الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الأطعمة
الأصل فيها: الحل، لقوله تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} 1.
يحل كل طعام طاهر لا مضرة فيه، من الحبوب والثمار. والحيوانات مباحة، لعموم النصوص، إلا الحمر الأهلية. قال أحمد: خمسة وعشرون من الصحابة كرهوها، قال ابن عبد البر: لا خلاف اليوم في تحريمها، وحكي عن ابن عباس وعائشة "أن ما خلا المذكور في قوله:{قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ} الآية، 2 فهو حلال". وألبان الحمر محرمة في قول الأكثر، ورخص فيها عطاء وطاووس.
وما له ناب يفترس به، كالذئب والكلب والسنور، إلا الضبع، حرام في قول الأكثر، ورخص في ذلك الشعبي وبعض أصحاب مالك، لعموم الآية. ولنا: قوله "أكل كل ذي ناب من السباع حرام". 3 وقال أبو ثعلبة: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع". 4 متفق عليه. قال ابن عبد البر: هذا نص صريح يخص العموم. وقال: لا أعلم خلافاً في أن القرد لا يؤكل، ولا يجوز بيعه، وما له مخلب من الطير يصيد به، في قول الأكثر. وقال مالك والليث: لا يحرم من الطير شيء، واحتجوا بعموم الآية، وقول أبي الدرداء وابن عباس:"ما سكت الله عنه فهو مما عفا عنه".
1 سورة البقرة آية: 29.
2 سورة الأنعام آية: 145.
3 البخاري: الذبائح والصيد (5527)، ومسلم: الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1932)، والترمذي: الأطعمة (1477) والسير (1560)، والنسائي: الصيد والذبائح (4325، 4326، 4342)، وأبو داود: الأطعمة (3802)، وابن ماجة: الصيد (3232) ، وأحمد (4/193، 4/194، 4/195)، ومالك: الصيد (1075)، والدارمي: الأضاحي (1980، 1981) .
4 البخاري: الذبائح والصيد (5527)، ومسلم: الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1932، 1936)، والترمذي: الأطعمة (1477) والسير (1560)، والنسائي: الصيد والذبائح (4325، 4326، 4342)، وأبو داود: الأطعمة (3802)، وابن ماجة: الصيد (3232) ، وأحمد (4/193، 4/194، 4/195)، ومالك: الصيد (1075)، والدارمي: الأضاحي (1980، 1981) .
ولنا: "نهيه عن أكل كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير"، رواه أبو داود. والخمس الفواسق محرمة: الغراب والحدأة والفأرة والعقرب والكلب العقور، "لأنه أباح قتلها في الحرم". ولا يجوز قتل الصيد المأكول فيه، ولأن ما يجوز أكله لا يقتل إذا قدر عليه بل يذبح، وما يأكل الجيف كالنسر والرخم. وسئل أحمد عن: العقعق؟ فقال: إن لم يكن يأكل الجيف فلا بأس به، وما يستخبث كالقنفذ والحية والحشرات، ورخص الشافعي في القنفذ. ولنا: قوله: "هو خبيثة من الخبائث". 1 رواه أبو داود.
وما استطابته العرب فهو حلال، وما استخبثته فهو حرام، قال ابن عبد البر: الوزغ مجمع على تحريمه، وفي الثعلب والوبر وسنور البر واليربوع روايتان. والفيل محرم لأن له ناباً، والضبع مباحة، وحرمها مالك لأنها سبع. ولنا: حديث جابر: "أمرنا بأكل الضبع"، 2 قلت: صيد؟ قال: نعم. احتج به أحمد، وصححه الترمذي. قال ابن عبد البر: لا يعارض حديث النهي عن كل ذي ناب، لأنه أصح منه. قلنا: هذا تخصيص لا معارض ولا يعتبر ما ذكر في التخصيص لتخصيص عموم الكتاب بأخبار الآحاد.
والضب مباح في قول الأكثر، وقال أبو حنيفة: هو حرام، لنهيه عن أكل الضب، وهو حديث لا يثبت. و"أباحه قول عمر وابن عباس وغيرهما من الصحابة"، ولم يعرف عن صحابي خلافه، فيكون إجماعاً. وفي الهدهد والصرد روايتان.
وتحرم الجلالة التي أكثر علفها النجاسة، وبيضها ولبنها، وعنه: يكره ولا يحرم حتى تحبس. و"كان ابن عمر إذا أراد أكلها حبسها ثلاثاً"، وقال عطاء: تحبس الناقة والبقرة أربعين يوماً.
1 أبو داود: الأطعمة (3799) ، وأحمد (2/381) .
2 الترمذي: الأطعمة (1791)، والنسائي: مناسك الحج (2836) والصيد والذبائح (4323)، وأبو داود: الأطعمة (3801)، وابن ماجة: المناسك (3085) والصيد (3236) ، وأحمد (3/297، 3/318، 3/322)، والدارمي: المناسك (1941) .
ومن اضطر إلى محرم أكل ما يسدّ رمقه، وهل له الشبع؟ على روايتين. ويجب الأكل على المضطر، وقيل: لا، لقصة عبد الله بن حذافة. وإذا اشتدت المخمصة في زمن مجاعة وعنده قدر كفايته من غير فضلة، لم يلزمه دفع ما معه ولو لم يضطر في تلك الحال، لأن هذا مفض إلى هلاك نفسه وعياله. وقد نهى الله عن الإلقاء باليد إلى التهلكة. ولا يجوز التداوي بشيء محرم.
و"من مرّ بثمر في شجرة لا حائط عليها ولا ناظر، فله أن يأكل منها، ولا يحمل"، وعنه: لا يحل إلا لحاجة. والأول قول عمر وابن عباس وغيرهما، لحديث عمرو بن شعيب، حسنه الترمذي. وأكثر الفقهاء على الثاني، ولنا: قول مَن سمينا من الصحابة، ولم يعرف لهم مخالف منهم. فإن كانت محوطة، لم يجز الدخول، قال ابن عباس:"إن كان عليها حائط، فهو حريم، فلا تأكل".
وفي الزرع وشرب لبن الماشية روايتان: إحداهما: يجوز، لحديث سمرة في الماشية، صححه الترمذي، وقال: العمل عليه عند بعض أهل العلم. والثانية: لا يجوز، لحديث عمر المتفق عليه:"لا يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه" 1 الحديث. قال أحمد: أكره أكل الطين، ولا يصح فيه حديث، إلا أنه يضرّ بالبدن.
ويكره أكل البصل والثوم والكراث وكل ذي رائحة كريهة، لقوله:"إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الناس، فإن أكله لم يقرب المسجد"، 2 وليس أكلها محرماً، لحديث أبي أيوب في الطعام الذي فيه الثوم، حسنه الترمذي. فإن أتى المسجد كره ولم يحرم، وعنه: يأثم، لأن ظاهر النهي التحريم.
ويجب على المسلم ضيافة المسلم الذي يجتاز به، يوماً وليلة، فإن أبى فللضيف طلبه به عند الحاكم. قال أحمد: الضيافة على المسلمين كل من نزل به ضيف، قيل: فإن ضاف الرجل ضيف كافر؟ قال النبي
1 البخاري: في اللقطة (2435)، ومسلم: اللقطة (1726)، وأبو داود: الجهاد (2623)، وابن ماجة: التجارات (2302) ، وأحمد (2/4، 2/6، 2/57)، ومالك: الجامع (1812) .
2 مسلم: المساجد ومواضع الصلاة (564)، والنسائي: المساجد (707) ، وأحمد (3/374، 3/387) .
صلى الله عليه وسلم: " الضيف حق واجب على كل مسلم". 1 وقال الشافعي: الضيف مستحب غير واجب، والواجب يوم وليلة، والكمال ثلاثة أيام. وقيل: الواجب: ثلاثة، ولا يأخذ شيئاً إلا بعلم أهله. وعنه: يأخذ بغير علمهم، لحديث عقبة بن عامر المتفق عليه، وفيه:"فإن لم يفعلوا، فخذوا منهم حق الضيف". 2 قال أحمد: هي مؤكدة، وكأنها على أهل القرى، فأما مثلنا الآن فكأنه ليس مثلهم، وذلك لأن أهل القرى ليس عادتهم بيع القوت. وكره أحمد الخبز الكبار، وقال: ليس فيه بركة. وذكر له حديث سلمان: "بركة الطعام الوضوء قبله وبعده"، فقال: ما حدث به إلا قيس بن الربيع، وهو منكر الحديث. قيل له: لِم كره سفيان غسل اليد عند الطعام؟ قال: لأنه من زي العجم، قيل: لِم كره سفيان أن يجعل الرغيف تحت القصعة؟ قال: كره أن يستعمل الطعام. قيل: "إن أسامة قدم إليهم خبزاً فكسره، قال: لئلا يعرفوا كم يأكلون. قيل: تكره الأكل متكئاً؟ قال: أليس قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا آكل متكئاً"؟ ولأبي داود عن ابن عمر: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكل الرجل وهو منبطح"3.
ويستحب التسمية عند الطعام والحمد عند آخره، ولأحمد عن أبي هريرة، مرفوعاً:"الطاعم الشاكر مثل الصائم الصابر"، 4 قال: معناه: إذا أكل وشرب يشكر الله ويحمده على ما رزقه. ولأبي داود عن عائشة مرفوعاً: "إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله، فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله فليقل: "بسم الله أوله وآخره". ويستحب الأكل بثلاث أصابع، لحديث كعب بن مالك: كان صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع. ولا يمسح يده حتى يلعقها". 5 رواه أحمد، وذكر له حديث:"يأكل بكفه كلها"، فلم يصححه ولم ير
1 أبو داود: الأطعمة (3750) ، وأحمد (4/132، 4/133)، والدارمي: الأطعمة (2037) .
2 البخاري: المظالم والغصب (2461)، ومسلم: اللقطة (1727)، والترمذي: السير (1589)، وأبو داود: الأطعمة (3752)، وابن ماجة: الأدب (3676) ، وأحمد (4/149) .
3 أبو داود: الأطعمة (3774)، وابن ماجة: الأطعمة (3370) .
4 أحمد (2/289) .
5 الترمذي: الأطعمة (1858)، وأبو داود: الأطعمة (3767)، وابن ماجة: الأطعمة (3264) ، وأحمد (6/143)، والدارمي: الأطعمة (2020) .
إلا ثلاث أصابع. وسئل عن: حديث عائشة: "لا تقطعوا اللحم بالسكين"؟ 1 فقال: ليس بصحيح، وحديث عمرو بن أمية بخلافه:"كان يحتز من لحم الشاة، فقام إلى الصلاة وطرح السكين". 2 وسئل عن: حديث: "اكفف جشاءك! فإن أكثر الناس شبعاً اليوم أكثرهم جوعاً يوم القيامة"؟ فقال: ليس بصحيح. و"لم يكن صلى الله عليه وسلم ينفخ في طعام ولا شراب، ولا يتنفس في الإناء".
وسئل أحمد عن: غسل اليد بالنخالة؟ فقال: لا بأس به. وسئل عن: الرجل يأتي القوم وهم على طعام فجأة فدعوه، يأكل؟ قال: نعم، وما بأس. ولأبي داود عن جابر، مرفوعاً:"أثيبوا أخاكم. قيل: يا رسول الله، وما إثابته؟ قال: إن الرجل إذا دخل بيته وأكل طعامه وشرب شرابه، فادعوا له؛ فذلك إثابته"3.
ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":
قوله: وما يأكل الجيف، وعنه: يكره. وجعل الشيخ روايتي الجلالة فيه، وقال: عامة أجوبة أحمد ليس فيها تحريم. وقال: إذا كان ما يأكلها من الدواب السباع فيه نزاع أو لم يحرموه، والخبر في الصحيحين، فمن الطير أولى.
قوله: وما يستخبث. قال الشيخ: وعند أحمد وقدماء الأصحاب لا أثر لاستخباث العرب وإن لم يحرمه الشرع حل، واختاره. وقال: أول من قال يحرم الخرقي، وإن مراده: ما يأكل الجيف، لأنه تبع الشافعي وهو حرّمه بهذه العلة. ويباح أكل دود الفاكهة معها. وعلل أحمد القنفذ بأنه بلغه أنه مسخ، أي لما مسخ على صورته دل على خبثه، قاله الشيخ. وقال أحمد عن تفتيش التمر المدوّد: لا بأس به إذا علمه. ويجوز أن يعلف النجاسة الحيوان
1 الترمذي: الصوم (688)، والنسائي: الصيام (2130) .
2 البخاري: الوضوء (208)، ومسلم: الحيض (355)، والترمذي: الأطعمة (1836)، والدارمي: الطهارة (727) .
3 أبو داود: الأطعمة (3853) .
الذي لا يذبح أو لا يحلب قريباً، واحتج أحمد بكسب الحجام، والذين عجنوا من آبار ثمود. وعن أحمد:"نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أذن القلب"، وكره أكل الغدة. وكره أحمد حباً ديس بالحمر. ويجب تقديم السؤال عن الأكل المحرم، وقال الشيخ: لا يجب ولا يأثم.
قوله: وإن لم يجد إلا طعاماً لم يبذل، فإن كان مالكه مضطراً فهو أحق به، وهل له الإيثار؟ ذكر في الهدي في غزوة الطائف: أنه يجوز، وأنه غاية الجود. قوله: وإلا لزمه بذله بقيمته. واختار الشيخ: يجب بذله مجاناً كالمنفعة.
والواجب للضيف كفايته، وأوجب الشيخ المعروف عادة، قال: كزوجة وقريب. قال: ومن امتنع من الطيبات بلا سبب شرعي، فمذموم مبتدع.