الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الاعتكاف
لا نعلم خلافاً في استحبابه، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الاعتكاف لا يجب على الناس فرضاً، إلا أن يوجب المرءُ على نفسه الاعتكاف نذراً فيجب عليه. فإن نوى الاعتكاف مدة لم تلزمه، فإن شرع فيها فله إتمامها والخروج منها متى شاء. وقال مالك: يلزمه بالنية مع الدخول فيه، فإن قطعه فعليه قضاؤه. قال ابن عبد البر: لا يختلف في ذلك الفقهاء، ويلزم القضاء عند جميع العلماء، واحتجوا بحديث عائشة "في ضرب أزواجه الأخبية، فرجع، فلما أفطر اعتكف عشراً من شوال"، وما ذكره ليس بشيء، فإن هذا ليس بإجماع، ولا يعرف هذا القول عن أحد سواه؛ والحديث حجة عليه، لأنه صلى الله عليه وسلم ترك اعتكافه، وأزواجه تركنه ولا أمرن بالقضاء.
وأما قضاؤه صلى الله عليه وسلم، فإنه كان إذا عمل عملاً أثبته تطوعاً، ويصح بغير صوم، وعنه: لا يصح؛ فعليها، لا يصح في ليلة مفردة ولا بعض يوم، ولا يجوز إلا في مسجد، لا نعلم فيه خلافاً، وتقام فيه الجماعة. وعن الشافعي: وتقام فيه الجمعة، ولا يتعين شيء من المساجد بالنذر إلا الثلاثة، لحديث شد الرحال، ولو تعين غيرها لزم المضي إليه، واحتاج إلى شد رحل. وقال الشافعي في أحد قوليه: لا يتعين المسجد الأقصى، لقوله:"صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام"، 1 وهذا يدل على التسوية بين ما عدا هذين المسجدين، وما ذكره لا يلزم فإنه إذا
1 البخاري: الجمعة (1190)، ومسلم: الحج (1394)، والترمذي: الصلاة (325)، والنسائي: المساجد (694) ومناسك الحج (2899)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (1404) ، وأحمد (2/239، 2/251، 2/256، 2/277، 2/386، 2/466، 2/468، 2/473، 2/484، 2/485، 2/499)، ومالك: النداء للصلاة (461) .
فضل الفاضل بألف، فقد فضل المفضول بها أيضاً. وأفضلها: المسجد الحرام، ثم مسجد المدينة، ثم المسجد الأقصى. فإن نذر في الأفضل لم يكن له فعله في غيره، فإن نذره في غيره فله فعله فيه.
ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":
قال ابن عقيل: الأحكام المتعلقة بمسجده صلى الله عليه وسلم بما كان في زمانه، لقوله:"في مسجدي هذا"، واختار الشيخ أن حكم الزائد حكم المزيد عليه؛ ظاهر كلام المصنف: أنه سواء نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد قريب أو بعيد، عتيق أو جديد، امتاز بمزية شرعية أو لا، واختار الشيخ تعيين ما امتاز بمزية شرعية، كقدم أو كثرة جمع، فإن أراد الذهاب إلى ما عيّنه بنذر، فاختار المصنف الإباحة في السفر القصير، ولم يجوّزه الشيخ.
ولا يجوز أن يجعل القرآن بدلاً من الكلام، وقال الشيخ: إذا قرأ عند الحكم الذي أنزل الله أو ما يناسبه، فحسن كقوله لمن دعاه إلى ذنب تاب منه:{مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا} ، 1 وقوله عندما أهمه:{إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} . 2 وينبغي لمن قصد المسجد أن ينوي الاعتكاف مدَّة لبثه، ولم يره الشيخ. والله أعلم.
1 سورة النور آية: 16.
2 سورة يوسف آية: 86.