الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب البيع
وله صورتان:
إحداهما: الإيجاب والقبول، فإن تقدم القبول جاز، وإن تقدم بلفظ الطلب فقال: بِعني بكذا، فقال: بعتك، ففيه روايتان. وإن تقدم بلفظ الاستفهام: مثل أتبيعني؟ لم يصح. وإن تراخى القبول صح، ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه.
الثانية: المعطاة، وقال مالك يقع البيع بما يعتقده الناس بيعاً. وقال بعض الحنفية: يصح في خسائس الأشياء، لأن العرف إنما جرى به في اليسير. ولنا: أن الله تعالى أحلّ البيع، ولم يبيِّن كيفيته، فيجب الرجوع فيه إلى العرف، والمسلمون في أسواقهم وبياعاتهم على ذلك، ولأن البيع كان موجوداً بينهم؛ وإنما علق الشرع عليه أحكاماً وأبقاه على ما كان، فلا يجوز تغييره بالرأي والتحكم. ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه استعمال الإيجاب والقبول، ولو اشترط ذلك لبيّنه صلى الله عليه وسلم بياناً عاماً. وكذلك في الهبة والهدية والصدقة، فإنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه استعمال ذلك فيه.
ولا يصح إلا بشروط سبعة:
(أحدها) : التراضي به بينهما، لقوله تعالى: {إِلَاّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ
تَرَاضٍ مِنْكُمْ} . 1 إلا أن يُكره بحق، كالذي يُكرهه الحاكم على بيع ماله لوفاء دينه.
(الثاني) : أن يكون العاقد جائز التصرف، فأما الصبي المميز والسفيه فيصح بإذن وليهما، في إحدى الروايتين. والأخرى: لا يصح، وهو قول الشافعي، لأن العقل لا يمكن الوقوف منه على الحد الذي يصلح به للتصرف، فجعل له ضابط وهو البلوغ. ولنا: قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} ، 2 معناه: اختبروهم لتعلموا رشدهم؛ فإن تصرف بغير إذن لم يصح إلا في اليسير، وكذلك غير المميز، لما روي:"أن أبا الدرداء اشترى من صبي عصفوراً فأرسله". ويحتمل أن يصح، ويقف على إجازة الولي، وهو قول أبي حنيفة، وكذلك الحكم في تصرف السفيه بإذن وليه، فيه روايتان.
(الثالث) : أن يكون المبيع مالاً، وهو ما فيه منفعة مباحة لغير ضرورة، فيجوز بيع دود القز وبزره والنحل؛ وقوله: لغير ضرورة، احتراز من الميتة والمحرمات التي تباح في حال المخمصة. وكل عين مملوكة يجوز اقتناؤها والانتفاع بها في غير حال الضرورة، يجوز بيعها، إلا ما استثناه الشرع كالكلب وأم الولد. وقال أبو حنيفة: إن كان مع دود القز قز، جاز بيعه وإلا فلا، لأنه لا ينتفع بعينه؛ وقوله لا ينتفع بعينه، يبطل بالحيوانات التي لا يحصل منها سوى نفع النتاج. وقال القاضي: لا يجوز بيع النحل في كواراته، لأنه لا يمكن مشاهدة جميعه. وقال أبو الخطاب: يجوز كالصبرة. وفي بيع العلق التي ينتفع بها، كالتي تمص الدم، والديدان التي يصاد بها السمك، وجهان: أحدهما:
1 سورة النساء آية: 29.
2 سورة النساء آية: 6.
الجواز. ويجوز بيع الهر والفيل وسباع البهائم التي تصلح للصيد، إلا الكلب. وعن أحمد: أنه كره ثمن الهر، لما في صحيح مسلم:"أنه صلى الله عليه وسلم زجر عنه". ولنا: أنه حيوان يباح اقتناؤه، فجاز بيعه. ويمكن حمل الحديث على غير المملوك منها، وعلى ما لا نفع فيه. وقال ابن أبي موسى: لا يجوز بيع الفهد والصقر ونحوهما، لأنها نجسة كالكلب، وهذا يبطل بالبغل والحمار. وأما الكلب، فإن الشرع توعّد على اقتنائه، إلا للحاجة، ولقوله:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} ، 1 خرج منه ما استثناه الشرع. قال أحمد: أكره بيع القرد، قال ابن عقيل: هذا محمول على بيعه للعب، فأما بيعه لحفظ المتاع ونحوه فيجوز، كالصقر؛ وهذا مذهب الشافعي.
فأما بيع لبن الآدميات، فرويت الكراهة فيه عن أحمد. واختلف أصحابنا في جوازه. وقال أحمد: لا أعلم في بيع المصاحف رخصة، ورخص في شرائها. و"ممن كره بيعها: ابن عمر وابن عباس وأبو موسى". ورخص فيه الحسن والشافعي. ولنا: قول الصحابة، ولم نعلم لهم مخالفاًً في عصرهم. ولا يجوز بيعه لكافر، وبه قال الشافعي، وقد "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المسافرة بالقرآن إلى أرض العدو، مخافة أن تناله أيديهم".
ولا يجوز بيع الميتة والخنزير والدم، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على القول به.
ولا يجوز بيع الكلب، أي كلب كان، ورخص في ثمن كلب الصيد عطاء. وأجاز أبو حنيفة بيع الكلاب كلها. ولنا: ?"أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن". 2 متفق عليه. فأما الحديث: "أنه نهى
1 سورة البقرة آية: 275.
2 البخاري: البيوع (2237)، ومسلم: المساقاة (1567)، والترمذي: النكاح (1133) والبيوع (1276)، والنسائي: الصيد والذبائح (4292) والبيوع (4666)، وأبو داود: البيوع (3428، 3481)، وابن ماجة: التجارات (2159) ، وأحمد (4/118، 4/119، 4/120)، ومالك: البيوع (1363)، والدارمي: البيوع (2568) .
عن ثمن الكلب والسنور، إلا كلب صيد"، 1 فقال الترمذي: لا يصح إسناده، وقال الدارقطني: الصحيح أنه موقوف على جابر.
ولا يحل قتل الكلب المعلّم ولا غرم على قاتله. فأما قتل ما لا يباح إمساكه منها، فإن كان أسود بهيماً، أبيح قتله، لأنه شيطان، وكذلك الكلب العقور، لحديث: "خمس فواسق
…
إلخ". وما لا مضرة فيه، لا يباح قتله، "لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب، ثم نهى عنه وقال: عليكم بالأسود البهيم، ذي النقتطين؛ فإنه شيطان". 2 رواه مسلم.
ويحرم اقتناء الكلاب، إلا كلب الماشية والصيد والحرث، لقوله صلى الله عليه وسلم:"من اتخذ كلباً، إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع، نقص من أجره كل يوم قيراط". 3 متفق عليه. وإن اقتناه لحفظ البيوت لم يجز، للخبر؛ ويحتمل الإباحة، وهو قول بعض أصحاب الشافعي، لأنه في معنى الثلاثة. والأول أصح، لأن قياس غير الثلاثة عليها يبيح ما تناول الخبر تحريمه. ويجوز تربية الجرو الصغير، لأجل الثلاثة، في أقوى الوجهين. والثاني: لا يجوز، لأنه ليس من الثلاثة.
ولا يجوز بيع السرجين النجس، وقال أبو حنيفة: يجوز لأن أهل الأمصار يتبايعونه لزروعهم من غير نكير، فكان إجماعاً. ولنا: أنه مجمع على نجاسته، فلم يجز بيعه كالميتة. ولا يجوز بيع الحر ولا ما ليس بمملوك، كالمباحات قبل حيازتها، لا نعلم فيه خلافاً. ولا يجوز بيع الأدهان النجسة في ظاهر كلام أحمد، وعنه: يجوز بيعه لكافر يعلم نجاستها. وعن أبي موسى قال: "لتّوا به السويق وبيعوه، ولا تبيعوه من مسلم، وبيّنوه". والصحيح الأول، لقوله:"إن الله إذا حرّم شيئاّ حرّم ثمنه". 4 وفي جواز الاستصباح
1 مسلم: المساقاة (1569)، والترمذي: البيوع (1279)، والنسائي: البيوع (4668)، وأبو داود: البيوع (3479)، وابن ماجة: التجارات (2161) ، وأحمد (3/339، 3/349، 3/386) .
2 مسلم: المساقاة (1572) ، وأحمد (3/333) .
3 البخاري: المزارعة (2322)، ومسلم: المساقاة (1575)، والترمذي: الأحكام والفوائد (1489)، والنسائي: الصيد والذبائح (4289)، وأبو داود: الصيد (2844) ، وأحمد (2/345) .
4 أحمد (1/322) .
بها روايتان: روي عنه: أنه لا يجوز، لقوله:"وإن كان مائعاً، فلا تقربوه". وعنه: "إباحته، لأنه يروى عن ابن عمر"، وهو قول الشافعي. وكره أحمد أن يدهن منه الجلود، وقال: لا يجعل منه الأسقية. ونقل عن ابن عمر: "أنه يدهن بها الجلود"، وعجب أحمد من هذا. ولا يجوز بيع الترياق الذي فيه لحوم الحيات، لأن نفعه بالأكل، وهو محرم ولا يجوز التداوي به ولا بسمّ الأفاعي. فأما سم النبات، فإن أمكن التداوي بيسيره، جاز بيعه.
(الرابع) : أن يكون مملوكاً له أو مأذوناً له في بيعه، فإن باع ملك غيره أو اشترى بعين ماله شيئاً بغير إذنه، لم يصح، وعنه: يصح، ويقف على إجازة المالك. والأولى: مذهب الشافعي وابن المنذر. والثانية: قول مالك وإسحاق، وبه قال أبو حنيفة في البيع، وأما الشراء فيقع عنده للمشتري بكل حال، لما روى عروة البارقي:"أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ديناراً ليشتري به شاة، فاشترى به شاتين ثم باع إحداهما في الطريق بدينار، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بالدينار والشاة، فقال: بارك الله لك في صفقة يمينك ". 1 ووجه الأولى: قوله صلى الله عليه وسلم لحكيم: "لا تبع ما ليس عندك"، 2 ذكره جواباً له حين سأله أنه يبيع الشيء ويمضي ويشتريه ويسلّمه، وحديث عروة نحمله على أن وكالته مطلقة، لأنه سلّم وتسلّم، وليس ذلك لغير المالك أو وكيله باتفاقنا.
وإن اشترى في ذمته شيئاً لإنسان بغير إذنه صح، سواء نقد الثمن من مال الغير أم لا؛ فإن أجازه لزمه، وإلا لزم من اشتراه. وإن باع سلعة وصاحبها ساكت، فحكمه حكم ما لو باعها بغير إذنه، في قول الأكثرين. وقال ابن أبي ليلى: سكوته إقرار، لأنه يدل على الرضى، كسكوت البكر. ولنا: أن السكوت محتمل، فلم يكن إذناً، كسكوت الثيب. ولا يجوز بيع ما لا يملكه
1 البخاري: المناقب (3643)، والترمذي: البيوع (1258)، وأبو داود: البيوع (3384)، وابن ماجة: الأحكام (2402) .
2 الترمذي: البيوع (1232)، والنسائي: البيوع (4611، 4613)، وأبو داود: البيوع (3503، 3504)، وابن ماجة: التجارات (2188) ، وأحمد (2/174، 2/205، 3/402، 3/434) .
ليمضي ويشتريه ويسلّمه، رواية واحدة، ولا نعلم له مخالفاًً، لحديث حكيم بن حزام.
ولا يجوز بيع ما فتح عنوة ولم يقسم، كأرض الشام والعراق، إلا المساكن، وأرضاً من العراق فتحت صلحاً، وهذا قول أكثر أهل العلم. قال الأوزاعي: لم يزل أئمة المسلمين ينهون عن شراء أرض الجزية، ويكرهه علماؤهم. وقال الثوري: إذا أقر الإمام أهل العنوة في أرضهم، توارثوها وتبايعوها؛ وروي نحوه عن ابن سيرين والقرظي، لما روي:"أن ابن مسعود اشترى من دهقان أرضاً، على أن يكفيه جزيتها". وروي عن أحمد أنه قال: كان الشراء هو: أن يشتري الرجل ما يكفيه ويغنيه عن الناس، وهو رجل من المسلمين وكره البيع، قال شيخنا: وإنما رخص فيه لأن بعض الصحابة اشترى، ولم يسمع عنهم البيع. ولنا: إجماع الصحابة، فإن قيل: خالف ابن مسعود، قلنا لا نسلم. وقولهم: اشترى المراد: اكترى، كذا قال أبو عبيد، لأنه لا يكون مشترياً لها وجزيتها على غيره. وروى عنه القاسم أنه قال:"من أقر بالطسق فقد أقر بالصغار والذل". وإذا بيعت وحكم بصحته حاكم، صح كسائر المختلفات. وإن باع الإمام شيئاً لمصلحة رآها، مثل أن يكون في الأرض ما يحتاج إلى عمارة ولا يعمره إلا من يشتريه، صح أيضاً.
ولا يجوز بيع رباع مكة، ولا إجارتها، وعنه: يجوز، وهو أظهر في الحجة؛ وما روي من الأحاديث في خلافه، فهو ضعيف.
ولا يجوز بيع كل ماء عدّ كمياه العيون ونقع البئر، ولا ما في المعادن الجارية، ولا ما ينبت في أرضه من الكلإ والشوك. وأما نفس البئر وأرض العيون، فهو مملوك، والماء غير مملوك، والوجه الآخر: يملك، روي عن أحمد نحو ذلك.
فإنه قيل له: رجل له أرض ولآخر ماء، يشتركان في الزرع يكون بينهما؟ قال: لا بأس، وكذا الكلأ النابت في أرضه، فكله يخرج على الروايتين في الماء. قال الأثرم: سئل أبو عبد الله: عن قوم بينهم نهر، فجاء يومي ولا أحتاج إليه، أكريه بدراهم؟ قال: ما أدري. "أما النبي صلى الله عليه وسلم فنهى عن بيع الماء"، فقيل له: إنما أكريه، قال: إنما احتالوا بهذا ليحسنوه، فأي شيء هذا إلا البيع؟ وروى الأثرم أنه صلى الله عليه وسلم قال:"المسلمون شركاء في ثلاث: في النار، والكلإ، والماء"؛ 1 والخلاف فيه إنما هو قبل حيازته. فأما ما يحوزه من الماء في إنائه، أو يأخذه من الكلإ في حبله، أو يأخذه من المعادن، فإنه يملكه بغير خلاف، فإنه صلى الله عليه وسلم قال:"لأن يأخذ أحدكم حبلاً فيأخذ حزمة من حطب، فيبيع فيكفّ بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس أُعطي أو مُنع". 2 رواه البخاري. وروى أبو عبيد: "أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الماء، إلا ما حمل منه". وعلى هذا مضت العادة في الأمصار من غير نكير. قال أحمد: إنما نهي عن بيع فضل ماء البئر والعيون في قراره، و"قد اشترى عثمان بئر رومة من يهودي، وسبّلها للمسلمين"، وروي:"أنه اشترى منه نصفها وقال: اختر إما أن تأخذ يوماً وآخذ يوماً، وإما أن تنصب دلواً وأنصب دلواً. فاختار يوماً ويوماً. فكان الناس يسقون منها يوم عثمان لليومين. فقال اليهودي: أفسدت عليَّ بئري، فاشترِ باقيها. فاشترى باقيها". وفيه دليل على صحة بيعها، وملك ما يستقيه منها، وجواز قسمة مائها، وكون مالكها أحق بمائها، وجواز قسمة ما فيه حق وليس بمملوك.
وإذا اشترى ممن في ماله حلال وحرام، كالسلطان الظالم والمرابي، فإن علم أن المبيع من حلال فهو حلال، وإن علم أنه من الحرام فهو حرام، وإن لم يعلم من أيهما
1 أبو داود: البيوع (3477) ، وأحمد (5/364) .
2 البخاري: الزكاة (1471)، وابن ماجة: الزكاة (1836) ، وأحمد (1/164، 1/167) .
هو كره ولم يبطل البيع. وهذه هي الشبهة؛ وبقدر كثرة الحرام وقلّته تكثر الشبهة وتقل، لحديث النعمان بن بشير. والمشكوك فيه على ثلاثة أضرب:
الأول: ما أصله الحظر، كالذبيحة في بلد فيها مجوس وعبدة أوثان يذبحون، فإنه لا يجوز شراؤها، وإن جاز أن تكون ذبيحة مسلم، لأن الأصل التحريم؛ والأصل فيه حديث عدي:"إذا أرسلت كلبك فخالط أكلباً لم يسمّ عليها، فلا تأكل؛ فإنك لا تدري أيهما قتله". 1 متفق عليه. فإن كان ذلك في بلد الإسلام، فالظاهر إباحتها، لأن المسلمين لا يقرّون بيع ما لا يجوز بيعه ظاهراً.
الثاني: ما أصله الإباحة، كالماء يجده متغيراً لا يعلم بنجاسة تغير أو غيرها، فهو طاهر لأن الأصل الطهارة؛ والأصل فيه حديث عبد الله بن زيد قال:"شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم: الرجل يُخيّل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة؟ قال: لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً". 2 متفق عليه.
والثالث: ما لا يعرف له أصل كرجل في ماله حلال وحرام، فهذا هو الشبهة. وكان أحمد لا يقبل جوائز السلطان، وذلك على سبيل الورع، فإنه قال: جوائز السلطان أحب إلي من الصدقة. وقال: ليس أحدٌ من المسلمين إلا له في هذه الدراهم نصيب، فكيف أقول: إنها سحت. و"ممن كان يقبل جوائزهم: ابن عمر وابن عباس"، ورخص فيه الحسن ومكحول والزهري. واحتج بعضهم بـ"أنه صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً، ومات ودرعه مرهونة عنده". 3 و"أجاب يهودياً دعاه، وأكل من طعامه". وقد أخبر الله أنهم {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} . 4 قال أحمد فيمن معه ثلاثة دراهم فيها درهم حرام: يتصدق بالثلاثة. وإن كان معه مائتا درهم فيها عشرة حرام، يتصدق بالعشرة،
1 البخاري: الوضوء (175)، ومسلم: الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1929)، والترمذي: الصيد (1470)، والنسائي: الصيد والذبائح (4263، 4264)، وأبو داود: الصيد (2849)، وابن ماجة: الصيد (3208) ، وأحمد (4/256، 4/257)، والدارمي: الصيد (2002) .
2 البخاري: الوضوء (137)، ومسلم: الحيض (361)، والنسائي: الطهارة (160)، وأبو داود: الطهارة (176)، وابن ماجة: الطهارة وسننها (513) ، وأحمد (4/39) .
3 البخاري: السلم (2252)، ومسلم: المساقاة (1603)، والنسائي: البيوع (4609)، وابن ماجة: الأحكام (2436) ، وأحمد (6/160، 6/230) .
4 سورة المائدة آية: 42.
لأن هذا كثير. قيل له: قال سفيان: ما كان دون العشرة يتصدق به، وما كان أكثر يخرج. قال: نعم. لا يجحف به، ولأن تحريمه لم يكن لتحريم عينه، وإنما حرم لتعلق حق غيره به، فإذا أخرج عوضه زال التحريم.
(الخامس) : أن يكون مقدوراً على تسليمه، فلا يجوز بيع الآبق والشارد والطير في الهواء، وعن ابن عمر:"أنه اشترى من بعض ولده بعيراً شارداً"، وعن ابن سيرين: لا بأس ببيع الآبق إذا كان علمهما فيه واحداً. ولنا: "أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر". 1 [ثبت في الصحيح: "أنه نهى عن بيع الغرر" يتناول كل ما فيه مخاطرة، كبيع الثمار قبل بدوّ صلاحها، وبيع الأجنّة في البطون، وغير ذلك]2.
ولا يجوز بيع السمك في الآجام، روي عن ابن مسعود:"أنه نهى عنه وقال: إنه غرر"، وكرهه الحسن والنخعي، ولا نعلم لهم مخالفاًً. وروي عن عمر بن عبد العزيز فيمن له أجمة يحبس السمك فيها: يجوز بيعه. ولا يجوز بيع المغصوب، لعدم إمكان تسليمه؛ فإن باعه لغاصبه أو لقادر على أخذه جاز، وإن ظن أنه قادر صح البيع، فإن عجز فله الخيار بين الفسخ والإمضاء.
(السادس) : أن يكون معلوماً برؤية أو صفة، فإن اشترى ما لم يرهُ ولم يوصف له لم يصح، وعنه: يصح، وللمشتري خيار الرؤية، لعموم قوله:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} ، 3 ولما روي عن عثمان وطلحة:"أنهما تبايعا داريهما، إحداهما بالكوفة والأخرى بالمدينة. فقيل لعثمان: إنك قد غبنت، فقال: ما أبالي، لأني بعت ما لم أره. وقيل لطلحة، فقال: لي الخيار لأني اشتريت ما لم أره. فتحاكما إلى جبير، فجعل الخيار لطلحة" ولنا: "أنه صلى الله عليه وسلم نهى
1 ابن ماجة: التجارات (2195) ، وأحمد (1/302) .
2 زيادة من المخطوطة.
3 سورة البقرة آية: 275.
عن بيع الغرر"، 1 وحديث عثمان وطلحة يحتمل أنهما تبايعا بالصفة، وإن قلنا بالصحة فباع ما لم يره فله الخيار عند الرؤية، وإن لم يره المشتري فلكل الخيار. وقال أبو حنيفة: لا خيار للبائع، لحديث عثمان. ولنا: أنه جاهل، فأشبه المشتري بصفة المعقود عليه. وإن ذكر له من صفته ما يكفي في السلم، ورآه ثم عقدا بعد ذلك بزمن لا يتغير فيه ظاهراً، صح في إحدى الروايتين. ثم إن وجده لم يتغير فلا خيار له. وإن وجده متغيراً فله الفسخ. والقول في ذلك قول المشتري مع يمينه، لأن الأصل براءة ذمته من الثمن.
ولا يجوز بيع الحمل في البطن، واللبن في الضرع، والمسك في الفأر، والنوى في التمر، قال ابن المنذر: أجمعوا على أن بيع الملاقيح والمضامين غير جائز. قال أبو عبيد: الملاقيح: ما في البطن، والمضامين: ما في أصلاب الفحول. "ونهى صلى الله عليه وسلم عن بيع حبل الحبلة"، 2 ومعناه: نتاج النتاج. وعن ابن عمر "كان أهل الجاهلية يتبايعون لحم الجزور إلى حبل الحبلة، وحبل الحبلة أن تنتج الناقة ثم تحمل التي نتجت، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم". ولا يجوز بيع اللبن في الضرع، لما روى ابن عباس، مرفوعاً:"نهى عن أن يباع صوف على ظهر، أو لبن في ضرع". [رواه ابن ماجة، وحكي عن مالك أنه يجوز أياماً معلومة إذا عرفا حلابها، كلبن الظئر] ، 3 وأجازه الحسن وغيره. ولا يجوز بيع المسك في الفأر، وقال بعض الشافعية: يجوز لأن بقاءه في فأره مصلحة له، أشبه ما مأكوله في جوفه. وأما الصوف على الظهر فالمشهور أنه لا يجوز، وعنه: يجوز بشرط جزّه في الحال. فأما بيع الأعمى وشراؤه فإن أمكنه معرفة المبيع بالذوق أو الشم صح، وإلا جاز بيعه بالصفة، وله خيار الخلف في الصفة. وقال أبو حنيفة: له الخيار إلى معرفة المبيع.
1 ابن ماجة: التجارات (2195) ، وأحمد (1/302) .
2 البخاري: البيوع (2143)، ومسلم: البيوع (1514)، والترمذي: البيوع (1229)، والنسائي: البيوع (4623، 4624، 4625)، وأبو داود: البيوع (3380)، وابن ماجة: التجارات (2197) ، وأحمد (1/56، 2/5، 2/10، 2/15، 2/76، 2/80، 2/108، 2/144)، ومالك: البيوع (1357) .
3 زيادة من المخطوطة.
ولا يجوز بيع الملامسة، وهو أن يقول: بعتك ثوبي هذا على أنك متى لمسته فهو عليك بكذا، أو يقول: أي ثوب لمسته فهو لك بكذا، ولا بيع المنابذة، وهو أن يقول: أي ثوب نبذته إليَّ فهو عليّ بكذا، ولا بيع الحصاة وهو أن يقول: ارم هذه الحصاة فعلى أي ثوب وقعت فهو لك بكذا، أو بعتك من هذه الأرض قدر ما تبلغ هذه الحصاة إذا رميتها بكذا، لا نعلم فيه خلافاً. وفي البخاري:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المنابذة"، 1 وهو طرح الرجل ثوبه [بالبيع إلى الرجل، قبل أن يقلبه أو ينظر إليه، ونهى عن الملامسة، والملامسة: لمس الثوب لا ينظر إليه]2.
ولا يجوز بيع عبد غير معيّن، ولا شجرة من بستان، ولا هذا القطيع إلا شاة غير معيّنة. وإن استثنى معيّنا من ذلك جاز، وقال مالك: يصح أن يبيع مائة شاة إلا شاة يختارها، وبيع ثمرة بستان ويستثنى ثمرة نخلات يعدّها. ولنا:"أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا، إلا أن تعلم". 3 قال الترمذي: حديث صحيح. وإن استثنى معيّناً جاز، لا نعلم فيه خلافاً. وإن باع قفيزاً من هذه الصبرة صح، لأنه معلوم. وإن باعه الصبرة إلا قفيزاً، أو ثمرة شجرة إلا صاعاً، لم يصح؛ وعنه: يصح، لأنها ثنيا معلومة. روي عن ابن عمر:"أنه باع ثمرة بأربعة آلاف، واستثنى طعام الفتيان". وإن باع حيواناً واستثنى ثلثه جاز، وإن باعه أرضاً إلا جريباً، أو جريباً من أرض يعلمان جربانها، صح وكان مشاعاً فيها، وإلا لم يصح. وإن باعه حيواناً مأكولاً إلا جلده أو رأسه أو أطرافه صح، نص عليه، وقال الشافعي: لا يجوز. ولنا: "أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا إلا أن تعلم"، 4 وهذه معلومة. وروى أبو بكر في الشافي عن الشعبي قال: (قضى زيد بن ثابت وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بقرة باعها رجل
1 البخاري: البيوع (2144)، وابن ماجة: التجارات (2170) ، وأحمد (3/6، 3/95) .
2 زيادة من المخطوطة.
3 النسائي: الأيمان والنذور (3880) .
4 النسائي: الأيمان والنذور (3880) .
واشترط رأسها، فقضى بالشروى يعني: أن يعطي رأساً مثل رأس (، فإن امتنع المشتري من ذبحها، لم يجبر ويلزمه قيمته، نص عليه، لما روي عن عليّ: (أنه قضى في رجل اشترى ناقة، واشترط ثنياها، وقال: اذهبوا إلى السوق، فإذا بلغت أقصى ثمنها، فأعطوه بحساب ثنياها من ثمنها (. فإن استثنى شحم الحيوان لم يصح، نص عليه أحمد. وإن استثنى الحمل لم يصح، وعنه: صحته، وبه قال إسحاق، لما روى نافع: (أن ابن عمر باع جارية واستثنى ما في بطنها (، والصحيح من حديثه: (أنه أعتق جارية (، لأن الثقات الحفاظ قالوا: (أعتق جارية (والإسناد واحد. وإن باع جارية حاملا بحرّ، فقال القاضي: لا يصح، والأولى صحته. وقد يستثنى بالشرع ما لا يصح استثناؤه باللفظ، كما لو باع جارية مزوّجة.
ويجوز بيع ما مأكوله في جوفه، لا نعلم فيه خلافاً. ويجوز بيع الطلع قبل تشققه مقطوعاً وفي شجره، وبيع الحب المشتد في سنبله. ويجوز بيع الجوز واللوز والباقلاء في قشره مقطوعاً وفي شجره. وقال الشافعي: لا يجوز حتى ينزع قشره الأعلى، لأنه مستور. ولنا:"أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها". 1 والحيوان المذبوح يجوز بيعه في سلخه.
(السابع) : أن يكون الثمن معلوماً، فإن باعه بمائة ذهباً وفضة لم يصح، وقال أبو حنيفة: يصح، ويكون نصفين. وإن قال: بعتك بعشرة صحاح، أو إحدى عشرة مكسرة، وبعشرة نقداً، أو عشرين نسيئة، لم يصح، لأنه صلى الله عليه وسلم "نهى عن بيعتين في بيعة". 2 وهذا هو كذلك فسّره مالك وغيره، وهذا قول أكثر أهل العلم. وروي عن طاووس والحكم وحماد أنهم قالوا: لا بأس أن يقول: أبيعك بالنقد بكذا، وبالنسيئة بكذا، فيذهب إلى أحدهما. وروي عن أحمد فيمن قال: إن خطته اليوم فلك درهم، وإن خطته غداً فلك نصف
1 البخاري: الزكاة (1487)، ومسلم: البيوع (1536)، والنسائي: البيوع (4523)، وأبو داود: البيوع (3373)، وابن ماجة: التجارات (2216) ، وأحمد (3/372، 3/381) .
2 الترمذي: البيوع (1231)، والنسائي: البيوع (4632) .
درهم، أنه يصح، فيحتمل أن يلحق به البيع وأن يفرق بينهما. وإن باعه الصبرة كل قفيز بدرهم صحَّ، وإن لم يعلما قدرها. وقال أبو حنيفة: يصح في قفيز واحد، ويبطل فيما سواه، لأن جملة الثمن مجهولة. وإن باعه من الصبرة كل قفيز بدرهم لم يصح، لأن العدد منها مجهول، ويحتمل أن يصح بناء على قوله، إذا أجر كل شهر بدرهم، قال ابن عقيل: هو الأشبه. وإن قال: بعتك هذه الصبرة بعشرة على أن أزيدك قفيزاً أو أنقصك قفيزاً لم يصح، لأنه مجهول. وإن قال: قفيزاً من هذه الصبرة الأخرى، أو وصفه بصفة يعلم بها، صح.
ويصح بيع الصبرة جزافاً مع جهلهما بقدرها، لا نعلم فيه خلافاً لقول ابن عمر: "كنا نشتري الطعام جزافاً
…
إلخ". ولا يضر عدم مشاهدة باطن الصبرة. وكذلك لو قال: بعتك نصفها أو جزءاً منها معلوماً. ولا فرق بين الأثمان والمثمنات في صحة بيعها جزافاً. وقال مالك: لا يصح في الأثمان، لأن لها خطراً، ولا يشق وزنها ولا عددها. وإن كان البائع يعلم قدر الصبرة، لم يجز بيعها جزافاً؛ وكرهه عطاء وابن سيرين ومجاهد، وبه قال مالك وإسحاق. قال مالك: لم يزل أهل العلم ينهون عن ذلك، ولم ير الشافعي بذلك بأساً، لأنه إذا جاز مع جهلهما فمع العلم من أحدهما أولى. وروى الأوزاعي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من عرف مبلغ شيء، فلا يبعه جزافاً حتى يبيِّنه". وقال القاضي وأصحابه: هذا بمنزلة التدليس، إن علم به المشتري فلا خيار له، وإن لم يعلم فله الخيار، وهذا قول مالك. [وذهب بعض أصحابه إلى أن البيع فاسد، والنهي يقتضي الفساد] . 1 فإن أخبره بكيله ثم باعه بذلك صح، فإن قبضه باكتياله تم. وإن قبضه بغير كيل كان بمنزلة قبضه جزافاً. فإن كان المبيع باقياً كاله، فإن كان قدر حقه فقد استوفى، وإن زاد
1 زيادة من المخطوطة.
رد الفضل، وإن كان ناقصاً أخذ نقصه. وإن تلف فالقول قول القابض في قدره بيمينه. وليس للمشتري التصرف في الجميع قبل كيله، لأن للبائع فيه علقة. ولا يتصرف في أقل من حقه بغير كيل، لأن ذلك يمنع من معرفة كيله. وإن تصرف فيما يتحقق أنه مستحق له، مثل أن يكون حقه قفيزاً فيتصرف في ذلك أو في أقل منه بالكيل، ففيه وجهان. فأما إن أعلمه بكيله ثم باعه إياه مجازفة، على أنه له بذلك الثمن زاد أو نقص، لم يجز، لما روى الأثرم بإسناده عن الحكم قال:"قدم طعام لعثمان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اذهبوا بنا إلى عثمان لنعينه على طعامه. فقام إلى جنبه، فقال عثمان: في هذه الغرارة كذا وكذا، وأبيعها بكذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سميت الكيل فكِل". قال أحمد: إذا أخبره البائع أن في كل قارورة منّا، فأخذ بذلك ولا يكتاله، فلا يعجبني، لقوله لعثمان:"إذا سميت الكيل فكِلْ". قيل له: إنهم يقولون: إذا فتح فسد، قال: فلِم لا يفتحون واحدة ويذرون الباقي. ولو كال طعاماً وآخر يشاهده، فلمن يشاهده شراؤه بغير كيل ثان، وعنه: يحتاج إلى كيل، للخبر. ولو كاله البائع للمشتري ثم اشتراه منه فكذلك، لما ذكرناه.
وإن اشترى اثنان طعاماً فاكتالاه، ثم اشترى أحدهما حصة شريكه قبل تفرقهما، فهو جائز؛ وإن لم يحضر المشتري الكيل لم يجز إلا بكيل. وقال ابن أبي موسى: فيه رواية أخرى: لا بد من كيله. وإن باعه الثاني في هذه المواضع على أنه صبرة جاز، ولم يحتج إلى كيل ثان، وقبضه بنقله كالصبرة. قال أحمد، في رجل يشتري الجوز فيعد في مكيل ألف جوزة، ثم يأخذ الجوز كله على ذلك العيار: لا يجوز. وقال في رجل ابتاع أعكاماً كيلاً، وقال للبائع: كل لي عكماً منها، وآخذ ما بقي على هذا الكيل: أكره هذا.
يكتالها كلها. قال الثوري: كان أصحابنا يكرهون هذا، وذلك لأن ما في العكوم يختلف، والجوز يختلف. وإن باعه الأدهان في ظروفها جملة وقد شاهدها جاز، وكذلك العسل والدبس والمائعات التي لا تختلف. وإن وجد في ظرف الدهن ربّا، فقال ابن المنذر: قال أحمد وإسحاق: إن كان سمّاناً عنده سمن، أعطاه بوزنه سمناً، وإلا أعطاه بقدر الربّ من الثمن؛ وألزمه شريح بقدر الربّ سمناً بكل حال. وإن باعه بمائة درهم إلا ديناراً لم يصح، ذكره القاضي، ويجيء على قول الخرقي أنه يصح.
فصل في تفريق الصفقة
وله ثلاث صور:
إحداها: بيع معلوم ومجهول، كهذه الفرس وما في بطن الأخرى بكذا، فهو باطل بكل حال، لا أعلم فيه خلافاً، لأن المعلوم مجهول الثمن، ولا سبيل إلى معرفته، لأن المجهول لا يمكن تقويمه.
الثانية: باعه مشاعاً بينه وبين غيره بغير إذن شريكه، كعبد مشترك بينهما، صح في نصيبه بقسطه، ويفسد في نصيب الآخر. والثاني: لا يصح فيهما. وأصل الوجهين: أن أحمد نص فيمن تزوج حرة وأمة على روايتين: إحداهما: يفسد فيهما. والثانية: يصح في الحرة. والأول: قول مالك وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي، وقال في الآخر: لا يصح كالجمع بين الأختين وبيع الدرهم بدرهمين. ووجه الأولى: أن البيع سبب اقتضى الحكم في محلين، فامتنع حكمه في أحدهما لسهوه عن قبوله، فيصح في الآخر. وأما الدرهمان والأختان فليس واحد منهما أولى بالفساد من الآخر، فكذلك فيهما؛ ومتى حكمنا بالصحة هنا، فلا خيار لمشتر علم بالحال، وإلا فله الخيار، ولا خيار للبائع. ولو وقع العقد على شيئين يفتقر إلى القبض فيهما فتلف أحدهما قبل قبضه، فقال القاضي: للمشتري الخيار بين إمساك الباقي بحصته وبين الفسخ.
الثالثة: باع عبده وعبد غيره بغير إذنه، أو عبداً وحراً، ففيه روايتان:
إحداهما: يصح في أحدهما بقسطه. والثانية: يبطل الجميع. وللشافعي قولان. وأبطل مالك العقد فيهما، إلا أن يبيعه ملكه وملك غيره، فيصح في ملكه ويقف في ملك غيره على الإجازة. ونحوه قول أبي حنيفة، فإنه قال: إن كان أحدهما لا يصح بيعه بنص ولا إجماع، كالحرّ والخمر، لم يصح فيهما، وإن لم يثبت بذلك كملكه وملك غيره صح فيما يملكه. ومتى قلنا بالصحة، فللمشتري الخيار إذا لم يكن عالماً به. والحكم في الرهن والهبة وسائر العقود إذا جمعت ما يجوز وما لا يجوز كالحكم في البيع. وإن باع عبده وعبد غيره بإذنه بثمن واحد، فهل يصح؟ على وجهين: أحدهما: يصح، ويتقسط الثمن على قدر قيمتهما، وهو قول مالك وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي. وإن جمع بين بيع وإجارة، أو بيع وصرف، صح، ويتقسط العوض عليهما في أحد الوجهين.
ولا يحل البيع بعد نداء الجمعة قبل الصلاة، فإن باع لم يصح، للنهي عنه.. ولا يثبت الحكم في حق من لا تجب عليه، وذكر ابن أبي موسى روايتين لعموم النهي، وذكرالقاضي رواية: أن البيع يحرم بزوال الشمس. ويصح النكاح وسائر العقود، لأن النهي مختص بالبيع وغيره ولا يساويه في الشغل لقلة وجوده.
ولا يصح بيع العصير لمن يتخذه خمراً، ولا بيع السلاح في الفتنة أو لأهل الحرب. وحكى ابن المنذر عن الحسن وغيره: أنه لا بأس ببيع التمر ممن يتخذه مسكراً، قال الثوري: بع الحلال ممن شئت. ولنا: قوله تعالى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} ، 1 فإن باعها لمن يتخذها خمراً، فالبيع باطل، ويحتمل أن يصح، وهو مذهب الشافعي، لأن المحرم في ذلك اعتقاده
1 سورة المائدة آية: 2.
بالعقد دونه، فلم يمنع الصحة كالتدليس. ولنا: أنه عقد على عين المعصية، كإجارة الأمة للزنى. وأما التدليس فهو المحرم دون العقد، ولأن التحريم هنا لحقّ الله، والتدليس لحق آدمي؛ وهكذا الحكم في كل ما قصد به الحرام، كبيع السلاح في الفتنة أو لقطاع الطريق، وبيع الأمة للغناء. ونص أحمد على مسائل نبه بها على ذلك، فقال في القصاب والخباز: إذا علم أن من اشترى منه يدعو عليه من يشرب المسكر، لا يبيعه. ومن يخرط الأقداح لا يبيعها لمن يشرب فيها. ونهى عن بيع الديباج للرجال. وقال في رجل مات وخلف جارية مغنية وولداً يتيماً تساوي ثلاثين ألف درهم، فإذا بيعت ساذجة تساوي عشرين ديناراً فقال: لا تباع إلا على أنها ساذجة. وحكى ابن المنذر الإجماع أن بيع الخمر غير جائز. وعن أبي حنيفة: يجوز للمسلم أن يوكل ذمياً في بيعها وشرائها، ومن وكلهم في بيعها وأكل ثمنها فقد أشبههم، والتوكيل فيه كالميتة والخنزير.
ولا يصح بيع العبد المسلم لكافر، إلا أن يكون ممن يعتق عليه، وقال أبو حنيفة: يصح ويجبر على إزالة ملكه.
وإن أسلم عبد لذمّي، أجبر على إزالة ملكه عنه، لأنه لا يجوز استدامة الملك للكافر على المسلم إجماعاً، وليس له كتابته لأنها لا تزيل الملك عنه. ولا يجوز بيع الرجل على بيع أخيه، وهو أن يقول لمن اشترى سلعة بعشرة: أنا أعطيك مثلها بتسعة، ولا شراؤه على شرائه وهو أن يقول لمن باع سلعة بتسعة: عندي فيها عشرة، ليفسخ. فإن فعل فهل يصح؟ على وجهين.
وروى مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يسم الرجل على سوم أخيه"، 1 ولا يخلو من أربعة أقسام:
1 صحيح البخاري: كتاب الشروط (2727)، وصحيح مسلم: كتاب النكاح (1413) وكتاب البيوع (1515)، وسنن الترمذي: كتاب البيوع (1292)، وسنن النسائي: كتاب البيوع (4491، 4502) ، ومسند أحمد (2/411، 2/427، 2/457، 2/462، 2/487، 2/512، 2/516، 2/529) .
أحدها: أن يوجد من البائع صريح الرضى بالبيع، فهذا يحرم السوم عليه.
الثاني: أن يظهر منه ما يدل على عدم الرضى، فلا يحرم، "لأنه صلى الله عليه وسلم باع فيمن يزيد"، حسنه الترمذي، وهذا إجماعاً، فإن المسلمين يتبايعون في أسواقهم بالمزايدة.
الثالث: أن لا يوجد منه ما يدل على الرضى ولا عدمه، فلا يحرم السوم أيضاً، استدلالا بحديث فاطمة بنت قيس حين ذكرت له "أن معاوية وأبا جهم خطباها، فأمرها أن تنكح أسامة؛ وقد نهى عن الخطبة على خطبة أخيه، كما نهى عن السوم على سومه".
الرابع: أن يظهر منه ما يدل على الرضى من غير تصريح، فقال القاضي: لا يحرم، وذكر أن أحمد نص عليه في الخطبة استدلالاً بحديث فاطمة، لأن الأصل إباحة السوم والخطبة، فخرج منه التصريح بالنص. قال شيخنا: ولو قيل بالتحريم ههنا، لكان حسناً، فإن النهي عام خرجت منه الصورة المخصوصة بأدلتها، فتبقى هذه على العموم؛ وليس في حديث فاطمة ما يدل على الرضى، لأنها جاءت مستشيرة، فكيف ترضى وقد نهاها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:"لا تفوتينا بنفسك"1.
وبيع التلجئة باطل، لأنهما لم يقصداه، كالهازلين، وهو أن يخاف أن يأخذ السلطان أو غيره ماله، فيواطئ رجلاً على أن يظهر أنه اشتراه منه ليحتمي به، ولا يريدان بيعاً حقيقياً.
وفي بيع الحاضر للبادي روايتان: إحداهما: يصح. والأخرى: لا يصح بخمسة شروط: أن يحضر البادي لبيع سلعته بسعر يومها، جاهلاً بسعرها،
1 مسلم: الطلاق (1480) .
ويقصده الحاضر، وبالناس حاجة إليها. وظاهر كلام الخرقي: أنه يحرم بثلاثة شروط:
أحدها: أن يكون الحاضر قصد البادي ليتولى البيع، فإن كان هو القاصد للحاضر جاز، لأن التضييق حصل منه لا من الحاضر.
الثاني: أن يكون البادي جاهلاً بالسعر، قال أحمد: إذا كان البادي عارفاً بالسعر لم يحرم، لأن التوسعة لا تحصل بتركه بيعها.
الثالث: أن يكون جلبها للبيع، فإن جاء بها ليأكلها أو يخزنها فليس لبيع الحاضر له تضييق.
وذكر القاضي شرطين آخرين:
أحدهما: أن يكون مريداً لبيعها بسعر يومها، فإن كان في نفسه ألا يبيعها رخيصة، فليس في بيعه تضييق.
الثاني: أن يكون بالناس حاجة إليها وضرر في تأخير بيعها. فأما شراؤه له فيصح، رواية واحدة؛ وكرهه طائفة أخرى، فروي عن أنس قال:"كان يقال: هي كلمة جامعة تقول: "لا تبيعنّ له شيئاً، ولا تبتاعنّ له شيئاً"". وأما إن أشار الحاضر عليه من غير أن يباشر البيع، فقد رخص فيه طلحة بن عبيد الله وابن المنذر، وكرهه مالك والليث، وقول الصحابي أولى. وليس للإمام أن يسعّر على الناس، بل يبيع الناس أموالهم على ما يختارون. وكان مالك يقول: يقال لمن يريد أن يبيع أقل مما يبيع الناس: بع كما يبيع الناس وإلا فاخرج عنا، واحتج بقول عمر لحاطب. ولنا: قوله صلى الله عليه وسلم: "إني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد يطلبني بمظلمة في دم ولا مال"، 1 وأمّا حديث عمر فقد روي فيه: "أنه لما رجع حاسَب نفسه، ثم أتى حاطباً فقال:
1 الترمذي: البيوع (1314)، وأبو داود: البيوع (3451)، وابن ماجة: التجارات (2200) ، وأحمد (3/156، 3/286)، والدارمي: البيوع (2545) .
إن الذي قلت لك ليس بعزيمة مني ولا قضاء، وإنما هو شيء أردت به الخير لأهل البلد؛ فبع كيف شئت".
و"من باع سلعة بنسيئة، لم يجز أن يشتريها بأقل مما باعها به، إلا إن تغيّرت صفتها"، روي ذلك عن ابن عباس والحسن وغيرهما، وأجازه الشافعي. ولنا: حديث عائشة، وقال ابن عباس في مثل هذه:"أرى مائة بخمسين، بينهما حريرة"، يعني: خرقة جعلاها في بيعها. والذرائع معتبرة، فإذا اشتراها بعرض أو كان بيعها الأول بعرض، فاشتراها بنقد، جاز بيعها لا نعلم فيه خلافاً، لأن التحريم لشبهة الربا؛ ولا ربا بين الأثمان والعروض. فإن باعها بنقد، ثم اشتراها بنقد آخر، فقال أصحابنا: يجوز، لأنه لا يحرم التفاضل بينهما. وقال أبو حنيفة: لا يجوز، لأنهما كالشيء الواحد في معنى الثمنية، وقال شيخنا: وهذا أصح، إن شاء الله. وهذه مسألة العِينة، روى أبو داود عن ابن عمر، مرفوعاً:"إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم"، 1 وهذا وعيد يدل على التحريم. وروي عن أحمد أنه قال: العِينة: أن يكون عند الرجل المتاع فلا يبيعه إلا بنسيئة، فإن باع بنقد ونسيئة، فلا بأس. وقال: أكره للرجل ألا يكون له تجارة غير العينة، لا يبيع بنقد. قال ابن عقيل: إنما كره لمضارعته الربا. فإن باع سلعة بنقد، ثم اشتراها بأكثر منه نسيئة، فقال أحمد: لا يجوز، إلا أن تتغير السلعة.
وإن باع ما يجري فيه الربا بنسيئة، ثم اشترى منه بثمنه قبل قبضه من جنسه، وما لا يجوز بيعه به نسيئة، لم يصح، روي ذلك عن ابن عمر وغيره. وأجازه سعيد بن جبير وعلي بن الحسين والشافعي. ووجه التحريم: أنه ذريعة إلى
1 أبو داود: البيوع (3462) .
بيع الطعام بالطعام نسيئة، قال شيخنا: والذي يقوى عندي جواز ذلك إذا لم يفعله حيلة، ولا قصده في ابتداء العقد، كما قال علي بن الحسين.
والاحتكار حرام بثلاثة شروط:
أحدها: أن يشتري، قال الأوزاعي: الجالب ليس بمحتكر، لقوله:"الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون"1.
الثاني: أن يكون قوتا، فأما الإدام والعسل والزيتون وعلف البهائم فليس احتكاراً محرماً. قال أحمد: إذا كان من قوت الناس، فهو الذي يكره. وكان ابن المسيب يحتكر الزيت، وهو راوي الحديث.
الثالث: أن يضيق على الناس بشرائه، ولا يحصل إلا بأمرين:
أحدهما: أن يكون في بلد يضيق بأهلها الاحتكار، كالحرمين، قال أحمد: فظاهره أن البلد الواسعة كبغداد، لا يحرم فيها لأنه لا يؤثر غالباً.
الثاني: أن يكون في حال الضيق، فإن اشترى في حال الاتساع على وجه لا يضيق على أحد، لم يحرم.
ويستحب الإشهاد في البيع، لقوله تعالى {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} ، 2 وأقل أحواله الندب. ويختص بما له خطر، فأما حوائج العطار والبقال وشبهها فلا يستحب، لأنه مما يشق ويقبح الإشهاد وإقامة البينة عليها. وقال قوم:"الإشهاد فرض"، روي عن ابن عباس وغيره، لظاهر الأمر، وقياساً على النكاح. ولنا: قوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} ، 3 قال أبو سعيد: صار الأمر إلى الأمانة، وتلا هذه الآية، و"لأن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من رجل فرساً ولم ينقل أنه أشهد، حتى شهد له خزيمة". وكان الصحابة يتبايعون في عصره بالأسواق، فلم يأمرهم بالإشهاد، ولا نقل
1 ابن ماجة: التجارات (2153)، والدارمي: البيوع (2544) .
2 سورة البقرة آية: 282.
3 سورة البقرة آية: 283.
عنهم فعله. والآية المراد بها الإرشاد إلى حفظ الأموال كما أمر بالرهن والكاتب، وليس بواجب. ويكره البيع والشراء في المسجد، والبيع صحيح؛ وكراهته لا توجب الفساد كالغش والتصرية، وفي قوله:" قولوا: لا أربح الله تجارتك" 1 دليل على صحته.
ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":
واختار الشيخ صحة البيع بكل ما عدّه الناس بيعاً، من متعاقب ومتراخ ومن قول أو فعل. وقال أيضاً: تجهيز المرأة بجهاز إلى بيت زوجها تمليك. و"لا بأس بذوق المبيع عند المشتري"، نص عليه، لقول ابن عباس. ولو أكره على وزن مال فباع لذلك ملكه، كره الشراء وصح، وهو بيع المضطر. ونقل حنبل تحريمه وكراهته، واختار الشيخ تقي الدين الصحة من غير كراهة، وقال: من استولى على ملك غيره ظلماً، فطلبه صاحبه فجحده أو منعه إياه حتى يبيعه على هذا الوجه، فهذا مكره بغير حق. وسأله ابن الحكم عن رجل يقر بالعبودية حتى يباع، قال: يؤخذ البائع والمقر بالثمن؛ فإن مات أحدهما، أخد الآخر بالثمن. واختاره الشيخ تقي الدين، قال في الفروع: ويتوجه هذا في كل غارّ. وقال مهنا: سألت أبا عبد الله: عن السلم في البعر والسرجين؟ قال: لا بأس به. وفي جواز الاستصباح بها أي: الأدهان النجسة، روايتان.
إحداهما: يجوز، وهو المذهب، اختاره الشيخ تقي الدين وغيره. واختار أيضاً جواز الانتفاع بالنجاسات، وقال: سواء في ذلك شحم الميتة وغيره، أومأ إليه في رواية ابن منصور؛ وإنما حرم بيع رباع مكة وإجارتها، لأن الحرم حريم البيت والمسجد الحرام، وقد جعله الله للناس سواء العاكف فيه والباد، فلا يجوز لأحد التخصيص بملكه وتحجيره؛ لكن إن احتاج إلى ما في يده
1 الترمذي: البيوع (1321)، والدارمي: الصلاة (1401) .
منه سكنه، وإن استغنى عنه وجب بذل فاضله للمحتاج إليه، وهو مسلك ابن عقيل في نظرياته، وسلكه القاضي في خلافه، واختاره الشيخ تقي الدين، وتردد كلامه في جواز البيع، فأجازه مرة ومنعه أخرى.
ولا يجوز بيع كل ماء عدّ، ولا ما نبت في أرضه من الكلإ والشوك، وجوّز ذلك الشيخ في مقطوع محسوب عليه يريد تعطيل ما يستحقه من زرع وبيع الماء. قال في الاختيارات: ويجوز بيع الكلإ ونحوه الموجود في أرضه، إذا قصد استنباته يعني: ترك الزرع لينبت الكلأ، وإذا لم ير المبيع فتارة يوصف له وتارة لا يوصف، فإن لم يوصف لم يصح، وعنه: يصح، واختاره الشيخ في موضع وضعفه في موضع آخر. فعليها، له خيار الرؤية، وعنه: لا خيار إلا بعيب.
الثاني: بيع موصوف غير معيّن، مثل أن يقول: بعتك عبداً تركياً، ثم يستقصي صفات السلم، فمتى سلم إليه غير ما وصف فردّه فأبدله، لم يفسد العقد، وقيل: لا يصح البيع، وقيل: يصح إن كان في ملكه، وإلا فلا، اختاره الشيخ. وذكر القاضي وأصحابه: أنه لا يصح استصناع سلعةن لأنه بيع ما ليس عنده على غير وجه السلم. قال الشيخ: إن باعه لبناً موصوفاً في الذمة، واشترط كونه من شاة أو بقرة معينة، جاز.
قوله: ولا المسك في الفأر، ووجه صاحب الفروع تخريجاً بالجواز، واختار صاحب الهدي قوله: ولا الصوف على الظهر، وعنه: يجوز بشرط جزه في الحال. واختار الشيخ صحة البيع وإن لم يسمّ الثمن، وله ثمن المثل، كالنكاح. واختار صحة بيع السلعة برقمها، وبما ينقطع به السعر، وبما باع به فلان. قوله: الثالثة: باع عبده وعبد غيره
…
إلخ، متى صح البيع كان للمشتري
الخيار، ولا خيار للبائع. وقال الشيخ: يثبت له الخيار أيضاً. وقال: يجوز الجمع بين البيع والإجارة في أظهر قولهم.
ولا يصح بيع العصير لمن يتخذه خمراً إذا علم أنه يفعل ذلك، وقيل: أو ظنه، اختاره الشيخ. وقال: يحرم الشراء على شراء أخيه، فإن فعل كان للمشتري الأول مطالبة البائع بالسلعة، وأخذ الزيادة أو عوضها. قال: واستئجاره على استئجار أخيه، واقتراضه على اقتراضه، واتهابه على اتهابه، مثل شرائه على شرائه، أو شرائه على اتهابه، ونحو ذلك، بحيث تختلف جهة الملك. قوله: وإن باع ما يجري فيه الربا نسيئة، ثم اشترى منه بثمن قبل قبضه من جنسه، أو ما لا يجوز بيعه به نسيئة، لم يجز؛ واختار المصنف الصحة مطلقاً إذا لم يكن حيلة، واختار الشيخ الصحة إذا كان ثم حاجة، وإلا فلا. وكره أحمد البيع والشراء من مكان ألزم الناس بهما فيه، والشراء بلا حاجة من جالس على الطريق، ومن بائع مضطر ونحوه. ويجبر المحتكر على بيعه كبيع الناس، فإن أبى وخيف التلف فرقه الإمام ونحوه، ويردون مثله، وكذا سلاح لحاجة، قاله الشيخ. انتهى كلام الإنصاف.