الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الإقرار بالمجمل
إذا قال: له عليَّ شيء، قيل: فسّره. فإن أبى حُبس. وإن فسّره بحق شفعة أو مال قُبل. وإن فسّره بما ليس بمال، كخمر وميتة لم يقبل، وبكلب أو حد قذف فوجهان.
ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":
قال الشيخ: ما يستفيده بالولاية لا حد له شرعاً، بل يتلقى من الألفاظ والأحوال والعرف. وقال: من أوجب تقليد إمام بعينه استتيب، فإن تاب وإلا قُتل. وإن قال:"ينبغي"، كان جاهلاً ضالاً. ومن كان متبعاً لإمام فخالفه في بعض المسائل لقوة الدليل، أو لكون أحدهما أعلم أو أتقى، فقد أحسن، ولم يُقدح في عدالته بلا نزاع.
وقال: في هذه الحال يجوز عند أئمة الإسلام، وقال: بل يجب، ولا ينعزل قبل علمه بالعزل، رجحه الشيخ، وقال: هو المنصوص عن أحمد، لأن في الولاية حقا لله.
قال ابن حزم: أجمعوا على أنه لا يحل لحاكم ولا مفت تقليد رجل لا يحكم ولا يفتي إلا بقوله. يحرم الحكم والفتيا بالهوى إجماعاً، وبقول أو وجه من غير نظر في الترجيح، إجماعاً. ويجب أن يعمل بموجب اعتقاده في ما لَه أو عليه، إجماعاً، قاله الشيخ. وقال: الولاية لها ركنان: القوة والأمانة، فالقوة في الحكم ترجع إلى العلم بالعدل وتنفيذ
الحكم، والأمانة ترجع إلى خشية الله، وهذه الشروط تعتبر حسب الإمكان.
ويجب تولية الأمثل فالأمثل، وعلى هذا يدل كلام أحمد وغيره. فيولى للعدم أنفع الفاسقَيْن وأقلهما شراً، وأعدل المقلدَيْن وأعرفهما بالتقليد.
وقال: إن حكّم أحدهما خصمه أو حاكما، فأفتى في مسألة اجتهادية جاز. وقال في عمل الولاية بعد ذكر التحكيم: وكذلك يجوز أن يتولى متقدمو الأسواق والمساجد، والوساطات، والصلح عند الفورة والمخاصمة، وصلاة الجنازة، وتفويض الأموال إلى الوصايا، وتفرقة زكاته بنفسه، وإقامة الحد على رقيقه، وخروج طائفة إلى الجهاد تلصصاً وبياتاً، وعمارة المساجد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأشباه ذلك.
وفعل الحاكم حكم، كتزويج يتيمة، وشراء عين غائبة، وعقد نكاح بلا ولي، وغيره، ذكر الشيخ أنه أصح الوجهين، وقال: فإذا قال: حكمت بصحته نفذ اتفاقاً، وإن كان ممن لا يصلح نقض أحكامه، واختار الشيخ: لا ينقض الصواب منها.
ولو ادعى شهادة له عند آخر، لم تسمع دعواه، ولم يعد عليه، ولم يحلف، خلافاً للشيخ. وقال: لو قال: أنا أعلمها ولا أؤديها فظاهر، ولو نكل لزمه ما ادعى به، إن قيل: كتمانها موجب لضمان ما تلف، ولا يبعد كما يضمن في ترك الإطعام الواجب، اختار فيمن كسب مالاً محرماً برضى الدافع ثم تاب، كثمن خمر ومهر بغي وحلوان كاهن، أن له ما سلف. وقال أيضاً: لا ينتفع ولا يرده لقبضه عوضه، ويتصدق به وللفقراء أكله، ولولي الأمر أن يعطيه لأعوانه. وقال أيضاً فيمن تاب: إن علم صاحبه دفعه إليه، وإلا دفعه في المصالح، وله مع حاجته أخذ كفايته.
ولا تجوز الهدية لمن شفع عند السلطان ونحوه، لأنها كالأجرة، والشفاعة من المصالح العامة، فلا يجوز أخذ الأجرة عليه؛
وفيه حديث شريح في السنن. ونص أحمد فيمن عنده وديعة فأداها فأهديت إليه هدية: لا يقبلها إلا بنية المكافأة. وإن قال المعزول: كنت حكمت في ولايتي لفلان بحق قُبل، وقيده في الفروع بالعدل.
وقال الشيخ: كتابه في غير عمله أو بعد عزله كخبره. قال: ونظيره أمير الجهاد، وأمين الصدقة، وناظر الوقف. وتسمع البيّنة والدعوى في كل حق لآدمي غير معيّن، كالوقف على الفقراء أو مسجد، قال الشيخ: وكذا عقوبة كذاب مفتر على الناس. ثم ذكر كلام القاضي في احتيال الحنفية على سماع البيّنة من غير وجود مدعى عليه، خوفاً من حدوث خصم مستقبل، قال الشيخ: دخل جماعة معهم في هذا الاحتيال، وسموه الخصم المستحق، وأما على أصلنا وأصل مالك: فإما أن تمنع الدعوى على غير خصم فتثبت الحقوق بالشهادات على الشهادات، وهو كما ذكره من ذكره من أصحابنا، وإما أن تسمع الدعوى والبيّنة بلا خصم، كما ذكره طائفة؛ وهو مقتضى كلام أحمد، لأنا نسمع البيّنة على الغائب والممتنع وكذا على الحاضر في البلد في المنصوص فمع عدم خصم أولى.
قوله: وإن نكل قضي عليه، وقيل: ترد اليمين على المدعي، واختاره ابن القيم بإذن الناكل. وقال الشيخ: مع علم مدع وحده بالمدعى به لهم ردها، وإذا لم يحلف لم يأخذ، كالدعوى على ورثة ميت حقاً يتعلق بالتركة. وإن كان المدعى عليه هو العالم بالمدعى به دون المدعي، مثل أن يدعي الورثة والوصي على غريم الميت فينكر، فلا يحلف المدعي. قال: وأما إن كان المدعي يدعي العلم والمنكر يدعي العلم، فهنا يتوجه القولان. واختار أن المدعي يحلف ابتداء مع اللوث، وأن الدعوى في التهمة كسرقة يعاقب المدعى عليه الفاجر، وأنه لا يجوز إطلاقه، ويحبس المستور ليبين أمره. وقال: إن تحليف كل مدعى عليه وإرساله ليس مذهباً للإمام، واحتج بقصة
النعمان بن بشير، قال القاضي: يحبسه. والأول ظاهر كلام أحمد والقاضي، ويشهد له قوله:{وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} الآية، 1حملناه على الحبس في التهمة. واختار الشيخ تعزير مدع بسرقة ونحوها على من تعلم براءته.
قوله: ولا تصح الدعوى إلا محررة، واختار الشيخ أن مسألة الدعوى وفروعها ضعيفة، لحديث الحضرمي، وأن الثبوت المحض يصح بلا مدعى عليه.
وقال: إذا قيل: لا تسمع إلا محررَّة، فالواجب أن من ادعى مجملاً، استفصله الحاكم. وقال: المدعى عليه قد يكون متهماً، كـ"دعوى الأنصار قتل صاحبهم، ودعوى المسروق منه على بني أبيرق"، ثم المجهول قد يكون مطلقاً وقد ينحصر. قال: ولا يعتبر في الشهادة قوله، وإن الديْن باق في ذمته، إجماعاً. وقال الآمدي: لو ادعت أن زوجها أقرَّ أنها أخته من الرضاعة وأقامت بيّنة، لم تقبل لأنها شهادة على الإقرار لا على الرضاع، قال الشيخ: لعل مأخذه أنها ادعت بالإقرار لا بالمقر به، ولكن هذه الشهادة تسمع بغير دعوى، لما فيها من حق الله، على أن الدعوى بالإقرار فيها نظر، فإن الدعوى بها تصديق المقر. قوله: ولم يمكنه أخذه بحاكم، واختار الشيخ جواز الأخذ، ولو قدر على أخذه بحاكم في الحق الثابت بإقرار أو بيّنة أو كان سبب الحق ظاهراً.
وقال: إن غصب ماله جاز له الأخذ بقدر حقه، وليس من هذا الباب. وقال: أمور الدين والعبادات المشتركة لا يحكم فيها إلا الله ورسوله، إجماعاً. وقال: إذا رفعا إليه عقداً فاسداً عنده، وأقرا بأنه نافذ الحكم، حكم بصحته، فهو كالبينة إن عينا الحاكم.
يجوز كتاب القاضي في ما حكم به في المسافة البعيدة والقريبة، وعند
1 سورة النور آية: 8.
الشيخ، في حق الله تعالى. ويجوز فيما ثبت عنده الحكم به في المسافة البعيدة فقط، وعنه: فوق يوم، وعند الشيخ: وأقل من يوم كخبره. وقال: كتابه في غير عمله أو بعد عزله كخبره على ما تقدم. وإذا عرف المكتوب إليه خطه وختمه، جاز قبوله. وعند الشيخ: من عرف خطه بإنشاء أو إقرار أو عقد أو شهادة، عمل به كميت، فإن حضر وأنكر فكاعترافه بالصوت وإنكاره مضمونه.
وقال: تنازع الفقهاء في كتاب الحاكم، هل يحتاج إلى شاهدين أم واحد؟ أو يكتفي بالكتاب المختوم؟ أم يقبل الكتاب بلا ختم ولا شاهد؟ على أربعة أقوال معروفة في مذهب أحمد وغيره. وقال: الخط كاللفظ إذا عرف أنه خطه. وقال: إنه مذهب الجمهور، وهو يعرف أن هذا خطه كما يعرف أن هذا صوته، مع إمكان الاشتباه. وجوّز الجمهور الشهادة على الصوت، قال في المغني: المحضر شرح ثبوت الحق عنده لا الحكم، وقيل: ما ضمن الحاكم ببيّنة سجل، وما سواه محضر.
ومن دعا شريكه إلى البيع في قسمة التراضي أُجبر، فإن أبى بيع عليهما، وكذا حكم الإجارة ولو في وقف، ذكره الشيخ في الوقف. وإن تراضيا على قسمة المنافع بالمهايآت جاز، فإن رجع أحدهما قبل استيفاء نوبته فله ذلك، وبعدها يغرم ما انفرد به. قال الشيخ: لا تنفسخ حتى تنقض الدور ويستوفي كل واحد حقه، ولو انتقلت كانتقال وقف، فإن كان إلى مدة لزمت الورثة والمشتري، قاله الشيخ.
وقسم الإجبار يقسمه الحاكم إن ثبت ملكهما عنده، اختاره الشيخ، كبيع مرهون وعبد جان. وقال: كلام أحمد في بيع ما لا يقسم وقسم ثمنه عام فيما ثبت أنه ملكهما وفيما لم يثبت كجميع الأموال التي تباع. قال: ومثله لو جاءته
امرأة فزعمت أنها لا ولي لها، هل يزوجها بلا بيّنة. ونقل حرب في من أقام بيّنة بسهم من ضيعة بيد قوم فهربوا، يقسم عليهم ويدفع إليه حقه، قال الشيخ: وإن لم يثبت ملك الغائب. قال: وأجرة شاهد يخرج لقسم البلاد ووكيل وأمين. الحفظ على مالك وفلاح كأملاك، فإذا فهم الفلاح بقدر ما عليه أو يستحقه الضيف حل لهم. وإن لم يأخذ الوكيل لنفسه إلا قدر أجرة عمله بالمعروف والزيادة يأخذها المقطع، فالمقطع هو الذي ظلم الفلاحين.
وإن تلف ثوب فشهدت بيّنة أن قيمته عشرون، وأخرى ثلاثون، أخذ بالأقل، وقيل: بالأكثر، قاله الشيخ في نظيرها فيمن أجر حصة موليه، فقالت بيّنة: أجرها بأجرة مثلها، وقالت بيّنة مثلها، وقالت بيّنة بنصف أجرة المثل. وجّوز أخذ الأجرة على الشهادة مع الحاجة. قوله: ومن كانت عنده شهادة لآدمي لم يقمها حتى يسأله، قال الشيخ: الطلب العرفي أو الحال كاللفظي، علمها أو لا. وقال: إذا أداها قبل الطلب قام بالواجب وكان أفضل، كمن عنده أمانة أداها عند الحاجة. قوله: ولا تقبل الاستفاضة إلا من عدد يقع العلم بخبرهم. وقال الشيخ: أو ممن تطمئن إليه النفس ولو واحداً. وقال: الشاهد يشهد بما سمع، فإذا قامت بينة بتعيين ما دخل في اللفظ قُبل. وإذا مات رجل فادعى آخر أنه وارثه، فشهد اثنان أنهما لا يعلمان له وارثاً، سلّم المال إليه، قال الشيخ: لا بد أن تقيد المسألة بأن لا يكون الميت ابن سبيل ولا غريباً.
وتقبل شهادة أهل الكتاب على الوصية في السفر بشرطه، قال الشيخ: هو نص القرآن، ومفهومه: أن غير أهل الكتاب لا تقبل شهادتهم، وعنه: تقبل من الكافر مطلقاً. وعنه: تقبل شهادتهم للحميل، وعنه: تقبل للحميل وموضع
الضرورة. 1 وعنه: تقبل سفراً، ذكرها الشيخ.
وقال: كما تقبل شهادة النساء في الحدود إذا اجتمعن في عرس أو حمام. وعنه: تقبل شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض، اختاره الشيخ: وقال: ترد شهادته بكذبة واحدة. وقال: يحرم محاكاة النفس للضحك، ويعزر هو ومن يأمر به. ولو شهد أحد الغانمين بشيء من المغنم قبل القسمة فقال الشيخ: في قبولها نظر، لأنها تجر نفعاً. وقال في قوم في ديوان أجروا شيئاً: لا تقبل شهادة أحد منهم على مستأجره، لأنهم وكلاء أو ولاة، ولا شهادة ديوان الأموال السلطانية على الخصوم.
قوله: ما ليس بمال ولا يقصد به المال، كالنكاح والرجعة والخلع، ثم ذكر أشياء، ثم قال: وعنه: يقبل في ذلك كله رجل وامرأتان، وعنه: يقبل فيه رجل ويمين، اختارها الشيخ. وتثبت شهادة شاهدي الأصل بشاهدين يشهدان عليهما، سواء شهدا على كل واحد منهما أو شهد على كل واحد منهما شاهد من شهود الفرع. قال أحمد: لم يزل الناس على هذا، وثبوت شهادة شاهد على شاهد من المفردات، ولا تقبل الشهادة إلا بلفظ [الشهادة]، 2 وعنه: تصح ويحكم بها. اختارها الشيخ، وقال: لا يعرف عن صحابي ولا تابعي اشتراط لفظ الشهادة، وفي الكتاب والسنة إطلاق لفظ الشهادة على الخبر المجرد. وقال: قصة مروان مع زيد تدل على أن القاضي إذا رأى التغليظ فامتنع، أدى ما ادعى به، وإلا لم يكن للتغليظ فائدة. وقال: الإقرار قد يكون إنشاء، كقوله:{قالوا أقررنا} ، 3 فلو أقر
1 في المطبوعة: (ضرورة) .
2 زيادة في المخطوطة.
3 زيادة في المخطوطة.
به وأراد إنشاء تمليكه صح، ولو ادعى أنه حين البيع كان صبياً أو غير ذلك، وأنكر المشتري، [فالقول قول المشتري] . 1 قال الشيخ: وهكذا يجيء في الإقرار وسائر التصرفات، مثل دعوى البلوغ بعد تصرف الولي، أو تزويج ولي أبعد منه. وقال: الإقرار مع استدراك متصل، وإن المتقارب في الاستثناء متواصل.
آخره، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
وجد بآخر الأصل المخطوط الذي اعتمدنا عليه في الطبع ما نصه:
بلغ مقابله في ملكه عبد الرحمن بن أحمد بن قاسم، غفر الله له ولوالديه.
1 زيادة في المخطوطة.