الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الأيمان
الأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع. لا تصح اليمين من غير مكلف، ولا تنعقد يمين مكره، وبه قال مالك والشافعي. وتصح من كافر، وتلزمه الكفارة بالحنث. وقال الثوري: لا تنعقد. ولنا: "أن عمر نذر في الجاهلية أن يعتكف فأمر بالوفاء به"، ولأنه من أهل القسم، لقوله:{فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} 1.
والأيمان خمسة:
(أحدها) : واجب، وهي التي ينجي بها إنساناً معصوماً من هلكة.
(والثاني) : مندوب، وهو ما تعلق به مصلحة من إصلاح أو دفع شر.
(الثالث) : المباح، مثل الحلف على فعل مباح أو تركه.
(الرابع) : مكروه، [وهو الحلف على مكروه] ، 2 وتركه مندوب، لقوله:{وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} الآية. 3 والحلف في البيع والشراء، لقوله: "الحلف مَنْفَقَة للسلعة
…
إلخ" 4.
(الخامس) : المحرّم، وهو الحلف الكاذب. ومتى كانت اليمين على فعل واجب أو ترك محرّم حرم حلّها. وإن كانت على مندوب كره. وإن كانت على مباح فيباح. فإن قيل: كيف يباح وقد قال تعالى: {وَلا تَنْقُضُوا
1 سورة المائدة الآية رقم: 106.
2 زيادة من المخطوطة.
3 سورة البقرة آية: 224.
4 البخاري: البيوع (2087)، ومسلم: المساقاة (1606)، والنسائي: البيوع (4461)، وأبو داود: البيوع (3335) ، وأحمد (2/235، 2/242، 2/413) .
الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} ؟ 1 قلنا: هذا في الأيمان في العهود والمواثيق، بدليل قوله تعالى:{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} 2 - إلى قوله - {أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} . 3 والعهد يجب الوفاء به بغير يمين، فمع اليمين أولى، قال تعالى:{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ} ، 4 وقال:{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} ، 5 ولهذا نهى عن نقض اليمين، والنهي يقتضي التحريم، وذمهم عليه، ومثّله بالتي نقضت غزلها. ولا خلاف أن الحل المختلف فيه لا يدخله شيء من هذا.
وإن كانت على فعل مكروه أو ترك مندوب فحلها مندوب، لقوله: "إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً، فكفِّر
…
إلخ". 6 وإن كانت على فعل محرم أو ترك واجب، وجب حلها.
واليمين التي تجب بها الكفارة هي اليمين بالله، أو صفة من صفاته. ولا نعلم خلافاً في وجوب الكفارة إذا حلف باسم الله لا يسمَّى به سواه، وأما ما يسمَّى به غيره وإطلاقه ينصرف إلى الله، كالعظيم والرحيم والرب والمولى، فإن نوى اسم الله أو أطلق كان يميناً؛ وهذا مذهب الشافعي. وأما ما لا يعدّ من أسمائه، كالعالم والشاكر، فإن لم ينو به الله أو نوى غيره لم يكن يميناً، وإن نواه كان يميناً. فيختلف هذا والذي قبله في الإطلاق: ففي الأول يكون يميناً، وفي الثاني لا يكون. وقال الشافعي في هذا القسم: لا يكون يميناً وإن قصد به الله. وإن قال: "وحق الله"، فهي يمين مكفرة، وبه قال مالك
1 سورة النحل آية: 91.
2 سورة النحل آية: 91.
3 سورة النحل آية: 92.
4 سورة النحل آية: 91.
5 سورة المائدة الآية رقم: 1.
6 البخاري: الأيمان والنذور (6622)، ومسلم: الأيمان (1652)، والترمذي: النذور والأيمان (1529)، والنسائي: الأيمان والنذور (3782، 3783، 3784) وآداب القضاة (5384)، وأبو داود: الخراج والإمارة والفيء (2929) والأيمان والنذور (3277) ، وأحمد (5/61، 5/62، 5/63)، والدارمي: النذور والأيمان (2346) .
والشافعي. وقال أبو حنيفة: لا، وحق الله: طاعته. ولنا: أن له حقوقاً يستحقها لنفسه، من البقاء والعظمة والجلال. وقد اقترن العرف بالحلف بها، فينصرف إلى صفة الله. وإن قال:"وعهد الله" فيمين، وبه قال مالك. وقال ابن المنذر: لا، إلا بالنية. وقال أبو حنيفة: ليس بيمين. ولنا: أن عهد الله يحتمل كلامه الذي هو صفته، وقد ثبت له عرف الاستعمال. وإن قال: "وأمانة الله: فيمين، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشافعي: لا تنعقد إلا أن ينوي صفة الله، لأنها تطلق على الفرائض والودائع والحقوق. ولنا: أن أمانة الله صفة من صفاته.
والقسم بالصفات ينقسم كالقسم بالأسماء، ثلاثة أقسام:
(أحدها) : ما لا يحتمل غير الذات، كعزة الله وعظمته وجلاله، فتنعقد بها اليمين، في قولهم جميعاً. وورد القسم بها، كقول الخارج من النار:"وعزّتك لا أسأل غيرها"، 1 وفي القرآن:{فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} 2.
(الثاني) : صفة للذات، إلا أنه يعبر به عن غيرها، كعلم الله وقدرته، كقولهم: اللهم اغفر لنا علمك فينا، اللهم أريتنا قدرتك فأرنا عفوك. فالقسم بهذا يمين. وقال أبو حنيفة: إذا قال: "وعلْم الله" ليس يمينا.
(الثالث) : ما لا ينصرف بإطلاقه إلى صفة الله، لكن ينصرف بإضافته إليه لفظاً أو نية، كالعهد والميثاق والأمانة، فلا يكون يميناً إلا بإضافته أو نيته. ويكره الحلف بالأمانة، لقوله:"من حلف بالأمانة فليس منّا". 3 رواه أبو داود.
وإن قال: "لعمرو الله" كان يميناً، وقال الشافعي: لا، إلا أن يقصد اليمين،
1 البخاري: الأذان (806)، ومسلم: الإيمان (182، 183، 185، 194)، والترمذي: صفة القيامة والرقائق والورع (2434) وتفسير القرآن (3148)، والنسائي: التطبيق (1140)، وابن ماجة: الزهد (4280، 4309) ، وأحمد (2/275، 3/5، 3/11، 3/20، 3/25، 3/48، 3/56، 3/77، 3/90، 3/94)، والدارمي: الرقاق (2801، 2803، 2817) .
2 سورة ص آية: 82.
3 أبو داود: الأيمان والنذور (3253) ، وأحمد (5/352) .
لأنها لا تكون يميناً إلا بتقدير خبر محذوف، كأنه قال:"لعمرو الله ما أقسم به" فيكون مجازاً، والمجاز لا ينصرف إليه الإطلاق. ولنا: أنه أقسم بصفة، وقيل: معناه: "وحق الله". وإن قال: "لعمري"، أو "لعمرك" فليس بيمين، في قول الأكثر. وقال الحسن: في قول: "لعمري" كفارة.
وإن حلف بكلام الله أو بالمصحف أو بالقرآن، فيمين فيها كفارة واحدة، وعنه: بكل آية كفارة. وكان قتادة يحلف بالمصحف، ولم يكرهه أحمد وإسحاق، لأنه قصد الحلف بالمكتوب فيه. وإن قال:"أحلف بالله" أو "أشهد بالله" أو "أقسم لله" أو "أعزم بالله" كان يميناً، لا نعلم فيه خلافاً؛ قال الله:{فيقسمان بالله} ، 1 ويقول الملاعن:"أشهد بالله". وإن لم يذكر اسم الله لم يكن يميناً، وعنه: يكون يمينا. وقال الشافعي: ليس بيمين وإن نوى. ولنا: قوله لأبي بكر: "لا تقسم بالله"، لما قال: أقسمت عليك".
وحروف القسم ثلاثة:
(الباء) : وتدخل على المظهر والمضمر، كقولك:"بالله وبك".
و (الواو) : وتدخل على المظهر خاصة.
و (التاء) : وتختص باسم الله دون سائر الأسماء الحسنى.
ويجوز القسم بغير حرف، كقوله: الله لأفعلنَّ، بالجر والنصب، وكذا بالرفع، إلا أن يكون من أهل العربية ولا ينوي. وإن قال:"لاها الله"، ونوى اليمين كان يميناً، لقول أبي بكر في سلب أبي قتادة. ويكره [الحلف] 2 بغير الله، ويحتمل أن يكون محرماً. قال ابن عبد البر: هذا أمر مجمع عليه. وقيل: يجوز لأن الله أقسم بمخلوقاته، وقوله:"أفلح وأبيه، إن صدق"، 3 وقوله في حديث أبي العشراء: "وأبيك، لو طعنت
1 سورة المائدة آية: 106.
2 من المخطوطة.
3 البخاري: الإيمان (46)، ومسلم: الإيمان (11)، والنسائي: الصلاة (458) والصيام (2090) والإيمان وشرائعه (5028)، وأبو داود: الصلاة (391) والأيمان والنذور (3252) ، وأحمد (1/162)، ومالك: النداء للصلاة (425)، والدارمي: الصلاة (1578) .
في فخذها أجزأك". 1 ولنا: قوله: " إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم. من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت". 2 متفق عليه. وعن ابن عمر، مرفوعاً: " من حلف بغير الله فقد أشرك". 3 حسّنه الترمذي. فأما قسم الله فله أن يقسم بما شاء ولا وجه للقياس. وأما قوله: "أفلح وأبيه"، فقال ابن عبد البر: هذه لفظة غير محفوظة من وجه صحيح. وحديث أبي العشراء، قال أحمد: لو كان يثبت، يعني: أنه لم يثبت. والحلف بغير الله تعظيم يشبه تعظيم الرب تبارك وتعالى، ولهذا سمي شركاً.
ويشترط لوجوب الكفارة ثلاثة شروط:
(أحدها) : أن [تكون] 4 اليمين منعقدة، وهي التي يمكن فيها البر والحنث. قال ابن عبد البر: اليمين التي فيها الكفارة بالإجماع التي على المستقبل، كمن حلف ليضربنّ غلامه أو لا يضربه. وذهبت طائفة إلى أن الحنث إذا كان طاعة لا يوجب الكفارة. وقال قوم: من حلف على فعل معصية فتركُها كفّارتها، قال سعيد بن جبير: اللغو: أن يحلف على ما لا ينبغي، يعني: لا كفارة. ولأبي داود من حديث عمرو بن شعيب، وفيه:"تركها كفّارتها"، ولنا: قوله: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيراَ منها، فليأت الذي هو خير، وليكفِّر"، 5 وحديث أبي موسى أخرجه البخاري. وحديثهم لا يعارض، لأن أحاديثنا أصح وأثبت. ويحتمل أن تركها كفارة لإثم الحلف.
واليمين الغموس لا كفارة لها، في قول الأكثر. فإن حلف على غيره فأحنثه، فالكفارة على الحالف. وإن قال:"أسألك بالله لتفعلنّ" وأراد اليمين فيمين، وإن أراد الشفاعة فليس بيمين.
1 الترمذي: الأطعمة (1481)، والنسائي: الضحايا (4408)، وأبو داود: الضحايا (2825)، وابن ماجة: الذبائح (3184) ، وأحمد (4/334)، والدارمي: الأضاحي (1972) .
2 البخاري: الأيمان والنذور (6646)، ومسلم: الأيمان (1646)، والترمذي: النذور والأيمان (1533، 1534، 1535)، والنسائي: الأيمان والنذور (3766، 3767، 3768)، وأبو داود: الأيمان والنذور (3249)، وابن ماجة: الكفارات (2094) ، وأحمد (2/7، 2/8، 2/11، 2/17، 2/20، 2/34، 2/69، 2/76، 2/86، 2/98، 2/125، 2/142)، ومالك: النذور والأيمان (1037)، والدارمي: النذور والأيمان (2341) .
3 سنن الترمذي: كتاب النذور والأيمان (1535)، وسنن أبي داود: كتاب الأيمان والنذور (3251) ، ومسند أحمد (2/67، 2/69، 2/86، 2/125) .
4 من المخطوطة.
مسلم: الأيمان (1650)، والترمذي: النذور والأيمان (1530)، ومالك: النذور والأيمان (1034) .
ولغو اليمين: أن يحلف على شيء يظنه فيبين بخلافه، وأكثر أهل العلم على عدم الكفارة، وعنه: ليس من اللغو، وفيه الكفارة. قال ابن عبد البر: أجمعوا على أن لغو اليمين لا كفارة فيه.
(الثاني) : أن يكون مختاراً لا مكرهاً، وبه قال مالك والشافعي. وإن سبقت اليمين على لسانه لا يعقد عليها قلبه، فلا كفارة، وممن قال:"إنها لغو اليمين": عمر وعائشة وغيرها.
(الثالث) : أن يفعل أو يترك ما حلف على فعله أو تركه ذاكراً، فإن نسي فلا كفارة، وعنه: بلى. وظاهر المذهب: الأولى، إلا في الطلاق والعتاق، وعنه: لا يحنث فيهما أيضاً. وهو قول عطاء وإسحاق وظاهر مذهب الشافعي. والجاهل كالناسي.
فإن حلف فقال: "إن شاء الله" لم يحنث إذا اتصل باليمين، وبه قال مالك وغيره. وعنه: يجوز إن لم يطل الفصل، لقوله:"والله لأغزونّ قريشاً، ثم سكت. ثم قال: إن شاء الله". 1 وعن الحسن وعطاء: [يصح] 2 ما دام في المجلس. ويشترط أن يستثني بلسانه، لا نعلم فيه خلافاً.
ويشترط: قصد الاستثناء، وهو مذهب الشافعي، ويصح في كل يمين مكفرة، كالظهار والنذر.
و"إن حرَّم أمته أو شيئاً من الحلال، لم يحرم، وعليه كفارة يمين"، يروى عن أبي بكر وعمر وغيرهما. وقال مالك والشافعي: لا كفارة عليه. ولنا: قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} الآيتين. 3 وإن قال: هو
1 أبو داود: الأيمان والنذور (3285) .
2 من المخطوطة.
3 سورة التحريم آية: 1.
يهودي أو بريء من الإسلام أو النبي إن فعل، فقد فعل محرّماً، لقوله:"من حلف على ملة غير الإسلام كاذباً متعمداً، فهو كما قال"، 1 وفي لفظ:"وإن كان صادقاً، لم يرجع إلى الإسلام سالماً"، 2 وعليه كفارة إن فعل، وعنه: لا كفارة؛ وهو قول مالك والشافعي. وإن قال: عليَّ نذر أو يمين إن فعلت كذا، فعليه كفارة، لقوله:"كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين ". 3 صححه الترمذي.
والكفارة تجمع تخييراً وترتيباً: فالتخيير: بين الإطعام والكسوة والتحرير. فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة قبل الحنث أو بعده. وعنه: لا يشترط التتابع، لأنه لم يذكر؛ والأول ظاهر المذهب، لأن في قراءة أبيّ وابن مسعود "ثلاثة أيام متتابعات"، وقال أصحاب الرأي: لا تجزئ قبل [الحنث] . 4 والأول قول أكثر أهل العلم، روي عن عمر وابنه وغيرهما. قال ابن عبد البر: العجب من أصحاب أبي حنيفة، أجازوا تقديم الزكاة من غير أن يرووا فيها مثل هذه الآثار في تقديم الكفارة، وأبَوْه في الكفارة مع كثرة الرواية فيها؛ والحجة في السنة ومن خالفها محجوج بها.
ومن كرر أيماناً قبل التكفير، فكفارة واحدة، وعنه: لكل يمين كفارة. وإذا قال: "حلفت" ولم يحلف، فقال أحمد: هي كذبة لا يمين، وعنه: عليه كفارة. وثبت "أنه صلى الله عليه وسلم أمر بإبرار المقسم أو القسم"، وهذا، والله أعلم، على الندب، بدليل قوله لأبي بكر:"لا تقسم". ويحتمل أن يجب إذا لم يكن فيه ضرر، وامتناعه من إبرار أبي بكر للضرر. ويستحب إجابة من حلف بالله، لقوله:"من استعاذ بالله فأعيذوه" 5 الحديث، رواه النسائي.
1 البخاري: الأدب (6047)، ومسلم: الإيمان (110)، والترمذي: النذور والأيمان (1543)، والنسائي: الأيمان والنذور (3770، 3771، 3813)، وأبو داود: الأيمان والنذور (3257)، وابن ماجة: الكفارات (2098) ، وأحمد (4/33، 4/34) .
2 البخاري: الصوم (1900) ، وأحمد (2/145)، والدارمي: الصوم (1684) .
3 مسلم: الألفاظ من الأدب وغيرها (2246) ، وأحمد (2/395، 2/491، 2/499) .
4 من المخطوطة.
5 النسائي: الزكاة (2567)، وأبو داود: الأدب (5109) ، وأحمد (2/68) .