الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الشروط في النكاح
وهي قسمان: صحيح وفاسد.
فالصحيح نوعان:
أحدهما: يقتضيه العقد، كتسليم المرأة إليه، فهذا لا يؤثر وجوده كعدمه.
الثاني: ما تنتفع به المرأة، كنقد معيّن، فهو صحيح ويجب الوفاء به. وإن شرط أن لا يخرجها من دارها أو بلدها أو لا يتزوج عليها أو لا يتسرى صح ولزم؛ فإن أوفى وإلا فلها الفسخ. وأبطل هذه الشروط مالك والشافعي، واحتجوا بقوله:"كل شرط ليس في كتاب الله، فهو باطل"، 1 وبقوله:"إلا شرطاً أحل حراماً أو حرّم حلالاً". 2 ولنا: قوله: "إنّ أحق ما وفّيتم به من الشروط، ما استحللتم به الفروج"، 3 ولأنه قول عمر وغيره من الصحابة، ولا يعلم لهم مخالف في عصرهم. وقوله:"كل شرط ليس في كتاب الله" أي: في حكم الله وشرعه، وهذا مشروع. وقولهم: يحرّم حلالاً فلا، ولكن نقول: لها الفسخ. وإن شرط طلاق ضرتها فالصحيح أنه باطل، لنهيه أن تشترط المرأة طلاق أختها.
الثاني: فاسد، وهو ثلاثة أنواع:
أحدها: ما يبطل النكاح، وهو ثلاثة أشياء:
(أحدها) : نكاح الشغار، فإن زوّجه وليته على أن يزوجه وليته ولا مهر، فهو فاسد، وهو نكاح الشغار. وإن سميا لكل منهما مهراً، فالمشهور عن أحمد: الصحة لقوله: "وليس
1 البخاري: البيوع (2155)، ومسلم: العتق (1504)، وأبو داود: العتق (3929)، ومالك: العتق والولاء (1519) .
2 أبو داود: الأقضية (3594) .
3 البخاري: الشروط (2721)، ومسلم: النكاح (1418)، والترمذي: النكاح (1127)، والنسائي: النكاح (3281، 3282)، وأبو داود: النكاح (2139)، وابن ماجة: النكاح (1954) ، وأحمد (4/144، 4/150، 4/151)، والدارمي: النكاح (2203) .
بينهما صداق"، وقيل: لا يصح، لحديث أبي هريرة، ولقول معاوية: "هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم". ومتى قلنا بالصحة، فقيل: تفسد التسمية، ويجب مهر؛ المثل قاله الشافعي، وقيل: المسمى.
الثاني: نكاح المحلِّل، وهو باطل حرام، في قول عامة أهل العلم.
الثالث: نكاح المتعة، وهو باطل. قال ابن عبد البر: على تحريمه مالك وأهل المدينة، وأبو حنيفة في أهل الكوفة، والأوزاعي في أهل الشام، والليث في أهل مصر، والشافعي وسائر أصحاب الآثار. وإن تزوجها بغير شرط إلا أن نيته طلاقها بعد شهر أو إذا انقضت حاجته، فهو صحيح في قول عامة أهل العلم، إلا الأوزاعي فقال: هو نكاح متعة.
النوع الثاني: أن يشرط ألا مهر لها ولا نفقة، أو يقسم لها أكثر أو أقل من الأخرى، أو لا يطأها، أو يعزل عنها، أو لا يكون عندها في الجمعة إلا ليلة أو النهار دون الليل، أو تنفق عليه، أو تعطيه شيئاً، فهذه كلها باطلة، وأما العقد فصحيح. قال أحمد في الرجل يتزوج ويشرط أن يأتيها في الأيام: إن شاءت رجعت، ونقل عنه: ما يحتمل إبطال العقد. فروي عنه في النهاريات والليليات: ليس هذا من نكاح أهل الإسلام. وكان الحسن وعطاء لا يريان بتزويج النهاريات بأساً.
النوع الثالث: أن يشرط الخيار، أو إن جاءها بالمهر في وقت وإلا فلا نكاح بينهما، فالشرط باطل، وفي صحة النكاح روايتان. وعنه: أن الشرط والعقد جائزان، لقوله:"المسلمون عند شروطهم". والرواية الأخرى: يبطل العقد في هذا كله،، ونحوه عن مالك وأبي عبيد، وهو قول الشافعي. وإن
شرطها بكراً فبانت ثيباً، فعنه: لا خيار له، لأن النكاح لا يرد إلا بالعيوب الثمانية، ولا يثبت فيه الخيار. وعنه: له الخيار، وكذلك لو شرطها حسناء فبانت شوهاء، أو ذات نسب فبانت دونه، خرج في ذلك كله وجهان. وكذلك لو شرط نفي العيوب التي لا يفسخ بها النكاح، كالعمى والخرس والصمم، وممن ألزم الزوج من هذه صفتها: الثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي. وعن الحسن والشعبي: إذا لم يجدها عذراء ليس عليه شيء، العذرة يذهبها كثرة الحيض والوثبة والتعنيس والحمل الثقيل.
وإن عتقت الأمة وزوجها حر، فلا خيار لها، وقال الثوري وغيره: لها الخيار، "لأنه صلى الله عليه وسلم خيّر بريرة، وزوجها حر". رواه النسائي، ورواه الأسود عن عائشة. ولنا: أن القاسم وعروة رويا عنها: أنه كان عبداً، وهما أخص بها من الأسود. قال ابن عباس:"كان عبداً". رواه البخاري، قال أحمد: هذا ابن عباس وعائشة قالا: "إنه عبد"، رواية علماء المدينة وعملهم، فإذا روى أهل المدينة حديثاً وعملوا به، فهو أصح شيء، وإنما يصح أنه حر عن الأسود وحده. وإن كان عبداً فلها الخيار إجماعاً، وإن رضيت المقام معه لم يكن لها فراقه بعد، لا نعلم فيه خلافاً.
ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":
الشروط المعتبرة في هذا، محلها صلب العقد، قال الشيخ: وكذا لو اتفقا عليه قبل العقد، وقال: على هذا جواب أحمد في مسائل الحيل، لأن الأمر بالوفاء بالشروط والعقود والعهود يتناول ذلك تناولاً واحداً. وقال: لو خدعها فسافر بها ثم كرهته، لم يكن له أن يُكرهها بعد ذلك. وقال ابن القيم: الشرط العرفي كالشرط لفظاً، ولها الفسخ بالنقلة والتزوج والتسري. فأما إن
أراد نقلها وطلبه منها، فقال القاضي: لها الفسخ بالعزم، وضعفه الشيخ، وقال: العزم المجرد لا يوجب الفسخ، إذ لا ضرر فيه، وهو صحيح ما لم يقترن به طلب النقلة. ولو شرطت ألا تسلم نفسا إلا بعد مدة معينة لم يصح، وقال الشيخ: قياس المذهب: صحته.
وإن شرط أن لا مهر لها ولا نفقة، بطل الشرط. قال الشيخ: يحتمل صحة شرط عدم النفقة، لا سيما إذا قلنا: إنه إذا أعسر ورضيت به أنها لا تملك المطالبة بعد. واختار فيما إذا شرط ألا مهر، فساد العقد، وأنه قول أكثر السلف. واختار الصحة في شرط عدم الوطء، كشرط ترك ما تستحقه. وقال: لو شرطت مقام ولدها عندها ونفقته على الزوج، كان مثل اشتراط الزيادة في الصداق، ويرجع فيه إلى العرف، كالأجير بطعامه وكسوته. فإن شرط الخيار فالشرط باطل، وعنه: صحة الشرط، اختاره الشيخ. واختار أن له الخيار إذا شرطها بكراً أو جميلة أو نسيبة، أو شرط نفي العيوب التي يفسخ بها النكاح، فبانت بخلافه، قال: ويرجع على الغارّ.