الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الصداق
الأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع:
أما الكتاب، فقوله تعالى:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} الآية، 1 قال:{وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} ، 2 قال أبو عبيد: يعني: عن طيب نفس بالفريضة التي فرض الله. وقيل: نحلة من الله تعالى للنساء. وأما السنة، فقوله لعبد الرحمن:"ما أصدقتها؟ قال: وزن نواة من ذهب". وأجمعوا على مشروعيته.
ويستحب تخفيفه، لقول عمر:"لا تغلوا في صدقات النساء" الحديث أخرجه أبو داود والنسائي.
ويستحب تسميته، لأنه صلى الله عليه وسلم يزوج ويتزوج كذلك، وقال:"التمس ولو خاتماً من حديد". 3 وأجمعوا على أنه لا يتقدر أقله ولا أكثره، وبه قال الشافعي وإسحاق. وعن مالك وأبي حنيفة: تقدير الأقل. ثم اختلفوا فيه. ولنا: قوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} ، 4 وقوله:"ولو خاتماً من حديد". وأجمعوا على أنه لا توقيت في أكثره
1 سورة النساء آية: 24.
2 سورة النساء آية: 4.
3 البخاري: النكاح (5135)، ومسلم: النكاح (1425)، والترمذي: النكاح (1114)، والنسائي: النكاح (3280، 3359)، وأبو داود: النكاح (2111) ، وأحمد (5/336)، ومالك: النكاح (1118) .
4 سورة النساء آية: 24.
وكل ما جاز أن يكون ثمناً جاز أن يكون صداقاً، من ديْن، ومنفعة معلومة كرعاية غنمها مدة معلومة، وخياطة ثوب. وقال أبو حنيفة: منافع الحر لا تجوز، لأنها ليست مالاً، وإنما قال:{أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} الآية. 1 ولنا: قوله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ} الآية. 2 وقولهم: ليست مالاً، ممنوع، فإنها تجوز المعاوضة عنها وبها. ثم إن لم تكن مالاً فقد أجريت مجراه في هذا فكالنكاح. وإن أنكحها على أن يحج بها لم تصح التسمية، وقال مالك والثوري: تصح، وكل موضع لا تصح التسمية فيه يجب فيه مهر المثل، وعنه: يفسد.
وإن أصدقها تعليم شيء معيّن من القرآن لم يصح، وعنه: يصح، لحديث سهل. وقيل معناه: زوجتكها لأنك من أهل القرآن، "كما زوج أبا طلحة على إسلامه". ويجوز لأبي المرأة أن يشترط شيئاً من الصداق لنفسه، وبه قال إسحاق. وروي عن مسروق أنه لما زوج ابنته، اشترط لنفسه عشرة آلاف. وروي ذلك عن علي بن الحسين. وقال الثوري وأبو عبيد: يكون كله للمرأة. ولنا: قصة شعيب. وإن شرطه غير الأب، فالكل لها.
وللأب تزويج ابنته بدون صداق مثلها بكراً كانت أو ثيباً، وإن كرهت. وقال الشافعي: ليس له ذلك، فإن فعل فلها مهر مثلها. ولنا: قول عمر بمحضر من الصحابة: "لا تغالوا في صداق النساء".
وإن تزوج العبد بإذن سيده على صداق مسمى، صح بغير خلاف. والمهر
1 سورة النساء آية: 24.
2 سورة القصص آية: 27.
والنفقة على سيده. وعنه: يتعلق بكسبه، فإن لم يكن عنده ما ينفق فرّق بينهما. وأجمعوا على أنه ليس له النكاح بغير إذن سيده، فإن فعل ففيه روايتان: أظهرهما: البطلان، وهو قول عثمان وابن عمر والشافعي. وعنه: موقوف على إجازة السيد، وهو قول أصحاب الرأي. وإذا تزوج امرأة فضمن أبوها نفقتها عشر سنين، صح. والزوج هو الذي بيده عقدة النكاح، فإذا طلقها قبل الدخول فأيهما عفا لصاحبه عما وجب له من المهر برئ منه صاحبه. وعنه: أنه الأب، فله أن يعفو عن نصف صداق الصغيرة إذا طلقت قبل الدخول.
والتفويض على ضربين: تفويض البضع، وهو أن يزوج الأب ابنته البكر، أو تأذن المرأة لوليها في تزويجها بغير مهر. والثاني: تفويض المهر، وهو أن يزوجها على ما شاء أو شاءت أو شاء أجنبي، فالنكاح صحيح ويجب مهر المثل، في قول عامة أهل العلم لقوله:{لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} ، 1 ولحديث بروع، صححه الترمذي. وقال الشافعي: لا يكون التفويض إلا بإذنها.
ويجوز الدخول بالمرأة قبل إعطائها شيئاً، سواء كانت مفوضة أم لا، وبه قال الشافعي. وقال مالك:"لا يدخل بها حتى يعطيها شيئاً"، وروي عن ابن عباس، "لأن علياً أراد الدخول بفاطمة، فمنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يعطيها شيئاً". ولنا: حديث عقبة بن عامر "في الذي زوجه النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل بها، ولم يعطها شيئاً". وأما الأخبار، فمحمولة على الاستحباب، ويمكن حمل قول ابن عباس ومن وافقه عليه، فلا يكون بين القولين فرق.
1 سورة البقرة آية: 236.
وإن طلقت قبل الدخول، لم يكن لها إلا المتعة، وعنه: لها نصف مهر مثلها. وقال مالك: المتعة مستحبة لتخصيصه المحسنين. ولنا: قوله: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} الآية، 1 وآية الأحزاب، ولقوله:{حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ} ؛ 2 وأداء الواجب من الإحسان، فلا تعارض. والمتعة معتبرة بحال الزوج، للآية، وقيل: بحال الزوجة؛ والآية نص في القول الأول. وكل من وجب لها نصف المهر لم يجب لها متعة. وعنه: "لكل مطلقة متاع"، روي عن علي وغيره، لظاهر قوله:{وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} الآية. 3 قال أبو بكر: كل من روى عن أبي عبد الله أنه لا يحكم بالمتعة إلا لمن لم يسمّ لها مهراً، إلا حنبلاً، فإنه روى عن أحمد: أن لكل مطلقة متاعاً؛ والعمل عليه عندي، لولا تواتر الروايات عنه بخلافها. ولنا: قوله: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} الآية 4 - إلى قوله - {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ} ، 5 فخص الأولى بالمتعة، والثانية بنصف المفروض، فدل على اختصاص كل قسم بحكمه. ويحتمل أن الأمر به في غير المفروضة للاستحباب، جمعاً بين الآيات.
والنكاح الفاسد إن افترقا قبل الدخول فلا مهر، فإن دخل بها استقر المهر المسمى، وعنه: مهر المثل. ولا يستقر بالخلوة، في قول الأكثر. وإذا تزوجت المرأة تزويجا فاسداً، لم يحل تزويجها لغير من تزوج بها، حتى
1 سورة البقرة آية: 236.
2 سورة البقرة آية: 180.
3 سورة البقرة آية: 241.
4 سورة البقرة آية: 236.
5 سورة البقرة آية: 237.
يطلقها أو يفسخ نكاحها. فإن امتنع فسخ الحاكم. وقال الشافعي: لا حاجة إلى فسخ ولا طلاق، لأنه غير منعقد، أشبه النكاح في العدة. ولنا: أنه نكاح يسوغ فيه الاجتهاد، فاحتاج إلى التفريق. ويجب مهر المثل للموطوءة بشبهة، والمكرهة على الزنى، قال الشافعي: إذا أكرهها، فعليه المهر وأرش البكارة. وإذا دفع أجنبية فأذهب عذرتها، فعليه أرش البكارة، وهو مذهب الشافعي. وعن أحمد: لها صداق نسائها.
ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":
قوله: يستحب أن لا يعرى النكاح عن تسمية، هذا مبني على أصل، وهو أن الصداق هل هو حق لله أو لها. قال الشيخ: كلام أحمد يقتضي أن المستحب أن يكون أربعمائة درهم، وهو الصواب مع اليسار؛ فيستحب بلوغه ولا يزاد عليه. وإن تزوجها على عبد، فخرج حراً أو مغصوباً، أو عصير فبان خمراً، فلها قيمته. وقيل: مهر المثل. وعند الشيخ: لا يلزمه في هذه المسائل شيء. وكذا قال في مهر معيّن تعذر حصوله. وذكر في بعض قواعده جواز فسخ المرأة إذا ظهر المعقود عليه حراً أو مغصوباً أو معيباً. قوله: وإن فعل ذلك غيره بإذنها صح، وبغير إذنها يجب مهر المثل فيكمله الزوج. ويحتمل أن لا يلزمه إلا المسمى والباقي على الولي، كالوكيل في البيع، اختاره الشيخ.
والزوج هو الذي بيده عقدة النكاح، وعنه: أنه الأب، اختاره الشيخ. وقال: ليس في كلام أحمد أن عفوه صحيح، لأن بيده عقدة النكاح، بل إن له أن يأخذ من مالها ما شاء. وتعليله بذلك يقتضي جواز العفو بعد الدخول عن الصداق كله، وكذلك سائر الديون. ولو اتفقا قبل العقد على مهر وعقداه بأكثر منه تجملاً، فالمهر المعقود
عليه. وعلى هذا، قال أحمد: تفي بما وعدته وشرطته. وقال القاضي: استحباباً، وقال أبو حفص البرمكي: وجوباً، قلت: وهو الصواب. وقال الشيخ: إن كانت الهدية قبل العقد وقد وعدوه أن يزوجوه فزوجوا غيره، رجع به، وقال: ما قبض بسبب النكاح فكمهر.
قوله: والتفويض على ضربين - إلى أن قال - وإن مات أحدهما قبل الإصابة ورثة صاحبه، ولها مهر نسائها. وقيل: لا مهر، وعنه: لا يتنصف. قال الشيخ: في القلب حزازة من هذه الرواية، فالمنصوص عنه في رواية الجماعة: أن لها مهر المثل على حديث بروع، وهذه تخالف السنة وإجماع الصحابة بل الأمة؛ فإن القائل قائلان: قائل يوجب مهر المثل، وقائلٌ بسقوطه، فعلمنا أن ناقل ذلك غالط عليه، والغلط إما في النقل أو ممن دونه في السمع أو في الحفظ أو في الكتاب، إذ من أصل أحمد الذي لا خلاف عنه: أنه لا يجوز الخروج عن أقوال الصحابة، ولا ترك الحديث الصحيح من غير معارض من جنسه، وكان شديد الإنكار على من يخالف ذلك، فكيف يفعله مع إمامته، من غير موافقة لأحد، ومع أن القول لا حظ له في الآية ولا له نظير؛ هذا مما يعلم قطعاً أنه باطل.
واختار أن لكل مطلقة متعة، ولو كان قد دخل بها وسمى لها مهراً، قال أحمد فيما خرجه في مجلسه: قال ابن عمر: "لكل مطلقة متاع، إلا التي لم يدخل بها وقد فرض لها". قوله: ويجب مهر المثل للموطوءة بشبهة، وظاهر كلام الشيخ: لا يجب، لأنه قال: البضع إنما يتقوم على زوج أو شبهة فيملكه به. قوله: والمكرهة على الزنى لها مهر المثل، وعنه: للبكر خاصة، وعنه: لا يجب مطلقاً، اختاره الشيخ وقال: هو خبيث.