الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المواقيت
للحج ميقاتان: ميقات زمان، وميقات مكان.
أما المكان فالخمسة المذكورة، وأجمعوا على أربعة منها، واتفق أهل النقل على صحة الحديث فيها. وذات عرق ميقات أهل المشرق في قول الأكثر؛ قال ابن عبد البر أجمعوا على أن إحرام العراقي من ذات عرق إحرام من الميقات. روي عن أنس:"أنه كان يحرم من العقيق"، واستحسنه الشافعي وابن المنذر. وكان الحسن بن صالح يحرم من الربذة. وعن ابن عباس:"أن النبي صلى الله عليه وسلم وقّت لأهل المشرق العقيق". 1 حسنه الترمذي. قال ابن عبد البر: هو أحوط من ذات عرق، وذات عرق ميقاتهم بالإجماع.
واختلفوا فيمن وقتها، ففي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم وقّتها وكذا في السنن من حديث عائشة. وقال آخرون:"إنما وقّتها عمر"، رواه البخاري. ويجوز أن عمر لم يعلم بتوقيت النبي صلى الله عليه وسلم فوقّتها برأيه فأصاب. ومن مر على ميقات بلد صار ميقاتاً له. سئل أحمد: عن الشامي يمر بالمدينة؟ فقال: يهلّ من ذي الحليفة. قيل: فإن بعض الناس يقول: يهلّ من ميقاته من الجحفة. قال: سبحان الله. أليس يروي ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "هن لهن ومن أتى عليهن من غير أهلهنَّ "؟ 2 فإن مر من غير طريق ذي الحليفة، فميقاته الجحفة، مدنياً كان أو شامياً، لحديث:"يهلّ أهل المدينة من ذي الحليفة"، 3 والطريق الآخر من الجحفة. رواه مسلم.
1 الترمذي: الحج (832)، وأبو داود: المناسك (1740) .
2 البخاري: الحج (1524)، ومسلم: الحج (1181)، والنسائي: مناسك الحج (2654، 2658) .
3 البخاري: العلم (133)، والترمذي: الحج (831)، والنسائي: مناسك الحج (2651، 2652، 2655)، وابن ماجة: المناسك (2914) ، وأحمد (2/48)، ومالك: الحج (732) .
ومَن منزله دون الميقات، فمِن موضعه، هذا قول الأكثر. وعن مجاهد: يهلّ من مكة، والصحيح الأول، فإن في حديث ابن عباس:"فمن كان دونهن، فمهلّه من أهله". 1 وكل ميقات فخذوه بمنزلته. ثم إن كان منزله في الحل فإحرامه منه، وإن كان في الحرم فإحرامه للعمرة من الحل، ليجمع في النسك بين الحل والحرم. وأما الحج فينبغي أن يجوز له الإحرام من أي الحرم كالمكي، لأن أفعال العمرة كلها في الحرم، بخلاف الحج؛ قال جابر:"أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحرم إذا توجهنا من الأبطح". 2 فلا فرق بين قاطني مكة وغيرهم. ومن لم يكن طريقه على ميقات، فإذا جاء أقرب المواقيت إليه أحرم، لقول عمر:"انظروا حذوها من طريقكم، فوقت لهم ذات عرق".
فإن تجاوز الميقات وهو لا يريد الحرم، لم يلزمه الإحرام بغير خلاف. فإن بدا له الإحرام أحرم من موضعه، وبه قال مالك والشافعي. وحكى ابن المنذر عن أحمد: أنه يرجع إلى الميقات فيحرم، وبه قال إسحاق؛ والأول أصح، وكلام أحمد يحمل على من تجاوزه وهو يجب عليه الإحرام، لقوله صلى الله عليه وسلم:"ممن كان يريد الحج والعمرة"3.
فإن أراد أن يدخل مكة لقتال مباح، أو لحاجة كالحطاب وناقل الميرة، فلا إحرام عليهم، "لأنه صلى الله عليه وسلم دخل يوم الفتح وهو حلال، وعلى رأسه المغفر وكذلك أصحابه". وقال أبو حنيفة: لا يجوز لأحد أن يدخل الحرم بغير إحرام، إلا من كان دون الميقات.
ومن لا يجب عليه الحج، كالعبد والصبي والكافر إذا أعتق أو بلغ أو أسلم، بعد تجاوز الميقات، فإنهم يحرمون من موضعهم، ولا دم عليهم؛ وبه قال مالك وإسحاق. والمكلف الذي يدخل لغير قتال أو حاجة مكررة، لا يجوز له تجاوز الميقات غير محرم؛ وعنه: ما يدل على أنه لا يجب، لما روي "أن ابن عمر دخلها بغير
1 البخاري: الحج (1526)، ومسلم: الحج (1181) ، وأحمد (1/332) .
2 مسلم: الحج (1214) .
3 البخاري: الحج (1529)، ومسلم: الحج (1181) ، وأحمد (1/249، 1/252، 1/332، 1/339)، والدارمي: المناسك (1792) .
إحرام"، ولأن الوجوب من الشارع، ولم يرد به إيجاب. ومن جاوز الميقات يريد النسك غير محرم، رجع إلى الميقات فأحرم منه، فإن أحرم من موضعه فعليه دم؛ وعن عطاء: لا شيء عليه. ولنا: قوله: "من ترك نسكاً فعليه دم". ويكره الإحرام قبل الميقات. وقال أبو حنيفة: الأفضل الإحرام من بلده، وكان علقمة والأسود يحرمان من بيوتهما. ولنا: "أنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه أحرموا من الميقات ولا يفعلون إلا الأفضل". قال البخاري: "كره عثمان أن يحرم من خراسان أو كرمان". قال عطاء: انظروا إلى هذه المواقيت التي وُقِّتت لكم، فخذوا برخص الله فيها، فإنه عسى أن يصيب أحدكم ذنباً في إحرامه فيكون أعظم لوزره".
ويكره الإحرام بالحج قبل أشهره بغير خلاف علمناه.
فإن أحرم بالحج قبل ميقات المكان صح، بغير خلاف علمناه، وإن أحرم قبل أشهره، صح أيضاً. وقال عطاء والشافعي: يجعله عمرة، لقوله:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} ، 1 فقدر وقت الحج وأشهر الحج. فإذا ثبت أنه وقته لم يصح تقديمه عليه. وأشهر الحج: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، ويروى عن ابن عباس:"ذو الحجة كله منها". وقال الشافعي: آخرها ليلة النحر، لقوله:{فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} ، 2 ولا يمكن فرضه بعد ليلة النحر. ولنا: قوله: "يوم الحج الأكبر: يوم النحر"، 3 ولأن فيه ركن الحج وهو طواف الزيارة، وفيه: الرمي والحلق ويوم النحر والسعي والرجوع إلى منى.
1 سورة البقرة آية: 197.
2 سورة البقرة آية: 197.
3 البخاري: الجزية (3177)، وأبو داود: المناسك (1946) .