الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة
أجمعوا على أن الإفطار بالأكل والشرب لما يُتغذى به، فأما ما لا يتغذى به فيفطر، في قول عامة أهل العلم. وقال الحسن بن صالح: لا يفطر فيما ليس بطعام ولا شراب. وحكي عن أبي طلحة: "أنه كان يأكل البرد في الصوم". وقال مالك: لا يفطر بالسعوط إلا أن يصل إلى حلقه، واختلف عنه في الحقنة. وإن وجد طعم الكحل في حلقه، أو علم وصوله إليه، فطّره وإلا فلا. وقال الشافعي: لا يفطر الكحل.
قال ابن المنذر: أجمعوا على إبطال صوم من استقاء عامداً، وقليل القيء وكثيره سواء، وعنه: لا يفطر إلا بملء الفم؛ والأول أولى، لظاهر حديث أبي هريرة، حسنه الترمذي.
وإن قبّل أو لمس فأمنى أو أمذى أفطر، لإيماء الخبر إليه، يعني: قولها: "كان أملككم لإربه". وقال الشافعي: لا يفطر بالمذي، أو كرر النظر فأنزل، يعني: يفطر، وقال الشافعي وابن المنذر: لا يفطر.
والحجامة يفطر بها الحاجم والمحجوم، وبه قال إسحاق وابن المنذر وابن خزيمة. وقال مالك: لا يفطر، (وإنما) يفطر بما ذكرنا إذا فعله ذاكراً لصومه. وروي عن عليّ:"لا شيء على من أَكل ناسياً"، وهو قول أبي هريرة وابن عمر، وقال مالك: يفطر.
وإذا دخل حلقه غبار أو ذباب من غير قصد، أو رش عليه الماء فيدخل
مسامعه أو حلقه، أو يلقى في ماء فيصل إلى جوفه، فلا يفسد صومه، لا نعلم فيه خلافاً.
ومن أكل معتقداً أنه ليل فبان نهاراً، فعليه القضاء، هذا قول أكثر أهل العلم، وحكي عن عروة ومجاهد والحسن وإسحاق: لا قضاء عليه.
وإذا جامع في نهار رمضان، فعليه القضاء والكفارة، وعنه: لا كفارة مع الإكراه أو النسيان. وقال الشافعي: لا يجب القضاء مع الكفارة. ولنا: أنه صلى الله عليه وسلم قال للمُجامع: "وصم يوماً مكانه". 1 رواه أبو داود. وإن جامع فيما دون الفرج أفطر، بغير خلاف علمناه، وفي الكفارة روايتان.
وإن قبّل أو لمس فأنزل فسد صومه، وفي الكفارة روايتان.
والكفارة: عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، وعنه: على التخيير، لما روى مالك وابن جريج عن الزهري في الحديث:"أمره أن يكفِّر بعتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكيناً". ووجه الأولى: الحديث الصحيح، رواه يونس ومعمر والأوزاعي والليث وموسى بن عقبة وعبيد الله بن عمير وعراك بن مالك وغيرهم، عن الزهري بلفظ الترتيب؛ والأخذ به أولى، لأن أصحاب الزهري اتفقوا عليه، سوى مالك وابن جريج، ولأن الترتيب زيادة، ولأن حديثنا لفظه صلى الله عليه وسلم، وحديثهم لفظ الراوي، ويحتمل أنه رواه بأوْ لاعتقاده أن معنى اللفظين سواء.
ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":
اختار الشيخ عدم الإفطار بمداواة جائفة ومأمومة وبحقنة. وقال ابن أبي موسى: الاكتحال بما يجد طعمه كصبر يفطر، ولا يفطر الإثمد غير المطيب
1 البخاري: الصوم (1936، 1937) والهبة وفضلها والتحريض عليها (2600) وكفارات الأيمان (6710، 6711)، ومسلم: الصيام (1111)، والترمذي: الصوم (724)، وابن ماجة: الصيام (1671) ، وأحمد (2/208، 2/241)، والدارمي: الصوم (1716) .
إذا كان يسيراً، واختار الشيخ: لا يفطر بذلك كله.
قوله: أو قبّل أو لمس فأمنى
…
إلخ، ووجه في الفروع احتمالا بأنه لا يفطر، ومال إليه ورد ما احتج به المصنف والمجد. وإذا قبّل أو لمس فأمذى، فسد صومه، وقيل: لا يفطر، اختاره الشيخ. واختار أن الحاجم إن مص القارورة أفطر وإلا فلا، ويفطر المحجوم عنده إن خرج الدم وإلا فلا، وأنه لا يفطر الفاصد، وأن المشروط يفطر الشارط، وأنه يفطر بإخراج دمه برعاف أو غيره.
واختار أنه لا قضاء على من أكل أو جامع معتقداً أنه ليل فبان نهاراً. وإن جامع فيما دون الفرج فأنزل أفطر، ووجه في الفروع احتمالاً: لا يفطر إذا باشر دون الفرج، ومال إليه. واختار الشيخ أنه لا يفطر إذا أمذى بالمباشرة. واختار أن المجامع إذا طلع عليه الفجر فنزع في الحال، أنه لا قضاء عليه ولا كفارة، ولو كفّر عنه غيره بإذنه فله أخذها، وقيل: وبدون إذنه.
وذكر ابن أبي موسى: هل يجوز له أكلها أم كان خاصا بذلك الرجل الأعرابي؟ على روايتين، وحكم أكله من الكفارات بتكفير غيره عنه حكم كفارة رمضان، وعنه: جواز أكله مخصوص بكفارة رمضان، ولو ملكه ما يكفّر به، وقلنا: له أخذه هناك، فله أكله، وإلا أخرجه عن نفسه، وقيل: هل له أكله أو يلزمه التكفير به؟ على روايتين.