الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب إزالة النجاسة
لا تجوز بغير الماء، وبه قال مالك. وروي عن أحمد ما يدل على أنها تزال بكل مائع طاهر، مزيل للعين والأثر، كالخل وماء الورد؛ وقاله أبو حنيفة، لقوله:"إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم، فليغسلْه سبعاً". 1 ولنا: الأحاديث مثل قوله: "ثم لتنضحْه بماء"، ومثل أمره بذنوب من ماء تصب على البول. فأما ما لا يزيل، كاللبن والدهن، فلا خلاف أن النجاسة لا تزال به.
ويجب غسل نجاسة الكلب والخنزير سبعاً، إحداهن بالتراب، لا يختلف المذهب في نجاستهما وما توالد منهما، عينه وسؤره وعرقه وكل ما خرج منه؛ وبه قال الشافعي، وبه قال أبو حنيفة في السؤر. وقال مالك: سؤرهما طاهر. وقال الزهري: يتوضأ منه إذا لم يجد غيره. قال مالك: يغسل الإناء تعبداً. واحتج بعضهم على طهارته بقوله تعالى: {فكلوا مما أمسكن عليكم} ، 2 ولم يأمر بغسل أثر فمه. ونجاسة الخنزير بالتنبيه لأنه شر منه. وممن قال:"يغسل سبع مرات": ابن عباس والشافعي وابن المنذر. وقال عطاء: قد سمعت ثلاثاً وخمساً وسبعاً، وعن أحمد ثمانياً، إحداهن بالتراب، لقوله:"إذا ولغ الكلب في الإناء، فاغسلوه سبعاً، وعفروه الثامنة بالتراب". 3 رواه مسلم. وحديث أبي هريرة أصح، ويحتمل أنه عدّ التراب ثامنة، جمعاً بينهما. وإن جعل مكان التراب أشناناً ونحوه، فقيل: لا يجزئ، للأمر بالتراب. وقيل: بلى، لأنه أبلغ
1 البخاري: الوضوء (172)، ومسلم: الطهارة (279)، والترمذي: الطهارة (91)، والنسائي: الطهارة (63، 64، 66) والمياه (335، 338، 339)، وأبو داود: الطهارة (71، 73)، وابن ماجة: الطهارة وسننها (363، 364) ، وأحمد (2/245، 2/253، 2/265، 2/271، 2/314، 2/398، 2/424، 2/427، 2/460، 2/480، 2/482، 2/489، 2/507)، ومالك: الطهارة (67) .
2 سورة المائدة آية: 4.
3 مسلم: الطهارة (280)، والنسائي: الطهارة (67) والمياه (336، 337)، وأبو داود: الطهارة (74)، وابن ماجة: الطهارة وسننها (365) ، وأحمد (4/86)، والدارمي: الطهارة (737) .
من التراب. ويستحب جعله في الأولى، لموافقته لفظ الخبر، وليأت الماء بعده فينظفه. ومتى غسل به أجزأه، لقوله:"إحداهن بالتراب"، وفي لفظ آخر:"في الثامنة".
وفي سائر النجاسات، ثلاث روايات: إحداهن: يجب سبعاً. والثانية: ثلاثاً. والثالثة: تكاثر بالماء من غير عدد، كالنجاسات كلها، إذا كانت على الأرض، لقول ابن عمر:"أُمرنا أن نغسل الأنجاس سبعاً". والثانية، لحديث القائم من نوم الليل. والثالثة، قوله لأسماء:"اغسليه بالماء"، 1 ولم يذكر عدداً.
وإذا أصاب ثوب المرأة دم الحيض، استحب أن تحتّه بظفرها لتذهب خشونته، ثم تقرصه بريقها ليلين للغسل، ثم تغسله، لقوله لأسماء:"حتّيه، ثم اقرصيه، ثم اغسليه بالماء"، 2 وإن لم يزل لونه، وكانت إزالته تشق أو تضر بالثوب، لقوله:"ولا يضرك أثره". 3 رواه أبو داود.
وإن استعملت شيئاً يزيله كالملح وغيره، فحسن، لحديث الغفارية التي أردفها. قال الخطابي: فيه من الفقه: جواز استعمال الملح وهو مطعوم في غسل الثوب من الدم. فعلى هذا، يجوز غسل الثوب بالعسل إذا كان الصابون يفسده، وبالخل إذا أصابه الحبر، والتدلك بالنخالة وغسل الأيدي بها، وبالبطيخ ودقيق الباقلاء وغيرها، مما له قوة الجلاء.
ومتى تنجست الأرض بنجاسة مائعة، أيَّ نجاسة كانت، فطهورها: غمرُها بالماء حتى يذهب لون النجاسة وريحها. فإن لم يزل إلا بمشقة، سقط ذلك كما قلنا في الثوب، لحديث الأعرابي، ولا نعلم في ذلك خلافاً.
وسئل أحمد عن ماء المطر يصيب الثوب، فلم ير بأساً، إلا أن يكون بيل فيه بعد المطر، وقال: كل ما نزل من السماء إلى الأرض فهو نظيف، داسته الدواب أو لم تدسه. وقال في الميزاب: إذا كان في الموضع النظيف لا بأس بما قطر عليك من المطر إذا لم تعلم. قيل: أفأسأل عنه؟ قال: لا.
واحتج في طهارة طين المطر بحديث
1 النسائي: الطهارة (292) والحيض والاستحاضة (395)، وأبو داود: الطهارة (363)، وابن ماجة: الطهارة وسننها (628) ، وأحمد (6/355)، والدارمي: الطهارة (1019) .
2 البخاري: الوضوء (227)، ومسلم: الطهارة (291)، والترمذي: الطهارة (138)، والنسائي: الطهارة (293)، وأبو داود: الطهارة (360، 361)، وابن ماجة: الطهارة وسننها (629) ، وأحمد (6/345، 6/346، 6/353)، ومالك: الطهارة (136)، والدارمي: الطهارة (772، 1016، 1018) .
3 أبو داود: الطهارة (365) ، وأحمد (2/364، 2/380) .
الأعرابي، وبـ"أن الصحابة والتابعين يخوضون المطر في الطرقات، فلا يغسلون أرجلهم"، روي عن ابن عمر وعلي. قال ابن مسعود:"كنا لا نتوضأ من موطئ"، ونحوه عن ابن عباس؛ وهذا قول عوام أهل العلم.
ولا تطهر الأرض النجسة بشمس ولا ريح، روي عن ابن المنذر والشافعي في أحد قوليه. وقال أبو حنيفة ومحمد: تطهر إذا أذهب أثر النجاسة. وقال أبو قلابة: جفاف الأرض طهورها، لأن ابن عمر روى:"أن الكلاب تقبل وتدبر وتبول في المسجد، فلم يكونوا يرشّون شيئاً من ذلك". رواه أبو داود. ولنا: حديث الأعرابي، وحديث ابن عمر رواه البخاري، ولم يذكر البول
…
ولا تطهر الاستحالة إلا الخمرة إذا انقلبت بنفسها، لنهيه صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها. وإذا خفيت النجاسة، لزم غسل ما تيقن به من إزالتها؛ هذا قول مالك والشافعي وابن المنذر. وقال ابن شبرمة: يتحرى مكان النجاسة فيغسله. وقال عطاء: إذا خفيت في الثوب، نضحَه كله، لحديث سهل في المذي، فأمر بالتحري والنضح. ولنا: أنه تيقن المانع من الصلاة، فلم تبح له الصلاة إلا بتيقن، والحديث مخصوص بالمذي لمشقة الاحتراز منه. ويجزئ في بول الذي لم يأكل الطعام: النضح؛ وهو غمره بالماء وإن لم يزل عنه، ولا يحتاج إلى عصر. وحكي عن الحسن أن بول الجارية ينضح ما لم تطعم، كالصبي. وقال الثوري:"يغسلان"، ثم ذكر حديث أم قيس وحديث علي وقال: هذه نصوص صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فاتباعها أولى من القياس، وقوله صلى الله عليه وسلم مقدم على من خالفه.
وإذا تنجس أسفل الحذاء أو الخف، وجب غسله. وعنه: يجزئ دلكه، وعنه: يغسل من البول والغائط، ويدلك من غيرهما. والأولى: أن يجزئ الدلك مطلقاً، للأحاديث. فـ"أما الدم والقيح،
فأكثر أهل العلم يرون العفو عن يسيره"، روي عن ابن عباس وأبي هريرة وغيرهما. وروي عن الحسن وسليمان التيمي: لا يعفى عنه. ولنا: قول عائشة: "يكون لإحدانا الدرع فيه تحيض، تم ترى فيه قطرة من الدم، فتقصعه بريقها"، 1 وفي رواية: "تبلّه بريقها، ثم تقصعه بظفرها". رواه أبو داود. وهذا يدل على العفو، لأن الريق لا يطهره، ويتنجس به ظفرها. وهو إخبار عن دوام الفعل؛ ومثل هذا لا يخفى على النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنه قول مَن سمينا من الصحابة، ولم يعرف لهم مخالف. والقيح والصديد مثله، إلا أن أحمد قال: هو أسهل. وقال أبو مجلز في الصديد: إنما ذكر الله الدم المسفوح. وقال أُميّ بن ربيعة: رأيت طاووساً كان إزاره نطعاً، من قروح كانت برجليه، ونحوه عن مجاهد.
ودم ما لا نفس له سائلة، كالذباب ونحوه، طاهر، لأنه لو كان نجساً لنجس الماء اليسير إذا مات فيه، ولأن الله سبحانه إنما حرم الدم المسفوح.
والأجسام الصقيلة يعفى عن كثير النجاسة فيها بعد المسح. وعنه: في المذي والقيء وريق البغل والحمار وسباع البهائم والطير، وعرَقها وبول الأخفاش، والنبيذ والمني، أنه كالدم. وعنه: في المذي يجزئ فيه النضح. وروى الخلال بإسناده قال: سئل ابن المسيب وعروة وأبو سلمة وسليمان بن يسار عن المذي، فكلهم قال: إنه بمنزلة القرحة، فما علمت منه فاغسله، وما غلبك منه فدعْه. وعنه: في ريق البغل والحمار وعرَقهما: من يسلم من هذا ممن يركب الحمير؟ وقال الشعبي والحكم: لا بأس ببول الخفافيش، وكذلك الخطاف، لأنه يشق التحرز منه، فإنه كثير في المساجد. وقال أبو حنيفة: يعفى عن يسير جميع النجاسات. ولنا: قوله: "تنزّهوا من البول". وما لا نفس له سائلة، لا ينجس بالموت، ولا ينجس الماء إذا مات فيه، قال ابن
1 أبو داود: الطهارة (364)، والدارمي: الطهارة (1009) .
المنذر: لا أعلم في ذلك خلافاً، إلا ما كان من الشافعي في أحد قوليه؛ فإن عنده في تنجيس الماء قولان، فأما الحيوان فهو نجس عنده قولاً واحداً. ولنا: حديث الذباب والضفدع ينجس بالموت وينجس الماء القليل. وقال مالك: لا يفسد الماء لأنه يعيش فيه كالسمك. وسباع البهائم والطير والبغل والحمار نجسة، وعنه: أنها طاهرة. وسؤر الهر وما دونه في الخلقة طاهر، في قول أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، إلا أبا حنيفة، فإنه كره الوضوء بسؤر الهر؛ فإن فعل أجزأه. و"رويت كراهته عن ابن عمر ويحيى الأنصاري"، وقال ابن المسيب: يغسل مرة أو مرتين. وقال طاووس: يغسل سبعاً كالكلب. ولنا: حديث أبي قتادة، دل بلفظه على نفي الكراهة عن سؤر الهر، وبتعليله على نفي الكراهة عما دونهما مما يطوف علينا.
ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":
لا تزول النجاسة بغير الماء، وعنه: ما يدل على أنها تزال بكل مائع طاهر مزيل، اختاره الشيخ. واختار طهارة شعر الكلب والخنزير. وفي سائر النجاسات ثلاث روايات: الثالثة: تكاثر بالماء من غير عدد، اختاره الشيخ. واختار إجزاء المسح في المتنجس الذي يضره الغسل، كثياب الحرير والورق، قال: وأصله الخلاف في إزالة النجاسة بغير الماء. واختار أن الشمس تطهر، وكذا الريح والجفاف. قال: وإحالة التراب ونحوه للنجاسة كالشمس، وقال: إذا أزالها التراب عن النعل فعن نفسه إذا خالطته أولى. واختار أيضاً أن الاستحالة تطهر، وأن الجسم الصقيل يطهر بالمسح.
وإذا خفي موضع النجاسة غسل حتى يتيقن، وعند الشيخ: يكفي الظن في غسل المذي وغيره
من النجاسات. واختار طهارة أسفل الخف والحذاء بالدلك، وأن ذيل المرأة بمروره على طهارة يزيلها، وأن الرِّجل كالخف والحذاء، وأن القيح والصديد طاهر ولم يقم دليل على نجاسته، وأن المذي يجزئ فيه النضح ويصير طاهراً به. واختار أيضاً: العفو عن يسير جميع النجاسات مطلقاً، في الأطعمة وغيرها، حتى بعر الفأر، وأن تراب الشارع طاهر، ومال إلى طهارة سباع البهائم والطير والبغل والحمار.