الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صفة الصلاة
ومن هنا نقلته من المغني: ويستحب أن يقبل إليها بخوف وخشوع، وعليه السكينة والوقار. وإن سمع الإقامة لم يسعَ إليها، قال أحمد: لا بأس إذا طمع أن يدرك التكبيرة الأولى أن يسرع شيئاً ما لم تكن عجلة تقبح، هكذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ويستحب أن يقارب بين خطاه لتكثر حسناته، لحديث زيد بن ثابت.
ويكره أن يشبك بين أصابعه، لحديث كعب بن عجرة.
ويستحب أن يقول ما روى ابن عباس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصلاة وهو يقول: اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي لساني نوراً. واجعل في سمعي نوراً. واجعل في بصري نوراً. واجعل من خلفي نوراً، ومن أمامي نوراً. واجعل من فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً. وأعطني نوراً"1. رواه مسلم.
وإذا دخل المسجد قدّم رجله اليمنى، وقال ما رواه مسلم عن أبي حميد - أو أبي أسيد - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أحدكم المسجد فليقلْ: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج قال: اللهم إني أسألك من فضلك". 2 ولا يجلس حتى يصلي ركعتين، لحديث أبي قتادة.
وإذا أقيمت الصلاة لم يشتغل بنافلة، سواء خشي فوات الركعة الأولى أو لم يخش، وبه قال الشافعي. وعن ابن مسعود: "أنه دخل والإمام في صلاة
1 مسلم: صلاة المسافرين وقصرها (763)، وأبو داود: الصلاة (1353) ، وأحمد (1/373) .
2 مسلم: صلاة المسافرين وقصرها (713)، والنسائي: المساجد (729)، وأبو داود: الصلاة (465)، وابن ماجة: المساجد والجماعات (772) ، وأحمد (3/497، 5/425)، والدارمي: الصلاة (1394) والاستئذان (2691) .
الصبح، فركع ركعتي الفجر"، وهذا مذهب الحسن ومجاهد. وقال مالك: إن لم يخف فوات الركعة، ركعهما خارج المسجد. وقال أبو حنيفة: يركعهما، إلا أن يخاف فوات الركعة الأخيرة. ولنا: قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة، فلا صلاة إلا المكتوبة". 1 رواه مسلم.
قال ابن عبد البر في هذه المسألة: الحجة عند التنازع: السنة؛ فمن أدلى بها فقد أفلح، ومن استعملها فقد نجا. انتهى.
وإن أقيمت وهو في النافلة ولم يخش فوات الجماعة، أتمها.
وقيل لأحمد: تقول قبل التكبير شيئاً؟ قال: لا. يعني: ليس قبله دعاء مسنون. ويستحب أن يقوم عند قوله: "قد قامت الصلاة"؛ وبه قال مالك. وقال الشافعي: إذا فرغ من الإقامة. وكان الزهري وغيره يقومون عند بدئه في الإقامة. وقال أبو حنيفة: يقوم إذا قال: "حيّ على الصلاة"، فإذا قال:"قد قامت الصلاة"، كبّر. وكان أصحاب عبد الله يكبّرون إذا قال المؤذن:"قد قامت الصلاة"، واحتجوا بقول بلال:"لا تسبقني بآمين"، فدل على أنه يكبّر قبل فراغه. ولا يستحب عندنا أن يكبّر إلا بعد فراغه، وهو قول الشافعي وأبي يوسف، وعليه جمهور أئمة الأمصار. وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر بعد فراغه، يدل على أنه كان يعدل الصفوف بعد الإقامة، كما في حديث أنس وغيره: "أُقيمت الصلاة، فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
إلخ " 2.
ويقول في الإقامة مثل قول المؤذن، لما روى أبو داود:"أن بلالاً لما قال: قد قامت الصلاة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أقامها الله وأدامها "، 3 وقال في سائر الإقامة كنحو حديث عمر في الأذان. فأما أحاديثهم فإن بلالاً كان يقيم في موضع أذانه، وإلا فليس في الفراغ منها ما يفوت آمين، وإنما
1 مسلم: صلاة المسافرين وقصرها (710)، والترمذي: الصلاة (421)، والنسائي: الإمامة (865، 866)، وأبو داود: الصلاة (1266)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (1151) ، وأحمد (2/352، 2/455، 2/517، 2/531)، والدارمي: الصلاة (1448) .
2 البخاري: الأذان (719)، والنسائي: الإمامة (814، 845) ، وأحمد (3/263) .
3 أبو داود: الصلاة (528) .
كانوا يقومون إذا كان الإمام في المسجد أو قريباً منه. قال أحمد: أذهب إلى حديث أبي هريرة: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أقمنا الصفوف"، إسناده جيد: الزهري عن أبي سلمة عنه. وفي لفظ:"ينبغي أن تقام الصفوف قبل أن يدخل الإمام"، فلا يحتاج أن يقف.
ويستحب للإمام تسوية الصفوف، فليلتفت عن يمينه فيقول: استووا رحمكم الله، وعن يساره كذلك. ولا تنعقد إلا بقول:"الله أكبر"، وعليه عوام أهل العلم. وقال أبو حنيفة: تنعقد بكل اسم لله على وجه التعظيم، وهذا يخالف الأخبار.
وتكبيرة الإحرام ركن، لا تسقط عمداً ولا سهواً، وهذا قول مالك والشافعي. وعن الحكم والأوزاعي: من نسيها، كفاه تكبيرة الركوع. ويستحب للإمام الجهر بالتكبير ليسمع من خلفه، لحديث جابر:"فإذا كبّر رسول الله، كبّر أبو بكر ليسمعنا". 1 فإن مدّ ألف "الله" بحيث يجعله استفهاماً، أو باء "أكبر" بحيث يصير جمع كبر وهو الطبل، لم يجز. ولا يجزيه التكبيرة بغير العربية، وقال أبو حنيفة: يجزيه، لقوله:{وذكر اسم ربه فصلى} . 2 وعليه أن يأتي بالتكبير قائماً، فإن انحنى بحيث يصير راكعاً لم تنعقد. ولا يكبر حتى يفرغ إمامه من التكبير، وقال أبو حنيفة: يكبّر معه. ولا نعلم خلافاً في استحباب رفع اليدين عند افتتاح الصلاة، وهو مخير في رفعهما إلى فروع أذنيه أو حذو منكبيه؛ وميل أحمد إليه أكثر، لأن رواته أكثر وأقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وجوّز الأول لأن صحة روايته تدل على أنه فعله.
1 مسلم: الصلاة (413)، والنسائي: الإمامة (798) والسهو (1200)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (1240) ، وأحمد (3/334) .
2 سورة الأعلى آية: 15.
ويمد أصابعه ويضم بعضها إلى بعض، لحديث:"رفع يديه مداً". وقال الشافعي: يفرق أصابعه، لحديث:"كان ينشر أصابعه للتكبير". ولنا: ما ذكرنا، وحديثهم: قال الترمذي: هذا خطأ، ولو صح فمعناه المد، قال أحمد: أهل العربية قالوا: هذا الضم، وضم أصابعه وهذا المد، ومد أصابعه وهذا التفريق، وفرق أصابعه.
وإن كانت يداه في ثوبه رفعهما بحيث يمكن، لحديث وائل ابن حجر.
وفي المرأة روايتان: فروى عن أم الدرداء وحفصة بنت سيرين أنهما يرفعان، قال أحمد: رفع دون رفع.
ومن سننها: وضع اليمنى على اليسرى في قول كثير من أهل العلم. و"يستحب أن يضعها على كوعه وما يقاربه"، لحديث وائل، و"يضعهما تحت السرة"، لحديث علي، وعنه: فوق السرة، لحديث وائل، وفيه:"فوضع يديه على صدره".
والاستفتاح من سننها في قول أكثر أهل العلم. وكان مالك لا يراه، لحديث أنس:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يستفتحون الصلاة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ". ولنا: "أنه صلى الله عليه وسلم كان يستفتح"، وعمل به الصحابة. و"كان عمر يجهر به ليعلمه الناس". و"أنس أراد القراءة كما في قوله: قسمت الصلاة
…
إلخ"، وقولُ عائشة: "كان يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ". 1 ويتعين هذا لأنه ثبت عن الذي روى عنهم أنس الاستفتاح. وذهب أحمد إلى قوله: "سبحانك اللهم وبحمدك. .. إلخ"، 2 وقال: إن استفتح بغيره مما روي عنه صلى الله عليه وسلم كان حسناً؛ وهذا قول أكثر أهل العلم. وذهب الشافعي إلى حديث علي: "وجهت وجهي
…
إلخ"، وبعض رواته يقول في صلاة الليل، ولا نعلم أحدًا يستفتح به كله. وقراءة "الفاتحة" ركن لا تصح إلا بها لحديث عبادة.
ويبتدئها بالبسملة، في قول
1 مسلم: الصلاة (498)، وأبو داود: الصلاة (783) ، وأحمد (6/31، 6/171، 6/194)، والدارمي: الصلاة (1236) .
2 الترمذي: الصلاة (243)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (806) .
أكثر أهل العلم. وقال مالك: "لا يقرأها"، لحديث أنس وابن المغفل؛ وهما محمولان على ترك الجهر، جمعاً بين الأخبار. والجهر بها غير مسنون، قال الترمذي: وعليه العمل عند أكثر أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين. وقال الشافعي: يجهر بها. ولنا: حديث أنس وابن المغفل وعائشة وغيرهم، وأخبار الجهر ضعيفة، فإن رواتها هم رواة الإخفاء، وإسناد الإخفاء صحيح.
واختلفت الرواية عن أحمد، هل هي آية من "الفاتحة" تجب قراءتها أو لا؟ وعنه: أنها آية مفردة تنزل بين كل سورتين. والمستحب أن يأتي بها مرتلة معربة، يقف عند كل آية، لقوله تعالى:{وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} ، 1 ولحديث أم سلمة وأنس. قال أحمد: يعجبني من قراءة القرآن السهلة، [وقال:] 2 قوله: "زينوا القرآن بأصواتكم" قال: يحسّنه بصوته من غير تكلف.
وتجب قراءة "الفاتحة" في كل ركعة، وهو مذهب مالك والشافعي. وعن أحمد أنها لا تجب إلا في ركعتين من الصلاة، ونحوه عن الثوري. وعن الحسن: إن قرأ في ركعة واحدة أجزأه، لقوله:{فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} . 3 ولنا: "أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الأوليين من الظهر بأم الكتاب وسورتين، ويطولّ الأولى ويقصر الثانية، ويسمع الآية أحياناً، وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب". 4 متفق عليه. وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي". 5 فإن لم يحسن "الفاتحة"، وكان يحفظ غيرها من القرآن، قرأ منه بقدرها، لا يجزئه غير، لقوله في حديث رفاعة:"فإن كان معك قرآن فاقرأ به، وإلا فاحمد الله وهلِّله وكبره". 6
1 سورة المزمل آية: 4.
2 النسائي: الافتتاح (1015)، وأبو داود: الصلاة (1468)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (1342) ، وأحمد (4/283، 4/285، 4/296، 4/304)، والدارمي: فضائل القرآن (3500) .
3 ما بين القوسين زيادة من المخطوطة 465/86 (المكتبة السعودية) بالرياض.
4 البخاري: الأذان (776)، ومسلم: الصلاة (451)، والنسائي: الافتتاح (977)، وأبو داود: الصلاة (798) ، وأحمد (5/307)، والدارمي: الصلاة (1293) .
5 البخاري: الأذان (631)، ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (674)، والنسائي: الأذان (635) ، وأحمد (3/436، 5/52)، والدارمي: الصلاة (1253) .
6 الترمذي: الصلاة (302)، والنسائي: التطبيق (1053) والسهو (1313، 1314)، وأبو داود: الصلاة (856) ، وأحمد (4/340)، والدارمي: الصلاة (1329) .
فإن لم يحسن شيئاً من القرآن ولا أمكنه التعلم قبل خروج الوقت، لزمه أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، لحديث أبي داود؛ ويحتمل أن يجزئه الحمد والتهليل والتكبير، للحديث المتقدم.
والتأمين عند فراغ "الفاتحة" سنة للإمام والمأموم، وبه قال الشافعي. وقال أصحاب مالك: لا يسن للإمام، لحديث:"إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا آمين ". 1 ولنا: قوله: " إذا أمّن الإمام فأمّنوا". 2 متفق عليه، وحديثهم لا حجة فيه، وإنما فيه تعريف موضع التأمين، وقوله:"إذا أمّن الإمام" أي: شرع في التأمين.
ويسن أن يجهر به الإمام والمأموم فيما يجهر فيه، وإخفاؤه فيما يخفى فيه. وقال أبو حنيفة: يسن إخفاؤه لأنه دعاء. ولنا: "أنه صلى الله عليه وسلم قال: "آمين"، ورفع بها صوته"، 3 ولأنه أمر بالتأمين عند تأمين الإمام، وما ذكره يبطل بآخر "الفاتحة" فإنه دعاء. ويستحب أن يسكت الإمام عقيب "الفاتحة" سكتة يستريح فيها، وكرهه مالك، ولنا: حديث سمرة.
ولا نعلم خلافاً في أنه يسن قراءة سورة مع "الفاتحة" في الأوليين، ويفتتح السورة بالبسملة. ووافق مالك على هذا، والخلاف هنا كالخلاف في البسملة في أول "الفاتحة".
ولا يكره قراءة أواخر السور وأواسطها، ونقل عنه: الرجل يقرأ من أواسط السور وآخرها؛ قال: أما آخرها فأرجو، وأما أوسطها فلا. ولعله ذهب في آخر السور إلى ما روي عن عبد الله وأصحابه، ولم ينقل مثله في أوسطها.
فأما أوائل السور، فلا خلاف أنه غير مكروه؛ "فإنه صلى الله عليه وسلم قرأ من "المؤمنين" إلى ذكر موسى وهارون، ثم أخذته سعلة فركع، وقرأ سورة "الأعراف" في المغرب، فرقها مرتين". 4 رواه النسائي.
1 البخاري: الأذان (782)، ومسلم: الصلاة (410)، والترمذي: الصلاة (250)، والنسائي: الافتتاح (927، 928، 929، 930)، وأبو داود: الصلاة (935، 936)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (851، 853) ، وأحمد (2/233، 2/238، 2/270، 2/312، 2/449، 2/459)، ومالك: النداء للصلاة (195، 196، 197)، والدارمي: الصلاة (1246) .
2 البخاري: الأذان (780)، ومسلم: الصلاة (410)، والترمذي: الصلاة (250)، والنسائي: الافتتاح (928)، وأبو داود: الصلاة (936)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (851) ، وأحمد (2/238، 2/459)، ومالك: النداء للصلاة (195) .
3 الترمذي: الصلاة (248)، وأبو داود: الصلاة (932)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (855)، والدارمي: الصلاة (1247) .
4 مسلم: الصلاة (455)، والنسائي: الافتتاح (1007)، وأبو داود: الصلاة (649)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (820) ، وأحمد (3/410، 3/411) .
ولا بأس بالجمع بين السور في النافلة، وأما الفرض فالمستحب الاقتصار على سورة، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي هكذا. وإن جمع بين سورتين ففيه روايتان. وإن قرأ سورة ثم أعادها في الثانية، فلا بأس، لحديث الجهني رواه أبو داود. والمستحب أن يقرأ في الثانية سورة بعد التي قبلها في النظم، لأنه هو المنقول عنه صلى الله عليه وسلم. وروي عن ابن مسعود:"أنه سئل عمن يقرأ القرآن منكوساً، قال: ذاك منكوس القلب"، فسره أبو عبيد: بأن يقرأ سورة ثم يقرأ بعدها أخرى هي قبلها في النظم؛ فإن قرأ بخلاف ذلك فلا بأس، قال أحمد: أليس يعلّم الصبي على هذا؟
"وقرأ الأحنف بـ"الكهف" في الأولى، وفي الثانية بـ"يوسف"، وذكر أنه صلى مع عمر الصبح بهما"، استشهد به البخاري. قال أحمد: إذا فرغ من القراءة ثبت قائماً حتى يرجع إليه نفسه، جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم:"أنه كان له سكتتان سكتة عند افتتاح الصلاة وسكتة إذا فرغ من القراءة"1.
والركوع واجب بالإجماع، وأكثرهم يرون ابتداءه بالتكبير، وأن يكبر في كل رفع وخفض. وروي عن سالم والقاسم وغيرهما أنهم لا يتمون التكبير، ولعلهم يحتجون أنه لم يعلمه المسيء في صلاته، أو لم تبلغهم السنة في ذلك.
ويرفع يديه كرفعه الأول، وبه قال الشافعي ومالك. وقال الثوري وأبو حنيفة: لا يرفع يديه إلا في الافتتاح.
ويستحب للراكع أن يضع يديه على ركبتيه، وذهب قوم من السلف إلى التطبيق؛ وكان في أول الإسلام ثم نسخ. قال أحمد: ينبغي إذا ركع أن يلقم راحتيه ركبتيه، ويفرق بين أصابعه، ويعتمد على ضبعيه وساعديه، ويسوي ظهره، ولا يرفع رأسه ولا ينكسه، جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:
1 الترمذي: الصلاة (251)، وأبو داود: الصلاة (777)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (845) ، وأحمد (5/15، 5/20، 5/21)، والدارمي: الصلاة (1243) .
"إذا ركع، لو كان قدح ماء على ظهره ما تحرك". ويستحب أن يجافي عضديه عن جنبيه، لحديث أبي حميد. ويجب أن يطمئن، وقال أبو حنيفة: الطمأنينة غير واجبة، لقوله:{ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} ، 1 وهي حجة لنا لأنه صلى الله عليه وسلم فسرها بفعله.
وقوله: [ويقول:] 2 "سبحان ربي العظيم". ثلاثاً؛ وإن قالها مرة أجزأ. وجملة ذلك أنه يشرع أن يقول في ركوعه: "سبحان ربي العظيم"، وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي. وقال مالك: ليس عندنا في الركوع والسجود شيء محدود، وقد سمعت أن التسبيح في الركوع والسجود. ولنا: حديث عقبة بن عامر. وتجزئ تسبيحة واحدة، لأمره به في حديث عقبة، ولم يذكر عدداً. وإن قال:"سبحان ربي العظيم وبحمده" فلا بأس، قال أحمد: جاء هذا وهذا، وهو في بعض طرق حديث حذيفة. والمشهور عن أحمد أن التكبير والتسبيح وقول:"سمع الله لمن حمده"، وقول:"ربنا ولك الحمد"، وقول:"رب اغفر لي"، والتشهد الأول، واجب. وعنه: أنه غير واجب، وهو قول الأكثر. ولنا: أنه صلى الله عليه وسلم أمر به، وأمْره للوجوب، وفعله وقال:"صلوا كما رأيتموني أصلي"، 3 وأيضاً ما روى أبو داود عن علي بن يحيى بن خلاد عن عمه، مرفوعاً:"لا تتم الصلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ"، 4 إلى قوله:"ثم يكبر، ثم يركع حتى تطمئن مفاصله" 5 الحديث.
و"يكره أن يقرأ في الركوع والسجود"، لحديث علي.
ومن أدرك الإمام في الركوع أدرك الركعة، وعليه أن يأتي بالتكبير
1 سورة الحج آية: 77.
2 زيادة من المخطوطة.
3 البخاري: الأذان (631)، ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (674)، والنسائي: الأذان (635) ، وأحمد (3/436، 5/52)، والدارمي: الصلاة (1253) .
4 أبو داود: الصلاة (856) .
5 البخاري: الأذان (757) والاستئذان (6251) والأيمان والنذور (6667)، ومسلم: الصلاة (397)، والترمذي: الصلاة (302، 303)، والنسائي: الافتتاح (884) والتطبيق (1053، 1136) والسهو (1313، 1314)، وأبو داود: الصلاة (856)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (1060) ، وأحمد (2/437، 4/340)، والدارمي: الصلاة (1329) .
منتصباً، ثم يأتي بتكبيرة أخرى للركوع، والمنصوص عن أحمد أنها تسقط هنا.
و"يجزئه تكبيرة واحدة، لأنه نقل عن زيد بن ثابت وابن عمر"، ولا يعرف لهما مخالف. قال أحمد في رواية صالح فيمن جاء والإمام راكع: كبر تكبيرة واحدة، قيل: إن نوى بها الافتتاح؟ قال: نوى أو لم ينو، أليس قد جاء وهو يريد الصلاة؟ وقال أحمد: إن كبر تكبيرتين ليس فيه اختلاف.
ويستحب لمن أدرك الإمام في حال، متابعته فيه، وإن لم يعتدَّ له به، لحديث أبي هريرة، مرفوعاً:"إذا جئتم [إلى الصلاة] 1 ونحن سجود فاسجدوا، ولا تعتدّوها شيئاً". رواه أبو داود؛ والعمل على هذا عند أهل العلم. وقال بعضهم: لعله لا يرفع رأسه من السجود حتى يغفر له.
ثم يقول: "سمع الله لمن حمده" ويرفع يديه كرفعه الأول. وفي موضع الرفع روايتان: إحداهما: بعد اعتداله، لأن في حديث ابن عمر:"إذا افتتح رفع يديه، وإذا ركع، وبعد ما يرفع رأسه من الركوع". 2 والثانية: يبتدئه حين يبتدئ رفع رأسه، لظاهر حديث أبي حميد. ولا تختلف الرواية أن المأموم يبتدئه عند رفع رأسه، لأنه ليس في حقه ذكر بعد الاعتدال والرفع، إنما جعل هيئة للذكر. وهذا الرفع والاعتدال واجب، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة وبعض أصحاب مالك: لا يجب، لأن الله لم يأمر به. ولنا: أنه أمر به المسيء، وداوم على فعله، وقد أمر الله بالقيام، وهذا قيام.
وشرع قول: "ربنا ولك الحمد" في حق كل مصلّ، وهو قول أكثر أهل العلم. وعنه: لا يقوله المنفرد، لأن الخبر لم يرد به في حقه. وقال مالك: لا يشرع للإمام ولا للمنفرد، لقوله:"إذا قال الإمام: "سمع الله لمن حمده"، فقولوا: "اللهم ربنا ولك الحمد"". 3 ولنا: أن أبا هريرة صرَّح بذكره في الرواية الأخرى، وحديثهم لو انفرد لم يكن فيه حجة، فكيف تترك الأحاديث الصحيحة؟
1 زيادة من المخطوطة السابقة.
2 البخاري: الأذان (739)، ومسلم: الصلاة (390)، والترمذي: الصلاة (255)، والنسائي: الافتتاح (877)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (858) ، وأحمد (2/62)، ومالك: النداء للصلاة (165) .
3 البخاري: الأذان (796)، ومسلم: الصلاة (409)، والترمذي: الصلاة (267)، والنسائي: التطبيق (1063)، وأبو داود: الصلاة (848)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (875) ، وأحمد (2/230، 2/314، 2/341، 2/376، 2/386، 2/411، 2/416) .
والصحيح أن المنفرد يقوله، وصح أنه صلى الله عليه وسلم يقوله، رواه أبو هريرة وغيره، ولم تفرق الرواة بين كونه إماماً ومنفرداً.
والسنة أن يقول: "ربنا ولك الحمد"، وعنه:"ربنا لك الحمد". وقال الشافعي: هو السنة، لأنه ليس هنا شيء يعطف عليه. ولنا: أن السنة: الاقتداء به صلى الله عليه وسلم، ولأن الواو تتضمن الحمد مقدراً ومظهراً، أي: ربنا حمدناك ولك الحمد؛ وكل ذلك حسن، لأن الكل قد وردت به السنة. ولا أعلم خلافاً في المذهب أنه لا يشرع للمأموم التسميع. وقال الشافعي: يقوله كالإمام. ولنا: قوله: "إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده" الحديث.
وأما قوله: "ملء السماء
…
إلخ"، فنص أحمد أنه لا يسن للمأموم، لأنه اقتصر على أمرهم بالتحميد. وعنه: ما يدل على أنه سنّة، وهو مذهب الشافعي. ونقل أبو الحارث: إن شاء قال: "أهل الثناء والمجد
…
إلخ". وعنه: أما أنا فأقول هذا إلى "ما شئت من شيء بعد"، فظاهره: لا يستحب في الفريضة، عملاً بأكثر الأحاديث الصحيحة.
ثم يكبر للسجود ولا يرفع يديه، وعنه: يرفع، لقوله:"في كل خفض"، والصحيح الأول، لقول ابن عمر:"ولا يفعل ذلك في السجود".
ويكون أول ما يقع ركبتاه، ثم يداه، ثم جبهته وأنفه. وعنه: أنه يضع يديه قبل ركبتيه، وإليه ذهب مالك، لقوله: "فليضعْ يديه قبل ركبتيه
…
إلخ" 1. ولنا: حديث وائل، قال الخطابي: هو أصح من حديث أبي هريرة. وروى الأثرم حديث أبي هريرة: "ليبدأ بركبتيه قبل يديه، ولا يبرك بروك الفحل". والسجود على هذه الأعضاء واجب إلا الأنف، وقال مالك: لا يجب السجود على غير الجبهة، لقوله: "سجد وجهي
…
إلخ". ولنا: قوله: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم
…
إلخ"، 2 وسجود الوجه لا ينفي سجود ما عداه. وأما الأنف ففيه روايتان:
1 النسائي: التطبيق (1091)، وأبو داود: الصلاة (840) ، وأحمد (2/381)، والدارمي: الصلاة (1321) .
2 البخاري: الأذان (812)، ومسلم: الصلاة (490)، والترمذي: الصلاة (273)، والنسائي: التطبيق (1093، 1097، 1115)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (883) ، وأحمد (1/279، 1/292، 1/305)، والدارمي: الصلاة (1319) .
إحداهما: يجب، لأن في حديث الجبهة:"وأشار بيده إلى أنفه". متفق عليه. وفي لفظ للنسائي: "أُمرت أن أسجد على سبعة أعظم: الجبهة والأنف
…
" 1 الحديث.
والثانية: لا يجب، وهو قول الشافعي، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يذكره. وعن أبي حنيفة إن سجد على أنفه دون جبهته أجزأ، قال ابن المنذر لا أعلم أحداً سبقه إلى هذا؛ وهذا يخالف الحديث والإجماع الذي قبله. ولا يجب مباشرة المصلى بشيء منها، وهو مذهب مالك، وعنه: ما يحتمل المنع في الجبهة وهو مذهب الشافعي، لحديث:"شكونا إليه حر الرمضاء، فلم يشكنا". 2 ولنا: حديث أنس: "كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود". 3 متفق عليه. والحديث الأول الظاهر أنهم طلبوا تأخير الصلاة أو تسقيف المسجد أو نحو ذلك، لأن الفقراء لم يكن لهم يومئذ عمائم ولا أكمام يتقون بها حر الشمس.
ويستحب مباشرة المصلى بالجبهة واليدين، قال أحمد: لا يعجبني إلا في الحر والبرد. "وكان ابن عمر يكره السجود على كور العمامة". ويكون في السجود معتدلاً، قال الترمذي: أهل العلم يختارون الاعتدال في السجود. وعن جابر، رفعه:"إذا سجد أحدكم فليعتدلْ، ولا يفترش ذراعيه افتراش الكلب". 4 والافتراش: أن يضع ذراعيه على الأرض كما تفعل السباع. ومن السنة أن يجافي عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه، قال أحمد: جاء عنه صلى الله عليه وسلم: "أنه كان إذا سجد لو مرت بهمة لنفذت"، وذلك لشدة مبالغته في رفع مرفقيه وعضديه. قال أحمد: ويفتح أصابع رجليه لتكون أصابعها إلى القبلة.
ويسجد على صدور قدميه لقوله: "أمرت أن أسجد
1 البخاري: الأذان (812)، ومسلم: الصلاة (490)، والترمذي: الصلاة (273)، والنسائي: التطبيق (1093، 1097، 1115)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (883) ، وأحمد (1/279، 1/292، 1/305)، والدارمي: الصلاة (1319) .
2 مسلم: المساجد ومواضع الصلاة (619)، والنسائي: المواقيت (497)، وابن ماجة: الصلاة (675) ، وأحمد (5/108، 5/110) .
3 البخاري: الصلاة (385)، ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (620)، وأبو داود: الصلاة (660)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (1033) .
4 الترمذي: الصلاة (275)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (891) .
على سبعة
…
" 1 ذكر منها أطراف القدمين. وللبخاري: "واستقبل بأصابع رجليه القبلة". 2 وللترمذي: "وفتح أصابع رجليه"، وهذا معناه.
ويستحب أن يضع راحتيه على الأرض مبسوطتين، مضمومتي الأصابع بعضها إلى بعض، مستقبلاً بهما القبلة، حذو منكبيه. وروى الأثرم قال: رأيت أبا عبد الله يسجد ويداه بحذاء أذنيه، وذلك لحديث وائل؛ والجميع حسن.
ويستحب أن يفرق بين ركبتيه ورجليه، لحديث أبي حميد، وإذا سجد فرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه.
ثم يرفع رأسه مكبراً، وهذا الرفع والاعتدال واجب، وبه قال الشافعي. وقال مالك وأبو حنيفة: ليس بواجب، بل يكفي عند أبي حنيفة أن يرفع رأسه مثل حد السيف، لأنها جلسة فصل بين متشاكلين فلم تكن واجبة. ولنا: قوله للمسيء: "ثم ارفع حتى تطمئن جالساً"، 3 ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم أخلّ به. قال الأثرم: تفقدت أبا عبد الله، فرأيته يفتح أصابع رجله اليمنى فيستقبل بها القبلة. وروى بإسناده عن عبد الرحمن بن زيد قال:"كنا نعلّم إذا جلسنا في الصلاة أن يفرش الرجل منا قدمه اليسرى، وينصب قدمه اليمنى على صدر قدمه، وإن كان إبهام أحدنا لتنثني فيدخل يده حتى يعدّلها".
ويكره الإقعاء، وهو: أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه، هكذا فسره الإمام أحمد، وقال: هذا قول أهل الحديث. والإقعاء عند العرب: جلوس الرجل على إليته، ناصبا فخذيه، مثل إقعاء الكلب والسبع. وأما الأول فكرهه علي وأبو هريرة ومالك والشافعي، و"فعله ابن عمر وقال: لا تقتدوا بي فإني قد كبرْت". وعنه: لا أفعله ولا أعيب مَن فعَله. وقال: العبادلة كانوا يفعلونه. قال طاووس: قلنا لابن عباس في الإقعاء على القدمين، قال: "هي السنة. قلنا: إنّا
1 البخاري: الأذان (812)، ومسلم: الصلاة (490)، والترمذي: الصلاة (273)، والنسائي: التطبيق (1093، 1097، 1115)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (883) ، وأحمد (1/279، 1/292، 1/305)، والدارمي: الصلاة (1319) .
2 البخاري: الأذان (828) .
3 البخاري: الأذان (757)، ومسلم: الصلاة (397)، والترمذي: الصلاة (303)، والنسائي: الافتتاح (884)، وأبو داود: الصلاة (856)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (1060) والأدب (3695) ، وأحمد (2/437) .
لنراه جفاء بالرجل. قال: هي سنة نبيك". 1 رواه مسلم. ولنا: حديث أبي حميد وغيره، وهي أكثر وأصح.
والمستحب أن يكون شروع المأموم في أفعال الصلاة بعد فراغ الإمام، ويكره معه، في قول أكثر أهل العلم. واستحب مالك أن يكون معه. ولنا: حديث البراء وأبي موسى وغيرهما. ولا يجوز أن يسبقه.
وعن ابن مسعود: "أنه نظر إلى من سبق الإمام فقال: لا وحدك صليت، ولا بإمامك اقتديت". وعن ابن عمر نحوه، قال:"فأمره بالإعادة". وإن سبق الإمام المأموم بركن كامل، مثل إن ركع ورفع قبل ركوع المأموم، لعذر من نعاس أو زحام، فعل ما سبق به وأدرك إمامه، ولا شيء عليه، نص عليه، ولا أعلم فيه خلافاً.
وإن سبقه بركعة كاملة أو أكثر، اتبعه وقضى ما سبق به، قال أحمد في رجل نعس خلف الإمام حتى صلى ركعتين قال: كأنه أدرك ركعتين. وإن سبقه بأكثر من ركن وأقل من ركعة، ثم زال عذره، فنص أحمد أنه يتبع إمامه ولا يعتد بتلك الركعة. وقال أصحابنا: من زحم عن السجود يوم الجمعة، انتظر زوال الزحام، ثم سجد وتبع إمامه، ما لم يخف فوات الركوع في الثانية مع الإمام؛ وهذا يقتضي أنه يفعل ما فاته وإن كان أكثر من ركن، وهو قول الشافعي، "لأنه صلى الله عليه وسلم فعله بأصحابه في صلاة عسفان حين أقامهم خلفه صفين، فسجد بالصف الأول، والصف الثاني قائم حتى قام إلى ثانية، فسجد الصف الثاني ثم تبعه". وجاز للعذر، وهذا مثله.
وقال مالك: إن أدركهم المسبوق في أول سجودهم، سجد معهم واعتد بها، وإن علم أنه لا يقدر على الركوع وإدراكهم في السجود حتى يستووا قياماً، فليتبعهم فيما بقي، ثم يقضي ركعة. والأولى في هذا، والله
1 مسلم: المساجد ومواضع الصلاة (536)، والترمذي: الصلاة (283)، وأبو داود: الصلاة (845) ، وأحمد (1/313) .
أعلم، ما كان على قياس فعل النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف، فإن ما لا نص فيه يرد إلى أقرب الأشياء به من المنصوص عليه، وإذا قضى سجدته الثانية نهض مكبراً.
واختلف عن أحمد هل يجلس للاستراحة؟ فعنه: لا، وبه قال مالك. قال أحمد: أكثر الأحاديث على هذا، قال الترمذي: وعليه العمل عند أهل العلم. وعنه: بلى، لحديث مالك بن الحويرث، وذكره أيضاً أبو حميد. وقيل: إن كان ضعيفاً جلس، وإن كان قوياً لم يجلس، وحمل جلوسه صلى الله عليه وسلم أنه كان في آخر عمره، وهذا فيه جمع بين الأخبار. وعلى كلا القولين، ينهض على صدور قدميه معتمداً على ركبتيه لا على يديه. وقال مالك والشافعي: السنة أن يعتمد على يديه في النهوض، لأنه في حديث مالك بن الحويرث. ولنا: حديث وائل، وفيه:"وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه". 1. رواه النسائي والأثرم. وفي لفظ: "وإذا نهض نهض على ركبتيه، واعتمد على فخذيه"، 2 وعن ابن عمر قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة". 3 رواهما أبو داود. وروى الأثرم عن علي قال: "إن من السنّة في الصلاة المكتوبة إذا نهض الرجل في الركعتين الأوليين أن لا يعتمد بيديه على الأرض، إلا أن يكون شيخاً كبيراً لا يستطيع". وقال أحمد: بذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديث مالك محمول على مشقة القيام عليه لكبره، فإنه صلى الله عليه وسلم قال:" إني قد بدنت، فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ". 4
فأما الاستعاذة، فاختلفت الرواية فيها. فعنه: يختص بالركعة الأولى، وهو قول الثوري، لحديث: "كان إذا نهض للثانية استفتح بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
1 الترمذي: الصلاة (268)، والنسائي: التطبيق (1089، 1154)، وأبو داود: الصلاة (838)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (882)، والدارمي: الصلاة (1320) .
2 الترمذي: الصلاة (268)، والنسائي: التطبيق (1089، 1154)، وأبو داود: الصلاة (838)، والدارمي: الصلاة (1320) .
3 أبو داود: الصلاة (992) .
4 أبو داود: الصلاة (619)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (963) ، وأحمد (4/92، 4/98)، والدارمي: الصلاة (1315) .
ولم يسكت"، 1 وعنه: في كل ركعة، وهو قول الشافعي، للآية؛ فيقتضي ذلك تكريرها عند تكرير القراءة.
وإذا صلى ركعتين، جلس للتشهد الأول، وهذا التشهد والجلوس له مشروعان واجبان، وهو مذهب الليث وإسحاق. وعنه: لا، وهو قول مالك والشافعي لأنهما يسقطان بالسهو أشبها السنن. ولنا: أنه صلى الله عليه وسلم داوم عليه، وأمر به في حديث ابن عباس، فقال:"قولوا: "التحيات لله"، وسجد حين نسيه". وإنما سقط بالسهو إلى بدل، كجبران الحج.
وصفة الجلوس له كالجلوس بين السجدتين، مفترشاً، وبه قال الثوري وإسحاق. وقال مالك: يتورك على كل حال، لما روى ابن مسعود:"أنه صلى الله عليه وسلم يجلس في آخر الصلاة وفي وسطها متوركاً". وقال الشافعي: إن كان متوسطاً كقولنا، وإن كان آخرها كقول مالك، ولنا: حديث أبي حميد وحديث وائل، وهما متأخران عن ابن مسعود، وإنما يؤخذ بالآخر؛ فالآخر من أمره صلى الله عليه وسلم، وقد بين أبو حميد الفرق بين التشهدين، والأخذ بالزيادة واجب.
ويستحب له وضع اليسرى على الفخذ اليسرى، مبسوطة مضمومة الأصابع، مستقبلاً بها القبلة، ويضع اليمنى على الفخذ اليمنى، يقبض الخنصر والبنصر ويحلق الإبهام مع الوسطى، ويشير بالسبابة، لحديث وائل. وعنه: يجمع أصابعه الثلاث، ويعقد الإبهام كعقد الخمسين، لقول ابن عمر:"وضع صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على ركبته اليمنى، وعقد ثلاثا وخمسين، وأشار بالسبابة". 2 رواه مسلم.
و"يشير بالسبابة عند ذكر الله، ولا يحركها"، لحديث ابن الزبير. ويتشهد بتشهد ابن مسعود، وعليه أكثر أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم. وقال مالك: الأفضل تشهد عمر: "التحيات لله. الزاكيات لله. الصلوات لله". 3 وسائر تشهده
1 مسلم: المساجد ومواضع الصلاة (599) .
2 مسلم: المساجد ومواضع الصلاة (580)، والترمذي: الصلاة (294)، والنسائي: التطبيق (1160) والسهو (1266، 1267، 1269)، وأبو داود: الصلاة (987)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (913) ، وأحمد (2/131)، ومالك: النداء للصلاة (199)، والدارمي: الصلاة (1339) .
3 مالك: النداء للصلاة (204) .
كتشهد ابن مسعود، لأنه قاله على المنبر فلم ينكر. وقال الشافعي: الأفضل تشهد ابن عباس، وقد انفرد به واختلف عنه في بعض ألفاظه، ولا يستحب الزيادة عليه. وعن ابن عمر:"أنه أباح الدعاء فيه بما بدا له". وقال مالك: ذلك واسع. "وسمع ابن عباس رجلاً يقول: بسم الله، فانتهره". وبه قال الشافعي، وهو الصحيح، لحديث ابن مسعود:"أنه صلى الله عليه وسلم يجلس في الأوليين كأنه على الرضف". 1 ولم تصح التسمية ولا غيرها عند أهل الحديث مما وقع الخلاف فيه.
ثم "ينهض من التشهد كنهوضه من السجود، ولا يقدم إحدى رجليه"، كذلك قال ابن عباس، ورخص فيه مجاهد وإسحاق للشيخ.
ويتورك في التشهد الأخير، وإليه ذهب مالك والشافعي. وقال الثوري وأصحاب الرأي: يفترش كالأول، لحديث وائل وأبي حميد. ولنا: بيان أبي حميد للفرق، وهو راوي حديثهم.
وهذا التشهد والجلوس له من الأركان، وبه قال الشافعي، ولم يوجبه مالك ولا أبو حنيفة، إلا أنه أوجب الجلوس بقدر التشهد، وتعلقاً بأنه صلى الله عليه وسلم لم يعلّمه المسيء في صلاته. ولنا: أنه صلى الله عليه وسلم أمر به وداوم عليه، وروي في حديث ابن مسعود: "كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الله
…
إلخ"، وهذا يدل على أنه فرض بعد أن لم يكن مفروضاً، وحديث الأعرابي يحتمل أنه قبل أن يفرض، وأن يكون تركه لأنه لم يسئ فيه. ولا يتورك إلا في صلاة فيها تشهدان، في الأخير منهما. وقال الشافعي: يتورك في كل تشهد يسلم فيه. ولنا: حديث وائل وحديث عائشة: "كان يقول: في كل ركعتين التحيات، وكان يفرش اليسرى وينصب اليمنى". 2 رواه مسلم.
ولا يجوز أن يدعو في صلاته بما يقصد به ملاذ الدنيا، وقال الشافعي:
1 الترمذي: الصلاة (366)، وأبو داود: الصلاة (995) ، وأحمد (1/410، 1/436) .
2 مسلم: الصلاة (498)، وأبو داود: الصلاة (783) .
يدعو بما أحب، لقوله:"ثم ليتخيّر بعد من المسألة ما شاء، أو ما أحب" 1 ولنا: قوله: "إن صلاتنا لا يصلح فيها شيء من كلام الناس
…
إلخ " 2.
وهل يدعو لإنسان بعينه؟ على روايتين، وكرهه عطاء والنخعي. ويستحب له إذا مرت به آية رحمة أن يسألها، أو آية عذاب أن يستعيذ منها، لحديث حذيفة. ولا يستحبُّ في الفريضة، لأنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم، مع كثرة من وصف قراءته فيها.
وإذا فرغ، سلّم عن يمينه ويساره "السلام عليكم ورحمة الله"، وهذا واجب لا يقوم غيره مقامه؛ وبه قال مالك والشافعي. وقال أبو حنيفة: لا يتعين للخروج، بل إذا خرج بما ينافيها من عمل أو حدث جاز. والسلام سنة، لأنه لم يعلّمه المسيء. ولنا: قوله: "تحليلها التسليم"، ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يخلّ به.
ويشرع تسليمتان، وبه قال الشافعي. وقال مالك: يسلّم واحدة، لحديث عائشة:"كان يسلِّم واحدة تلقاء وجهه"، 3 وعن سلمة قال:"رأيته صلى الله عليه وسلم صّلى فسلّم مرّة". 4 رواهما ابن ماجة. ولنا: حديث ابن مسعود وجابر بن سمرة، رواهما مسلم. وحديث عائشة، أنكره أبو حاتم وغيره؛ وبين أحمد أن معناه يسمعهم التسليمة الواحدة. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه: أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة جائزة. وقال القاضي: فيه رواية: أن الثانية واجبة، وليس عنه تصريح بالوجوب، وإنما قال:" التسليمتان أصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"، حديث ابن مسعود وغيره أذهب إليه، ويجوز أن يذهب إليه في المشروعية دون الإيجاب، وقوله في حديث جابر: "إنما يكفي أحدكم
…
" أي: في إصابة السنة، بدليل أنه قال: "يضع يده على فخذه، ثم يسلّم على أخيه عن يمينه وشماله". 5 وإن زاد:"وبركاته" فحسن،
1 مسلم: الصلاة (402)، والنسائي: التطبيق (1163) والسهو (1298)، وأبو داود: الصلاة (968) ، وأحمد (1/382، 1/413، 1/427)، والدارمي: الصلاة (1340) .
2 مسلم: المساجد ومواضع الصلاة (537)، والنسائي: السهو (1218)، وأبو داود: الصلاة (930، 931) ، وأحمد (5/447)، والدارمي: الصلاة (1502) .
3 الترمذي: الصلاة (296)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (919) .
4 ابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (920) .
5 مسلم: الصلاة (431)، والنسائي: السهو (1318) .
والأول أحسن، لأن رواته أكثر وطرقه أصح. وإن قال:"السلام عليكم" ولم يزد، فظاهر كلام أحمد: يجزئ، وهو قول الشافعي، لقوله:"تحليلها التسليم"، لأنه روي أنه يسلم عن يمينه وشماله:"السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله". 1 رواه أبو داود.
و"يستحب أن يلتفت عن يمينه في الأولى، وعن يساره في الثانية"، كما جاء في حديث ابن مسعود وجابر وغيرهما، ويكون التفاته في الثانية أكثر لحديث عمار. وروي عن أحمد أن الأولى أرفع من الثانية، وحمل عليه حديث عائشة.
ويستحب حذف السلام، وهو أن لا يمده ويطول به صوته، لحديث:"حذف السلام سنة". 2 صححه الترمذي، وعليه أهل العلم. وينوي به الخروج من الصلاة. وإن نوى الرد على الملكين أو على من معه فلا بأس، نص عليه. ومذهب الشافعي: أنه سنة، أي: السلام على من معه، لحديث جابر بن سمرة.
ويستحب الذكر عقيب الصلاة بما ورد به الأثر، مثل حديث المغيرة وثوبان وأبي هريرة وغيرهم.
وإذا كان مع الإمام رجال ونساء، فالمستحب أن يثبت الرجال بقدر انصرافهن. فإن لم يقم الإمام، استحب أن ينصرف عن القبلة، لحديث جابر بن سمرة وغيره. ويستحب لهم أن لا يقوموا قبل الإمام، لقوله:"لا تسبقوني بالسجود، ولا بالركوع، ولا بالانصراف". 3 رواه مسلم. و"ينصرف حيث شاء عن يمينه وشماله"، لحديث ابن مسعود. و"يكره أن يتطوع الإمام في موضع صلاته"، لحديث المغيرة، إلا أن أحمد قال: لا أعرف ذلك عن غير علي.
والمأموم إذا سمع قراءة الإمام، فلا يقرأ بالحمد ولا غيرها، وبه قال مالك وكثير من السلف. وقال الشافعي: يقرأها، لقوله: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة
1 مسلم: الصلاة (431)، والنسائي: السهو (1326)، وأبو داود: الصلاة (998، 1000) ، وأحمد (5/86، 5/88، 5/101، 5/107) .
2 الترمذي: الصلاة (297)، وأبو داود: الصلاة (1004) ، وأحمد (2/532) .
3 مسلم: الصلاة (426)، والنسائي: السهو (1363) ، وأحمد (3/102) .
الكتاب"، 1 ولحديث عبادة، رفعه: "لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب"، 2 رواه أبو داود، ولقول أبي هريرة: "إقرأ بها في نفسك". ولنا: قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} الآية 3، قال أحمد: الناس على أن هذا في الصلاة، وفي لفظ: أجمع الناس، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "وإذا قرأ فأنصتوا"، 4 رواه مسلم، ولأنه إجماعٌ، قال أحمد: ما سمعت أن أحداً من أهل الإسلام يقول: إن الإمام إذا جهر بالقراءة لا تجزئ صلاة من خلفه إذا لم يقرأ. وقال: هذا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون، وهذا مالك في أهل الحجاز، وهذا الثوري في أهل العراق، وهذا الأوزاعي في أهل الشام، وهذا الليث في أهل مصر، ما قالوا في رجل صلى خلف الإمام قرأ إمامه أو لم يقرأ: صلاته باطلة، وحديث عبادة في الصحيح محمول على غير المأموم، وكذلك حديث أبي هريرة، وقد جاء مصرحاً به عن جابر، مرفوعاً: "كل صلاة لم يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خداج، إلا وراء الإمام". رواه الخلال. وقوله:"اقرأ بها في نفسك" من قول أبي هريرة، والذي رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا قرأ فأنصتوا " 5 أولى، وقد خالفه تسعة من الصحابة، قال ابن مسعود:"وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام مُلئ فوه تراباً"، وحديث عبادة الآخر لم يروه عنه إلا إسحاق ونافع بن محمود، وهو أدنى حالاً من ابن إسحاق. والاستحباب: أن يقرأ في سكتات الإمام، وفيما لا يجهر فيه؛ هذا قول كثير من أهل العلم. وقالت طائفة: لا يقرأ في الجهر ولا في الإسرار. قال إبراهيم: إنما أحدث الناس القراءة زمان المختار، لأنه كان يصلي بهم صلاة النهار ولا يصلي بهم صلاة الليل، فاتهموه فقرؤوا خلفه، وهذا قول الثوري وابن عيينة وأصحاب
1 البخاري: الأذان (756)، ومسلم: الصلاة (394)، والترمذي: الصلاة (247)، والنسائي: الافتتاح (910، 911)، وأبو داود: الصلاة (822)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (837) ، وأحمد (5/321)، والدارمي: الصلاة (1242) .
2 أبو داود: الصلاة (823) ، وأحمد (5/316، 5/322) .
3 سورة الأعراف آية: 204.
4 مسلم: الصلاة (404)، والنسائي: التطبيق (1064، 1172) والسهو (1280)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (901) ، وأحمد (4/392، 4/401، 4/405)، والدارمي: الصلاة (1312) .
5 النسائي: الافتتاح (921)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (846) ، وأحمد (2/376) .
الرأي لقوله: "من كان له إمام، فقراءة الإمام له قراءة". 1 ولنا: قوله: فانتهى الناس أن يقرؤوا فيما يجهر فيه. قيل لأحمد: رجل فاتته ركعة من المغرب أو العشاء مع الإمام، أيجهر أم يخافت؟ فقال: إن شاء جهر وإن شاء خافت. ثم قال: إنما الجهر للجماعة. قال الشافعي: يسن الجهر، لأنه غير مأمور بالإنصات.
ويستحب أن يطيل الأولى من كل صلاة ليلحقه القاصد، وقال الشافعي: تكون الأوليان سواء، لحديث أبي سعيد:"حزرنا قيامه في الأوليين من الظهر قدر ثلاثين آية". 2 ووافقنا أبو حنيفة في الصبح، ووافق الشافعي في الباقي. ولنا: حديث أبي قتادة، وفيه:"يطوّل الأولى ويقصر الثانية"، وحديث أبي سعيد، رواه ابن ماجة. وفي الركعة الأخرى قدر النصف من ذلك، وهذا أولى لموافقته الأحاديث الصحيحة، ولو قدر التعارض قدم حديث أبي قتادة، لأنه أصح، ويتضمن ضبط التفريق بين الركعتين.
وسئل أحمد عن الرجل يقرأ بسورة ثم يقرأ بها في الركعة الأخرى، قال: وما بأس بذلك. وقيل له: الرجلُ يقرأ على التأليف في الصلاة، اليوم سورة وغداً التي تليها، قال: ليس في هذا شيء، إلا أنه روي عن عثمان أنه فعل ذلك في المفصّل. وأكثر أهل العلم لا يرون الزيادة على "الفاتحة" في غير الأوليين. وعن الشافعي: يقرأ، "لأن أبا بكر قرأ في [الثالثة] 3 من المغرب:{رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} 4" ولنا: حديث أبي قتادة، وفعل أبي بكر قصد في الدعاء.
وإذا حضرت الصلاة والعَشاء، بدأ بالعَشاء. قال ابن عباس:"لا نقوم إلى الصلاة وفي أنفسنا شيء". وقال مالك: يبدأ بالصلاة، إلا أن يكون طعاماً خفيفاً. ولنا: حديث أنس وعائشة
1 ابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (850) ، وأحمد (3/339) .
2 مسلم: الصلاة (452)، والنسائي: الصلاة (475)، وأبو داود: الصلاة (804) .
3 في الطبعة السلفية (الثانية)، وصوابه:(الثالثة) ، كما في المخطوطة.
4 سورة آل عمران آية: 8.
وابن عمر، رواهن مسلم. ولا فرق بين أن يخشى فوات الجماعة أو لم يخش، فإن بدأ بالصلاة صحت. قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه لو صلى بحضرة الطعام فأكمل صلاته، أنها تجزيه. وكذلك إذا صلى حاقناً. قال الطحاوي: لا يختلفون أنه لو شغل قلبه بشيء من الدنيا، أنه لا يستحب له الإعادة، كذلك إذا شغله البول.
وإذا حضرت الجماعة وهو يحتاج إلى الخلاء، بدأ به ولو خاف فوات الجماعة، لا نعلم فيه خلافاً. وعن ثوبان، رفعه:"لا يحل لامرئ أن ينظر في جوف بيت امرئ حتى يستأذن، ولا يقوم إلى الصلاة وهو حاقن ". 1 حسنه الترمذي. فإن فعل صحت صلاته. وقال مالك: أحب أن يعيد إذا شغله ذلك، وحديث ثوبان قال ابن عبد البر: لا تقوم به حجة عند أهل العلم.
والمشروع في الصلاة قسمان: واجب، ومسنون: والواجب نوعان:
أحدهما: لا يسقط عمداً ولا سهواً، وهو عشرة: تكبيرة الإحرام، والقيام، والفاتحة، والركوع حتى يطمئن، والاعتدال حتى يطمئن، والسجود حتي يطمئن، والاعتدال بين السجدتين حتى يطمئن، والتشهد الأخير، والجلوس له، والسلام، والترتيب.
وقد دل على وجوب أكثرها حديث المسيء، فإنها لو سقطت لسقطت عن الأعرابي لجهله، والجاهل كالناسي. فإن ترك منها شيئاً سهواً ثم ذكره في الصلاة أتى به. وإن لم يذكره حتى سلّم وطال الفصل بطلت. وإن لم يطل بنى على ما مضى من صلاته، نص أحمد على هذا؛ وبه قال الشافعي. وعن مكحول ومحمد بن أسلم الطوسي في المصلي ينسى سجدة أو ركعة: يصليها متى ذكرها، ويسجد سجدتي السهو.
النوع الثاني: من الواجبات ما يسقط سهواً وتبطل الصلاة بتركه عمداً،
1 الترمذي: الصلاة (357) ، وأحمد (5/280) .
وهي ثمانية: التكبير غير الإحرام، والتسبيح في الركوع والسجود، والتسميع، والتحميد، وقول:"رب اغفر لي"، والتشهد الأول، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير. وعنه: أن هذه الثمانية ليست بواجبة، وهو قول أكثر الفقهاء.
والنوع الثاني من المشروع: (السنن)، وهي قسمان: سنن الأقوال. وسنن الأفعال. فلا تبطل بتركها عمداً، ولا يشرع السجود لتركها سهواً.
ويستحب أن يجعل نظره إلى موضع سجوده، قال أحمد: الخشوع في الصلاة أن ينظر إلى موضع سجوده. و"يستحب أن يفرج بين قدميه، ويراوح بينهما إذا طال قيامه"، لحديث ابن مسعود، ولا يكثر من ذلك، لقول عطاء: إني لأحب أن يقل التحريك.
ويكره أن يلتفت لغير حاجة، فإن كان لها لم يكره، لحديث سهل بن حنظلة. قال ابن عبد البر: جمهور الفقهاء على أن الالتفات لا يفسد الصلاة إذا كان يسيراً. و"يكره النظر إلى ما يلهيه"، لحديث عائشة في خميصة أبي جهم وقوله: "أميطي عنا قرامك
…
إلخ" 1.
و"يكره رفع البصر، لحديث أنس، وأن يصلي ويده على خاصرته، لحديث أبي هريرة، وأن يصلي وهو معقوص أو مكتوف"، لحديث ابن عباس.
و"يكره أن يكف شعره وثيابه، وأن يعتمد على يده في الجلوس"، لحديث ابن عمر، و"أن يمس الحصى"، لحديث أبي ذرّ ومعيقب. ويكره العبث كله وما يشغله عن الصلاة، لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في كراهة هذا كله.
وكره أحمد الترويح، إلا من الغم الشديد. ورخص فيه ابن سيرين وغيره. ويكره أن يغمض عينيه، نص عليه، وقال: هو فعل اليهود. ولا بأس بعدِّ الآي، وكرهه الشافعي. ولنا: أنه إجماع التابعين. ولا بأس بالإشارة بالعين واليد، لحديث جابر وغيره.
1 البخاري: الصلاة (374) ، وأحمد (3/151، 3/283) .
ولا بأس بقتل الحية والعقرب، "لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتلهما في الصلاة". رواه أبو داود. وكرهه إبراهيم. و"يجوز قتل القمل، لأن عمر وأنساً والحسن فعلوه".
و"لا بأس بالعمل اليسير للحاجة، لحديث فتح الباب لعائشة".
وإذا بدره البصاق بصق في ثوبه وحك بعضه ببعض، وإن كان في غير المسجد فإن أحب فعل ذلك، وإن أحب بصق عن يساره أو تحت قدمه.
قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن من تكلم في صلاته عامداً لا يريد إصلاح صلاته، أن صلاته فاسدة. و"إن تكلم جاهلاً بتحريمه، فيحتمل أن لا تبطل"، لحديث ابن مسعود وزيد بن أرقم؛ وعليه يدل حديث معاوية بن الحكم، فإنه لم يأمره بالإعادة. وهذا مذهب الشافعي. وفي الناسي روايتان: إحداهما: لا تبطل، وهو قول مالك والشافعي، لحديث معاوية. وإن ظن أن صلاته تمت فتكلم، فإن كان سلاماً لم تبطل، رواية واحدة، لأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه فعلوه وبنوا على صلاتهم. وإن لم يكن سلاماً، فعنه: إن كان لمصلحتها لم تفسد. و"ممن تكلم بعد أن سلم: الزبير، وابناه عبد الله وعروة، وصوّبه ابن عباس"، ولا نعلم عن غيرهم خلافهم. وعنه: تفسد بكل حال، لعموم الأخبار في المنع من الكلام. وعنه: لا تفسد بالكلام في تلك الحال، سواء كان من شأن الصلاة أو لم يكن، وهذا مذهب مالك والشافعي، لأنه نوع من النسيان، أشبه المتكلم جاهلاً. وإن تكلم مغلوباً مثل أن يخرج الحروف بغير اختياره، مثل أن يتثاءب فيقول: هاه، أو يتنفس فيقول: آه، أو يسعل فينطق بحرفين، أو يغلط في القراءة، أو يجيئه البكاء ولا يقدر على رده، فلا تفسد، نص عليه في البكاء، وقال:"قد كان عمر يبكي حتى يسمع له نشيج". وإن نام فتكلم، فقد توقف
أحمد. وينبغي أن لا تبطل لرفع القلم عنه.
وإن تكلم بكلام واجب، مثل أن يخشى على ضرير أو صبي وقوعه في هلكة، أو يرى ناراً يخاف أن تشتعل في شيء، ونحو هذا، ولا يمكن التنبيه بالتسبيح، فقال أصحابنا: تبطل، ويحتمل أن لا تبطل؛ وهو ظاهر مذهب الشافعي.
وإن ضحك فبان حرفانن فسدت. وكذلك إن قهقه ولم يبن حرفان، وبه قال جابر وعطاء والشافعي، ولا نعلم فيه مخالفاًً. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن الضحك يفسد الصلاة. وأكثر أهل العلم على أن التبسم لا يفسدها.
فأما النفخ، فإن انتظم حرفان فسدت. وعنه: أكرهه، ولا أقول يقطع الصلاة. وروي عن ابن مسعود وغيره، لحديث الكسوف، وفيه:"ثم نفخ فقال: أف. أف.". 1 رواه أبو داود. وقال مهنا: رأيت أبا عبد الله يتنحنح في صلاته، قال أصحابنا: هذا محمول على أنه لم ينتظم حرفان. وظاهر حال أحمد أنه لم يعتبر ذلك، لأن النحنحة لا تسمى كلاماً.
وإن أتى بذكر مشروع لينبه غيره، فهو ثلاثة أنواع:
الأول: مشروع له، مثل أن يسهو إمامه فيسبح به، أو يترك الإمام ذكراً فيرفع المأموم صوته ليذكره به، أو ينوبه شيء فيسبح ليعلمه أنه في صلاة، فهذا لا يؤثر في قول أكثر أهل العلم. وحكي عن أبي حنيفة من أفهم غير إمامه بالتسبيح، فسدت صلاته، لأنه خطاب آدمي. ولنا: قوله: "من نابه شيء في الصلاة، فليقل: "سبحان الله""، 2 وهو عام في كل ما ينوبه. وفي معنى هذا:"الفتح على إمامه إذا أرتج عليه أو غلط"، روي ذلك عن عثمان وعلي، و"كرهه ابن مسعود". وقال أبو حنيفة: تبطل الصلاة به، لحديث علي، مرفوعاً:"لا تفتح على الإمام". 3 ولنا: "قوله لأبيّ: أصليت معنا؟ قال: نعم. قال: فما منعك؟ ". 4
1 أبو داود: الصلاة (1194) .
2 البخاري: الجمعة (1218)، ومسلم: الصلاة (421)، والنسائي: الإمامة (784) وآداب القضاة (5413) ، وأحمد (5/330)، ومالك: النداء للصلاة (392) .
3 أبو داود: الصلاة (908) ، وأحمد (1/146) .
4 أبو داود: الصلاة (907) .
رواه أبو داود، قال الخطابي: إسناده جيد. وحديث علي يرويه الحارث. وقد قال على نفسه: "إذا استطعمك الإمام فأطعمه".
الثاني: ما لا يتعلق به تنبيه، إلا أنه لسبب من غير الصلاة، مثل حمد العاطس والاسترجاع، فلا يبطل، نص عليه، وذكر حديث على حين أجاب الخارجي. وقال أبو حنيفة: تفسد صلاته. ولنا: ما روى عامر بن ربيعة قال: "عطس رجل من الأنصار خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الحمد لله حمداً كثيرا طيباً مباركاً فيه، حتى يرضى ربنا، وبعد ما يرضى من أمر الدنيا والآخرة. فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من القائل الكلمة؟ فإنه لم يقل بأساً. فقال: يارسول الله، أنا قلتها، لم أرد بها إلا خيراً، ما تناهت دون العرش". 1 رواه أبو داود. وقال الخلال: اتفق الجميع عن أبي عبد الله: أنه لا يرفع صوته، يعني: العاطس، وإن رفع فلا بأس، لحديث الأنصاري.
الثالث: أن يقرأ بقصد تنبيه آدمي، مثل أن يقول:{ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} ، 2 يريد الإذن، أو لرجل اسمه يحيى:{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} ، 3 فعنه: تبطل، وهو مذهب أبي حنيفة. وعنه: ما يدل على الصحة، واحتج بحديث علي حين أجاب الخارجي.
ويكره أن يفتح المصلي على من هو في صلاة أخرى، وإن فعل لم تبطل. ولا بأس أن يفتح على المصلي من ليس في صلاة.
وإذا سلم على المصلي، لم يرد بالكلام، فإن فعل بطلت؛ وبه قال مالك والشافعي. وعن أبي هريرة أنه أمر
1 البخاري: الأذان (799)، والنسائي: الافتتاح (931) والتطبيق (1062)، وأبو داود: الصلاة (770) ، وأحمد (4/340)، ومالك: النداء للصلاة (491) .
2 سورة الحجر آية: 46.
3 سورة مريم آية: 12.
بذلك. ولنا: حديث جابر، وفيه:"أنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أني كنت أصلي"، وحديث ابن مسعود:"يا رسول الله، كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا. قال: إن في الصلاة لشغلاً". 1 رواهما مسلم.
ويرد السلام بالإشارة، وهذا قول مالك والشافعي. وإن رد بعد الصلاة فحسن، لحديث ابن مسعود، وفيه:"فرد عليه السلام".
وسئل أحمد: أيسلّم على المصلي؟ قال: نعم، وكرهه عطاء وغيره. ومن ذهب إلى تجويزه احتج بقوله تعالى:{فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم} 2 أي: على أهل دينكم، و"لأنه صلى الله عليه وسلم حين سلموا عليه رد عليم إشارة ولم ينكر عليهم".
وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن المصلي ممنوع عن الأكل والشرب. وأجمع كل من نحفظ عنه: أن من أكل أو شرب في الفرض عامداً أن عليه الإعادة، فإن كان في التطوع أبطله في الصحيح من المذهب، وهو قول أكثر الفقهاء، وعنه: لا يبطلها.
ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":
الصحيحك أن تسوية الصفوف سنّة، وظاهر كلام الشيخ وجوبه، وقال: مراد من حكاه إجماعاً استحبابه، لا نفي وجوبه. والأخرس يكبر بقلبه ولا يحرك لسانه، قال الشيخ: ولو قيل ببطلان الصلاة بذلك لكان أقرب.
ويجب على المصلي أن يسمع نفسه، واختار الشيخ الاكتفاء بالإتيان بالحروف وإن لم يسمعها، ثم يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك
…
إلخ"، واختار إجزاء الاستفتاح بخبر علي. واختار الشيخ أنه يقول هذا تارة وهذا أخرى.
1 البخاري: المناقب (3875)، ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (538) ، وأحمد (1/376) .
2 سورة النور آية: 61.
ولا يجهر بالبسملة، واختار الشيخ أنه يجهر بها وبالتعوذ والفاتحة في الجنازة ونحوها أحياناً، وقال: هو المنصوص، تعليماً للسنة. قال: ويستحب ذلك للتأليف، كما استحب أحمد ترك القنوت في الوتر، تأليفاً للمأموم.
والمرأة لا ترفع صوتها أي: بالقراءة، قال الشيخ: تجهر إن صلت بنساء، ولا تجهر إن صلت وحدها. وإن قرأ بخارج عن المصحف لم تصح، وعنه: تصح، إذا صح سنده لصلاة الصحابة بعضهم خلف بعض، اختارها الشيخ وقال: قول أئمة السلف وغيرهم: مصحف عثمان أحد الحروف السبعة.
وإن كان مأموماً لم يزد على: "ربنا ولك الحمد"، وعنه: يزيد "ملء السماء
…
إلخ"، اختاره الشيخ، ثم يصلي الثانية كالأولى.
وفي الاستعاذة روايتان: الثانية: يتعوذ، اختارها الشيخ وقال: آله: أهل بيته، والمختار دخول أزواجه فيهم. وتجوز الصلاة على غير الأنبياء منفرداً، وقيل: يحرم، اختاره الشيخ مع الشعار. وإذا نهض من التشهد الأول لا يرفع يديه، وعنه: يرفعهما، اختاره الشيخ.
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه: أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة جائزة. قلت: هذا مبالغة، وليس بإجماع.
قال ابن القيم: وهذه عادته، إذا رأى قول أكثر أهل العلم حكاه إجماعاً.