميت لا يلين حتى يصيبه الماء. ويلف الغاسل على يديه خرقة ينجيه بها، لأن النظر إلى العورة حرام، فمسها أولى. ويزيل ما على بدنه من نجاسة، لأن الحي يبدأ بذلك في الجنابة. ويوضيه، لقوله صلى الله عليه وسلم للنساء اللاتي غسلن ابنته:"ابدأن بميامنها". 4 ولا يدخل الماء في فيه ولا أنفه، في قول الأكثر.
ويكون في كل الغسلات شيء من السدر. وذكر عن عطاء أنه قيل له: إنه يبقى الشيء من السدر إذا غسله به كل مرة، قال: هو طهور. واحتج أحمد بحديث أم عطية، أنه قال حين توفيت ابنته: "اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إن
1 أبو داود: الجنائز (3159) .
2 الترمذي: الجنائز (1078)، وابن ماجة: الأحكام (2413) ، وأحمد (2/440، 2/475)، والدارمي: البيوع (2591) .
3 البخاري: اللباس (5814)، ومسلم: الجنائز (942)، وأبو داود: الجنائز (3120، 3149) ، وأحمد (6/89، 6/153، 6/161) .
4 البخاري: الوضوء (167)، ومسلم: الجنائز (939)، والترمذي: الجنائز (990)، والنسائي: الجنائز (1884)، وأبو داود: الجنائز (3145) ، وأحمد (6/407) .
رأيتن، بماء وسدر"، 1 وقال: "إذا طال فينا المريض، غسل بالأشنان"، يعني: أنه يكثر وسخه. ويجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً ليشده ويبرده ويطيبه، لقوله: "واجعلن في الغسلة الأخيرة كافوراً". 2 وإن رأى الزيادة على الثلاث، لكونه لم ينق أو لغير ذلك، فعل. ويقطع على وتر، لحديث أم عطية. قال أحمد: ولا يزاد على سبْع، خرج منه شيء أو لم يخرج، ولكن يغسل النجاسة ويحشو مخرجها بالقطن.
والحائض والجنب كغيرهما، قال ابن المنذر: هو قول من نحفظ عنه. وعن الحسن: يغسل غسلين. قال أحمد: لا يعجبني أن يغسل واحدة، وهذا على سبيل الكراهة دون الإجزاء، لأن في حديث المحرم:"اغسلوه بماء وسدر"، 3 ولم يذكر عدداً.
ويكفّن الرجل في ثلاث لفائف بيض، ليس فيها قميص ولا عمامة، ولا يزيد عليها ولا ينقص منها، قال الترمذي: العمل عليه عند أكثر أهل العلم.
وإن كفن قميصه فلا بأس، "لأنه صلى الله عليه وسلم كفّن في قميصه، وألبس ابن أبيّ قميصه"، ويجوز في ثوبين، لقوله في المحرم:"كفّنوه في ثوبين". 4 وأقل ما يجزئ: ثوب يستر جميعه، لقول أم عطية:"فلما فرغنا ألقى علينا حقوه فقال: أشعرنها إياه. ولم يزد على ذلك". رواه البخاري، وقوله:"أشعرنها" أي: الففنها فيه.
ولا خلاف أن الصبي يجزئه ثوب، وإن كفّن في ثلاثة أثواب فلا بأس. "وأوصى أبو سعيد وابن عباس أن تجمر أكفانهم بالعود، وكان ابن عمر يتبع مغابن الميت ومرافقه بالمسك". فإن لم يجد ما يستر جميعه، ستر رأسه وجعل على رجليه حشيشاً أو ورقاً. فإن لم يجد إلا ما يستر العورة سترها لأنها أهم. وإن خرج منه يسير بعد تكفينه لم يُعد الغسل، لا نعلم فيه خلافاً، لأن فيه مشقة شديدة. وإن كان فاحشاً، فروي عن أحمد أنه يعاد الغسل قبل تمام السابعة،
1 البخاري: الجنائز (1253)، ومسلم: الجنائز (939)، والترمذي: الجنائز (990)، والنسائي: الجنائز (1884)، وأبو داود: الجنائز (3145)، وابن ماجة: ما جاء في الجنائز (1459) ، وأحمد (6/407) .
2 البخاري: الجنائز (1263)، ومسلم: الجنائز (939)، والترمذي: الجنائز (990)، وابن ماجة: ما جاء في الجنائز (1459) ، وأحمد (6/407) .
3 البخاري: الجنائز (1267)، ومسلم: الحج (1206)، والترمذي: الحج (951)، والنسائي: الجنائز (1904) ومناسك الحج (2854، 2855، 2856، 2857)، وأبو داود: الجنائز (3238، 3241)، وابن ماجة: المناسك (3084) ، وأحمد (1/215، 1/220، 1/266، 1/286، 1/328، 1/333، 1/346)، والدارمي: المناسك (1852) .
4 البخاري: الجنائز (1265)، ومسلم: الحج (1206)، والترمذي: الحج (951)، والنسائي: الجنائز (1904) ومناسك الحج (2854، 2855، 2857)، وأبو داود: الجنائز (3238)، وابن ماجة: المناسك (3084) ، وأحمد (1/215، 1/220، 1/286، 1/328، 1/333)، والدارمي: المناسك (1852) .
وأصحابه كلهم رووا عنه: لا يعاد الغسل بحال. وإن أحب أهله أن يروه لم يمنعوا، "لأنه صلى الله عليه وسلم قبل عثمان بن مظعون"، ولحديث جابر:"أنه قبّل أباه"، والحديثان صحيحان.
قال ابن المنذر: أكثر من نحفظ عنه: يرون أن تكفن المرأة في خمسة أثواب، والذي عليه أكثر أصحابنا أنها: إزار ودرع وخمار ولفافتان، لما روى أبو داود عن ليلى بنت قائف قالت:"كنت فيمن غسل أم كلثوم، فكان أول ما أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحقاء، ثم الدرع، ثم الخمار، ثم الملحفة. ثم أدرجت بعد ذلك في الثوب الآخر". 1 قال أحمد: لا يعجبني أن تكفن في شيء من الحرير، وكرهه الحسن وابن المبارك وإسحاق. قال ابن المنذر: لا أحفظ عن غيرهم خلافه. ويضفر شعر المرأة ثلاثة قرون، ويرسل من خلفها. وقال الأوزاعي: لا يضفر، ولكن يرسل مع خديها. ولنا: حديث أم عطية: "فضفرنا شعرها ثلاثة قرون، فجعلناه مِن خلفها". وأما التسريح فكرهه أحمد. وفي حديث أم عطية: أمشطناها ثلاثة قرون. قال أحمد: إنما ضفرن، وأنكر المشط؛ فكأنه تأول: مشطناها: ضفرناها.
ولا خلاف في استحباب الإسراع بالجنازة، وبه ورد النص، ولا يخرج عن المشي المعتاد. وقال أصحاب الرأي: يخبُّ به ويرمل، لحديث أبي بكرة:"لقد رأيتنا نرمل ترملاً". رواه أبو دواد. ولنا: قوله لمن فعل ذلك: "عليكم بالقصد في جنائزكم". رواه في المسند. وعن ابن مسعود: "سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المشي في الجنازة، فقال: ما دون الخبب". 2 رواه أبو داود والترمذي وقال: يرويه أبو ماجد، وهو مجهول.
واتباعها سنة، وهو على ثلاثة أضرب: أحدها: يصلي وينصرف؛ قال زيد بن ثابت: إذا صليت فقد
1 أبو داود: الجنائز (3157) ، وأحمد (6/380) .
2 الترمذي: الجنائز (1011)، وأبو داود: الجنائز (3184) .
قضيت الذي عليك. الثاني: أن يتبعها إلى القبر، لحديث القيراطين. الثالث:"أن يقف بعد الدفن، فيسأل الله له التثبيت، كما روى أبو داود عنه صلى الله عليه وسلم".
ويستحب لمتبعها أن يكون متخشعاً متفكراً في مآله. ورأى بعض السلف رجلاً يضحك في جنازة، فقال: لا كلمتك أبداً. وأكثر العلماء يرون المشي أمامها أفضل. وقال الأوزاعي: "خلفها أفضل"، لحديث علي وحديث ابن مسعود. ولنا:"أنه صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أمامها". قال ابن المنذر: ثبت ذلك، وحديث ابن مسعود يرويه أبو ماجد، والآخر قال أهل السنن: هو ضعيف. قال الخطابي في الراكب: لا أعلمهم يختلفون أنه يكون خلفها، لقوله صلى الله عليه وسلم "الراكب خلف الجنازة، والماشي حيث شاء منها. والطفل يصلَّى عليه". 1 صححه الترمذي.
ويكره الركوب في اتباعها، لحديث ثوبان، رواه الترمذي، ولا بأس في الرجوع، لحديث جابر:"أنه صلى الله عليه وسلم خرج في جنازة ابن الدحداح ماشياً، ورجع على فرس". 2 صححه الترمذي.
ويكره رفع الصوت عندها، لنهيه صلى الله عليه وسلم أن تتبع بصوت. قال ابن المنذر: روينا عن قيس بن عباد قال: "كان أصحاب رسول الله يكرهون رفع الصوت عند ثلاث: عند الجنازة وعند الذكر وعند القتال". و"سمع ابن عمر رجلاً يقول: أستغفر الله. فقال: لا غفر الله لك"، رواه سعيد.
ويكره اتباعها بنار، قال ابن المنذر: يكرهه كل من نحفظ عنه، فإن دفن ليلاً فاحتاجوا إلى ضوء فلا بأس، إنما كره المجامر فيها البخور. "ودخل صلى الله عليه وسلم قبراً ليلاً فأُسرج له سراج". 3 حسنه الترمذي.
ويكره اتباعها للنساء، لحديث أم عطية. وإن كان معها منكر لا يقدر على إزالته، فهل
1 الترمذي: الجنائز (1031)، والنسائي: الجنائز (1943)، وابن ماجة: ما جاء في الجنائز (1507) ، وأحمد (4/247، 4/248، 4/249، 4/252) .
2 الترمذي: الجنائز (1014)، والنسائي: الجنائز (2026) .
3 الترمذي: الجنائز (1057)، وابن ماجة: ما جاء في الجنائز (1520) .
يرجع أو يتبعها؟ فيه وجهان. و"التربيع سنة في حملها"، لحديث ابن مسعود، رواه سعيد. قال ابن المنذر: روينا عن عثمان وغيره: "أنهم حملوا بين عمودي السرير"، وكرهه إسحاق؛ والصحيح: الأول، لأن الصحابة فعلوه. قال مالك: وليس في حمله توقيف؛ يحمل من حيث شاء، ونحوه قال الأوزاعي.
ولا يستحب القيام لها، لأنه آخر الأمرين. قال أحمد: إن قام لم أعبه، وإن قعد فلا بأس. "يستحب أن لا يجلس حتى توضع"، لحديث أبي سعيد، رواه مسلم. ورأى الشافعي أنه منسوخ بحديث علي:"قام ثم قعد". قال إسحاق: معنى قول علي: "كان رسول الله إذا رأى الجنازة قام، ثم ترك ذلك بعد"، 1 وعلى هذا، لا يصح، لأن قوله: قعد أي: ترك القيام لها، فلم يجز النسخ بأمر محتمل. وأظهر الروايتين أنه الوضع عن أعناق الرجال لقوله:"حتى توضع بالأرض". وروى أبو معاوية: "حتى توضع في اللحد"، وحديث سفيان أصح.
فأما من تقدمها فلا بأس أن يجلس قبل أن تنتهي إليه، قال الترمذي: روي عن بعض الصحابة "أنهم يتقدمون الجنازة فيجلسون قبل أن تنتهي إليهم". وأحق الناس بالصلاة عليه: الوصي، لأنه إجماع الصحابة. وأكثر أهل العلم يرون تقديم الأمير على الأقارب. قال أحمد: ليس على الميت دعاء موقت. وروى الجوزجاني عن زيد بن أرقم: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبّر أربعاً، ثم يقوم ما شاء الله، ثم ينصرف". قال الجوزجاني كنت أحب هذه الوقفة ليكبر آخر الصفوف، فإنه إذا كبر ثم سلم خفتُ أن يكون تسليمه قبل أن يكبر آخرهم، فإن كان هكذا فالله عز وجل الموفق له، فإن كان غير ذلك فإني أبرأ إلى الله عز وجل أن أتأول على رسوله أمراً لم يرده أو أراد
1 الترمذي: الجنائز (1044)، وأبو داود: الجنائز (3175) ، وأحمد (1/82)، ومالك: الجنائز (549) .
خلافه. وأهل العلم على أنه يرفع يديه مع كل تكبيرة، وقال مالك: لا يرفعهما إلا في الأولى.
و"السنة تسليمة واحدة عن يمينه، قال أحمد: عن ستة من الصحابة"، وليس فيه اختلاف إلا عن إبراهيم. قال الجوزجاني: هذا عندنا ليس فيه اختلاف، لأن الاختلاف من الأقران؛ أما إذا اجتمع الناس واتفقت الرواية عن الصحابة والتابعين، فشذ عنهم رجل واحد، لم يقل لهذا: اختلاف. قال أحمد: يسلم واحدة، قيل له: تلقاء وجهه؟ قال: كل هذا وأكثر ما فيه عن يمينه. قيل: خُفْيه؟ قال: نعم. الكل جائز.
قال مجاهد: "رأيت ابن عمر لا يبرح مصلاه حتى يراها على أيدي الرجال".
قال أحمد: أحب إذا كان فيهم قلة أن يجعلهم ثلاثة صفوف، ويستحب تسوية الصفوف، نص عليه. ولم يعجبه قول عطاء، "لأنه صلى الله عليه وسلم لما نعى النجاشي صف بهم".
ولا بأس بالصلاة عليه في المسجد إذا لم يخف تلويثه، وكرهه مالك، لحديث:"من صلى على جنازة في المسجد، فلا شيء له"، 1 يرويه صالح مولى التوأمة، قالت عائشة:"ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد". 2 رواه مسلم وغيره.
والصلاة عليها في المقبرة فيها روايتان: إحداهما: لا بأس به، قال ابن المنذر: ذكر نافع "أنه صلى على عائشة وأم سلمة وسط قبور البقيع، وحضر ذلك ابن عمر"، وفعله عمر بن عبد العزيز. والثانية:"يكره"، روي عن علي وابن عباس. ويسن للمسبوق قضاء ما فاته من التكبير، قاله ابن المسيب والزهري ومالك والشافعي. فإن سلم قبل القضاء فلا بأس. قال أحمد: إذا لم يقض لم يبال، العمري عن نافع عن ابن عمر:"أنه لا يقضي". وإن كبر متتابعاً فلا بأس، كذا قال إبراهيم. وقال أيضاً: يبادر بالتكبير قبل أن ترفع.
وإذا أدرك الإمام بين التكبيرتين، فهل ينتظره حتى يكبر معه أو يكبر؟
1 أبو داود: الجنائز (3191)، وابن ماجة: ما جاء في الجنائز (1517) ، وأحمد (2/444، 2/455، 2/505) .
2 مسلم: الجنائز (973)، والترمذي: الجنائز (1033)، والنسائي: الجنائز (1967، 1968)، وأبو داود: الجنائز (3189، 3190)، وابن ماجة: ما جاء في الجنائز (1518) ، وأحمد (6/79)، ومالك: الجنائز (538) .
قال ابن المنذر: سهل أحمد في القولين جميعاً.
و"المستحب وضع رأس الميت عند رجلي القبر، ثم يسل سلاً إلى القبر"، روي عن ابن عمر وغيره، وعن أبي حنيفة أنه يوضع على جانب القبر مما يلي القبلة، ثم يدخل معترضاً. قال أحمد: كله لا بأس به. قال أحمد: يعمق القبر إلى الصدر. قال الشافعي: قدر قامة وبسطة، "لأن ابن عمر أوصى بذلك"، ولو صح عند أحمد لم يعدل عنه.
قال أحمد: ولا أحب الشق، ومعناه: أن يشق في الأرض يسقف عليه 1. وعن أحمد أنه حضر جنازة فلما ألقي عليه التراب، قام إلى القبر فحثى عليه ثلاث حثيات، ثم رجع إلى مكانه، وقال: "قد جاء عن عليّ".
ويقول حين يضعه في قبره: "بسم الله، وعلى ملة رسول الله". 2 رواه الترمذي من حديث ابن عمر، وقال: حسن غريب.
وإذا مات في سفينة، قال أحمد: إن رجوْا أن يجدوا موضعاً للدفن، حبسوه يوماً أو يومين ما لم يخافوا عليه الفساد. وإن لم يجدوا، غُسل وكُفن وحُنط وصُلي عليه، ويثقل بشيء ويلقى في الماء، وبه قال الحسن وعطاء.
ويستحب تخمير قبر المرأة بثوب، لا نعلم فيه خلافاً. و"يكره للرجل، لأن فعل علي وأنس يدل على كراهته".
ولا خلاف أن أولى الناس بإدخال المرأة قبرها: محرمها. فإن لم يكن، فروي عن أحمد: أحب إلي أن يدخلها النساء. وعنه: أن النساء لا يستطعن أن يدخلن القبر ولا يدفنَّ، وهذا أصح وأحسن، "لأنه صلى الله عليه وسلم أمر أبا طلحة فنزل في قبر ابنته".
ويستحب حل العُقد، لأنها خوف الانتشار، وقد أُمن بدفنه. ولا يدخل القبر آجراً ولا خشباً ولا شيئاً مسته النار. وقال إبراهيم: وكانوا يستحبون اللبن ويكرهون الخشب.
ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر، ليعلم أنه قبر فيتوقى، ولا يرفع بأكثر من ترابه نص عليه.
1 هكذا في المخطوطة، وعبارة الأصل:"ومعناه أن يحفر في أرض القبر شقاً، ويسقفه عليه".
2 الترمذي: الجنائز (1046)، وأبو داود: الجنائز (3213)، وابن ماجة: ما جاء في الجنائز (1550، 1553) ، وأحمد (2/27، 2/40، 2/59، 2/69، 2/127) .
وروي بإسناده عن عقبة بن عامر أنه قال: "لا تجعلوا في القبر من التراب أكثر مما خرج"، وقوله:"ولا قبراً مشرفاً إلا سويته" 1 المشرف: ما رفع كثيراً، بدليل قول القاسم في قبره صلى الله عليه وسلم وصاحبيه: لا مشرفة ولا لاطئة. ويستحب رش الماء عليه ليلزق ترابه، وفيه حديث رواه ابن ماجة.
قال أحمد: لا بأس أن يعلّم القبر بعلامة يُعرف بها، ثم ذكر "وضعه صلى الله عليه وسلم الحجر عند قبر عثمان بن مظعون"، رواه أبو داود.
وتسنيمه أفضل. وقال الشافعي: تسطيحه أفضل، وبلغنا:"أنه صلى الله عليه وسلم سطح قبر ابنه إبراهيم". ولنا: ما روى سفيان قال: رأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنّماً. رواه البخاري، وهذا أثبت من حديثهم وأصح.
وسئل أحمد: عن الوقوف على القبر - بعد ما يدفن – بالدعاء؟ قال: لا بأس به، "قد وقف علي والأحنف".
وسئل أحمد عن تطيين القبر قال: أرجو أن لا يكون به بأس. ويكره البناء عليه وتجصيصه والكتابة عليه، لحديث مسلم؛ وفيه دليل على الرخصة في التطيين لتخصيصه بالنهي.
ويكره الجلوس عليه والاتكاء والاستناد، والمشي عليه، وذكر لأحمد أن مالكاً يتأول النهي عن الجلوس على القبر أي: للخلاء، فقال: ليس بشيء، ولم يعجبه.
ولا يجوز اتخاذ السرج على القبور، ولو أبيح لم يلعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله، ولأنه يشبه تعظيم الأصنام بالسجود لها والتقريب إليها.
ولا يجوز اتخاذ المساجد عليها، للخبر، ولأن تخصيص هذه الصلاة عندها يشبه تعظيم الأصنام بالسجود لها والتقرب؛ وقد روينا أن ابتداء عبادة الأصنام تعظيم الأموات باتخاذ صورهم ومسحها والصلاة عندها.
ويستحب الدفن في المقبرة التي يدفن فيها الصالحون والشهداء، "لأن موسى عليه السلام لما حضره
1 مسلم: الجنائز (969)، والترمذي: الجنائز (1049)، والنسائي: الجنائز (2031)، وأبو داود: الجنائز (3218) ، وأحمد (1/89، 1/96، 1/111، 1/128، 1/138، 1/145) .
الموت، سأل ربه أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية حجر". 1 متفق عليه.
وجمع الأقارب حسن، لقوله في عثمان بن مظعون:"أدفن إليه من مات من أهلي". قال أحمد: أما القتلى، فعلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم:"ادفنوا القتلى في مصارعهم"، 2 وأما غيرهم، فلا ينقل من بلده إلا لغرض صحيح. وسئل الزهري عن ذلك، فقال:"حُمل سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد من العقيق إلى المدينة". وسئل أحمد: عمن أوصى أن يدفن في داره؟ قال: يدفن في مقابر المسلمين. وقال: لا بأس أن يشتري موضع قبره، ويوصي أن يدفن فيه، "فَعله عثمان بن عفان وعائشة وعمر بن عبد العزيز". وسئل عن: إخراج الميت من قبره؟ قال: إذا كان شيء يؤذيه، "قد حُوِّل طلحة وحُوِّلت عائشة".
ومن فاتته الصلاة على الجنازة، صلى عليها ما لم تدفن. فإن دفنت صلى إلى شهر، هذا قول أكثر أهل العلم. قال أحمد: ومن يشك في الصلاة على القبر، "يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من ستة وجوه كلها حسان، ويصلي على القبر وتعاد الصلاة عليه قبل الدفن، جماعة وفرادى، نص عليه، وقال: قد فعله عدة من الصحابة". ومن صلى مرة لم تسن له الإعادة.
ولا يجوز الزيادة على سبع تكبيرات، ولا النقص من أربع، واختلفت الرواية فيما بين ذلك. فعنه: إذا كبر الإمام خمساً تابعه المأموم. وعنه: لا يتابعه، وهو مذهب مالك والشافعي. وإن زاد على خمس، فعنه: يكبر إلى سبع ولا يسلم إلا مع الإمام، ولا يزيد على سبع. وقال ابن مسعود:"كبر ما كبر إمامك". قال أحمد: لا أعلم أحداً قال بالزيادة على سبع، إلا عبد الله، فإن علقمة روى:"أن أصحابه قالوا: إن أصحاب معاذ يكبرون على الجنازة خمساً، فلو وقّتَّ لنا وقتاً، فقال: إذا تقدمكم إمامكم فكبروا ما يكبر، فإنه لا وقت ولا عدد". وإن زاد على سبع فلا يسلم إلا معه.
1 البخاري: أحاديث الأنبياء (3407)، ومسلم: الفضائل (2372)، والنسائي: الجنائز (2089) .
2 الترمذي: الجهاد (1717)، والنسائي: الجنائز (2005)، وأبو داود: الجنائز (3165) ، وأحمد (3/308) .
وقال الثوري: ينصرف، قال أحمد: ما أعجب حال الكوفيين، سفيان ينصرف إذا كبّر الخامسة، "والنبي صلى الله عليه وسلم يكبر خمساً! والأفضل أن لا يزيد على أربع، لأن عمر جمع الناس عليها"، ولا يجوز النقصان عنها. وعن ابن عباس:" أنه كبر ثلاثاً". ولم يعجب أحمد، وقال:"كبر أنس ثلاثاً ناسياً، فأعاد".
قال أحمد: يكبر على الجنازة فيجيئون بأخرى، يكبر إلى سبع، ثم يقطع؛ لا يزيد الأربع حتى ترفع. إذا تقرر هذا، فإنه يقرأ في التكبيرة الخامسة:"الفاتحة"، والسادسة يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو في السابعة. وذكر ابن عقيل وجهاً: أنه يكبر ما زاد على الأربع متتابعاً، لأنه صلى الله عليه وسلم كبر سبعاً، ولم يرو عنه أنه قرأ قراءتين.
ولا يختلف المذهبُ أن السنة أن يقوم الإمام عند صدر الرجل ووسط المرأة. وإذا اجتمع رجال ونساء ففيه روايتان: إحداهما: "يسوي بين رؤوسهم"، لأنه يروى عن ابن عمر. والثانية: يصفُّ الرجال صفاً، والنساء صفاً، ويجعل وسط النساء عند صدور الرجال؛ وهذا قول سعيد بن جبير. ولا يصلي على القبر بعد شهر، قال أحمد: أكثر ما سمعنا: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر أم سعد بعد شهر".
ويستحب تحسين الكفن وتكفينه في البياض، وأن يكفن في جديد، إلا إن أوصى الميت بغيره، كما روي عن أبي بكر أنه قال:"كفنوني في ثوبيّ هذين؛ فإن الحي أحوج للجديد من الميت، وإنما هو للمهلة والتراب".
وذهب ابن عقيل إلى أن التكفين في الخلق أفضل، لهذا الخبر، والأول أولى بدليل قوله صلى الله عليه وسلم. والكفن مقدم على الديْن والوصية والميراث، لخبر حمزة ومصعب، ولأن لباس المفلس مقدّم على دَيْنه.
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الطفل إذا عرفت حياته واستهل
صُلي عليه. فإن لم يستهل، فقال أحمد: إذا أتى عليه أربعة أشهر، غسل وصلي عليه.
"وصلى ابن عمر على ابن لابنه وُلد ميتاً"، وقال مالك: لا يصلى عليه حتى يستهل. ولنا: حديث المغيرة.
والسقط يصلّى عليه، رواه أبو داود والترمذي، وصححه، واحتج به أحمد، وحديثهم قال الترمذي: اضطرب الناس فيه، ورواه بعضهم موقوفاً، وكأنه أصح من المرفوع.
من لم يأت عليه أربعة أشهر، فإنه لا يغسل ولا يصلّى عليه، ويلف في خرقة ويدفن لا نعلم فيه خلافاً، إلا عن ابن سيرين فإنه قال: يصلّى عليه إذا علم أنه نفخ فيه الروح؛ والحديث يدل على أنه لا نفخ إلا بعد الأربعة الأشهر.
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن المرأة تغسل زوجها إذا مات، والمشهور عن أحمد: أن للرجل غسل زوجته؛ وهو قول مالك والشافعي. وعنه: لا. وهو قول الثوري. وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن المرأة تغسل الصبي. قال أحمد: يغسلن من له دون سبع سنين. وقال الحسن إذا كان فطيماً أو فوقه. وقال الأوزاعي: ابن أربع أو خمس. وأما الجارية إذا لم تبلغ، فقال القاضي وأبو الخطاب يجوز للرجال غسلها.
وكره غسل الرجل الصغيرة سعيد والزهري، قال الخلال: القياس التسوية بين الغلام والجارية، لولا أن التابعين فرقوا بينهما، فكرهه أحمد لذلك.
ولا يغسل المسلم قريبه الكافر، ولا يتولى دفنه، وبه قال مالك. وقيل: له غسل قريبه الكافر ودفنه، وبه قال الشافعي. قال أحمد في يهودي أو نصراني وله ولد مسلم:"فليركب دابته ويسير وراء جنازته، وإذا أراد أن يدفن رجع، مثل قول عمر".
وإذا مات الشهيد في المعركة لم يغسل، رواية واحدة، لا نعلم فيه خلافاً، إلا عن الحسن وابن المسيب؛ والصحيح: أنه لا يصلى عليه، وهو قول مالك والشافعي. وعنه: يصلى عليه، وهو قول الثوري. ولنا: حديث جابر في شهداء أحد، متفق عليه.
وإن كان جنباً
غسل، لحديث حنظلة. وقال مالك: لا يغسل، لعموم الخبر. فإن أسلم ثم استشهد لم يغسل، لخبر الأصيرم.
ويدفن في ثيابه، لا نعلم فيه خلافاً، وينزع عنه الخف والجلد والفرو. وقال مالك: لا ينزع لعموم الخبر. وعن ابن عباس: "أمر بقتلى أُحُد أن ينزع عنهم الحديد والجلود". 1 رواه أبو داود.
وظاهر كلام الخرقي: أنه متى طالت حياته بعد حمله غسل وصلي عليه، ["لأنه صلى الله عليه وسلم غسّل سعد بن معاذ، وصلى عليه"، ونحوه قال مالك وأصحاب الرأي والشافعي: إن مات حال الحرب لم يُغَسل ولم يُصَل عليه 2] . والصحيح: التحديد بطول الفصل، لخبر سعد بن الربيع والأصيرم. فإن سقط عن دابته ووجد ميتاً ولا أثر به، غسل، نص عليه، وتأول قوله:"ادفنوهم بكلومهم". وقال الشافعي: لا يغسل لاحتمال موته بسبب القتال. ولنا: أن الأصل وجوب الغسل، فلا يسقط بالاحتمال.
ومن قُتل من أهل العدل، فحكمه حكم من قتله المشركرن، "لأن علياً لم يغسل من قتل معه". قال أحمد: قد أوصى أصحاب الجمل: "إنا مستشهدون، فلا تنزعوا ثوباً، ولا تغسلوا عنا دماً". وقال الشافعي في أحد قوليه: يغسل "لأن أسماء غسلت ابن الزبير"، والأول أولى. وأما ابن الزبير فإنه أُخذ وصُلب، فهو كالمقتول ظلماً.
وأما من قُتل دون ماله أو نفسه أو أهله، ففيه روايتان. فأما الشهيد بغير قتل، كالمبطون والمطعون، فيغسل، لا نعلم فيه خلافاً، إلا ما حكي عن الحسن: لا يصلى على النفساء لأنها شهيدة. ولنا: "أنه صلى الله عليه وسلم صلى على امرأة ماتت في نفاسها"، 3 و"صلى المسلمون على عمر وعلي وهما شهيدان".
وإن سقط من الميت شيء، غسل وجعل معه في أكفانه، فعلته أسماء بابنها.
1 أبو داود: الجنائز (3134)، وابن ماجة: ما جاء في الجنائز (1515) ، وأحمد (1/247) .
2 ما بين العلامتين مثبت بالنسخة الخطية.
3 البخاري: الجنائز (1331)، ومسلم: الجنائز (964)، والنسائي: الحيض والاستحاضة (393) والجنائز (1976، 1979)، وأبو داود: الجنائز (3195)، وابن ماجة: ما جاء في الجنائز (1493) ، وأحمد (5/14، 5/19) .
وإن لم يوجد إلا بعض الميت، غسل وصلي عليه. وقال مالك: إن وجد الأكثر صلي عليه وإلا فلا. ولنا: إجماع الصحابة. قال أحمد: "صلى أبو أيوب على رِجل، وصلى عمر على عظام بالشام، وصلى أبو عبيدة على رؤوس بالشام". رواهما عبد الله بن أحمد. وقال الشافعي: "ألقى طائر يداً بمكة عرفت بالخاتم، فكانت يد عبد الرحمن بن عتاب، فصلى عليها أهل مكة".
ويستحب تعزية أهل الميت، لا نعلم فيه خلافاً، إلا أن الثوري قال: لا يستحب بعد الدفن.
ولا يشق بطن المرأة لإخراج ولدها الحي، لكن تسطو عليه القوابل، أي: يدخلن أيديهن في فرجها فيخرجنه. وإن لم يوجد نساء، تركت حتى يتيقن موته. ومذهب مالك قريب من هذا. وقال الشافعي: يشق البطن إذا غلب على الظن حياته.
وإن دفن من غير غسل، أو إلى غير القبلة، نُبش. وقال أبو حنيفة: لا ينبش، لأنه مثلة وقد نُهي عنها؟ وإن دفن قبل الصلاة عليه فروايتان: إحداهما: إن صلى على القبر جاز، وإن دفن بغير كفن فوجهان.
وإن حضرت الجنازة والمكتوبة بدئ بالمكتوبة إلا الفجر والعصر، لأن ما بعدهما وقت نهي. وروي عن مجاهد والحسن وابن المسيب أنهم قالوا: أبدأ بالمكتوبة. قال أحمد: تكره الصلاة على الميت في ثلاثة أوقات، وذكر حديث عقبة بن عامر، قال ابن المبارك: يعني: أن نقبر فيهن موتانا، لا الصلاة على الجنازة. قيل لأحمد: الشمس مصفرة؟ قال: يصلى ما لم تدلى للغروب. وعنه: أن ذلك جائز، وهو قول الشافعي، قياساً على الوقتين؛ والأول أصح، لحديث عقبة بن عامر، ولا يصح القياس عليهما لطول مدتهما. وكره أحمد دفن الميت في هذه الأوقات، لحديث عقبه.
وأما الدفن ليلاً، فقال أحمد: وما بأس بذلك. "أبو بكر دُفن ليلاً، وعلي دفن فاطمة ليلاً"، وكرهه الحسن، لما
روى مسلم: "أنه صلى الله عليه وسلم زجر أن يُقبر الرجل بالليل، إلا أن يضطر إلى ذلك". 1 ولنا: حديث ابن مسعود في قصة ذي البجادين وغيره، والزجر محمول على التأديب، فإن الدفن نهاراً أولى، لأنه أسهل على المتبعين وأكثر للمصلين.
ولا يصلي الإمام على الغالّ، ولا على قاتل نفسه، ويصلي عليهما سائر الناس. وقال الأوزاعي: لا يصلى على قاتل نفسه بحال، وقال عطاء والنخعي: يصلي الإمام وغيره على كل مسلم. قال أحمد: لا أشهد الرافضة ولا الجهمية، ويشهد من شاء، قد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على أقل من ذلك. وقال: أهل البدع لا يُعادُون إن مرضوا، ولا تُشهد جنائزهم إن ماتوا. قال ابن عبد البر: وسائر العلماء يصلّون على أهل البدع.
ولا خلاف في المذهب أنه إذا اجتمع مع الرجال غيرهم، جعل الرجال مما يلي الإمام، والنساء يلين القبلة.
ولا خلاف في الصلاة على الجنائز دفعة واحدة، فإن انفرد كل جنازة بصلاة جاز، ولا يدفن اثنان في قبر إلا لضرورة.
ويخلع النعل إذا دخل المقبرة، لحديث صاحب السبتيتين، قال أحمد: إسناده جيد، أذهب إليه إلا من علة، وأكثر أهل العلم لا يرى بأساً. واحتج بعضهم بحديث: أنه يسمع قرع نعالهم، وقيل: يكره للرجل المشي في تلك النعلين، لأنهما من لباس أهل التنعيم والخيلاء، وإخباره بسمعه قرع نعالهم لا ينفي الكراهة.
ولا نعلم خلافاً في إباحة زيارة القبور للرجال، واختلفت الرواية في النساء، فرويت الكراهة، لحديث أم عطية:"نهينا عن زيارة القبور، ولم يعزم علينا". والنهي المنسوخ يحتمل أنه خاص بالرجال، فدار بين الحظر والإباحة، فأقل أحواله الكراهة. والثانية: لا يكره، لعموم قوله: "كنت نهيتكم
…
إلخ".
ويكره النعي، وهو: أن ينادي مناد:
1 مسلم: الجنائز (943)، والنسائي: الجنائز (1895، 2014)، وأبو داود: الجنائز (3148) ، وأحمد (3/295) .
"إن فلاناً قد مات"، ليشهدوا جنازته. واستحب جماعة من أهل العلم أن لا يعلم الناس بجنائزهم، منهم عبد الله، وأصحابه: علقمة والربيع وعمرو بن شرحبيل. وقال كثبر من أهل العلم: لا بأس أن يعلم إخوانه ومعارفه من غير نداء، لقوله صلى الله عليه وسلم:"ألا آذنتموني"، و"نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه".
ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":
قال الشيخ: الذي يقتضيه النص: وجوب عيادة المريض، فيقال: هو واجب على الكفاية. ونص أحمد: لا يعاد المبتدع، وعنه: الداعية فقط، واعتبر الشيخ المصلحة في ذلك.
ونص أحمد بكونه خوفه ورجاؤه واحد، فأيهما غلب صاحبه هلك، قال الشيخ: هذا العدل. وقال الشيخ: من ظن أن غيره لا يقوم بالتكفين، تعيّن عليه.
ولم يوجب القراءة في صلاة الجنازة، بل استحبها، وقال: لا يعيد الصلاة عليها إلا لسبب، مثل أن يعيد غيره فيعيد معهم، أو يكون أحق بالإمامة من الطائفة الثانية فيصلي بهم. ويصلي على غائب، وقيل: إن لم يكن صلي عليه، وإلا فلا، اختاره الشيخ. واختار استحباب القيام لها، ولو كانت كافرة.
ولا يدفن فيه اثنان إلا لضرورة، ظاهره التحريم، وهو المذهب. وعنه: يُكره، اختاره الشيخ. واختار كراهة القراءة على القبر، إلا وقت الدفن. وقال المجد: يستحب إهداء القُرَب للنبي صلى الله عليه وسلم، ومنع منه الشيخ، فلم ير لمن فعله ثواباً بسبب ذلك كأجر العامل كالنبي صلى الله عليه وسلم ومعلم الخير.
وقال في الشرح: لا نعلم خلافاً في استحباب زيارة القبور للرجال، قال جامع الاختيارات: ظاهر كلام الشيخ: ترجيح التحريم للنساء، لاحتجاجه بحديث اللعنة وتصحيحه إياه.
قال الشيخ: ويجوز زيارة قبر الكافر للاعتبار. وذكر أن البكاء يستحب، رحمة للميت، وأنه أكمل من الفرح، كفرح الفضيل.
وقطع المجد أنه لا بأس بيسير الندب، إذا كان صدقاً، ولم يخرج مخرج النوح، ولا قصد نظمه، كفعل أبي بكر وفاطمة. قال الشيخ: ما هيج المصيبة من وعظ وإنشاد شعر فمن النياحة. وحرم الذبح عند القبر والتضحية عنده، وقال: إخراج الصدقة مع الجنازة بدعة مكروهة.