المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب السلم قال ابن عباس: "أشهد أن السلف المضمون إلى أجل - مختصر الإنصاف والشرح الكبير (مطبوع ضمن مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الثاني)

[محمد بن عبد الوهاب]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌كتاب الطهارة

- ‌باب المياه

- ‌باب الآنية

- ‌باب الاستنجاء

- ‌باب السواك وسنية الوضوء

- ‌باب فروض الوضوء وصفته

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌باب نواقض الوضوء

- ‌باب الغسل

- ‌باب التيمم

- ‌باب إزالة النجاسة

- ‌باب الحيض

- ‌‌‌كتاب الصلاة

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب الأذان والإقامة

- ‌باب شروط الصلاة

- ‌باب ستر العورة

- ‌باب اجتناب النجاسات

- ‌باب استقبال القبلة

- ‌باب النية

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب صلاة التطوع

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌باب صلاة أهل الأعذار

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌كتاب الجنائز

-

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة بهيمة الأنعام

- ‌باب زكاة الخارج من الأرض

- ‌باب زكاة الأثمان

- ‌باب زكاة العروض

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب إخراج الزكاة

- ‌باب أهل الزكاة

-

- ‌كتاب الصيام

- ‌باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة

- ‌باب ما يكره ويستحب، وحكم القضاء

- ‌باب صوم التطوع

- ‌كتاب الاعتكاف

-

- ‌كتاب المناسك

- ‌باب المواقيت

- ‌باب الإحرام

- ‌باب محظورات الإحرام

- ‌باب الفدية

- ‌باب جزاء الصيد

- ‌باب صيد الحرم

- ‌باب دخول مكة

- ‌باب صفة الحج

- ‌باب الفوات والإحصار

- ‌باب الهدي والأضحي

-

- ‌كتاب الجهاد

- ‌باب ما يلزم الإمام والجيش

- ‌باب قسمة الغنائم

- ‌باب حكم الأرضين المغصوبة

- ‌باب الفيئ

- ‌باب الأمان

- ‌باب الهدنة

- ‌باب عقد الذمة

- ‌باب أحكام الذمة

- ‌كاب البيع

- ‌باب الضمان

- ‌باب الحوالة

- ‌باب الصلح

-

- ‌باب الشروط في البيع

- ‌باب الخيار

- ‌باب الربا والصرف

- ‌باب بيع الأصو ول الأثمان

- ‌باب السلم

- ‌باب القرض

-

- ‌كتاب الحجر

- ‌باب الوكالة

-

- ‌كتاب الشركة

- ‌باب المساقاة

- ‌باب الإجارة

- ‌باب السبق

- ‌باب العارية

- ‌باب الغصب

- ‌باب الشفعة

- ‌باب الوديعة

- ‌باب احياء الموت

- ‌باب الجعالة

- ‌باب اللقطة

-

- ‌كتاب الوقف

- ‌باب الهبة والعطية

-

- ‌كتاب الوصايا

- ‌باب الموصى له

- ‌باب الموصى به

- ‌باب الموصى إليه

-

- ‌كتاب النكاح

- ‌باب أركان النكاح وشروطه

- ‌باب المحرمات في النكاح

- ‌باب الشروط في النكاح

- ‌باب حكم العيوب في النكاح

- ‌باب نكاح الكفار

-

- ‌كتاب الصداق

- ‌باب الوليمة

- ‌باب عشرة النساء

- ‌كتاب الخلع

-

- ‌كتاب الطلاق

- ‌باب سنية الطلاق وبدعيته

- ‌باب صريح الطلاق وكنايته

- ‌باب الرجعة

- ‌كتاب العدد

- ‌كتاب الرضاع

-

- ‌كتاب النفقات

- ‌باب من أحق بكفالة الطفل

- ‌كتاب الجنايات

-

- ‌كتاب الديات

- ‌باب القسامة

- ‌باب الحدود

- ‌باب القطع في السرقة

- ‌باب حد المحاربين

- ‌باب قتال أهل البغي

-

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌باب الذكاة

- ‌كتاب الصيد

-

- ‌كتاب الأيمان

- ‌باب جامع الأيمان

- ‌باب النذر

-

- ‌كتاب القضاء

- ‌باب أدب القاضي

- ‌باب طرق الحكم وصفته

- ‌باب حكم كتاب القاضي إلى القضي

- ‌باب القسمة

- ‌باب الدعوات والبينات

- ‌باب تعارض البيّنتين

-

- ‌كتاب الشهادات

- ‌باب شروط من تقبل شهاداته

-

- ‌كتاب الإقرار

- ‌باب ما يحصل به الإقرار

- ‌باب الإقرار بالمجمل

الفصل: ‌ ‌باب السلم قال ابن عباس: "أشهد أن السلف المضمون إلى أجل

‌باب السلم

قال ابن عباس: "أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحلّه الله في كتابه، وأذن فيه. ثم قرأ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} الآية 1". رواه سعيد. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السّلَم جائز، ولا يصح إلا بشروط سبعة:

(أحدها) : أن يكون مما يمكن ضبط صفاته، كالمكيل والموزون والمزروع. وأجمعوا على أن السّلَم في الطعام جائز؛ فأما المعدود كالحيوان ونحوه، فعنه: لا يصح. قال عمر: "إن من الربا أبواباً لا تخفى، وإن منها السّلَم في السن"، ولأن الحيوان لا يمكن ضبطه. وعن أحمد: جوازه. قال ابن المنذر: وممن روينا عنه ذلك: ابن مسعود وابن عباس وابن عمر. فأما حديث عمر فلم يذكره أصحاب الاختلاف. ثم هو محمول على أنهم يشترطون من ضراب فحل بني فلان، قال الشعبي:"إنما كره ابن مسعود السلف في الحيوان"، لأنهم اشترطوا نتاج فحل معلوم، رواه سعيد. قال أحمد: لا أرى السلَم إلا فيما يُكال ويوزن أو يوقف عليه بحد، فأما الرمان والبيض فلا أرى السلَم فيه. ونقل ابن منصور جواز السلَم في الفواكه والخضروات، لأن كثيراً من ذلك يتقارب، وفي السلَم في الرؤوس من الخلاف ما ذكرناه، وكذلك الأطراف.

1 سورة البقرة آية: 282.

ص: 494

ويصح في اللحم، لقوله:" في كيل معلوم " ظاهره: إباحته في كل موزون، ولا يصح فيما لا ينضبط كالجواهر.

(الثاني) : أن يصفه بما يختلف به الثمن، فيذكر جنسه ونوعه وقدره وبلده وحداثته وقدمه وجودته ورداءته، وما لا يختلف به الثمن لا يحتاج إلى ذكر؛ وإن جاءه بجنس آخر لم يجز له أخذه، لقوله:"من أسلف في شيء، فلا يصرفه إلى غيره". 1 رواه أبو داود. وذكر ابن أبي موسى رواية: أنه يجوز أن يأخذ مكان البر شعيراً مثله.

(الثالث) : أن يذكر قدره بالكيل في المكيل والوزن في الموزون والزرع في المزروع، ولا نعلم في اعتبار معرفة قدر السلَم فيه خلافاً. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السلَم جائز في الثياب بزرع معلوم. فإن أسلم في المكيل وزناً والموزون كيلاً، لم يصح. ونقل المروذي عن أحمد: أن السلَم في اللبن يجوز إذا كان كيلاً أو وزناً، وهو قول الشافعي وابن المنذر. وقال مالك: ذلك جائز إذا كان الناس يبايعون التمر وزناً، وهذا الصحيح؛ وهذا يدل على إباحة السلَم في المكيل وزناً وفي الموزون كيلاً، ولأن الغرض معرفة قدره. ولا بد أن يكون المكيال معلوماً، فإن اشترط مكيالاً بعينه أو صنجة بعينها غير معلومة، لم يصح. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السلَم في الطعام لا يجوز بقفيز لا يعرف عياره، ولا في ثوب بذرع فلان، لأن المعيار لو تلف ومات فلان بطل السلم. وما عدا المكيل والموزون والحيوان، فعلى ضربين: معدود، وغيره. والمعدود نوعان: أحدهما: لا يتباين كثيراً، كالجوز والبيض فيسلم فيه عدداً، وقال الشافعي: لا يسلم فيهما عدداً. ولنا: أن التفاوت يسير. والثاني: ما يتفاوت، كالرمان

1 أبو داود: البيوع (3468)، وابن ماجة: التجارات (2283) .

ص: 495

والسفرجل فحكمه حكم ما ليس بمعدود من البطيخ والبقول، وفيه وجهان: أحدهما: يسلم فيه عدداً ويضبط بالصغر والكبر. والثاني: لا يسلم فيه إلا وزناً، وبه قال الشافعي.

(الرابع) : أن يشترط أجلاً معلوماً له وقع في الثمن كالشهر ونحوه، فإن أسلم حالاً أو إلى أجل قريب كاليوم ونحوه، لم يصح. وقال الشافعي وابن المنذر: يجوز السلَم حالاً. ولنا: قوله: "إلى أجل معلوم"، فأمر بالأجل. فإن باعه ما يصح السلَم فيه حالاً في الذمة صح، ولكن يشترط أن يكون المبيع مملوكاً للبائع، فإن باعه ما ليس عنده لم يصح، إلا أن يسلم في شيء يأخذ منه كل يوم أجزاء معلومة فيصح. فأما إن أسلم إلى الحصاد والجذاذ، فعلى روايتين، قال أحمد: أرجو أن لا يكون به بأس؛ وبه قال مالك. وعن ابن عمر: "أنه كان يبتاع إلى العطاء". وعن ابن عباس أنه قال: "لا تبايعوا إلى الحصاد والدياس، ولا تبايعوا إلا إلى شهر معلوم". فإن قيل: قد روي عن عائشة: "أنه صلى الله عليه وسلم بعث إلي يهودي أن أبعث إليَّ بثوبين إلى الميسرة"، 1 قلنا: قال ابن المنذر: رواه حرمي بن عمارة، وقال أحمد: فيه غفلة، وهو صدوق. قال ابن المنذر: فأخاف أن يكون من غفلاته إذ لم يتابع عليه. ثم إنه لا خلاف أنه لو جعل الأجل إلى الميسرة لم يصح. وإذا جاءه بالسلَم قبل محله ولا ضرر فيه، قبضه وإلا فلا. وليس له إلا أقل ما يقع عليه الصفة. وعليه أن يسلم في الحبوب نقية، وإن كان فيها تراب لا يؤثر في الكيل ولا يعيب، لزمه أخذه. ولا يلزمه أخذ التمر إلا جافاً، ولا يلزمه أن يتناهى جفافه.

(الخامس) : أن يكون المسلَم فيه عام الوجود في محله، لا نعلم فيه خلافاً، لأنه إذا لم يكن كذلك لا يمكن تسليمه، فلا يصح، كبيع الآبق، بل أولى، لأن

1 الترمذي: البيوع (1213)، والنسائي: البيوع (4628) .

ص: 496

السلَم إذا أسلم في ثمرة بستان احتمل فيه أنواع من الغرر للحاجة، فلا يحتمل فيه غرر آخر لئلا يكثر. وقال ابن المنذر: إبطال السلَم إذا أسلم في ثمرة بستان بعينه كالإجماع من أهل العلم. ولا يشترط وجود السلَم فيه حال العقد، بل يجوز أن يسلم في الرطب في أوان الشتاء. وقال الثوري وأصحاب الرأي: يشترط أن يكون جنسه موجوداً لأن كل زمان يجوز أن يكون محلاً لموت المسلَم إليه. ولنا: "أنه صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين

إلخ"، 1 ولم يذكر الوجود، ولو كان شرطاً لذَكره ولنهاهم عن السلف سنين، لأنه يلزم منه انقطاع المسلَم فيه أوسط السنة. ولا نسلّم أن الديْن يحل بالموت، وإن سلّمنا فلا يشترط ذلك، إذ لو لزم أفضى إلى أن تكون آجال السلَم مجهولة. وإذا تعذر تسليم المسلَم فيه عند محله، إما لغيبة المسلَم إليه، أو عجز عن التسليم حتى عدم المسلَم فيه، أو لم تحمل الثمار تلك السنة، فالمسلم بالخيار بين الصبر وبين الفسخ، ويرجع بالثمن إن كان موجوداً أو بمثله إن كان مثلياً، وإلا فقيمته. وفيه وجه آخر: أنه ينفسخ بنفس التعذر. وإذا أسلم ذمي إلى ذمي في خمر، ثم أسلم أحدهما، فقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم: أن المسلم يأخذ دراهمه.

(السادس) : أن يقبض رأس مال السلَم في مجلس العقد، فإن تفرقا قبل ذلك بطل؛ وبه قال أبو حنيفة والشافعي. وقال مالك: يجوز أن يتأخر قبضه يومين أو ثلاثة وأكثر ما لم يكن شرطاً. وإن قبض بعضه، فهل يصح في المقبوض؟ على وجهين، بناء على تفريق الصفقة. وإن قبض الثمن فوجده رديئاً فرده، والثمن معيّن، بطل بردّه. فإن كان أحد النقدين، وقلنا يتعين بالتعيين، بطل. وإن كان في الذمة، فله إبداله في المجلس. وإن تفرقا ثم علم عيبه فردّه،

1 البخاري: السلم (2239، 2241، 2253)، ومسلم: المساقاة (1604)، والترمذي: البيوع (1311)، والنسائي: البيوع (4616)، وأبو داود: البيوع (3463)، وابن ماجة: التجارات (2280) ، وأحمد (1/217، 1/222، 1/282، 1/358)، والدارمي: البيوع (2583) .

ص: 497

ففيه وجهان: أحدهما: يبطل. والثاني: لا، وهو قول أبي يوسف ومحمد وأحد قولي الشافعي، ولكن يشترط أن يقبض البدل في مجلس الرد. قال أحمد: إذا ظهرت الدراهم مسروقة، فليس بينهما بيع. وإن كان له في ذمة رجل دينار، فجعله سلماً في طعام إلى أجل، لم يصح. قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم. وروي عن ابن عمر أنه قال: "لا يصح ذلك". فإن اختلفا في المسلَم فيه، فقال أحدهما: في حنطة، وقال الآخر: في شعير، تحالفا وتفاسخا. وإن أسلم ثمناً واحداً في جنسين، لم يجز حتى يبيّن ثمن كل جنس. وقال مالك: يجوز. وللشافعي قولان.

(السابع) : أن يسلم في الذمة، فإن أسلم في عين لم يصح، لأنه ربما تلف قبل تسليمه، ولأنه يمكن بيعه في الحال، فلا حاجة إلى السلَم فيه. ولا يشترط مكان الإيفاء، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يذكره، إلا أن يكون موضع العقد لا يمكن الوفاء فيه، فيشترط ذكره.

ولا يجوز بيع المسلَم فيه قبل قبضه، بغير خلاف علمناه، "لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام قبل قبضه، وعن ربح ما لم يضمن"، 1 وكذلك التولية والشركة، في قول الأكثر. وحكي جوازها عن مالك. ولا يجوز هبته قياساً على البيع، ولا أخذ غيره مكانه؛ وبه قال الشافعي. وذكر ابن أبي موسى رواية فيمن أسلم في بر فعدمه عند المحل، فرضي أن يأخذ شعيراً مثله، جاز. وقال مالك: يجوز أن يأخذ غير المسلَم فيه يتعجله، ولا يتأجله إلى الطعام.

قال ابن المنذر: ثبت عن ابن عباس قال: "إذا أسلمت في شيء إلى أجل، فخُذ ما أسلفت فيه، وإلا فخذ عرضاً أنقص منه، ولا تربح مرتين". رواه سعيد.

1 الترمذي: البيوع (1234)، والنسائي: البيوع (4631)، وأبو داود: البيوع (3504)، وابن ماجة: التجارات (2188) ، وأحمد (2/174، 2/178، 2/205)، والدارمي: البيوع (2560) .

ص: 498

ويجوز بيع الديْن المستقر لمن هو في ذمته، بشرط أن يقبض عوضه في المجلس، ولا يجوز لغيره، لحديث ابن عمر: "كنا نبيع الإبل

إلخ" فدل على جواز بيع ما في الذمة من أحد النقدين بالآخر، وغيره مقاس عليه. ودل على اشتراط القبض في المجلس قوله: "إذا تفرقتما وليس بينكما شيء ". وإن أعطاه مما يشترط فيه التقابض، مثل إن أعطاه عوض الحنطة شعيراً جاز، ولم يجز التفرق قبل القبض. وإن أعطاه مما لا يشترط فيه التقابض جاز التفرق قبل قبضه، كما لو قال: بعتك هذا الشعير بمائة درهم في ذمتك. ويحتمل أن لا يجوز، لأنه في الذمة، فلم يجز التفرق قبل القبض، كالسلم.

وإن باع الديْن لغير من هو في ذمته لم يصح، قال أحمد: إذا كان لك على رجل طعام قرضاً، فبعْه من الذي هو عليه بنقد، ولا تبعْه من غيره بنقد ولا نسيئة. وإذا أقرضت رجلاً دراهم أو دنانير، فلا تأخذ من غيره عوضاً بما لك عليه. وقال الشافعي: إن كان على معسر أو مماطل لم يصح، وإن كان على مليء باذل، ففيه قولان: أحدهما: يصح، لأنها تباع بمال ثابت.

ويشترط أن يشتري بعين أو يتقابضا في المجلس، لئلا يكون بيع ديْن بديْن. ولنا: أنه غير قادر على تسليمه، كبيع الآبق.

وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه: أن الإقالة في جميع ما أسلم فيه جائزة، وأما الإقالة في البعض فاختلفت الرواية فيها. وإذا أقاله رد الثمن إن كان باقياً، وإلا مثله أو قيمته إن لم يكن مثلياً. ويشترط رده في المجلس كما يشترط في السلَم. وإن انفسخ العقد بإقالة أو غيرها، فقال الشريف: لا يجوز له صرف ذلك الثمن في عقد آخر، وبه قال أبو حنيفة، وقال القاضي: يجوز أخذ العوض عنه، وهو قول الشافعي.

ص: 499

فإن قلنا بهذا، لم يجعل في سلَم آخر، لأنه بيع ديْن بديْن.

ويجوز فيه ما يجوز في القرض وأثمان البياعات إذا فسخت، ويأخذ أحد النقدين عن الآخر، ويقبضه في مجلس الإقالة. وإذا كان لرجل سلَم وعليه سلَم من جنسه، فقال لغريمه: اقبض سلَمي لنفسك ففعل، لم يصح، لأنه حوالة به ولا يجوز بالسلَم.

وهل يقع قبضه للآمر؟ على روايتين، وإن قال: أنا أقبضه لنفسي وخذه بالكيل الذي تشاهده جاز في إحدى الروايتين. والثانية: لا يجوز، وهو مذهب الشافعي، "لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام قبل قبضه حتى يجري فيه الصاعان: صاع البائع وصاع المشتري". 1 وإن اكتاله وتركه في المكيال، وسلمه إلى غريمه، صح، لأنه لا معنى لابتداء الكيل هنا، لأنه لا يحصل به زيادة علم. وقال الشافعي: لا يصح، للحديث الذي ذكرناه. وهذا يمكن القول بموجبه لأن قبض المشتري له في المكيال جرى لصاعه فيه. وإن دفع زيد إلى عمرو دراهم فقال: اشتر لك بها مثل الطعام الذي لك عليّ، ففعل، لم يصح. وإن قال: اشتر لي بها طعاماً، ثم اقبضه لنفسك، ففعل، صح الشراء ولم يصح القبض لنفسه. وإن قال: اقبضه لي، ثم اقبضه لنفسك، ففعل، صح؛ نص عليه. وقال أصحاب الشافعي: لا يصح، لأنه لا يكون قابضاً من نفسه لنفسه.

وهل يجوز الرهن والكفيل بالمسلَم فيه، على روايتين: رويت الكراهة عن علي وابن عباس. وروى حنبل جوازه، وهو قول عطاء ومجاهد ومالك والشافعي، لقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} 2 - إلى قوله - {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} . 3 وروي عن ابن عباس وابن عمر: " أن المراد به السلَم"، ولأن اللفظ عام فيدخل فيه السلَم. ووجه الأولى: أن الراهن والضمين إن أخذ برأس

1 ابن ماجة: التجارات (2228) .

2 سورة البقرة آية: 282.

3 سورة البقرة آية: 283.

ص: 500

المال فقد أخذ بما ليس بواجب، ولا مآله إلى الوجوب، لأن المسلَم إليه قد ملكه. وإن أخذ بالمسلَم فيه فالرهن إنما يجوز بشيء يمكن استيفاؤه من ثمن الرهن، والمسلَم فيه لا يمكن استيفاؤه من ثمن الرهن ولا من ذمة الضامن، لقوله:"من أسلم في شيء، فلا يصرفه إلى غيره"1.

فإن أخذ رهناً أو ضميناً بالمسلَم فيه، ثم تقايلا أو فسخ العقد لتعذر المسلَم فيه، بطل الرهن وبرئ الضامن، وعلى المسلَم إليه رد رأس مال السلَم في الحال. ولا يشترط قبضه في المجلس، لأنه ليس بعوض.

ولو أقرضه ألفاً وأخذ به رهناً، ثم صالحه من الألف على طعام في ذمته، صح وزال الرهن، وبقي الطعام في الذمة، ويشترط قبضه في المجلس لئلا يكون بيع ديْن بديْن. فإن تفرقا قبل القبض، رجع الألف إلى ذمته برهنه، وكذا لو صالحه عن الدراهم بدنانير في ذمته، فالحكم على ما بيّنّا.

والذي يصح أخذ الرهن به: كل ديْن ثابت في الذمة يمكن استيفاؤه من الرهن، كالأجرة والمهر وعوض الخلع وأرش الجنايات.

ولا يجوز أخذ الرهن بما ليس بواجب، ولا مآله إلى الوجوب، كالدية على العاقلة قبل الحول، لأنها لم تجب بعد ولا يعلم إفضاؤها إلى الوجوب، لأنها قد تسقط بالجنون والفقر والموت. ولا يجوز أخذ الرهن في الجعل في الجعالة قبل العمل. ولا يجوز أخذ الرهن بمال الكتابة. ولا يجوز أخذ الرهن بعوض غير ثابت في الذمة، كالثمن المعين، والأجرة المعينة في الإجارة، والمعقود عليه في الإجارة، إذا كان منافع معينة كإجارة الدار والدابة المعينة، لأنه تعلق بالعين لا بالذمة، ومنفعة العين لا يمكن استيفاؤها

1 أبو داود: البيوع (3468)، وابن ماجة: التجارات (2283) .

ص: 501

من غيرها. وأما الأعيان المضمونة كالغصوب والعواري والمقبوض على وجه السوم، ففيه وجهان.

ومن هنا إلى آخر الباب: من "الإنصاف":

يجوز إسلام عرض في عرض على الصحيح، وعنه: لا يجوز إلا بعين أو ورق. فإن أسلم حالاً أو إلى أجل قريب كاليوم، لم يصح. وذكر في الانتصار رواية: يصح حالاً، اختاره الشيخ إذا كان في ملكه، وقال: وهو المراد بقوله عليه أفضل الصلاة والسلام: " لا تبع ما ليس عندك"، 1 أي: ما ليس في ملكك، فلو لم يجز السلَم حالاً لقال: لا تبعْ هذا سواء كان عندك أو لا.

ولا يجوز بيع الديْن المستقر لغير من هو في ذمته، وعنه: يصح، قاله الشيخ. وقد شمل كلام المصنف مثله بيع الصكاك، وهو الديون الثابتة على الناس تكتب في صكاك وهو الورق ونحوه. فإن كان نقداً وبيع بنقد لم يجز. وإن بيع بعرض وقبضه في المجلس، ففيه روايتان: عدم الجواز، قال أحمد: هو غرر. والجواز نص عليها في رواية حرب وغيره.

1 الترمذي: البيوع (1232)، والنسائي: البيوع (4611، 4613)، وأبو داود: البيوع (3503، 3504)، وابن ماجة: التجارات (2188) ، وأحمد (2/174، 2/205، 3/402، 3/434) .

ص: 502